![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]()
وفي بكاء رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم قال ابن قيِّم الجوزيَّة :« وأما بكاؤه صلى الله عليه[وآله] وسلم فكان من جنس ضحكه ، لم يكن بشهيق ورفع صوت ، كما لم يكن ضحكه بقهقهة ؛ ولكن كانت تدمع عيناه حتى تُهْمَلا ، ويُسْمَع لصدره أزيز . وكان بكاؤه تارة رحمة للميت ، وتارة خوفًا على أمته وشفقة عليها ، وتارة من خشية الله ، وتارة عند سماع القرآن ، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحِب للخوف والخشية . ولما مات ابنه إبراهيم دَمُعَت عيناه ، وبكى رحمة له ، وقال : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون . وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض ، وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة ( النساء ) ، وانتهى فيها إلى قوله تعالى :﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾(النساء: 41) . وبكى لما مات عثمان بن مظعون ، وبكى لما كَسَفَت الشمس وصلى صلاة الكسوف ، وجعل يبكي في صلاته ، وجعل ينفخ ويقول : ربِّ ! ألم تعدني ألا تعذبهم ، وأنا فيهم ، وهم يستغفرون ، ونحن نستغفرك . وكان يبكي أحيانًا في صلاة الليل » .
وروى الشيخان عن ابن مسعود- رضي الله عنه – أنه قال :« قال لي النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم : اقْرأْ عليَّ القرآنَ . قلت : يا رسولَ الله ! أقرأ عليك ، وعليك أُنْزِلَ ؟ قال : إِني أحبُّ أن أسمعه من غيري . فقرأت عليه سورة النساء ، حتى جئت إلى هذه الآية :﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾(النساء: 41) ، قال حَسْبُكَ الآن ، فالتفتُّ إليه ، فإذا عيناه تَذْرِفانِ » . قال ابن بطال :« وإنما بكى صلى الله عليه[وآله] وسلم عند هذا ؛ لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة ، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه ، والإيمان به ، وسؤاله الشفاعة لهم ؛ ليريحهم من طول الموقف وأهواله ، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن » . وروى أحمد في مسنده عن عبد الله بن الشِّخِّير ، قال :« أتيت رسولَ الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ، وهو يصلي ، ولجوْفه أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرْجَل من البكاءِ » . وعن عبيد بن عمير أنه قال لعائشة :« أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم ؟ قال : فسكتت ، ثم قالت : لما كانت ليلة من الليالي قال : يا عائشة ! ذريني ، أتعبد الليلة لربي . قلت : والله ، إني أحب قربك ، وأحب ما يسرك . قالت : فقام فتطهر ، ثم قام يصلي . قالت : فلم يزل يبكي ، حتى بلَّ حِجره . قالت : وكان جالسًا ، فلم يزل يبكي صلى الله عليه [وآله]وسلم حتى بلَّ لحيته . قالت : ثم بكى حتى بلَّ الأرض ، فجاء بلالٌ يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله ! تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبدًا شكورا ؟ لقد أنزلت علي الليلة آية ، وَيْلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها ! ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ .. ﴾ الآية » . رواه ابن حبان وغيره ، وصححه الشيخ الألباني . رابعًا- وقد يعبر عن البكاء بالحزن ؛ لأنه أصله ومنشؤه ؛ ومن ذلك ما حكاه الله عز وجل من قول يعقوب عليه السلام :﴿ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾(يوسف: 84) ، فعلَّل ابيضاض العينين بالحُزْن ؛ وإنما هو من البكاء المتوالي ، وهو ثمرة الحزن ، فعلَّلَ بالأصل الذي نشأ منه البكاءُ وهو الحُزْنُ ؛ ونحو ذلك قوله تعالى :﴿ تََوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً ﴾(التوبة: 92) . فما حدث ليعقوب عليه السلام من ابيضاض عينيه ، فقد كان بسبب إفراطه في البكاء المتتالي نتيجة حزنه الشديد على يوسف ، والذي عبَّر عنه في البداية بقوله :﴿ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ﴾ ، ثم عقَّب تعالى على ذلك بقوله :﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ . أي : شديد الكظم لحزنه ، فلم يَشْكُ ما به إلى أحد ؛ وإنما كان يكتمه في نفسه ، ويمسك همه في صدره ، وكان يرسل العبرات المتتالية من عينيه دون انقطاع حتى ابيضت عيناه ، وحصل له العمى التام .وقد روي : أنه ما جفت عيناه من فراق يوسف إلى لقائه ، وأن وَجْدَه عليه وَجْدُ سبعين ثكلى ، وأجرَه أجرُ مائة شهيد . فابيضاض عينيه- عليه السلام- كان بسبب بكائه الدائم ، نتيجة حزنه الشديد . وقد يكون في بكائه الدائم الذي أفقده بصره إنقاذٌ لحياته من الهلاك ؛ ولهذا كان أولاده يقولون له :﴿ تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ ، فكان جوابه لهم :﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ . والبث أشدُّ الحزن ، سمِّيَ بذلك ؛ لأنه من صعوبته لا يطيق الإنسان حمله ، فيبثه . والبثُّ هو النشر مع التفريق . وفي المستدرك على الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، أنه قال :« كان ليعقوب أخ مؤاخيًا ، فقال له : ما الذي أذهب بصرك وقوس ظهرك ؟ فقال : الذي أذهب بصري ( البُكاءُ ) على يوسف ، وقوس ظهري ( الحزن ) على بنيامين ... » .. الحديث . وذكر الفخر الرازي في تأويل الآية السابقة وجهين : الوجه الأول : أنه لما قال :﴿ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ﴾ ، غلبه البكاء . وعند غلبة البكاء يكثر الماء في العين ، فتصير العين كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء . وقوله :﴿ وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن﴾ كناية عن غلبة البكاء . والدليل على صحة هذا القول أن تأثير الحزن في غلبة البكاء ، لا في حصول العمى . فلو حملنا الابيضاض على غلبة البكاء ، كان هذا التعليل حسنًا . ولو حملناه على العمى لم يحسن هذا التعليل . فكان ما ذكرناه أولى . وهذا التفسير مع الدليل رواه الواحدي في « البسيط » ، عن ابن عباس رضي الله عنهما . والوجه الثاني : أن المراد هو العمى ، والقائلون بهذا التأويل قالوا : الحزن الدائم يوجب البكاء الدائم ، وهو يوجب العمى ، فالحزن كان سببًا للعمى بهذه الواسطة ، وإنما كان البكاء الدائم يوجب العمى ؛ لأنه يورث كدورة في سوداء العين . ومنهم من قال : ما عمي ؛ لكنه صار بحيث يدرك إدراكًا ضعيفًا . قيل : ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف عليه السلام إلى حين لقائه ، وتلك المدة ثمانون عامًا . لاحظ قوله في الوجه الأول ![]() ![]() والسؤال هنا : لماذا كان الحزن سببًا للعمى بوساطة البكاء ؟ يجيب عن ذلك العالم المصري الدكتور عبد الباسط محمد سيد ، الباحث بالمركز القومي للبحوث التابع لوزارة البحث العلمي والتكنولوجيا بجمهورية مصر العربية ، فيقول :« هناك علاقة بين الحزن والإصابة بالمياه البيضاء ، حيث أن الحزن يسبب زيادة هرمون ( الأدرينالين ) ، وهو يعتبر مضاد لهرمون ( الأنسولين ) ، وبالتالي فإن الحزن الشديد ، أو الفرح الشديد يسبب زيادة مستمرة في هرمون ( الأدرينالين ) الذي يسبب بدوره زيادة ( سكر الدم ) , وهو أحد مسببات العتامة .. هذا بالإضافة إلى تزامن الحزن مع البكاء ». نخلص من ذلك إلى القول بأن ( الحزن الشديد ) كان سببًا في ابيضاض العينين ، وأن ( البكاء الدائم ) نتيجة الحزن كان سببًا في حصول العمى التام . ولو كان ( البكاء ) في هذه الحالة علاجًا ، لكان سببًا في إزالة ابيضاض العينين ، ولما كان لقميص يوسف عليه السلام دور في رد بصر أبيه إليه ﴿ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا ﴾(يوسف: 93) . ولعلنا ندرك الآن سِرَّ التعبير البياني هنا بلفظ ( الحزن ) بدلاً من لفظ ( البكاء ) . هذا ، وقد تمكن العالم المصري الدكتور عبد الباسط محمد سيد من تصنيع قطرة عيون لمعالجة المياه البيضاء ، استلهمها من هذه الآية الكريمة المعجزة :﴿ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا ﴾(يوسف: 93) . وشبيه بما حدث ليعقوب- عليه السلام- ما حدث للخنساء في جاهليتها ، حين فقدت بصرها من كثرة بكائها حزنًا على أخيها صخر ، وكانت تقول مخاطبة عينيها : أعيني جودا، ولا تجمُـدا *** ألا تبكيان لصخر الندى ألا تبكيان الجري الجميل *** ألا تبكيان الفتى السـيدا فلولا كثرة الباكين حــولي *** على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكـن *** أعزي النفس عنه بالتأسي ويمثل قول الله عز وجل :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾(النجم: 43)قمة الإعجاز . ووجه الإعجاز فيه أنه أسند الإضحاك والإبكاء إلى الله عز وجل ، وقد جاء ذلك في مقدمة الأفعال والصفات التي لا تنبغي إلا له سبحانه ، وليس للإنسان فيها حول ولا طول :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى * وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى * وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴾(النجم: 43). والأدلة من القرآن والسنة والعلم على ذلك كثيرة ، نذكر منها قوله تعالى : ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ﴾(مريم: 58) . ﴿ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾(الإسراء: 109) . فالبكاء في هاتين الآيتين هو ( بكاء خوف وخشية ) ، وجه الإعجاز فيهما : أن البكاء من خشية الله عند تلاوة القرآن يمثل طريقة رائعة لعلاج النفس الإنسانية من أمراضها ؛ لأنه يزيد المؤمن خشوعًا وخوفًا من الله ، ويُنسيه همومه وأحزانه ؛ لأن من يتأثر بكلام الله ويتصور أهوال القيامة ويتذكر عظمة الخالق تبارك وتعالى ، تتضاءل أمامه المشاكل والهموم مهما كان حجمها أو نوعها ، وبالتالي ينسى ما هو فيه من هم وغم وكرب ، ويزول عنه ما هو فيه من توتر نفسي . وهذه أول خطوة على طريق العلاج الناجع لأي مشكلة من مشاكل النفس الإنسانية . والحقيقة العلمية المرتبطة ببكاء الخشية : إن ما ذكر من وجه الإعجاز في هاتين الآيتين أكده علماء النفس والبرمجة اللغوية العصبية ، وأثبتوا أثره الفعال في حل المشاكل والمصاعب والتخلص من هموم النفس وما يصحب ذلك من أمراض نفسية . ولذلك فإن الله تعالى ذكر البكاء في أكثر من موضع في كتابه المجيد ، وجعله وسيلة للتقرب منه سبحانه ، ومؤشرًا على صدق المؤمن في خشيته من خالقه جل جلاله . يقول تعالى :﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ﴾(النجم: 59- 62) . ففي هذا النص القرآني حضٌّ على البكاء من خشية الله عز وجل ، والابتعاد عن اللهو ، وأمر بالتعبد لله جل وعلا بالسجود وتلاوة القرآن . ولعلنا الآن نفهم السر في بكاء النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم في مواقف كثيرة ، وفي مقدمتها عند سماعه القرآن الكريم ، وفي قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي تقدم ذكره :« اقرؤوا القرآن وابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، ليس منا من لم يتغن بالقرآن » . نسأله سبحانه أن يجعلنا من عباده الذين ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ﴾ ، وأن يجعل بكاءنا شفاء لما في الأنفس والصدور ، ووسيلة للقرب منه سبحانه ، والحمد لله رب العالمين . بقلم : محمد إسماعيل عتوك ![]() |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |