هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التوظيف والتعيين والإست... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 80 ]       »     دورة : مهارات التخطيط المالي و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 63 ]       »     دورة : اساسيات التأمين [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 75 ]       »     دورة : تحليل البيانات والقوائم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 73 ]       »     دورة : السلامة والصحة المهنية ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 70 ]       »     دورة : آليات الرقابة الحديثة و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 112 ]       »     دورة : تكنولوجيا التميز والإبد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 97 ]       »     دورة : القيادة عالية الإنجاز و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : فنون العرض والتقديم وال... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : الإدارة الفعالة للمختبر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 103 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات


العودة   :: منتديات ثار الله الإسلامي :: > الاقسام العقائدية > منتـدى الحـوار العقـائدي

يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
#1  
قديم 06-06-2014, 02:48 PM
الفاروق الاعظم
مشرف عام
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5057 يوم
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي حكم المناظرة في الشريعة الاسلامية واقسامها وآدابها



حكم المناظرة في الشريعة الاسلامية :

تمهيد :
عُرِفتْ المناظرة أو المجادلة في الفلسفة اليونانية باسم : « طوبيقا » ، وهي إحدى الصناعات الخمس المهمة التي ينقسم إليها القياس المنطقي ، ويتوقف فهم هذه الصناعة على مقدمات ومبادئ أساسية لاغنى عنها لمن يروم الدفاع عما يراه جديرا بالدفاع عنه لشتى الاغراض ، سواء أكان ذلك في مجال العقيدة أم لم يكن.
على أن رجوع طالب المناظرة أو الجدل إلى المصادر الاولية للوقوف على مقدمات ومبادئ هذه الصناعة قد لا يخلو من صعوبة ، لما اكتنف تلك المصادر من غموض في العبارة ، وإجمال يتيه معه المُبتديء في خِضَمِ الاساليب المنطقية التي لم يعتدها من قبل ، ولهذا ننصح بالرجوع إلى ما كتبه الشيخ محمد رضا المظفر ـ رحمه الله ـ في كتابه المنطق ، إذ فيه مادة غنية مبسطة تغني عن الرجوع إلى غيره في تحصيل أوليات المناظرة فيما يتعلق بصناعة الجدل.
ومن المهم أن نشير في هذا التمهيد إلى أن القياسات الجدلية ، ـ التي ينبغي معرفتها في مقام المناظرة أو المجادلة ـ تهدف بالدرجة الاساس إلى تحصيل ما يفحم به الخصم عند المناظرة ، وقطع حجته والظهور عليه بين السامعين ، سواء أكان ذلك حقا أم باطلاً ، إذ ليس الغرض من القياسات الجدلية هو الحق أو الباطل ، وإن كان أحدهما داخلاً في طلب ما يفحم به الخصم ، إلا أنه لم يكن مُرادا ومقصودا بعينه (1).
وهذا ما يُفَهمُ من تعريف الجدل أيضا ، إذ لم يُذكر في التعريف أي شرط يُقيِّد معناه بالدفاع عن الحق مثلاً ، ولهذا قالوا : الجدل « صناعة علمية يقتدر معها على إقامة الحجة من المقدمات المسلمة على أي مطلوب يراد ، وعلى محافظة أي وضع يتفق ، على وجه لا تتوجه عليه مناقضة بحسب الامكان » (2).
ومن هنا كان لا بد من بيان رأي شريعتنا الغراء في المناظرة ما دامت رحاها تدور على إثبات صحة الآراء والافكار التي يدعيها كل من الطرفين المتناظرين بغض النظر عن موافقة تلك الآراء أو مخالفتها لشريعة الاسلام ، وذلك بحسب التقسيم التالي للمناظرة.

أقسام المناظرة :

تناول القرآن الكريم في العديد من الايات الشريفة ، وكذلك السنة المطهرة في جملة من الاحاديث ، موضوع المناظرة والجدل تارة بالتأييد وأخرى بالتفنيد ومن هنا يمكن القول بأن المناظرة بحسب نظرة الشريعة الاسلامية تنقسم إلى قسمين وهما :
القسم الاول : المناظرة المشروعة.
القسم الثاني : المناظرة غير المشروعة.

المناظرة المشروعة :
لقد شرع القرآن الكريم المناظرة وجعل لها حدود وضوابط وأكد على ضرورتها وأهميتها ، وذلك في كثير من آيات الذكر الحكيم ، وهذا ما يصور لقارىء القرآن الكريم احتلال المناظرة جانبا حيويا في حياة سائر الاديان ، إذ ما من رسول أو نبي إلاّ وقد ناظر قومَهُ وحاجَجهم وجادلهم في إثبات صحة ما يدعوهم إليه.
ومما يزيد الامر وضوحا هو أن الله تعالى قد أمر رسوله الكريم ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ بمجادلة المشركين ودعوتهم إلى الحق ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، فقال تعالى : ( ادع إلى سبيلِ ربكَ بالحكمةِ والموعظة الحَسَنَةِ وجادلهُم بالتي هي أحَسنُ إنَّ ربَكَ هوَ أعلمُ بمن ضلَّ عن سبيلهِ وهو أعلمُ بالمهتدين ) (3).
كما أمر تعالى بمجادلة أهل الكتاب عن طريق الحكمة والموعظة لما في ذلك من إلانة قلوبهم وانصياعهم إلى الحق ، فقال تعالى : ( ولا تجادلوا أهلَ الكتابِ إلا بالتي هي احسن..) (4).
لان الغلظة في المناظرة والجدل لا تزيد الطرف الاخر إلا نفورا ، وعنادا ، وتعصُبا ، وتَمسكا بالباطل كما أوضحه تعالى في قوله الكريم : ( ولو كنت فظّا غليظ القلب لا نفضوا من حولك.. ) (5).
وهذا ما يكشف عن أسلوب المناظرة النبوية ، فهو الاسلوب الامثل الذي يجب مراعاته بين المتناظرين.
ومن الادلة والشواهد القرآنية التي تبين مشروعية المناظرة في الاسلام ، قوله تعالى : ( وضربَ لنا مثلاً ونسيَ خلقَهُ قالَ من يحيي العظامَ وهيَ رميمٌ ، قل يحييها الذي أنشأهَا أوَّلَ مرةٍ وهو بكلِّ خلقٍ عليمٌ ، الذي جعلَ لكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الاخضرِ نارا فإذا أنتم منه توقدونَ ، أوليس الذي خلقَ السمواتِ والارضَ بقادرٍ على أنْ يَخْلُقَ مِثَلهُمْ بلى وهَو الخلاّقُ العليمُ ، إنّما أمرُهُ إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، فسبحانَ الّذي بيدهِ ملكوتُ كُل شيٍ وإليه ترجَعُونَ ) (6).
وهنا يلاحظ ما في جواب من أنكر الإحياء بعد الاماتة ، وما فيه من أدلة عظيمة ، وأسلوب رائع يأخذ بمجامع القلوب ويسوقها طوعا إلى الاذعان والتصديق ، ومنه ينكشف مدى تأثير الدليل وطريقة عرضه ، إذ بهما يخلق من الطرف الاخر إنسانا سَلِس الانقياد.
ولم يقتصر هذا الامر على مناظرات نبينا ـ صلّى الله عليه وآله ـ مع مشركي مكة ومجادلتهم بالتي هي أحسن ، وإنما كان ذلك الاسلوب من المناظرة والجدل متبعا من قبل الانبياء ـ عليهم السلام ـ مع مشركي أقوامهم كما في قصة إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع نمرود كما في قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه أن آتاهُ الله المُلك إذ قال إبراهيمُ ربّي الذي يُحي ويُميتُ قال أنا أُحي وأُميتُ قالَ إبراهيم فإنَّ الله يأتي بالشمس من المشرق فاَتِ بها من المغرب فبُهِتَ الذي كفرَ واللهُ لا يهدي القوم الظالمين ) (7).
ومثله أيضا ما جاء في محاجّة قومه له ـ عليه السلام ـ وجوابه لهم كما في قوله تعالى : ( وحاجّهُ قومه قال أتحاجُّوني في الله ) ـ إلى قوله ـ‍ ( فأيُّ الفريقين أحق بالامن إن كنتم تعلمون ) (8).
ومثله أيضا ما جاء في محاجّته ـ عليه السلام ـ لقومه حينما كسَّر أصنامهم وقد ألزمهم بالحجة والعقل والرجوع إلى وجدانهم وعقولهم ، كما في قوله تعالى : ( قالُوا أَأنت فعلت هذا بآلهتنا ياإبراهيم ، قال بل فعلهُ كبيُرهُم هذا فاسألوهم إِن كانُوا ينطقون ، فَرَجعُوا إِلى أَنفُسِهِم فقالُوا إنّكم أنتم الظالمُون ، ثم نُكِسُوا على رُؤُسِهِم لقد علمِتَ ما هؤلاءِ ينطقون ، قال أفتعبُدُون من دون الله ما لا ينفعُكُم شيئا ولا يَضُرُّكُم ، أُفٍّ لَّكُم ولِمَا تعبُدُونَ من دُونِ اللهِ أفَلاَ تعقلونَ ) (9).
ومنها مجادلة نوح ـ عليه السلام ـ لقومه الذين ركبوا رؤوسهم عنادا وازدادوا غيّا وفسادا ، حيث قالوا له وهو يجادلهم في الله تعالى : ( يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ) (10).
ومن هنا يتبين أن المناظرة أو الجدل لو لم تكن مشروعة لما أمر الله تعالى بها أنبياءه ـ عليهم السلام ـ ، في حين أن القرآن الكريم يزخر بمحاججات الانبياء لاقوامهم لا سيما نبينا ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، وهو القدوة الحسنة والمثل الاعلى الذي لا ينتهي حديث عظمته ، ولا تزيده الدهور إلا سناءاً وعلواً.
هذا هو موقف القرآن الكريم من المناظرة المشروعة بشكل موجز ، والذي يمكن أن تكون خلاصته : أن ينظر كل من المتناظِريَن بعين الاعتبار إلى الاخر ، ولا يستهين بآرائه وإن كانت مخالفة للحق في بداية الامر وان لاينسب أراءه الى محض الباطل حتى ولو كان كذلك في نظره لاحظ قوله تبارك وتعالى : ( وانّا او إيّاكم لعلى هُدى او في ضلال مبين ) (11) حيث ان النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، يجمل اجمالا الضلالة بين الفريقين تمهيداً للجو الملائم للمناظرة الصحيحة بهدف الوصول الى الحقيقة ولا يفاجأهم مباشرة بتفنيد مزاعمهم جملة وتفصيلا رغم انها كانت محض الباطل في اعتقاده ـ صلى الله عليه وآله ـ ، ثم عليه أن يسوق الدليل الذي يعرفه المقابل نفسه ، وأن يعرض الدليل بالطريقة الهادئة مقرونا بالحكمة والموعظة الحسنة ، على أن يكون مراده تحصيل الحق ، وإلا ستكون المناظرة غير مشروعة كما سيأتي الحديث عنها في محله.
أما موقف السنة المطهرة من المناظرة ، فهو لا يختلف عن حكم القرآن ، فكلاهما ـ القرآن والسنة ـ صنوان لمشرع واحد ، قال تعالى : ( وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) (12).
ومما ورد من الادلة والشواهد على مشروعية المناظرة من السنة الشريفة :
منها : ما روي عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أنه قال : « نحن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبيّا » (13).
ومنها : ما روي من مناظرات النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ مع أهل الاديان وغيرهم ، ومما يُروى بهذا الصدد من اجتماع أهل خمسة أديان وفرق ـ وهم اليهود ـ والنصارى ، والدهرية ، والثنوية ، ومشركوا العرب ـ عند النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، واحتجاج كل فريق منهم لدعواه وجواب النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لهم وإبطاله لمزاعمهم (14).1
كما أن المتتبع لسيرة الائمة ـ عليهم السلام ـ يجد أمثلة كثيرة جدا في مناظراتهم واحتجاجاتهم مع خصومهم ، كما وردت عنهم ـ عليهم السلام ـ أخبار كثيرة بشأن مجادلة الخصوم وإقناعهم ، وكانوا ـ عليهم السلام ـ يأمرون بعض أصحابهم بذلك ممن يتوسمون فيه القدرة على مقارعة الحجة بالحجة ، كما هو المشهور في موقف الامام الصادق ـ عليه السلام ـ من هشام بن الحكم وثلة من أصحابه الذين كانوا بالمرصاد في تصديهم للزنادقة والملحدين والمخالفين في المسائل الاعتقادية كالمجبرة والمفوضة والمجسِّمة وغيرها من المذاهب الاخرى.
كما كانت لمسائل الامامة الحصة الكبرى في مناظرات هؤلاء الاصحاب وغيرهم مع خصومهم ، كما سيبينه كتابنا هذا : مناظرات في الامامة.
وفيما يلي نذكر بعض الروايات عن أهل بيت النبوة ـ عليهم السلام ـ‍ الدالة على ما أسلفناه :
منها : رواية الشيخ المفيد بإسناده عن الامام جعفر بن محمد الصادق عن أبيه الباقر ـ عليهما السلام ـ قال : من أعاننا بلسانه على عدونا أنطقه الله بحجته يوم موقفه بين يديه عز وجل (15).
ومنها : قول الصادق ـ عليه السلام ـ : حاجوا الناس بكلامي ، فإن حاجوكم فأنا المحجوج (16).
ومنها : ما رواه ثقة الاسلام في الكافي (17) من مناظرة هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد ، حتى أن الامام الصادق ـ عليه السلام ـ أحب أن يسمع من هشام نفسه ما جرى بينه وبين عمرو بن عبيد ، كما ستأتي مفصلة في هذا الكتاب.
ومع هذا كله فقد تخيل بعض المخالفين أن المناظرة محرمة في رأي أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ، وأن ما يفعله الشيعة يخالف أمر أئمتهم.
يقول الشريف المرتضى ( ره ) : قلت للشيخ أبي عبدالله أدام الله عزه : إن المعتزلة والحشوية يزعمون أن الذي نستعمله من المناظرة شيء يخالف أصول الامامية ويخرج عن إجماعهم لان القوم لا يرون المناظرة دينا وينهون عنها ويروون عن أئمتهم تبديع فاعلها وذم مستعملها ، فهل معك رواية عن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في صحتها أم تعتمد على حجج العقول ولا تلتفت إلى من خالفها وإن كان عليه إجماع العصابة ؟
فقال : أخطأت المعتزلة والحشوية فيما ادعوه علينا من خلاف جماعة أهل مذهبنا في استعمال المناظرة وأخطأ من ادعى ذلك من الامامية أيضا وتجاهل ، لان فقهاء الامامية ورؤساءهم في علم الدين كانوا يستعملون المناظرة ويدينون بصحتها وتلقى ذلك عنهم الخلف ودانوا به ، وقد أشبعت القول في هذا الباب وذكرت أسماء المعروفين بالنظر وكتبهم ومدائح الائمة لهم في كتابي الكامل في علوم الدين ، وكتاب الاركان في دعائم الدين ، وأنا أروي لك في هذا الوقت حديثا من جملة ما أوردت في ذلك إن شاء الله.
أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد ( بسنده ) عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد ـ عليهما السلام ـ قال : قال لي : خاصموهم وبينوا لهم الهدى الذي أنتم عليه ، وبينوا لهم ضلالهم وباهلوهم في علي ـ عليه السلام ـ (18).
إلى غير ذلك من الادلة والشواهد التي تنص على مشروعية المناظرة على أن التوسع في إيراد الشواهد والادلة على مشروعية المناظرة قد يكون على حساب مادة الكتاب ، إذ فيه الشيء الكثير الذي لا يمكن بموجبه إنكار مشروعية المناظرة في الاسلام ، زيادة على ما كتب من كتب إسلامية في هذا المجال بعض المناظرات التي وقعت بين علماء المسلمين في جوانب شتى من العقيدة وغيرها ، ولعل في كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي ـ أعلى الله مقامه ـ خير دليل على ذلك.

المناظرة غير المشروعة :
وأما ما هو غير مشروع من المناظرة فقد سبق وأن ألمحنا الى أن القرآن الكريم بَيَّن ضوابط المناظرة المشروعة وحدد معالمها ، ووضعها في إطارها الصحيح ، وذلك بعبارة جامعة مانعة وهي أن تكون الدعوة فيها إلى الحق وهو ما عبر عنه تعالى بـ « سبيل الله » وأن تكون بالحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة كما في قوله عز شأنه : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) (19).
وحيث إن القرآن الكريم وضع الضوابط والمقاييس للمناظرة المشروعة فإذا تخلف عنها ماهو شرط أو شطر خرجت المناظرة عن كونها مشروعة وذلك فيما إذا كانت لاثبات باطل أو للغلبة على الحق أو كانت عن غير علم ، ونحو ذلك فهذه المناظرة هي التي لايرضاها الله تعالى ولايقرها حتى لانبيائه ومن هذه المناظرات غير المشروعة مناظرات ومجادلات أهل الكتاب والمشركين والمنافقين مع نبينا محمّد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وكذا مجادلات الامم السابقة مع أنبيائهم ـ عليهم السلام ـ‍ وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا النحو من المناظرات والمجادلات غير المشروعة في مواضع شتى منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
1 ـ قوله تعالى : ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ) (20).
2 ـ قوله تعالى : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد ) (21).
3 ـ قوله تعالى : ( يجادلونك في الحق بعدما تبين ) (22).
4 ـ قوله تعالى : ( ويعلَم الذين يُجادِلُونَ في آياتِنا مالهُم من محيص ) (23).
5 ـ قوله تعالى : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ) (24).
6 ـ قوله تعالى : ( فلِمَ تُحاجُّون فيَما ليس لكمْ به علمٌ واللهُ يعلمُ وأنتُم لاتعلمون ) (25).
إلى غير ذلك من الايات الكثيرة الاخرى الناهية عن مثل هذه المجادلات التي لا يبتغى من ورائها إلا الباطل.
فهي إما أن تكون مجادلة في حق قد تبين ، وإما أن تكون لاماتة الحق ونصرة الباطل ، وإما أن تكون عن جهل وما يستتبعه من عناد وإصرار على الباطل ، وإما أن تكون بغير هذا وذاك من الدواعي الاُخرى التي لا يقرها دين ولا يؤيدها وجدان ، وحري بالمسلم أن يتبع الحق فالحق أحق بأن يتبع من أي طريق كان.

آداب المناظرة :

لكي تكون المناظرة ناجحة وبناءة هادفة ، ولكي يخرج الطرفان منها بفائدة ونتيجة مثمرة ، يحسن بهما أن يتبعا آداب المناظرة التي تشير إليها الاية الكريمة : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) (26) وفيما يلي نذكر أهم الاداب التي ينبغي مراعاتها في المناظرة وهي :
1 ـ أن يكون ( المناظِر ) في طلب الحق كمنشد ضالة يكون شاكرا متى وجدها ، ولا يفرق بين أن يظهر على يده أو على يد غيره ، فيرى رفيقه معينا لا خصيما ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهر له الحق ، كما لو أخذ طريقا في طلب ضالة فنبهه غيره على ضالته في طريق آخر ، والحق ضالة المؤمن يطلبه كذلك ، فحقه إذا ظهر الحق على لسان خصمه أن يفرح به ويشكره ، لا أنه يخجله ويُسَوّد وجهه ويزيل لونه ، ويجتهد في مجاهدته ومدافعته جُهْدَه.
2 ـ أن لا يمنع مُعينَه من الانتقال من دليل إلى دليل ، ومن سؤال إلى سؤال ، بل يمكِّنه من إيراد ما يحضره ويخرج من كلامه ما يحتاج إليه في إصابة الحق ، فإن وجده في جملته أو استلزمه وإن كان غافلاً عن اللزوم فليقبله ويحمد الله تعالى ، فإن الغرض إصابة الحق ، وإن كان في كلام متهافت إذا حصل منه المطلوب.
فأما قوله : « هذا لا يلزمني فقد تركت كلامك الاول وليس لك ذلك » ونحو ذلك من أراجيف المناظرين ، فهو محض العناد والخروج عن نهج السداد.
وكثيرا ما ترى المناظرات في المحافل تنقضي بمحض المجادلات حتى يطلب المعترض الدليل عليه ويمنع المدعي ما هو عالم به ، وينقضي المجلس على ذلك الانكار والاصرار على العناد ، وذلك عين الفساد ، والخيانة للشرع المطهر ، والدخول في ذم من كتم عِلْمَه.
3 ـ أن يقصد بها إصابة الحق وطلب ظهوره كيف اتفق لا ظهور صوابه وغزارة علمه ، وصحة نظره ، فإن ذلك مراء قد عرفت ما فيه من القبائح والنهي الاكيد.
ومن آيات هذا القصد أن لا يوقعها إلا مع رجاء التأثير ، فأما إذا علم عدم قبول المناظر للحق وأنه لا يرجع عن رأيه وإن تبين له خطأه فمناظرته غير جائزة لترتب الافات وعدم حصول الغاية المطلوبة منها.
4 ـ أن يناظر في واقعة مهمة ، أو في مسألة قريبة من الوقوع ، وأن يهتم بمثل ذلك ، والمهم أن يبين الحق ولا يطول الكلام زيادة عما يحتاج إليه في تحقيق الحق.
ولا يغتر بأن المناظرة في تلك المسائل النادرة توجب رياضة الفكر وملكة الاستدلال والتحقيق ، كما يتفق ذلك كثيرا لقاصدي حظ النفوس من إظهار المعرفة فيتناظرون في التعريفات وما تشتمل عليه من النقوض والتزييفات وفي المغالطات ونحوها ، ولو اختبر حالهم حق الاختبار لوجد مقصدهم على غير ذلك الاعتبار (27).
5 ـ أن يتخير الالفاظ الجزلة الفخمة ، ويتجنب العبارات الركيكة العامية ، ويتقي التمتمة والغلط في الالفاظ والاسلوب.
6 ـ أن يكون متمكنا من إيراد الامثال والشواهد من الشعر ، والنصوص الدينية ، والفلسفية ، والعلمية ، وكلمات العظماء ، والحوادث الصغيرة الملائمة ـ وذلك عند الحاجة طبعا ـ بل ينبغي أن يكثر من ذلك ما وجد إليه سبيلاً وذلك يُعينه على تحقيق مقصوده وهدفه ، والمثل الواحد قد يفعل في‌ النفوس ما لا تفعله‌ الحجج‌ المنطقية‌ من‌ الانصياع‌ إليه والتسليم به.
7 ـ أن يتجنب عبارة الشتم واللعن ، والسخرية والاستهزاء ، ونحو ذلك مما يثير عواطف الغير ويوقظ الحقد والشحناء ، فإن هذا يفسد الغرض من المجادلة التي يجب أن تكون بالتي هي أحسن.
8 ـ ألا يرفع صوته فوق المألوف المتعارف ، فإن هذا لايكسبه إلا ضعفا ، ولا يكون إلا دليلاً على الشعور بالمغلوبية ، بل يجب عليه أن يلقي الكلام قويَّ الاداء لا يشعر بالتردد والارتباك والضعف والانهيار ، وإن أداه بصوت منخفض هاديء فإن تأثير هذا الاسلوب أعظم بكثير من تأثير أسلوب الصياح والصراخ.
9 ـ أن يتواضع في خطاب خصمه ، ويتجنب عبارات الكِبْرِيَاء والتعاظم ، والكلمات النابية القبيحة.
10 ـ أن يتظاهر بالإصغاء الكامل لخصمه ، ولا يبدأ بالكلام إلا من حيث ينتهي من بيان مقصوده ، فإن الاستباق إلى الكلام سؤالاً وجوابا قبل أن يتم خصمُه كلامَه يربك على الطرفين سير المحادثة ، ويعقِّد البحث من جهة ، ويثير غضب الخصم من جهة أخرى.
11 ـ أن يتجنب ـ حد الامكان ـ مجادلة طالب الرياء والسمعة ومُؤثِر الغلبة والعناد ومدعي القوة والعظمة فإن هذا من جهة يعديه بمرضه فينساق بالاخير مقهورا إلى أن يكون شبيها به في هذا المرض ، ومن جهة أخرى لا يستطيع مع مثل هذا الشخص أن يتوصل إلى نتيجة مَرْضِيَّة في المجادلة (28).
12 ـ أن يكون مُطَّلِعا على أفكار وآراء خصمه من كتبه ومصادره لا من كتبه ومصادره هو.
13 ـ أن يكون هاضما للفكرة التي يريد طرحها ومحيطا بها تماما ، ومقتنعا بها ، لكي يتمكن من إقناع خصمه.
14 ـ وينبغي أن يختار الكلام المناسب للزمان والمكان فإن لهما تأثيراً كبيراً في النفوس ، ومن هنا قيل في المثل المشهور : لكل مقام مقال.
15 ـ أن يخاطب خصمه بكلام مفهوم مراعياً مقدار فهمه ، ومستواه الفكري ، بأسلوب حسن ومنطق سديد.
____________
(1) رسالة التصور والتصديق لصدر المتألهين الشيرازي ص233 ، مطبوعة بهامش الجوهر النضيد للعلامة الحلي.
(2) الجوهر النضيد للعلامة الحلي ص233 ، والمنطق للشيخ المظفر ج3 ص335.
(3) سورة النحل : الاية 125.
(4) سورة العنكبوت : الاية 46.
(5) سورة آل عمران : الاية 159.
(6) سورة يس : الاية 78 ـ 82.
(7) سورة البقرة : الاية 258.
(8) سورة الانعام : الاية 80 ـ 81.
(9) سورة الانبياء : الاية 62 ـ 67.
(10) سورة هود : الاية 32.
(11) سورة سبأ : الاية 24.
(12) سورة النجم : الاية 3 و 4.
(13) الاحتجاج للطبرسي ج1 ـ ص15.
(14) الاحتجاج للطبرسي ج1 ص22 ـ 28 ، البرهان في ‌تفسير القرآن للبحراني ج2 ص116 ـ 120.
(15) أمالي المفيد ص33 ح7.
(16) تصحيح الاعتقاد الشيخ المفيد : ص27.
(17) الاصول من الكافي للكليني ج1 ص169 ـ 171.
(18) الفصول المختارة : ص284.
(19) سورة النحل : الاية 125.
(20) سورة المؤمن : الاية 5.
(21) سورة الحج : الاية 3.
(22) سورة الانفال : الاية 6.
(23) سورة الشورى : الاية 35.
(24) سورة لقمان : الاية 20.
(25) سورة آل عمران : الاية 66.
(26) سورة النحل : الاية 125.
(27) منية المريد في آداب المفيد والمستفيد : لزين الدين العاملي ص154.
(28) المنطق : للمظفر ص362.





آخر تعديل الفاروق الاعظم يوم 06-06-2014 في 02:51 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 09:27 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية