![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
|
![]() |
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
![]() إن النظرة العامية، بالإضافة إلى أن بإمكانها تهيئة الأرضية لاستغلال الأعداء، يمكنها أن تعبّد الطريق لانحراف الأصدقاء أيضاً. فمن الانحرافات التي قد تظهر في بحث المنقذ والمهدوية هي سوق الناس إلى مجرّد الارتباط العاطفي والشخصي مع الإمام المهدي (عج). فإنّ هذا الارتباط العاطفي جيّد ولابد من تنميته، وبالطبع فإنه سينمو عبر ازدياد المعرفة والدقة في أداء التكاليف الإلهية، سوى أنّ التوجيه الصرف للارتباط العاطفي وجعل الهدف الأول والأخير للمنتظرين هو اللقاء السرّي والتشرف بالإمام، من دون النظر إلى مستلزماته وحقائقه الاجتماعية، يهيّء الأرضية للانحراف الذي قد تظهر من مكنونه الكثير من المسائل المخالفة لنهج الإمام المهدي (عج) المتمثل بالإسلام الأصيل.[1] 3. إيجاد الخمول بين المنتظرين والأثر السلبي الثالث للنظرة العامية، هو «الخمول» الذتي توجده بين المنتظرين. وبعبارة أخرى فإن النظرة العامية تكون سبباً لترك المنتظرين وظائفهم وعدم معرفتها. كم هي حالة سيئة بأننا كمنتظرين كلما نتذكّر الإمام المهدي (عج)، نتنفّس الصعداء ونقول: «سيظهر الإمام إن شاء الله» ومن بعدها نعود إلى حياتنا المليئة بالأخطاء. وهذه آفة وضرر بأن انتظارنا لا يوجد في حياتنا أيّما تغيير. فمن الطبيعي أننا إذا ما نظرنا إلى موضوع الانتظار بنظرة سطحية، لا يمكننا أن نستخرج التكاليف المتشعبة منه لأنفسنا وأن نجد حركة في وجودنا وأن نشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا. 4. معاداة الإمام (عج) بعد الظهور وبالتالي فإن الأثر السلبي الأكبر للنظرة العامية، هو التأثير الذي قد تتركه في نفوس المنتظرين وتسوقهم إلى سوء العاقبة. وبعبارة أخرى، قد تكون عاقبة المنتظرين الذين ينظرون إلى موضوع المنقذ والمهدوية بنظرة عامية، هي أن يدخلوا في عداد أعداء الإمام (عج) بعد الظهور. كما صرّحت بذلك الروايات أن البعض يقف أمام الإمام ويقول: «ليس هذا من آل محمد»[2]، والحال أنه كان منتظراً للإمام بنحو من الأنحاء. كيف يعادي الإمام من كان منتظراً له في السابق؟ لماذا يعادي الإمام بعد ظهوره من كان منتظراً له في غيبته؟ لأنه كان يحمل تصوّراً خيالياً وهمياً عن الإمام (عج)، وعندما يرى وجوده الحقيقي المقدس ويجده لا ينسجم مع صورته الخيالية، ينهض لمعاداته ومخالفته. فإنّ الذي يحمل نظرة عامية وتشتدّ عقيدته بها بحيث تظهر فيه بصمات من الانحراف، لا ينفع الإمام، بل سيتسبب له الأذى والألم بعد حضوره.[3] وإن أمثال هؤلاء يدّعون لأنفسهم شيئاً سيما وهم يحملون من قبل بعض المعلومات؛ ويقولون على سبيل المثال: «كلا، إنه ليس صاحب الزمان؛ نحن نعلم، نحن نعرف، نحن كنّا ننتظر، واليوم نحن نُشخّص هل هذا هو الإمام أم لا.» علماً بأن البعض يخالفون الإمام بسبب عدم بناء هويتهم الإنسانية وتعارض أوامر الإمام مع منافعهم الذي قد يكون هذا التعارض بنحو من الأنحاء ناجماً من نفس ذلك التصور الخاطيء حول المنقذ. كما حدث ذلك لليهود في المدينة أيضاً. فإنهم دوماً ما كانوا يتفاخرون على أهل المدينة قبل بعثة النبي الأكرم (ص) بأن النبي الموعود سوف يظهر وعلاماته كذا وكذا. ولكن ما إن وصلت دعوة النبي إلى المدينة وأسلم عدد من أهل المدينة، عمدوا إلى المخالفة محتجين بأن «هذا الشخص ليس هو النبيّ الموعود.»[4] علماً بأن هذه «المخالفة بعد الموافقة»، تعود إلى نفس تلك التصوّرات الخاطئة التي كان يحملها اليهود بالنسبة إلى النبي الموعود. حيث كانوا يتصوّرون بأن النبي الموعود سيكون منهم أو قريباً منهم على أقل تقدير. ولم يتصوّرا بتاتاً بأن ظهوره سيشكّل خطراً على منافعهم. ولعلهم لو كانوا يحملون صورة صحيحة عن النبي في آخر الزمان، لأعدوا أنفسهم قبل مجيئه حتى لمواجهته وعدائه. وفي خصوص المهدي الموعود أيضاً، بما أن نظرة البعض ممن يدّعي الانتظار نظرة خاطئة ويحملون تصوّراً باطلاً حول المنقذ، لا يمكنهم متابعة الإمام بعد ظهوره. وعندها يرون الإمام، يعرفون أنهم لم يكونوا منتظرين لمثل هذا الشخص على الإطلاق. وهذا هو ناتج عن تلك الذهنية الخاطئة، ولم تتولّد لهم هذه الذهنية سوى أنهم لم ينظروا إلى موضوع المنقذ بنظرة علمية. النظرة العامية لمعاجز الظهور = التشكيك في كفاءة الدین لو أردنا استقراء الآثار السلبية للنظرات العامية لطال البحث. ولكن واحدة من الآثار المهمة الأخرى الجديرة بالذكر، هي أنه لو بقيت عقيدتنا حول معاجز الظهور وإطلاق عنانها في إصلاح الأمور على مستوى النظرة العامية – التي ذُكرت خصائصها – ستصبح كفاءة الدين والمعتقدات الدينية عرضة للتشكيك والتساؤل. ويعني ذلك أن البعض سيقول: «هل رأيتم أن دين الله لا يمكن تطبيقه؟ هل رأيتم بأنه لم يستقم أمر أيّ أحد من الأنبياء؟ ولم يستطيعوا جمع الناس تحت لواء التوحيد والإيمان بالله وتشكيل حكومة شاملة ثابتة؟ وبالتالي أصلح الله الأمور كلها من خلال المعجزة.» الظهور، تابع للقواعد والسنن الإلهية هل سيأتي الإمام (عج) ليقول: «أيها الإنسان! نحن قد أيسنا من إصلاحك، ولهذا سنقوم عبر عناية معنوية بتغيير قلبك»؟ هل حقيقة سيكون ذلك؟ هل أن الناس الذين تحمّلوا الكثير من العناء والألم لتزكية أنفسهم، كانوا يعملون عبثاً؟ والحال – كما أشرنا إلى ذلك – أن مسألة الظهور وإقبال الناس على حكومة الإمام ودوام هذا الإقبال، لا ينبغي أن تكون ظاهرة بعيدة عن القواعد والسنن الإلهية، وهذا أمر طبيعي جداً. ولو كان المقرّر أن يتحقق هذا الإقبال واستدامته عبر تعطيل بعض القواعد والسنن الإلهية، لتبيّن أن دين الله أساساً لا يحمل قابلية التطبيق على أساس نفس هذه القواعد والسنن الطبيعية التي كانت حاكمة في العالم حتى الآن، وبالتالي سنثبت من الآن بأن أحكام الله غير عملية. يتبع إن شاء الله ... [1]. يقول آية الله الشيخ البهجة (ره): «لا يجب على الإنسان السعي للتشرف بخدمة ولي العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بل لعل ركعتين من الصلاة ثم التوسل بالأئمة عليهم السلام أفضل من التشرّف؛ لأن الإمام يرانا ويسمعنا أينما كنّا، والعبادة في زمن الغيبة أفضل من العبادة في زمن الحضور؛ وزيارة أي واحد من الأئمة الأطهار عليهم السلام كزيارة الحجة عجّل الله تعالى فرجه الشريف.» در محضر بهجت، ج1، الرقم277. وقال أيضاً: «هل من الصحيح أن نركن إلى الراحة وننظر وإخواننا وأخواتنا في الدين تحت وطأة الظالمين؟! ... هل يمكن أن يكون زعيمنا ومولانا ولي العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف حزيناً، ونحن مسرورون؟!» نفس المصدر، ج2، الرقم267. [2]. الإمام الباقر (ع): «... حَتَّی یَقُولَ کَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ لَیْسَ هَذَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ...» الغیبة للنعماني، ص231. وكذلك عن الإمام الصادق (ع): «إِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ خَرَجَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَدَخَلَ فِي سُنَّةِ عَبَدَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.» الغیبة للنعماني، ص317. وروايات مشابهة أخرى تدل على مخالفة البعض من أهل جبهة الحق للإمام، ذكرناها في هامش الصفحة 37. [3]. عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ: «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ، اسْتَقْبَلَ مِنْ جَهْلِ النَّاسِ أَشَدَّ مِمَّا اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) مِنْ جُهَّالِ الْجَاهِلِيَّةِ. قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) أَتَى النَّاسَ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ وَالصُّخُورَ وَالْعِيدَانَ وَالْخُشُبَ الْمَنْحُوتَةَ، وَإِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ، أَتَى النَّاسَ وَكُلُّهُمْ يَتَأَوَّلُ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِهِ.» الغیبة للنعماني، ص296. [4]. «وَلَمَّا جاءَهُمْ کِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَکانُوا مِنْ قَبْلُ یَسْتَفْتِحُونَ عَلَی الَّذِینَ کَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا کَفَرُوا بِه، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی الْکافِرینَ!» سورة البقرة، الآية 82. |
![]() |
#2 |
موالي فعال
![]() |
![]() علماً بأنه في ضمن تحليل علمي لمسألة الظهور، تدخل جميع القواعد الطبيعية في الحياة بنظر الاعتبار، ومن أهمها قطعاً هو عنصر «المعنوية». كما ولعنصر «المعجزة» مكانته أيضاً في جانب من تلك المنظومة. ولكلّ من عنصري «النصرة الإلهية» و«عناية الإمام المعنوية» مكانته الخاصة، فلا نريد أن نرفض ذلك. ولا نريد أن نقول بأن الإمام لا يتمتع بالعناية المعنوية والأثر الإعجازي في نظرته وكلامه. فإنّ العناية المعنوية أيضاً تدخل في عداد نفس هذه الآلية الطبيعية. ولكن يجب علينا أن نستخرج نظرياتها العلمية وأن نبيّن بشكل صحيح أنه مثلاً «كيف يقوم القائد الإلهي بإنقاذ المجتمع بواسطة نوره؟»، ونوضّح دور هذا النور في تلك المنظومة الجامعة لكل العوامل التي تؤدي إلى إنقاذ المجتمع جنباً إلى جنب. سيما ونحن لا ننسى بأنه على الرغم من حضور رسول الله (ص) الذي لا ندّ له ولا مثيل، وأمير المؤمنين (ع) والأئمة من بعده، لم تتحقق تلك الحكومة النموذجية والمنقذة ولم تستمر بشكل كامل. إلى جانب «النظرة العامية»، يمكننا التعرض لـ«المودة العامية» أيضاً. علماً بأن هناك فرق بينهما. فقد أشرنا فيما مضى إلى بعض مصاديق النظرة العامية حول الانتظار وجملة من آثارها السيئة. والمودة العامية وإن كانت تتمتع بمزيد من القيمة إلّا أنها قد تتعرض لبعض الأضرار والآفات التي لا يمكن تداركها أحياناً. والمراد من المودة العامية، هي المحبة السطحية التي لا تستند إلى مبدأ وتكون عرضة للزوال في كل لحظة. كما ويمكننا استخدام تعبير المودة العامية في المواطن التي تستند إلى أساس نظري باطل ومعرفة غير صحيحة. وبالطبع فإن هذا الأساس الباطل وليد نفس تلك النظرة العامية. وفي رواية لأمير المؤمنين (ع)، قام بذمّ «المودّة العامية» قائلاً: «مَودَّةُ العَوامِّ تَنْقَطِعُ کانْقِطاعِ السَّحابِ، وتَنْقَشِعُ کما یَنْقَشِعُ السَّرابُ.»[1] ، حيث أشير في هذا الكلام الشريف، إلى أهم ضرر للمودّة العامية وهي الانقطاع. ولكن لا ينبغي قطع النظرة الإيجابية إلى مثل هذه المودة بالمرة؛ وذلك فيما لو كانت المودة العامية مقتبسة من محبة فطرية طبيعية وإن كانت ابتدائية. حيث تبدأ محبة الكثير من العوام ومعرفتهم لأولياء الله من هذه المودة. ولابد من إكبار العلائق الفطرية والابتدائية الموجودة في أعماق المجتمع. فهي ثروات ضرورية لتكامل نفس تلك العلائق والمعتقدات وعلامة على سلامة وصفاء سريرة الأشخاص. ولابد في آن واحد من الإشادة بهذه المودة العامية النقية والرائجة بين الكثير، بل وإشاعتها بين أهلها؛ ومن تعزيزها وتنميتها من خلال النظرة العلمية. فأحياناً ما تكون هذه العلائق بداية للهياج والوعي العميق ولا ينبغي أن نضعها في جانب وأن نمرّ عليها مرور الكرام. وأحياناً ما نستهين عبر حكم خاطئ بهذه العلائق العامة، والحال أنه يوجد بين العوام أناس يحملون معرفة ثاقبة وإيماناً راسخاً يغبطهم النخب عليها. ولا ينبغي – كما هو واضح – أن نعتبر كلّ من قلّ علمه ونقصت معلوماته من العوام، وأن نُدخل علائقهم في عداد العلائق العامية المنقطعة. ومن جانب آخر، لا يُتصوَّر أنّ التطرّق إلى أبحاث المهدوية بصورة علمية عقلائية يرد في قبال التعامل العاطفي مع هذا الموضوع. فمن الخطأ أن نضع كلاًّ من هذين الموضوعين في قبال الآخر. كما نجد البعض بما يحمله من نظرة ضيّقة، وإلى جانب التوصية بالتعرض علمياً لمسألة المهدوية، يتهجم على الموجة العاطفية للتوجه إلى صاحب الزمان (عج)، وأساساً يعتبر التوجه العاطفي للإمام أمراً لا أصالة له ولا قيمة. في الوقت الذي لا يمكن إخماد هذه الموجة العاطفية بل وليس هذا بالشيء المطلوب أساساً. وإن التطرّق إلى موضوع المنقذ بصورية علمية وعقلية، لا يتنافى مع التوجه العاطفي للإمام المهدي (عج)، بل إذا استنارت العقول، اتّقدت العواطف. والمعرفة تؤدي إلى إرساء وتعزيز هذا الارتباط العاطفي، وإلى إخراجه من المرحلة العامية. فلا يتصوّر أحد أن معرفة الإمام (عج) بالعقل والمنطق أسمى من البكاء. فإنّ من تكاملت معرفته بشأن الإمام (عج)، سيبكي بدل الدموع دماً. ولا يتصوّر أحدنا بأننا إن أصبحنا من العلماء، سندع البكاء؛ ونترك دعاء الندبة. كلا، بل إن أصبحنا من العلماء، سيشتدّ اهتمامنا بقراءة دعاء الندبة، وسنعرف علامَ بكاؤنا. وهذا هو الأثر العجيب للمعرفة. وأحياناً نجد البعض يردّد عن جهل: «يكفي البكاء على صاحب الأمر. فقد حان وقت المعرفة.» غافلين عن أنّ المعرفة إذا تكاملت، سيزداد البكاء أيضاً. ولهذا فإن من كثرت معلوماته ولكن لم يشتدّ بكاؤه وحزنه وأنينه، فعليه أن يشكّ في إنسانيته. وهذا أصل هامّ بأن العلم يزيد من الخشية؛[2] ولذلك قال الله سبحانه: ﴿إِنَّما یَخْشَی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء﴾[3]. غير أنّ جزءً من هذا الارتباط العاطفي الذي يتولّد في البدء، ناتج عن الفطرة السليمة، وجزءً منه ناجم عن المعرفة الكلية والبدائية التي قد يكون البعض منها سطحياً. والكلام في أن هذه المعرفة الكلية والبدائية لابدّ من نموّها وتكاملها، ليدوم ذلك الارتباط العاطفي ويخرج من حدّه الأدنى. يتبع إن شاء الله ... [1]. غرر الحکم، ح1129. [2]. أمیر المؤمنین (ع): «إِذَا زَادَ عِلْمُ الرَّجُلِ زَادَ أَدَبُهُ وَتَضَاعَفَتْ خَشْیَتُهُ لِرَبِّهِ.» غرر الحکم، ح791. وقال أيضاً: «سَبَبُ الْخَشْیَةِ الْعِلْمُ.» نفس المصدر، ح787. [3]. سورة فاطر، الآية 28. |
![]() |
![]() |
#3 |
موالي فعال
![]() |
![]() بل لابد من القول أن هذا المستوى المتوسط للارتباط العاطفي الموجود في المجتمع مع الإمام المهدي (عج)، ليس كما ينبغي أن يكون. والحالة الموجودة أقل بكثير من الحدّ المطلوب والمتوقّع. وإنّ هذه الموجة المنعشة التي انتشرت في بلادنا من قراءة دعاء الندبة والحمد لله، إنما هي بداية الطريق لا نهايته. ولا يُعلم كم ابتعدنا عن نقطة الصفر. أجل، فقد اجتزنا هذه النقطة ولسنا تحت الصفر، ولكنّ بيننا وبين النقطة المطلوبة بونا شاسعا. فقد بدأت قراءة دعاء الندبة وازدهرت هذه المراسم، ولكن هناك فرق كبير بين دعاء الندبة الذي لابد أن يُقرأ للإمام (عج) والذي يحتاج إلى محبة شديدة جداً، أشير إليها في نفس الدعاء بوضوح[1]، وبين الدعاء الذي نحن نقرؤه. ولابد من إحالة شرح هذا الفرق إلى مجال آخر. وفي الوقت ذاته، فإنّ هذا التوجه البدائي للإمام أيضاً توجه له معناه وقيمته الخاصة. ونحن نكنّ بالغ الاحترام لكلّ ما يتركه الاسم المقدّس للإمام المهدي (عج) من أثر وحلاوة في القلوب، ولكن اللوم هو أن نريد إبقاء هذا التوجّه على نفس هذا الحدّ التمهيدي والأدنى والاكتفاء بذلك. وهنا لابد أن نترقّب أضرار النزعة العامية. لماذا يجب تنمية العواطف الدينية؟ فلو قام أحد بإبقاء عواطفه الدينية في الحد التمهيدي، والحال أن الظروف تقتضي تكاملها، فقد يؤدي هذا الجمود إلى انحرافه. ومن الممكن أن ينهض مثل هذا الشخص شيئاً فشيئاً للوقوف بوجه دينه؛ لأنه بعد مدة من ظهور تلك العواطف الدينية الأولى، سيتلمّس بدائيّتها وسطحيّتها وبالتالي سيسعى للابتعاد عن هذه السطحية. فإن لم يتّجه هذا الابتعاد إلى العمق، قد يُساق إلى الحذف والمواجهة. ولذا لابد من الغور في أعماق هذه العواطف الدينية وإرساء هذا التوجّه البدائي الحاصل للإمام (عج). ويجب الحرص على أن لا توقعنا هذه المودة العامية في الهاوية وترتحل عنا في الوقت الذي نحتاج إليها. ومن نماذج العلائق العامية التي يمكن الإشارة إليها هو الاهتمام بلقاء الإمام، من دون التوجه إلى مسألة الظهور وفلسفة الغيبة والانتظار. فالذين يحملون مثل هذه العلائق العامية، هم الذين يتشوّقون للقاء الإمام ولكن من دون التوجّه إلى ظهور شمس الإمام من خلف السحاب ومن دون الاكتراث بالآثار والبركات الجمّة المترتبة على الظهور. فإنّ مثل هذه العلاقة وإن كان من الواجب حفظ حرمتها، ولكنّ السؤال هو أنه كيف يمكن ادّعاء العشق وتمنّي اللقاء، من دون الاعتناء بمطاليب الإمام وأهدافه؟ يقول سماحة آية الله الشيخ البهجة (ره): «هل يمكن أن يكون زعيمنا ومولانا ولي العصر (عج) حزيناً، ونحن مسرورون؟! ويكون باكياً لما ابتلي به أولياؤه ونحن ضاحكون مبتهجون، وفي الوقت ذاته نعتبر أنفسنا من أتباعه؟!»[2]، «يريد أنصاراً يطلبون الإمام لا غير. فالمنتظر للفرج هو الذي ينتظر الإمام لله وفي سبيل الله، لا لقضاء حوائجه الشخصية!»[3] ، «إن الوصول إلى الإمام واللقاء به وحيداً ليس بالأمر المهم ... كلّ منا يفكّر في حوائجه الشخصية، ولا نفكّر بالإمام الذي يعمّ نفعه الجميع والذي هو من أهم الضروريات!»[4]. إنّ الذين يتشوّقون للقاء الإمام لا غير، والذين لا يكترثون بمصائب البشر وبرسالة الإمام، غالباً ما لا يحلّون عقدة من عُقَد الإمام. وإن كان الإمام قد ينفعهم إن كانوا صادقين. نحن ننادي في دعاء الندبة: «مَتی تَرانا وَنَراكَ، وَقَدْ نَشَرْتَ لِوآءَ النَّصْرِ تُری؟ أَتَرانا نَحُفُّ بِكَ وَأَنْتَ تَاُمُّ الْمَلَأ، وَقَدْ مَلَأْتَ الْأَرْضَ عَدْلاً؟»[5] أي أنّي أعشق لقاءك في حال كونك إماماً وحاكماً على العالم. لا أنني أتمنى أن ألقاك في زاوية. علماً بأنه لابد من الاعتراف بأن من حلّ في قلبه شوق اللقاء بالإمام ولو بصورة فردية، ففي الأغلب سيشتاق إلى الظهور ونجاة العالم أيضاً، وهذان الأمران متلازمان. غير أنّ في مقام التبليغ للقاء الإمام (عج) بصورة فردية عثرات ومطبات لابد من اتّقائها. وكذلك الحال في الدعاء لصاحب الزمان: «اللَّهُمَّ کُنْ لِوَلیِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ، صَلَواتُك عَلَیهِ وَعَلی آبائِهِ، فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَفِي کُلِّ سَاعَةٍ، وَلِیّاً وَحَافِظاً، وَقَاعِداً وَنَاصِراً، وَدَلِیلًا وَعَیْناً، حَتَّی تُسْکِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً، وَتُمَتِّعَهُ فِیهَا طَوِیلًا.»[6] ففي هذا الدعاء المشهور، لا نطلب أساساً لقاء الإمام، بل ندعو لسلامته. ندعو أن يكون الإمام سالماً حتى يتحقق فرجه ويتمتع بحكومته. وهذه هي غاية الخلوص النابع عن العشق والمعرفة، بأن لا ينظر الإنسان إلى نفسه ولا يفكّر إلّا في محبوبه. وفي دعاء العهد أيضاً، الذي تستحب قراءته في كل صباح، والذي كان يعتقد الإمام الخميني (ره) أن قراءته تؤثّر في مصير الإنسان، قبل أن يطلب الإنسان اللقاء منادياً: «اَللّهُمَّ أَرِني الطَّلْعَةَ الرَّشیدَةَ.» يدعو قائلاً: «اَللّهُمَّ إِنْ حالَ بَیني وَبَینَهُ الْمَوْتُ ... فَأَخْرِجْني مِنْ قَبْري مُؤْتَزِراً کفَني، شاهِراً سَیفي، مُجَرِّداً قَناتي.» [7] أي أنّ الأمر المهم بالنسبة لي هو السير في ركاب الإمام، وحكومة الإمام، وحاكمية الحق. وهذا ما هو مشهود بوضوح في سائر مقاطع دعاء العهد وكذلك في باقي الأدعية المتعلقة بالإمام. يتبع إن شاء الله ... [1]. «إِلَی مَتَی أَحَارُ فِیكَ یَا مَوْلَايَ وَإِلَی مَتَی وَأَيَّ خِطَابٍ أَصِفُ فِیكَ وَأَيَّ نَجْوَی عَزِیزٌ عَلَيَّ أَنْ أُجَابَ دُونَكَ وَأُنَاغَی عَزِیزٌ عَلَيَّ أَنْ أَبْکِیَكَ وَیَخْذُلَكَ الْوَرَی عَزِیزٌ عَلَيَّ أَنْ یَجْرِيَ عَلَیْكَ دُونَهُمْ مَا جَرَی هَلْ مِنْ مُعِینٍ فَأُطِیلَ مَعَهُ الْعَوِیلَ وَالْبُکَاءَ ... هَلْ قَذِیَتْ عَیْنٌ فَسَاعَدَتْهَا عَیْنِی عَلَی الْقَذَی ... مَتَی نَنْتَفِع مِنْ عَذْبِ مَائِكَ فَقَدْ طَالَ الصَّدَی؟» إقبال الأعمال للسید بن طاووس، ص298. وكذلك: مفاتیح الجنان، دعاء الندبة. [2]. در محضر بهجت، ج2، الرقم267. [3]. نفس المصدر، الرقم276. [4]. نفس المصدر، الرقم26. [5]. إقبال الأعمال للسید بن طاووس، ص298. كذلك: مفاتیح الجنان، دعاء الندبة. [6]. کافی، ج4، ص162. [7]. مفاتیح الجنان، دعاء العهد. كذلك: المصباح للکفعمي، ص550. |
![]() |
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |