هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
النحال نايف سعيد الغامدي | منا... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 7 ]       »     دورة : التقنيات الحديثة لعمليا... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 482 ]       »     دورة : المهارات القيادية والإش... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 382 ]       »     دورة : تسويق الخدمات المالية [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 344 ]       »     دورة : إدارة المستشفيات والمرا... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 369 ]       »     Trendole متجرك الإلكتروني [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 468 ]       »     حدود الاستفزاز المتعمد واستدرا... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 742 ]       »     دورة : مقدمة في هندسة الجودة [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 561 ]       »     دورة : إدارة الخدمات اللوجستية [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 615 ]       »     دورة : التسويقات الجردية والأخ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 611 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات


العودة   :: منتديات ثار الله الإسلامي :: > الاقسام الشيعية التخصصية > مقالات مكتوبة > مقالات قرآنية

يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 10-19-2011, 06:49 AM
السيد عباس ابو الحسن
المشرف العام
السيد عباس ابو الحسن غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5548 يوم
 أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
 المشاركات : 735 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي



والفرق بين القولين : أن التدرج في الصفات ، أو الترقي فيها على قول السامرائي من ( الكثرة إلى القلة ) ، وعلى قول ابن جزي من ( الأدنى إلى الأعلى ) ، والقولان ليسا بشيء ؛ فليس في الآية ما يدل على كثرة وقلة ، أو أدنى وأعلى . ومتى كانت صفات الله عز وجل تقاس على صفات مخلوقاته ، حتى يقال فيها هذه الأقوال التي تمس بقدسيتها وجلالها ، وتجعل منها صفات لذوات مختلفة ؟ لاحظ قول العلامة المبدع :« فانتقل من الكثرة للقلة ، من حيث دلالة الكلمة بالعدد : الرب كثير ، الملك أقل ، وأما الإله فهو واحد » ، سبحان الله وتعالى عن ذلك ، وعلا علوًّا كبيرًا .
وكان المتوقع من العلامة السامرائي ، وهو يتحدث عن اللمسات البيانية في سورة الناس ، أن يستفيد مما ذكره ابن قيم الجوزية وغيره في التعليل لمجيء هذه الصفات الثلاثة على هذا الترتيب البديع ، كما استفاد في معظم ما أتى به في هذه اللمسات من كلام ابن قيم الجوزية ، فأكثر كلام السامرائي في هذه اللمسات مأخوذ من كلام ابن قيم الجوزية على ( المعوذتين ) ، ومع ذلك لم يستطع أن يأتي بشيء يسير فيها مما أتى به ابن القيم .
يقول ابن قيم الجوزية في التفسير القيم ، وفي بدائع الفوائد :« وقدَّم ( الربوبية ) لعمومها وشمولها لكل مربوب ، وأخَّر ( الإلهية ) لخصوصها ؛ لأنه سبحانه إنما هو إله من عبده ووحده واتخذه دون غيره إلها ، فمن لم يعبده ويوحده فليس بإلهه ، وإن كان في الحقيقة لا إله له سواه ، ولكن ترك إلهه الحق واتخذ إلها غيره ، ووسط صفة ( الملك ) بين ( الربوبية والإلهية ) ؛ لأن الملك هو المتصرف بقوله وأمره ، فهو المطاع إذا أمر ، وملكه لهم تابع لخلقه إياهم ؛ فملكه من كمال ربوبيته ، وكونه إلاههم الحق من كمال ملكه ، فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه ، وملكه يستلزم إلهيته ويقتضيها ، فهو الرب الحق ، الملك الحق ، الإله الحق خلقهم بربوبيته ، وقهرهم بملكه ، واستعبدهم بإلاهيته . فتأمل هذه الجلالة وهذه العظمة التي تضمنته هذه الألفاظ الثلاثة ، على أبدع نظام وأحسن سياق : رب الناس ، ملك الناس ، إله الناس » !
وهذا القول ذكره البقاعي في نظم الدُّرر ، وزاد عليه قوله :« وقد وقع ترتيبها على الوجه الأكمل الدال على الوحدانية ؛ لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة ، علم أن له مربيًا . فإذا تغلغل في العروج في درج معارفه سبحانه وتعالى ، علم أنه غني عن الكل ، والكل إليه محتاج ، وعن أمره تجري أمورهم ، فيعلم أنه ملكهم . ثم يعلم بانفراد بتدبيرهم بعد إبداعهم أنه المستحق للإلهية بلا مشارك له فيها » .
وهنا يكمن السر في مجيء هذه الصفات الثلاثة على هذا الترتيب البديع ، وهذا ما أشار إليه الرازي في التفسير الكبير بقوله :« بدأ بذكر ( الرب ) ، وهو اسم لمن قام بتدبيره وإصلاحه ، وهو من أوائل نعمه ، إلى أن رباه وأعطاه العقل ، فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك ، وهو ملكه ، فثنَّى بذكر ( الملك ) ، ثم لما علم أن العبادة لازمة له واجبة عليه ، وعرف أن معبوده مستحق لتلك العبادة عرف أنه ( إله ) ؛ فلهذا ختم به » .
وهذا القول الذي قاله الرازي حكاه ابن عادل في تفسير اللباب عن ابن الخطيب ، وهو قول مختصر ، زيد بيانًا وتفصيلاً في ( أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ) ، فقد جاء فيه :« في هذه السورة الكريمة اجتمعت ثلاث صفات لله تعالى من صفات العظمة والكمال :(رَبِّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ ، إِلَهِ النَّاسِ )؛ ولكأنها لأوَّل وهلة تشير إلى ( الرَّبِّ ، الْمَلِكِ ) هو ( الإلهُ الحقُّ ) الذي يستحق أن يعبَد وحده ، ولعله ما يرشد إليه مضمون سورة الإخلاص قبلها :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ ، وهذا هو منطق العقل والقول الحق ؛ لأن مقتضى الملك يستلزم العبودية ، والعبودية تستلزم التأليهَ والتوحيد في الألوهيَّة ؛ لأن العبد المملوك تجب عليه الطاعة والسمع لمالكه بمجرد الملك ، وإن كان مالكه عبدًا ، فكيف بالعبد المملوك لربه وإلهه ؟ وكيف بالمالك الإله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ؟
وقد جاءت تلك الصفات الثلاث :( الرب ، الملك ، الإله ) في أوَّل افتتاحيَّة أوَّل المصحف :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾(الفاتحة: 2-4) ، والقراءة الأخرى :﴿ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ ، وفي أول سورة ( البقرة ) نداء موجَّه للناس بعبادة الله تعالى وحده ؛ لأنه ربهم ، مع بيان الموجبات لذلك ، في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾(البقرة: 21) ، ثم بيَّن الموجب لذلك بقوله تعالى :﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾(البقرة: 21) ، وقوله تعالى :﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾(البقرة: 22). وهذا كله من آثار ( الربوبيَّة ) ، واستحقاقه تعالى على خلقه العبادة . ثم بيَّن موجب إفراده وحده بذلك بقوله :﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾(البقرة: 22) . أي : كما أنه لا نِدَّ له في الخلْق ولا في الرزق ولا في شيء ممَّا ذكر ، فلا تجعلوا لله أندادًا أيضًا في عبادةٍ ، وأنتم تعلمون حقيقة ذلك . وكون ( الربوبيَّة ) تستوجب العبادة جاء صريحًا في قوله تعالى :﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾(قريش: 3-4) ، فالموصول وصلته في معنى التعليل لموجب العبادة .
وفي مجيء قوله تعالى :﴿ مَلِكِ النَّاسِ بعد قوله :﴿ ِرَبِّ النَّاسِ تدرُّجٌ في التنْبيه على تلك المعاني العظام ، وانتقالٌ بالعباد من مبدأ الإيمان بالرب ، لما شاهدوه من آثار الرُّبُوبِيَّةِ في المخلوق والرزق ، وجميع تلك الكائنات ؛ كما تقدَّم في أوَّل نداء وجِّه إليهم :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾(البقرة: 21- 22) .
كل هذه الآثار التي لمسوها وأقرُّوا بموجبها ، بأن الذي أوجدها هو ربهم ، ومن ثَمَّ ينتقل بهم إلى الدرجة الثانية ، وهي أن ربهم الذي هذه أفعاله هو ملكهم ، وهو المتصرِّف في تلك العوالم ، وملك لأمرهم وجميع شئونهم ، وملك لأمر الدنيا والآخرة جميعًا . فإذا وصلوا بإقرارهم ِإلى هذا الإدراك ، أقرَّوا له ضرورةً بالألوهية ، وهي المرتبة النهاية ﴿ إِلَهِ النَّاسِ ﴾ . أَيْ : مألوههم ومعبودهم ، وهو ما خلقهم إليه ؛ كما قال تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾(الذاريات: 56)» .
قال البقاعي في نظم الدُّرر :« وهذه دائمًا طريقة القرآن ، يحتج عليهم بإقرارهم بتوحيدهم له في الربوبية والملك على ما أنكروه من توحيد الإلهية والعبادة ؛ فمن كان ربهم وملكهم ، فهم جديرون بأن لا يتألهوا سواه ، ولا يستعيذوا بغيره ؛ كما أن أحدهم إذا دهمه أمر استعاذ بوليه من أبناء جنسه واستغاث به ، والإله من ظهر بلطيف صنائعه التي أفادها مفهوم الرب والملك في قلوب العباد ، فأحبوه واستأنسوا به ، ولجؤوا إليه في جميع أمورهم » .
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى :﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾(فاطر: 13) . قال الرازي :« أي : ذلك الذي فعل هذه الأشياء من فطر السموات والأرض وإرسال الأرواح وإرسال الرياح وخلق الإنسان من تراب وغير ذلك ، له الملك كله ، فلا معبود إلا هو لذاته الكامل ، ولكونه ملكًا . والملك مخدوم بقدر ملكه ، فإذا كان له الملك كله فله العبادة كلها ، ثم بين ما ينافي صفة الإلهية ، وهو قوله :﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾. وههنا لطيفة :
وهي أن الله تعالى ذكر لنفسه نوعين من الأوصاف : أحدهما : أن الخلق بالقدرة الإرادة . والثاني : الملك ، واستدل بهما على أنه إله معبود ؛ كما قال تعالى :﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الناس * مَلِكِ الناس * إله الناس ﴾ ، ذكر الرب والملك ، ورتب عليهما كونه إلهًا . أي : معبودًا ، وذكر فيمن أشركوا به سلب صفة واحدة ، وهو عدم الملك بقوله :﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾، ولم يذكر سلب الوصف الآخر ، لوجهين :
أحدهما : أن كلهم كانوا معترفين بأن لا خالق لهم إلا الله ؛ وإنما كانوا يقولون بأن الله تعالى فوض أمر الأرض والأرضيات إلى الكواكب التي الأصنام على صورتها وطوالعها ، فقال : لا ملك لهم ، ولا ملَّكهم الله شيئًا ، ولا مَلَكوا شيئًا .
وثانيهما : أنه يلزم من عدم الملك عدم الخلق ؛ لأنه لو خلق شيئًا لملكه ، فإذا لم يملك قطميرًا ، ما خلق قليلاً ولا كثيرًا ».
ونظير ذلك قوله تعالى في مطلع سورة النساء :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾(النساء: 1) ، وهو نداء للناس كافة ، يأمرهم بتقوى ( الربوبية ) ، مع بيان الموجب لذلك ، وهو خلقهم من نفس واحدة وخلق زوجها منها .. ثم أتبع بالأمر بتقوى ( الألوهيَّة ) ، وقدم الأمر بتقوى الربوبية ؛ لأن لفظ ( الربَّ ) يدل على الإحسان والتربية ؛ إذ الربّ هو المالك الذي يَرِبُّ مملوكه ويحسن إليه ، ولا يكون إلا مطاعًا . قال موسى عليه السلام :﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾(طه: 84) .أما لفظ ( الله ) فيدل على القهر والهيبة ، وهو اسم علم لله المنعم على عباده بنعمه التي لا تعد ولا تحصى ، وهو المتفضل بها عليهم . ولما كان المقام هنا مقام تشريع يناسبه إيثار المهابة والجلالة والرهبة ، استعمل فيه اسم ( الله ) ، بخلاف مقام الربوبية الذي هو مقام ترغيب ، فبنى التقوى أولاً على الترغيب ، وثانيًا على الترهيب . ولا شك أن الأول يوجب التقوى مطلقًا حذرًا عن العقاب العظيم ، وأن الثاني يدعو إليها وفاءً بالشكر الواجب .
وقد جعل الله سبحانه هذا المطلع ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾ مطلعًا لسورتين : إحداهما : سورة النساء ، وهي الرابعة من النصف الأول من المصحف . والثانية : سورة الحج ، وهي الرابعة من نصفه الثاني . وعُلِّل في النساء الأمرُ بتقوى الرب جل وعلا بما يدل على معرفة المبدأ ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾(النساء: 1) ، وعُلِّل في سورة الحج بزلزلة الساعة بما يدل على معرفة المعاد ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (الحج: 1) ، فكان ارتباط قوله تعالى :﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾ بقوله تعالى :﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ من سورة النساء ، وبقوله تعالى :﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ من سورة الحج ، في غاية الحسن والانتظام ؛ إذ جعل صدر هاتين السورتين دلالة على معرفة المبدأ ومعرفة المعاد ، ثم قدم السورة الدالة على معرفة المبدأ على السورة الدالة على معرفة المعاد . فسبحان من له في هذا القرآن أسرار خفية وحكم مطوية ، لا يعرفها إلا الخواصُّ من عباده .
ومن تأمَّل براهين القرآن على وحدانيَّة الله تعالى وتفرده بالإلهية ، وعلى قدرته على البعث ، وهما أهمُّ القضايا العقائديَّة ، يجد أهمَّها وأوضحها وأكثرها هو دليل الربوبيَّة المتضمن معنى : الملك والتدبير ، والخلق والتصوير ؛ كما يشير إلى ذلك قوله تعالى :﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾(غافر: 64) .
وبهذه النصوص وغيرها كثير يتبيَّن لك سر البيان في مجيء هذه الصفات ( رَبّ الناس * مَلِكِ الناس * إله الناس ) على هذا الترتيب البديع ، وهذا ما لم يصل إليه علم السامرائي بعد ، ولم يدخل في دائرة إبداعه ، ولن يدخل أبدًا ؛ ولهذا تجده كمن يخبط في الوحل خبط عشواء ، وتراه يشرق ويغرب ضاربًا أخماسًا لأسداس ؛ ليوهم المشاهدين بأنه قد أتاهم بجديد ، فيتوهمون ويصفقون ، وهكذا يخدع نفسه ويخدعهم بتلك التأويلات الغريبة العجيبة ، وينخدع هو بما يثنون به عليه ، فيحسب أنه بذلك قد أحسن صنعًا .
رابعًا-بقي أن تعلم أن الله تعالى قال في فاتحة الكتاب :﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾(الفاتحة: 2- 4) ،وقال تعالى في آل عمران:﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ﴾(آل عمران: 26) ، وقال تعالى في خاتمة الكتاب :﴿ مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ﴾ ، فذكر سبحانه في فاتحة الكتاب أنه ( مالك يوم الدين ) ، وذكر في آل عمران أنه ( مالك الملك ) ، وذكر في خاتمة الكتاب أنه ( ملك الناس ) . قال البقاعي :« وقد أجمع القراء هنا على إسقاط الألف من ( ملك ) ، بخلاف الفاتحة ؛ لأن ( الملك ) إذا أضيف إلى ( اليوم ) أفهم اختصاصه بجميع ما فيه من جوهر وعرض ، وأنه لا أمر لأحد معه ولا مشاركة في شيء من ذلك ، وهو معنى المُلْك ، بالضم . وأما إضافة ( المالك ) إلى الناس فإنها تستلزم أن يكون ملكهم ، فلو قرىء به هنا لنقص المعنى . وأطبقوا في آل عمران على إثبات الألف في المضاف وحذفها من المضاف إليه ؛ لأن المقصود بالسياق أنه سبحانه وتعالى يعطي الملك من يشاء ويمنعه من يشاء . والمِلْك ، بكسر الميم ، أليق بهذا المعنى ، وأسرار كلام الله سبحانه وتعالى أعظم من أن تحيط بها العقول ؛ وإنما غاية أولي العلم الاستدلال بما ظهر منها على ما وراءه ، وأن باديه إلى الخافي يسير » .
وقال الرازي في سورة الناس :« لا يجوز ههنا :( مالك الناس ) ، ويجوز :( مالك يوم الدين ) في سورة الفاتحة ، والفرق أن قوله :( رب الناس ) أفاد كونه مالكًا لهم ، فلا بد وأن يكون المذكور عقيبه هذا الملك ؛ ليفيد أنه مالك ، ومع كونه مالكًا فهو ملك . فإن قيل : أليس قال في سورة الفاتحة :( رب العالمين ) ، ثم قال :( مالك يوم الدين ) ، فليزم وقوع التكرار هناك ؟ قلنا : اللفظ دل على أنه رب العالمين ، وهي الأشياء الموجودة في الحال ، وعلى أنه مالك ليوم الدين . أي : قادر عليه ، فهناك ( الرب ) مضاف إلى شيء ، و( المالك ) إلى شيء آخر ، فلم يلزم التكرير . وأما ههنا لو ذكر ( المالك ) لكان ( الرب والمالك ) مضافين إلى شيء واحد ، فيلزم منه التكرير ، فظهر الفرق . وأيضًا ، فجواز القراءات يتبع النزول ، لا القياس ، وقد قرىء :( مالك ) ؛ لكن في الشواذ » .
وقال ابن عاشور في سورة الفاتحة :« وقوله :( مَلِك ) قرأه الجمهور بدون ألف بعد الميم ، وقرأه عاصم والكسائي ويعقوب وخلف ( مَالِك ) بالألف ؛ فالأول صفة مشبهة صارت اسمًا لصاحب المُلْك ، بضم الميم ، والثاني اسم فاعل من مَلِك إذا اتصف بالمِلْك ، بكسر الميم ، وكلاهما مشتق من ( مَلَك ) . فأصل مادة ( مَلَك ) في اللغة ترجع تصاريفها إلى معنى الشدِّ والضبط ، كما قاله ابن عطية ، ثم يتصرف ذلك بالحقيقة والمجاز ، والتحقيق والاعتبار . وقراءة ( مَلِك ) بدون ألف تدل على تمثيل الهيئة في نفوس السامعين ؛ لأن ( المَلِك ) ، بفتح الميم وكسر اللام ، هو ذو المُلْك ، بضم الميم ، والمُلْك أخص من المِلْك ؛ إذ المُلْك ، بضم الميم ، هو التصرف في الموجودات والاستيلاء ، ويختص بتدبير أمور العقلاء وسياسة جمهورهم وأفرادهم ومواطنهم ؛ فلذالك يقال : مَلِكُ الناس ، ولا يقال : مَلِكُ الدواب ، أو الدراهم . وأما المِلْكُ ، بكسر الميم ، فهو الاختصاص بالأشياء ومنافعها دون غيره » .
وأضاف ابن عاشور قائلاً :« وقد تصدى المفسرون والمحتجون للقراءات لبيان ما في كل من قراءة ( مَلِك ) ، بدون ألف ، وقراءة ( مَالِك ) ، بالألف ، من خصوصيات ، بحسب قَصْر النظر على مفهوم كلمة ( ملك ) ، ومفهوم كلمة ( مالك ) ، وغفلوا عن إضافة الكلمة إلى ( يوم الدين ) . فأما والكلمة مضافة إلى يوم الدين فقد استويا في إفادة أنه المتصرف في شؤون ذلك اليوم دون شبهة مشارك . ولا محيصَ عن اعتبار التوسع في إضافة ( ملك ) ، أو ( مالك ) إلى ( يوم ) بتأويل شؤون يوم الدين ، على أن ( مالك ) لغة في ( ملك ) ، ففي القاموس : وكأمير وكتف وصاحب ذُو الملك » . يريد : أن معنى ( مَليك ، ومَلِك ، ومَالك ) : ذو المُلك . أي : صاحب المُلْك . والمُلْك : العظمة والسلطان ؛ كقوله تعالى :﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾(غافر: 16) . وفي تاج العروس :« والمَلْكُ ، بالفَتْحِ ، وكـ( كَتِف وأَمِيرِ وصاحِبِ ) : ذُو المُلْكِ ، وبهِنَّ قُرِئَ قوله تعالى :﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ و﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ و﴿مَلِيكِ يَومِ الدِّينِ و﴿مَلْكِ يَومِ الدِّينِ » .. والله تعالى أعلم بمراده ، وأسرار بيانه ، والحمد لله رب العالمين !
بقلم : محمد إسماعيل عتوك



 توقيع : السيد عباس ابو الحسن

يــــا لـثارات الـــزهــــــراء







رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 11:22 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية