زينب والصبر ودفع شبهة
باسم الله وبشفاعة نبيه واله
انه من مراجعة الاشهر القليلة التي سبقت كربلاء والى ما بعد انتهاء مسيرة السبي الحسيني ذهابا الى الكوفة والى الشام ورجوعا الى كربلاء وعودا الى المدينة يلاحظ القارئ الكريم عظم المكان والزمان وعظم المكين من خلال اختيار الحوراء زينب ع لتحمل اعباء خاصة وعامة هيئتها لها امها وابوها بل وجدها رسول الله ص ومن شواهد ذلك حديث ام ايمن الذي سالت زينب ع عنه اباها عليا ع وما اخبرها امير المؤمنين من امر سبيها وخوفها من ان تتخطف في هذا المصر والعبا الخاص متعلق بحال العيال من الاطفال والنساء واما العبء العام فتمثل بالدفاع عن امام زمانها زين العابدين وقد تجلى هذا في كربلاء والكوفة والشام في مواقف ثلاثة سردها التاريخ والمؤرخون وتمثل العبء العام ايضا في مواكبة امام زمانها السجاد ع في اكمال مسرة كربلاء والثورة الحسينية وتجلى هذا في خطبها ومواقفها امام الملاء بدأت بفضح بني امية ولم تنتهي ببيان احقية اهل البيت بالأمر
هي التي ابلغت حين خاطبت يزيد لعنه الله ( لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك فاني استحقر قدرك واستعظم توبيخك واستكثر تقريعك )
في هذه المواقف ما يغني الباحث عن استجداء النصوص الدالة على انها المرأة الصابرة لأنني من النظرة الفاحصة للظروف التي عاشتها زينب ع من مقتل اهل البيت ومصرعهم على تلك الحالة وبمرأى من عينيها تدريجا لا دفعة واحدة الامر الذي زلزلت له السماء فانه يحتاج الى ذلك القلب السليم والارادة الحديدية لتحمله وللتعالي عليه لتتمكن من اداء دورها ورسالتها
فهي بحق الامراة الصابرة المجاهدة
هذا
وقد اشتبه على البعض من العامة ومن المنبريين الامر فخلطوا الحابل بالنابل فظنوا ان مظاهر الجزع على الحسين من منافيات الصبر ولهذا اشكل بعضهم على مثل رواية ان زينب ضربت راسها بعمود المحمل ( بانه كيف تفعل هذا وهي المرأة الصابرة ظنا منهم ان مثل هذا الفعل ينافي الصبر على انه بغض النظر عن صحتها سندا وان كنا نرى انها صحيحة على مسلك الوثوق لا الوثاقة لقيام القرائن على ذلك عندنا ---- مع انه حتى من حرم ادماء النفس على الحسين من الفقهاء كالسيد الخامنئي حفظه الله لم يحرم ذلك لأنه مناف للصبر بل حرمه لأسباب اخرى نوقشت في محلها من العلماء الاعلام حفظ الله الجميع وقدس أسرار الباقين كيف هذا وقد اجاز السيد الخميني قدس سره التطبير بلا اشكال فهل خفي عليه قدس سره ان التطبير وادماء النفس من منافيات الصبر كما يتوهمه البعض
طبعا لم يحرم هذا الفعل عند من حرمه لأنه مناف للصبر بل لأسباب يضيق المحل عن ذكرها
والذي اريده في هذه العجالة هو بيان الامر بطريقة يصبح فيها واضحا ان مثل هذا الفعل ليس منافيا للصبر
فان الصبر هو الرضا بأمر الله جل وعلا وهذا مناط مشروعيته وسر راجحيته وانما يحرم كل ما كان اعتراضا على امر الله ومخالفة لقضائه اما لو كان الانسان راضيا من حيث القضاء والقدر هذه الجهة للفعال الا انه غير راض من ناحية الجهة الاخرى وهي تسبب الظالمين بهذا الفعل
الا ترى انه لو اعتدى انسان على امرأة فان لها الحق بان تحزن من جهة ما فعله المعتدي بها ولها الحق ان ترضى من جهة ان هذا من قضاء الله وقدره بما لا يكون من مذهب الجبر بل على قاعدة اجراء الامور بأسبابها وباختيار العباد لأفعالهم
فكذلك نحن نقول عند مصيبة الحسين ع الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ونقول عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم ومع هذا نبكي ونحزن ولا نقول ما يغضب الرب (من مثل لماذا فعلت يا ربنا هذا او لماذا سمحت بهذا ولم تمنعه او مثل كان الاحسن يا رب ان تفعل كذا لا كذا ) أعادنا الله واياكم من الاعتراض على امره واتهامه في حكمته تعالى عن ذلك علوا كبيرا فعليه يمكن الجمع بين مظاهر الحزن وبين الصبر من غير نكير من اهل العلم
والا لو اعترض معترض بل ان الحزن ينافي الصبر وان الجزع ينافي الصبر لوقعنا في مصيبة عظيمة وهي اتهام الانبياء بعدم الصبر واليك مثالا
هذا نبي الله يعقوب ع بكى على ولده 40 سنة حتى ابيضت عيناه واحدودب ظهره وشاب راسه فهل حزن وجزع اعظم من هذا ومع كل ذلك لم ينه الله نبيه عن الحزن ولم يرد هكذا نهي في حديث صحيح فهل لم يصبر يعقوب بل انه صبر على امر الله ولم يتهم الله في حكمته ومع هذا حزن لفراق ولده من جهة ان فراقه تسبب به البشر بظلم منهم
هذا اولا
وثانيا وهو تنزل منا
لو فرضنا ان مظاهر الحزن منافية للصبر فيأتي السؤال
هل كل صبر مهما كان هو راجح ومطلوب ام ان هناك صبر مرجوح ومنهي عنه
والجواب انه قد ثبت في محله ان هناك من الصبر ما لا يريده الله بل يأمرنا بالتحرك وبرد الفعل المعاكس كحرمة الصبر على الظلم عند عدم اقتضاء المصلحة للصبر ومنها الصبر على مصيبة الحسين واهل البيت ع هذا من الصبر المرجوح الذي لم يرده الله ولا يريده ولهذا ورد ان الجزع مكروه الا عليهم في احاديث كثيرة
اذا هو اولا لا ينافي الصبر ولو كان ينافيه فهو لا ينافي الصبر المشروع والمحمود فان الحزن والجزع عليهم راجح لا مرجوح ولهذا صح في الرواية الصحيحة ان يوم الحسين اقرح جفوننا واورثنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء
وقرحة الجفن كما هو معلوم جرح ينزف فلو كان هكذا امر مناف للصبر لما صدر منهم ع
واما مسالة الادماء فأنها لن تكون اكثر اذى من العمى واحديداب الظهر وشيب الراس وقرحة الجفن التي حصلت ليعقوب كلها ولأهل البيت بعضها غناك عن الاغماء وسقوط بعضهم ع مغشيا عليه وكما ضرب علي راسه بأسطوانة الجامع وضرب السجاد راسه بالحائط كما ي رواية دار السلام وكما ضربت هند راسها بالحجر في مجلس يزيد فشجته كما رواه الخوارزمي فان زينب ع ضربت راسها بعمود المحمل بعد رجوعها من الشام لا في طريق عودتها حتى لا يشتبه الامر على بعضهم بانه من اين جاء المحمل وهي مسبية المهم
انني لا اريد ان احل التطبير او احرمه بل هذه المقالة هي من محاضرة القيتها عن هذا الامر في بلدتي الخيام اردت ان ابين فيها فقط وفقط ان التطبير وضرب الراس بالمحمل لا ينافي الصبر ............ واذا كان بعض فقهائنا حفظهم الله حرموه وهم الأقل الأقل عددا فانهم لم يحرموه لمنافاته الصبر ابدا وبعضهم الاخر توقفوا فيه فان الاغلب من الفقهاء قال بالحلية ومنهم من قال بالرجحان من باب انه مصداق للجزع وممن قال بالحلية السيد الخميني قدس سره الشريف كما مر هذا
فاوردت هذه المقالة دفعا للاشتباه في فهم كلامنا من قبل بعض العوام والمغرضين