هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
متجر Trendol وجهتك المميزة للت... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 46 ]       »     الاجراء الأمثل في حال تعاطي أح... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 257 ]       »     فاتورة منصة عربية عندها أدوات ... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 387 ]       »     دورة : تأثيرات السياحة على وقع... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 396 ]       »     دورة : التقنيات الجديدة لشحذ و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 472 ]       »     دورة : إدارة الموارد البشرية ل... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 410 ]       »     دورة : إدارة الموارد البشرية ل... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 402 ]       »     دورة : نظام إدارة سلامة الغذاء... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 406 ]       »     دورة : إدارة أنظمة الأمن الحدي... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 402 ]       »     دورة : التحليل المالي والفني ا... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 407 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات



يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
قديم 10-21-2011, 11:13 AM   #2
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام


الصورة الرمزية السيد عباس ابو الحسن
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



ثانيًا- العدول في حروف العطف :

لحروف العطف أهمية كبيرة في أداء وظيفة الربط في الجملة العربية ، وتضفي هذه الحروف دلالات خاصة يكشف عنها السياق الواردة فيه ، وقد قرر علماء اللغة أن لكل حرف دلالة عامة تختص به ، فقرروا أن ( الواو ) يرد لمطلق الجمع . يقول سيبويه(10) :« قولك : مررتُ بعمروٍ وزيد . وإنما جئت بالواو ؛ لتضم الآخر إلى الأول وتجمعهما ، وليس فيه دليل على أنَّ أحدهما قبل الآخر » .
يقول الرضي في شرح الكافية(11) :« فقوله فالواو للجمع مطلقًا ) ، معنى المطلق : أنه يحتمل أن يكون حصل من كليهما في زمان واحد ، وأن يكون حصل من زيد أولاً ، وأن يكون حصل من عمرو أولاً ، فهذه ثلاثة احتمالات عقلية ، لا دليل في الواو على شيء منها . هذا مذهب جميع البصريين والكوفيين » .
وذكروا أيضًا أن ( الفاء ) تفيد الترتيب والتعقيب يقول سيبويه(12) ، في معرض التمييز بين الواو والفاء :« و( الفاء ) ، وهي تضم الشيء إلى الشيء ؛ كما فعلت ( الواو ) ، غير أنها تجعل ذلك متَّسقًا بعضه في إثر بعض ؛ وذلك قولك : مررتُ بعمروٍ فزيدٍ فخالدٍ . وسقط المطر بمكان كذا وكذا ، فمكان كذا وكذا ؛ وإنما يقرو(13) أحدهما بعد الآخر » .
وأما ( ثَمَّ ) فقد ذكروا أنها تفيد الترتيب مع التراخي . يقول المرادي(14) :« ثم حرف عطف يشرك في الحكم ، ويفيد الترتيب بمهلة ؛ فإذا قلت : قام زيد ثم عمرو ، آذنت بأن الثاني بعد الأول بمهلة » .
وقد علل السهيلي دلالة التراخي في ( ثم ) من دلالة اشتقاقها فقال(15) :« لا غرو أن يتقارب معنى الحرف من معنى الاسم المشتق المتمكن في الكلام ؛ فهذه ( ثم ) حرف عطف ، ولفظها كلفظ ( الثَّم ). والثَّمُ هو رمُّ الشيء يعضه إلى بعض … وأصله من ثمَمْتُ البيتَ ، إذا كانت فيه فُرَج فَسُدَّ بالثَّمَام(16) .
وقال الشاعر :
وَأَمَّا الرِّيَاحُ فقد غَادَرَتْ ** رَواكدَ واستَمْتَعتْ بالثُمام
والمعنى الذي في ( ثُمَّ ) العاطفة قريب من هذا ؛ لأنه ضمّ الشيء إلى شيء ، بينهما مهلة ؛ كما أن ثَمَّ البيت : ضَمُّ بين شيئين بينهما فرجة » .
فامتازت ( ثم ) عن ( الواو ) بالترتيب والمهلة ، وعن ( الفاء ) بالتراخي في الزمن . يقول سيبويه- مفرقًا بين هذه الأحرف الثلاثة(17) :« فإذا قلت : مررتُ برجل راكب وذاهب ، استحقهما ، لا لأن الركوب قبل الذهاب . ومنه : مررتُّ برجل راكب فذاهب ، استحقهما ؛ إلا أنه بَيَّنَ أن الذهاب بعد الركوب ، وأنه لا مهلة بينهما ، وجعله متصلاً به . ومنه : مررتُ برجل راكب ثم ذاهب ، فبيَّنَ أن الذهاب بعده ، وأن بينهما مهلة ، وجعله غير متصل به ، فصَّيَره على حِدَة » .
والذي يهمنا في هذا الموضع هو المخالفة والمغايرة الحاصلة بين حروف العطف في السياق القرآني ، والدلالات التي تنتج عن هذا العدول ، وسيكون تناولنا للعدول في حروف العطف مقتصرًا على أهمها وأكثرها ورودًا في التعبير القرآني ؛ وهي ( الواو ) ، و( الفاء ) ، و( ثم ) ؛ وذلك لكثرة ورود العدول بين هذه الحروف ، مما يدعو ذلك إلى التأمل في أسراره ، وما يحققه من دلالات تكشف عن جوانب الإعجاز في هذا القرآن .
ويتمثل العدول في هذه الحروف على النحو الآتي :
1- العدول عن ( الواو ) إلى ( الفاء ) ، والعكس :
من ذلك قوله تعالى :﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾[ النازعات: 1- 5] . فقد عدل هذا السياق عن ( الواو ) في قوله :﴿ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً ﴾ إلى ( الفاء ) في قولـه :﴿ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾ . ولو اطرد السياق على نمط واحد ، لكانت :( والسابقات سبقًا ، والمدبرات أمرًا ) .
ويمكننا فهم سر هذا العدول من تعليق الزمخشري على ذلك بقوله(18) :« أقسم سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة تنزع الأرواح من الأجساد ، وبالطوائف التي تنشطها . أي : تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها ، وبالطوائف التي تسبح في مضيها . أي : تسرع فتسبق إلى ما أمروا به ، فتدبر أمرًا من أمور العباد » .
فالذي نفهمه من كلام الزمخشري أن الملائكة في اختصاصها ووظائفها على طوائف ؛ فمنها طوائف تنزع الأرواح من الأجساد ، وطوائف تخرجها ، وأخرى تسبح في مضيها ؛ لتنفيذ ما أمرت به . وهذه الأخيرة وقف عندها القرآن بالوصف ، فوصفها بأنها تسبح فتسبق فتدبِّر ؛ فهي طائفة توصف بثلاث صفات متتابعة ؛ وهي : السبح والسبق والتدبير ؛ لذلك عطف بين صفاتها هذه بـ( الفاء ) ، وعطف بين ذوات هذه الطوائف المختلفة بـ( الواو ) .
فكانت ( الواو )- في هذا السياق- لعطف الذوات ، و( الفاء ) لعطف الصفات ، فدل العدول عن ( الواو ) إلى ( الفاء ) أن هذه الطائفة من الملائكة هي طائفة واحدة ، تتصف بصفات متعدِّدة ، لا طوائف مختلفة ؛ وإنما دلت ( الفاء ) هنا على تعاقب هذه الصفات وتتابعها .
وهو ما يرد أيضًا في قوله تعالى :﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفاً * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً ﴾[المرسلات: 1- 5] ؛ إذ جاء العدول عن ( الفاء ) في قوله تعالى :﴿ فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً ﴾ إلى ( الواو ) في قولـه تعالى :﴿ فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً ﴾ ؛ ليفرق بين طائفتين من الملائكة، فما قبل ( الواو ) يمثل طائفة مستقلة في الملائكة مهمتها الإرسال والعصف ، وطائفة أخرى جاء ذكرها بعد ( الواو ) مهمتها النشر والفرق وإلقاء الذكر . وهو ما أوضحه الزمخشري(19)بقوله :« أقسم سبحانه بطوائف من الملائكة أرسلهن بأوامره ، فعصفن في مضيهن ؛ كما تعصف الرياح تخففًا في امتثال أمره ، وبطوائف منهم نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي ، أو نشرن الشرائع في الأرض ، أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل بما أوحين ، ففرقن بين الحق والباطل فألقين ذكرًا إلى الأنبياء » .
ويزيد الألوسي الأمر إفصاحًا ، فيقول(20) :« وعَطفُ الناشرات على ما قبل ( الواو ) ظاهرٌ للتغاير بالذات بينهما ، وعطف العاصفات على المرسلات ، والفارقات على الناشرات ، وكذا ما بعد ( الفاء ) ؛ لتنزيل تغاير الصفات منزلة تغاير الذات » ، فدل هذا على أن الصفات المعطوفة بـ( الفاء ) تكون لموصوف واحد(21) .
2- العدول عن ( الواو ) إلى ( ثم ) ، والعكس :

من ذلك قوله تعالى:﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ [الشعراء: 63- 66] . فقد جاء السياق على هذا النحو :﴿ وَأَزْلَفْنَا … وَأَنجَيْنَا ثُمَّ أَغْرَقْنَا ، فعدل عن ( الواو ) إلى ( ثم ) .
فما دلالة ( ثم ) هنا ؟ وهل هناك تراخٍ زمني بين إنجاء المولى عز وجل موسى ومن معه ، وبين إغراق فرعون وقومه ؟ ولماذا لم يقل :﴿ وَأَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ؛ كما هو الحال في قولـه تعالى :﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ﴾[البقرة: 50] ، فأتى بـ( الواو ) في قوله :﴿ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ؟
ويرى الباحث أن سياق المقام هو الذي يقتضي حرف عطف معين لدلالة معينة ؛ فالسياق في سورة الشعراء سياق تدرج في النعم ، فالنعمة الحاصلة من إغراق فرعون وجنده أعظم من سابقتها ، وهي إنجاء الفئة المؤمنة ، فأفادت ( ثم ) التراخي الرتبي ، لا الزمني ؛ وذلك أن سياق سورة الشعراء يذكر تكبر فرعون وإعراضه وظلمه . قال تعالى :﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾[الشعراء: 53- 58] .
فالسياق مركز على فرعون وجنده ، فكانت الإشارة بـ( ثم ) في الإغراق للدلالة على عظم هذه النعمة ، وإبراز عظم القدرة في أخذ فرعون وجنده . بينما كان السياق في سورة البقرة ، سياق تعديد نعم فحسب ، فقال تعالى :﴿ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ﴾[البقرة: 50] . وكذلك أنه ليس لفرعون وجنده ظهور على مسرح الأحداث هناك ؛ كما هو الحال في سورة الشعراء ، فأدى الاختلاف في المقال إلى اختلاف نظم الكلام تبعًا له .
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى مخاطبًا المؤمنين :﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ [التوبة: 25] . فقد عدل السياق عن( الواو ) إلى( ثم ) ، فقال :﴿ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ، ولم يقل :( وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَوَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) ؛ ليصور الحالة النفسية التي انتابت المسلمين في حنين عند هزيمتهم ؛ إذ صورت ( ثم ) شدة وطأة الزمن ، واستطالته في ذلك الموقف العصيب الذي أصابتهم فيه الدهشة والحيرة والاضطراب ، ﴿ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ . ولو أتى ( بالواو ) ، لما أفاد تلك الدلالة(22) .
ومنه أيضًا في قوله تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام :﴿ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ﴾[يونس: 71] . ونلحظ في هذا السياق القرآني نبرة التحدي ظاهرة بارزة على لسان نبي الله نوح عليه السلام ، في مخاطبة قومه الذين أعرضوا عن دعوة الله عز وجل ، فدعاهم إلى أن يتَّحدوا هم وشركاؤهم ضدَّه للفتك به ، وأمهلهم بأن يتدبَّروا أمرهم علانية على الملأ لا غمة فيه ، ثم أمهلهم أخرى في إعداد عُددهم وعدَّتهم للفتك به والقضاء عليه . فإذا تسنى لهم ذلك فليقضوا عليه دون أي إنظار منهم له أو إمهال ، فدل العدول إلى ( الواو ) على نفي وجود أدنى زمن للمهلة والإنظار . وفي ذلك إمعان في التحدي لهم ، وعدم المبالاة بهم ، وعظم ثقته بالله عز وجل . ولو اطرد السياق بـ( ثم ) لما كان فيه من الدلالة على ذلك ما ذكر .
3- العدول عن ( الفاء ) إلى ( ثم ) ، والعكس :
من ذلك قوله تعالى:﴿ قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ [هود: 53- 55] . فعطف طلب الكيد بـ( الفاء ) وعدم الإنظار بـ( ثم ) .
وجاء على العكس من ذلك في تحدي الرسول صلى الله عليه [وآله]وسلم للمشركين ؛ وذلك في قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ [الأعراف: 191-195] . فعطف طلب الكيد بـ( ثم ) ، وعدم الإنظار بـ( الفاء ) .
والذي يبدو- والله أعلم- أن سياق سورة الأعراف فيه تسفيه لهذه الأصنام التي اتخذوها أندادًا من دون الله عز وجل ، ثم ارتفعت نبرة التحدي في الخطاب ، فوجه الله عز وجل الأمر لنبيه صلى الله عليه [وآله]وسلم أن يتحدَّى المشركين بأن يدعو هؤلاء الشركاء ، ويتضامنوا معهم في الكيد له ، و« أمهلهم من الزمن ما يتيح لهم فرصة الاستعداد والاحتشاد لـه ، فعطف الأمر بالكيد على الأمر بدعوة شركائهم بحرف المهلة ؛ إمعانًا في الاستهانة بالشركاء ، وعدم مبالاة بكيدهم ، وجاء عطف عدم الإنظار بـ( الفاء ) ؛ إغراقًا في التحدي والاستهانة حين لا يطلب لنفسه نفس المهلة للرد على كيدهم »(23) ، فطلب معاجلتهم بالقضاء عليه ، والإيقاع به ، وفي ذلك من الاحتقار لهم والتهكم بهم ما فيه .
أما في سورة هود فقد ادعى قوم هود أن آلهتهم المزعومة قد مست هود بسوء ، وأنها تضر وتنفع ، فعندئذ باشرهم بالتحدي السريع دون مهلة ؛ لأنهم « ما داموا يثبتون لآلهتهم هذه القدرة على إنزال الضُّرِّ به . فليس بحاجة إلى أن يطلب منهم دعوتها ، وإمهالهم لحشد قواهم ، فهم قد بدأو حربه بالفعل ، فطلب منهم التعجيل بالكيد له والقضاء عليه ، فأدخل ( الفاء ) على الأمر بالكيد ؛ لتدل على طلب المبادرة به »(24) .
ثم عدل بعد ذلك إلى ( ثم ) ؛ ليعطي لهم ولآلهتهم المزعومة مهلة طويلة من الزمن ، حتى يبلغوا في الكيد غايته . وقد أثبتت الياء في ( فيكيدوني ) ؛ لتطيل زمن النطق بالكلمة مع طول النطق بـ( ثم ) ، فيتسق طول النطق في التعبير مع طول الزمن في الإمهال »(25) .
ثم « إنهم ذكروا أن آلهتهم اعترته بسوء ، فكانت نبرة التحدي لديه أشد وآكد ، فتحدى الجميع بقولـه :﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ، ثم أظهر نفسه في التحدي ؛ وذلك بإثبات الياء ، زيادة في التحدي لهم والظهور »(26) .
ومنه قولـه تعالى :﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾[المدثر: 18- 25] .
نجد هذا السياق القرآني العجيب قد مضى في اطراد في تكرار ( ثم ) ، فقال :﴿ ثُمَّ قُتِلَ .. ثُمَّ نَظَرَ .. ثُمَّ عَبَسَ .. ثُمَّ أَدْبَرَ .. فَقَالَ .. . ثم عدل عن ( ثم ) إلى ( الفاء ) فجأة في قوله بعد ذلك :﴿ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾ . ولم يطرد السياق ، فيكون :( ثم قال : إن هذا إلا سحر يؤثر ) .
وعندما نمعن النظر في هذا السياق نجد أن حرف التراخي ( ثم ) قد صور لنا أبلغ تصوير حالة الصراع النفسي الذي عاشه الوليد بن المغيرة الذي نزلت في شأنه هذه الآيات ، وكيف أنه أجال التفكير في شأن القرآن وأعوزته الحيلة بعد مهلة من الزمن وتريث ، فلم يجد ما يعيب به القرآن ، ثم بعد ذلك كله سارع إلى إلقاء كلمة مفتراة في وصف هذا القرآن العظيم بقوله :﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ . فدلت ( الفاء ) في قوله :﴿ فَقَالَ إِنْ هَذَا .. ﴾ على أن هذا القول قد صدر منه دون إعمال نظر ، أو فكر في المقول ، فلم يقل ما قاله عن قناعة ويقين ؛ وكأنها كلمة ألقاها على عجل ، ووّلى هاربًا مدبرًا من شدَّة الهزيمة النفسية التي حلت به(27) . ولو اطرد هذا السياق القرآني فكان :( ثم قال : إن هذا إلا سحر يؤثر ) ، لدل على أن هذا القول قد قاله بعد إعمال فكر وتريث ، ونظر واعتقاد ويقين ، وليس الأمر كذلك .
ومنه أيضًا قوله تعالى :﴿ فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ﴾[طه: 20] . فقد جاء التعبير- في هذا السياق- عن تولي فرعون ، وجمعه الجموع والحشود والأعوان وكل ما يستطيعه من كيد ، بحرف العطف( الفاء ) ، فقال :﴿ فَتَوَلَّى .. فَجَمَعَ .. ﴾ ، ثم عدل في التعبير عن إتيان فرعون ومواجهته موسى عليه السلام إلى حرف التراخي ( ثم ) ، حيث قال :﴿ ثُمَّ أَتَى ﴾ .
وكان مقتضى السياق أن يكون :( فتولى فرعون ، فجمع كيده ، فأتى ) ، لا سيما أن جمع الناس وحشدهم والإعداد للمواجهة يحتاج إلى مهلة من الزمن ، في حين أن الإتيان بعد ذلك هو أيسر وأسهل ، وكان التعبير في هذا السياق يقتضي العكس ، بأن يقول :( ثم جمع كيده فأتى ) ، فمثل التعبير في هذا السياق خروجًا عن مقتضى الظاهر ؛ وذلك لدلالة نفسية عميقة يوحي بها هذا السياق ، مفادها أن الجمع كان أهون على فرعون من مواجهة موسى عليه السلام ، فدلت ( الفاء ) في قوله :﴿ فَجَمَعَ ﴾ إلى سرعة تحقق الجمع له وحشد الناس ؛ لكونه ملكًا جبارًا يخشى سطوته الجميع ، فأمره بالجمع نافذ وسريع ، وهو مع هذا كله يعيش هزيمة نفسية كبيرة في داخله من مواجهة موسى عليه السلام ، فهو يقدم رجلاً ، ويؤخر أخرى ؛ لذا عبَّر القرآن عن هذه الهزيمة النفسية بحرف التراخي ( ثم ) بقوله :﴿ ثُمَّ أَتَى ﴾ .
وإلى هذه النكتة في العدول أشار أبو السعود بقوله(28):« وفي كلمة التراخي إيحاء إلى أنه لم يسارع إليه ؛ بل أتاه بعد لأي وتلعثم » . وهو ما سرى في نفوس قوم فرعون وأعوانه أيضًا في قولهم :﴿ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً ﴾[طه: 64] ، « وكأني بهم ، وهم يطيلون زمن النطق بـ( ثم ) قبل الدعوة إلى لقائه ، يستهلكون الوقت ، ويتهربون من المواجهة ، ويتمنون ألا تكون »(29) .


 
 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء








رد مع اقتباس
 


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 04:26 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية