هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التوظيف والتعيين والإست... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 80 ]       »     دورة : مهارات التخطيط المالي و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 63 ]       »     دورة : اساسيات التأمين [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 75 ]       »     دورة : تحليل البيانات والقوائم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 73 ]       »     دورة : السلامة والصحة المهنية ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 70 ]       »     دورة : آليات الرقابة الحديثة و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 112 ]       »     دورة : تكنولوجيا التميز والإبد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 97 ]       »     دورة : القيادة عالية الإنجاز و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : فنون العرض والتقديم وال... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : الإدارة الفعالة للمختبر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 103 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات



يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
#1  
قديم 06-04-2011, 10:39 PM
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5057 يوم
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي السؤال: جواب على ما قاله الآلوسي في تفسيره روح المعاني



السؤال: جواب على ما قاله الآلوسي في تفسيره روح المعاني
قال محمود الآلوسي في تفسير روح المعاني:
* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق قراءة الآية (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))
ثم إنه سبحانه لما قال: (( لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء )) (المائدة:51) وعلله بما علله، ذكر عقب ذلك من هو حقيق بالموالاة بطريق القصر، فقال عز وجل: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءامَنُوا )) فكأنه قيل: لا تتخذوا أولئك أولياء لأن بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم إنما أولياؤكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون فاختصوهم بالموالاة ولا تتخطوهم إلى الغير، وأفرد الولي مع تعدده ليفيد كما قيل: أن الولاية لله تعالى بالأصالة وللرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بالتبع، فيكون التقدير إنما وليكم الله سبحانه وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا، فيكون في الكلام أصل وتبع لا أن وليكم مفرد استعمل استعمال الجمع كما ظن صاحب (( الفرائد ))؛ فاعترض بأن ما ذكر بعيد عن قاعدة الكلام لما فيه من جعل ما لا يستوي الواحد والجمع جمعاً، ثم قال: ويمكن أن يقال: التقدير إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا أولياؤكم فحذف الخبر لدلالة السابق عليه، وفائدة الفصل في الخبر هي التنبيه على أن كونهم أولياء بعد كونه سبحانه ولياً، ثم بجعله إياهم أولياء، ففي الحقيقة هو الولي انتهى.
ولا يخفى على المتأمل أن المآل متحد والمورد واحد، ومما تقرر يعلم أن قول الحلبـي ويحتمل وجهاً آخر وهو أن ولياً زنة فعيل، وقد نص أهل اللسان أنه يقع للواحد والاثنين والجمع تذكيراً وتأنيثاً بلفظ واحد ـ كصديق ـ غير واقع موقعه لأن الكلام في سر بياني وهو نكتة العدول من لفظ إلى لفظ، ولا يرد على ما قدمنا أنه لو كان التقدير كذلك لنا في حصر الولاية في الله تعالى ثم إثباتها للرسول صلى الله عليه وسلم / وللمؤمنين، لأن الحصر باعتبار أنه سبحانه الولي أصالة وحقيقة، وولاية غيره إنما هي بالإسناد إليه عز شأنه.
(( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاوةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاوةَ )) بدل من الموصول الأول، أو صفة له باعتبار إجرائه مجرى الأسماء لأن الموصول وصلة إلى وصف المعارف بالجمل والوصف لا يوصف إلا بالتأويل، ويجوز أن يعتبر منصوباً على المدح، ومرفوعاً عليه أيضاً، وفي قراءة عبد الله (( - و - الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ )) بالواو (( وَهُم رَاكِعُونَ )) حال من فاعل الفعلين أي يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعون لله تعالى.
وقيل: هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة، والركوع ركوع الصلاة، والمراد بيان كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه.
وغالب الأخباريين على أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه، فقد أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متصل قال: (( أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبـي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس وأن قومنا لما رأونا آمنا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وصدقناه رفضونا وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا، فقال لهم النبـي صلى الله عليه وسلم: إنما وليكم الله ورسوله، ثم إنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: نعم خاتم من فضة، فقال: من أعطاكه؟ فقال: ذلك القائم، وأومأ إلى علي كرم الله تعالى وجهه، فقال النبـي صلى الله عليه وسلم: على أي حال أعطاك؟ فقال: وهو راكع، فكبر النبـي صلى الله عليه وسلم ثم تلا هذه الآية ))
فأنشأ حسان رضي الله تعالى عنه يقول:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي ***** وكل بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مدحيك المحبر ضائعا ***** وما المدح في جنب الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا ***** زكاة فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك الله خير ولاية ****** وأثبتها أثنا كتاب الشرائع

واستدل الشيعة بها على إمامته كرم الله تعالى وجهه، ووجه الاستدلال بها عندهم أنها بالإجماع أنها نزلت فيه كرم الله تعالى وجهه، وكلمة (( إِنَّمَا )) تفيد الحصر، ولفظ الولي بمعنى المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها، وظاهر أن المراد هنا التصرف العام المساوي للإمامة بقرينة ضم ولايته كرم الله تعالى وجهه بولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فثبتت إمامته وانتفت إمامة غيره وإلا لبطل الحصر، ولا إشكال في التعبير عن الواحد بالجمع، فقد جاء في غير ما موضع؛ وذكر علماء العربية أنه يكون لفائدتين: تعظيم الفاعل وأن من أتى بذلك الفعل عظيم الشأن بمنزلة جماعة كقوله تعالى: (( إِنَّ إِبراهِيمَ كَانَ أُمَّةً )) (النحل:120) ليرغب الناس في الإتيان بمثل فعله، وتعظيم الفعل أيضاً حتى أن فعله سجية لكل مؤمن، وهذه نكتة سرية تعتبر في كل مكان بما يليق به.
وقد أجاب أهل السنة عن ذلك بوجوه:
الأول: النقض بأن هذا الدليل كما يدل بزعمهم على نفي إمامة الأئمة المتقدمين كذلك يدل على سلب الإمامة عن الأئمة المتأخرين كالسبطين رضي الله تعالى عنهما وباقي الاثني عشر رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعين ذلك التقرير، فالدليل يضر الشيعة أكثر مما يضر أهل السنة كما لا يخفى، ولا يمكن أن يقال: الحصر إضافي بالنسبة إلى من تقدمه لأنا نقول: إن حصر ولاية من استجمع / تلك الصفات لا يفيد إلا إذا كان حقيقياً، بل لا يصح لعدم استجماعها فيمن تأخر عنه كرم الله تعالى وجهه، وإن أجابوا عن النقض بأن المراد حصر الولاية في الأمير كرم الله تعالى وجهه في بعض الأوقات أعني وقت إِمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهم رضي الله تعالى عنهم قلنا: فمرحباً بالوفاق إذ مذهبنا أيضاً أن الولاية العامة كانت له وقت كونه إماماً لا قبله وهو زمان خلافة الثلاثة، ولا بعده وهو زمان خلافة من ذكر. فإن قالوا: إن الأمير كرم الله تعالى وجهه لو لم يكن صاحب ولاية عامة في عهد الخلفاء يلزمه نقص بخلاف وقت خلافة أشباله الكرام رضي الله تعالى عنهم فإنه لما لم يكن حياً لم تصر إمامة غيره موجبة لنقص شرفه الكامل لأن الموت رافع لجميع الأحكام الدنيوية يقال: هذا فرار وانتقال إلى استدلال آخر ليس مفهوماً من الآية إذ مبناه على مقدمتين: الأولى: أن كون صاحب الولاية العامة في ولاية الآخر ـ ولو في وقت من الأوقات ـ غير مستقل بالولاية نقص له، والثانية: أن صاحب الولاية العامة لا يلحقه نقص مّا بأي وجه وأي وقت كان، وكلتاهما لا يفهمان من الآية أصلاً كما لا يخفى على ذي فهم، على أن هذا الاستدلال منقوض بالسبطين زمن ولاية الأمير كرم الله تعالى وجهه، بل وبالأمير أيضاً في عهد النبـي صلى الله عليه وسلم،
والثاني: أنا لا نسلم الإجماع على نزولها في الأمير كرم الله تعالى وجهه، فقد اختلف علماء التفسير في ذلك، فروى أبو بكر النقاش صاحب (( التفسير المشهور )) عن محمد الباقر رضي الله تعالى عنه أنها نزلت في المهاجرين والأنصار، وقال قائل: نحن سمعنا أنها نزلت في عليّ كرم الله تعالى وجهه، فقال: هو منهم يعني أنه كرم الله تعالى وجهه داخل أيضاً في المهاجرين والأنصار ومن جملتهم.
وأخرج أبو نعيم في (( الحلية )) عن عبد الملك بن أبـي سليمان وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن الباقر رضي الله تعالى عنه أيضاً نحو ذلك، وهذه الرواية أوفق بصيغ الجمع في الآية، وروى جمع من المفسرين عن عكرمة أنها نزلت في شأن أبـي بكر رضي الله تعالى عنه،
والثالث: أنا لا نسلم أن المراد بالولي المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها تصرفاً عاماً، بل المراد به الناصر لأن الكلام في تقوية قلوب المؤمنين وتسليها وإزالة الخوف عنها من المرتدين وهو أقوى قرينة على ما ذكره، ولا يأباه الضم كما لا يخفى على من فتح الله تعالى عين بصيرته، ومن أنصف نفسه علم أن قوله تعالى فيما بعد: (( يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُم هُزُواً وَلَعِباً مّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَـابَ مِن قَبلِكُم وَالكُفَّارَ أَولِيَاء )) (المائدة:57) آب عن حمل الولي على ما يساوي الإمام الأعظم لأن أحداً لم يتخذ اليهود والنصارى والكفار أئمة لنفسه وهم أيضاً لم يتخذ بعضهم بعضاً إماماً، وإنما اتخذوا أنصاراً وأحباباً، وكلمة (( إِنَّمَا )) المفيدة للحصر تقتضي ذلك المعنى أيضاً لأن الحصر يكون فيما يحتمل اعتقاد الشركة والتردد والنزاع، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردد ونزاع في الإمامة وولاية التصرف؛ بل كان في النصرة والمحبة، والرابع: أنه لو سلم أن المراد ما ذكروه فلفظ الجمع عام، أو مساو له ـ كما ذكره المرتضى في (( الذريعة )).
وابن المطهر في (( النهاية )) ـ والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب كما اتفق عليه الفريقان، فمفاد الآية حينئذٍ حصر الولاية العامة لرجال متعددين يدخل فيهم الأمير كرم الله تعالى وجهه، وحمل العام على الخاص خلاف الأصل لا يصح ارتكابه بغير ضرورة ولا ضرورة.
فإن قالوا: الضرورة متحققة ههنا إذ التصدق على السائل في حال الركوع لم يقع من أحد غير الأمير كرم الله تعالى وجهه قلنا: ليست الآية نصاً في كون التصدق واقعاً في حال ركوع الصلاة لجواز أن يكون / الركوع بمعنى التخشع والتذلل لا بالمعنى المعروف في عرف أهل الشرع كما في قوله:
لا تهين الفقير علك أن ***** (تركع) يوماً والدهر قد رفعه
وقد استعمل بهذا المعنى في القرآن أيضاً كما قيل في قوله سبحانه: (( وَاركَعِى مَعَ الراكِعِينَ )) (آل عمران:43) إذ ليس في صلاة من قبلنا من أهل الشرائع ركوع هو أحد الأركان بالإجماع، وكذا في قوله تعالى: (( وَخَرَّ رَاكِعاً )) (ص:24)
وقوله عز وجل: (( وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركَعُوا لاَ يَركَعُونَ )) (المرسلات:48) على ما بينه بعض الفضلاء، وليس حمل الركوع في الآية على غير معناه الشرعي بأبعد من حمل الزكاة المقرونة بالصلاة على مثل ذلك التصدق، وهو لازم على مدعي الإمامية قطعاً.
وقال بعض منا أهل السنة: إن حمل الركوع على معناه الشرعي وجعل الجملة حالاً من فاعل (( يُؤتُونَ )) يوجب قصوراً بيناً في مفهوم (( يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ )) إذ المدح والفضيلة في الصلاة كونها خالية عما لا يتعلق بها من الحركات سواء كانت كثيرة أو قليلة، غاية الأمر أن الكثيرة مفسدة للصلاة دون القليلة ولكن تؤثر قصوراً في معنى إقامة الصلاة ألبتة، فلا ينبغي حمل كلام الله تعالى الجليل على ذلك انتهى.
وبلغني أنه قيل لابن الجوزي رحمه الله تعالى: كيف تَصَدَّقَ علي كرم الله تعالى وجهه بالخاتم وهو في الصلاة والظن فيه ـ بل العلم الجازم ـ أن له كرم الله تعالى وجهه شغلاً شاغلاً فيها عن الالتفات إلى ما لا يتعلق بها، وقد حكى مما يؤيد ذلك كثير؟ فأنشأ يقول:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ***** عن النديم ولا يلهو عن الناس
أطاعه سكره حتى تمكن من ***** فعل الصحاة فهذا واحد الناس

وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي قدس سره عن أصل الاستدلال بأن الدليل قائم في غير محل النزاع، وهو كون علي كرم الله تعالى وجه إماماً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير فصل لأن ولاية (( الَّذِينَ ءَامَنُوا )) على زعم الإمامية غير مرادة في زمان الخطاب، لأن ذلك عهد النبوة، والإمامة نيابة فلا تتصور إلا بعد انتقال النبـي صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يكن زمان الخطاب مراداً تعين أن يكون المراد الزمان المتأخر عن زمن الانتقال ولا حدّ للتأخير فليكن ذلك بالنسبة إلى الأمير كرم الله تعالى وجهه بعد مضي زمان الأئمة الثلاثة فلم يحصل مدعى الإمامية، ومن العجائب أن صاحب (( إظهار الحق )) قد بلغ سعيه الغاية القصوى في تصحيح الاستدلال بزعمه، ولم يأت بأكثر مما يضحك الثكلى وتفزع من سماعه الموتى، فقال: إن الأمر بمحبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يكون بطريق الوجوب لا محالة، فالأمر بمحبة المؤمنين المتصفين بما ذكر من الصفات وولايتهم أيضاً كذلك إذ الحكم في كلام واحد يكون موضعه متحداً أو متعدداً أو متعاطفاً لا يمكن أن يكون بعضه واجباً وبعضه مندوباً وإلا لزم استعمال اللفظ بمعنيين، فإذا كانت محبة أولئك المؤمنين وولايتهم واجبة وجوب محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم امتنع أن يراد منهم كافة المسلمين وكل الأمة باعتبار أن من شأنهم الاتصاف بتلك الصفات لأن معرفة كل منهم ليحب ويوالي مما لا يمكن لأحد من المكلفين بوجه من الوجوه، وأيضاً قد تكون معاداة المؤمنين لسبب من الأسباب مباحة بل واجبة فتعين أن يراد منهم البعض، وهو علي المرتضى كرم الله تعالى وجهه انتهى.
ويرد عليه أنه مع تسليم المقدمات أين اللزوم بين الدليل والمدعى؟ وكيف استنتاج المتعين من المطلق، وأيضاً لا يخفى على من له أدنى تأمل أن موالاة المؤمنين من جهة الإيمان أمر عام بلا قيد ولا جهة، وترجع إلى موالاة / إيمانهم في الحقيقة، والبغض لسبب غير ضار فيها، وأيضاً ماذا يقول في قوله سبحانه: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَـاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )) (التوبة:71) الآية، وأيضاً ماذا يجاب عن معاداة الكفار وكيف الأمر فيها وهم أضعاف المؤمنين؟ ومتى كفت الملاحظة الإجمالية هناك فلتكف هنا، وأنت تعلم أن ملاحظة الكثرة بعنوان الوحدة مما لا شك في وقوعها فضلاً عن إمكانها، والرجوع إلى علم الوضع يهدي لذلك، والمحذور كون الموالاة الثلاثة في مرتبة واحدة وليس فليس إذ الأولى: أصل. والثانية: تبع. والثالثة: تبع التبع، فالمحمول مختلف، ومثله الموضوع إذ الموالاة من الأمور العامة وكالعوارض المشككة، والعطف موجب للتشريك في الحكم لا في جهته، فالموجود في الخارج الواجب والجوهر والعرض مع أن نسبة الوجود إلى كل غير نسبته إلى الآخر، والجهة مختلفة بلا ريب، وهذا قوله سبحانه: (( قل هَـذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )) (يوسف:108) مع أن الدعوة واجبة على الرسول صلى الله عليه وسلم مندوبة في غيره، ولهذا قال الأصوليون: القران في النظم لا يوجب القران في الحكم، وعدوا هذا النوع من الاستدلال من المسالك المردودة، ثم إنه أجاب عن حديث عدم وقوع التردد مع اقتضاء (( إِنَّمَا )) له بأنه يظهر من بعض أحاديث أهل السنة أن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم التمسوا من حضرة النبـي صلى الله عليه وسلم الاستخلاف، فقد روى الترمذي عن حذيفة
(( أنهم قالوا: يا رسول الله لو استخلفت؟ قال: لو استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه وما أقرأكم عبد الله فاقرأوه )) وأيضاً استفسروا منه عليه الصلاة والسلام عمن يكون إماماً بعده صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج أحمد عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: (( قيل: يا رسول الله من نؤمر بعدك؟ قال: إن تؤمروا أبا بكر رضي الله تعالى عنه تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وإن تؤمروا عمر رضي الله تعالى عنه تجدوه قوياً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا علياً ـ ولا أراكم فاعلين ـ تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الصراط المستقيم )) وهذا الالتماس والاستفسار يقتضي كل منهما وقوع التردد في حضوره صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية، فلم يبطل مدلول (( إِنَّمَا )) انتهى، وفيه أن محض السؤال والاستفسار لا يقتضي وقوع التردد، نعم لو كانوا شاوروا في هذا الأمر ونازع بعضهم بعضاً بعدما سمعوا من النبـي صلى الله عليه وسلم جواب ما سألوه لتحقق المدلول، وليس فليس، ومجرد السؤال والاستفسار غير مقتض ـ لإنما ـ ولا من مقاماته بل هو من مقامات ـ إن ـ والفرق مثل الصبح ظاهر، وأيضاً لو سلمنا التردد، ولكن كيف العلم بأنه بعد الآية أو قبلها منفصلاً أو متصلاً سبباً للنزول أو اتفاقياً، ولا بد من إثبات القبلية والاتصال والسببية، وأين ذلك؟ والاحتمال غير مسموع ولا كاف في الاستدلال. وبعد هذا كله الحديث الثاني ينافي الحصر صريحاً لأنه صلى الله عليه وسلم في مقام السؤال عن المستحق للخلافة ذكر الشيخين، فإن كانت الآية متقدمة لزم مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن أو بالعكس لزم التكذيب، والنسخ لا يعقل في الأخبار على ما قرر، ومع ذا تقدم كل على الآخر مجهول فسقط العمل.
فإن قالوا: الحديث خبر الواحد وهو غير مقبول في باب الإمامة قلنا: وكذلك لا يقبل في إثبات التردد والنزاع الموقوف عليه التمسك بالآية، والحديث الأول يفيد أن ترك الاستخلاف أصلح فتركه ـ كما تفهمه الآية بزعمهم ـ تركه، وهم لا يجوزونه فتأمل، وذكر الطبرسي في (( مجمع البيان )) وجهاً آخر غير ما ذكره صاحب (( إظهار الحق )) في (( أن الولاية مختصة، وهو أنه سبحانه قال: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ )) فخاطب جميع المؤمنين، ودخل في الخطاب / النبـي صلى الله عليه وسلم وغيره، ثم قال تعالى: (( وَرَسُولُهُ )) فأخرج نبيه عليه الصلاة والسلام من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته، ثم قال جل وعلا: (( وَالَّذِينَ ءامَنُوا )) فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية، وإلا لزم أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، وأن يكون كل واحد من المؤمنين ولي نفسه وذلك محال )) انتهى.
وأنت تعلم أن المراد ولاية بعض المؤمنين بعضاً لا أن يكون كل واحد منهم ولي نفسه، وكيف يتوهم من قولك مثلاً: أيها الناس لا تغتابوا الناس إنه نهي لكل واحد من الناس أن يغتاب نفسه، وفي الخبر أيضاً " صوموا يوم يصوم الناس " ولا يختلج في القلب أنه أمر لكل أحد أن يصوم يوم يصوم الناس، ومثل ذلك كثير في كلامهم، وما قدمناه في سبب النزول ظاهر في أن المخاطب بذلك ابن سلام وأصحابه، وعليه لا إشكال إلا أن ذلك لا يعتبر مخصصاً كما لا يخفى، فالآية على كل حال لا تدل على خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه على الوجه الذي تزعمه الإمامية، وهو ظاهر لمن تولى الله تعالى حفظ ذهنه عن غبار العصبية." ما جواب هذا التفسير؟




رد مع اقتباس
قديم 06-04-2011, 10:41 PM   #2
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الجواب:
الأخ ماجد المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: قال: ثم انه سبحانه لما قال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ )) (المائدة:51)، وعلله بما علله إلى قوله: (فاختصوهم بالموالاة ولا تتخطوهم الى الغير) وحاول فيه أن يدعي وحدة السياق وأن لم يصرح به ولكن ظاهر عبارته ذلك من ربطه بين هذه الآية والآيات التي سبقتها الناهية عن ولاية اليهود والنصارى وهو هنا لم يفسر الولاية في هذه الآية وإنما أورد نفس معناها في الآية السابقة عليها وقد ذكر هناك أن المراد النهي عن ولاية النصرة لليهود، والنصارى وما فعل ذلك الا لكي لا يلزم بما سوف يرد عليه مما سنذكره محاولاً التخلص من القصر الظاهر من لفظة (إنما) المنافي لولاية النصرة بهذه التعمية في العبارة.
ومحاولة الاستدلال بوحدة السياق ذكرها قبله الكثير من علماء أهل السنة منهم التفتازاني في شرح المقاصد وابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة وأشار إليها أكثر من فسر هذه الآية منهم.
وقد أجاب علماؤنا عن ذلك قديماً ولكن الآلوسي غض الطرف عن أجوبتهم لما يريد من غاية وإلا لو كان من أهل التحقيق لأوردها ثم ذكر ما يمكن أن يجيب عليها، لا طرح كلامه تبعاً وتقليداً لسلفه كأنه آخر ما قيل ولا معقب عليه.
وأما ما يرد على أدعاهم بوحدة السياق فأمور:
1- أن سبب النزول كما هو الصحيح يرد وحدة السياق.
2- عدم وجود وحدة السياق بين الآية المقصودة وهذه الآية لبعدها أولاً ولفصلها بآية الارتداد. ثانياً: وهذا ظاهر واضح لما قرأ الآيات من قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )), إلى الآيات الثلاثة بعدها فأنها مترابطة المعنى مفصولة عما بعدها.
3- وجود كثير من الآيات في القرآن أولها في شيء ووسطها في شيء وآخرها في شيء، بل مجيء آية لها معنى خاص في وسط آيات متحدة المعنى لا علاقة لها بهن. فإذا تعارض الدليل مع السياق قدم الدليل لاتفاق الجميع على أن الآيات لم تترتب على سبب النزول.
4- ان الولاية في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء )), ليست بمعنى النصرة لأن هذا المعنى لا يلائم قوله تعالى: (( بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )), ولا قوله: (( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم )), لأنه لا يتم معناهما إلا إذا كانت الولاية فيها بمعنى المحبة فان ولاية المحبة هي التي تجعل اليهود أولياء بعضهم لبعض لا النصرة، وهي التي تجعل من يحبهم كأنه منهم وجداناً لا ولاية الحلف والنصرة.
5- لا يصح جعل النبي (صلى الله عليه وآله) ولياً للمؤمنين كما في الآية بمعنى النصرة بل اما أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين جميعاً ينصرون دين الله، أو أن الناس ينصرون رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنه المبلغ بالدين والرسول عن الله، أو أن الله ينصر رسوله والمؤمنين. وأما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكون ناصراً للمؤمنين فليس يصح ولم يرد فيه آية من القرآن، ومنه يظهر أن الولاية هنا ولاية التصرف لا ولاية النصرة.
6- أن القول بأن الولاية في الآية هي ولاية النصرة تبعاً للسياق المفترض من أن النهي في الآية الأولى منصب على ولاية النصرة لليهود والنصارى لا يجتمع مع أداة الحصر (إنما) ولا مع الضمير (كما) في وليكم, لأن ولاية النصرة عامة، وقوله (وليكم) يحتاج إلى آخرين مخاطبين غير من ثبتت له الولاية ولا يمكن أن يخاطب المؤمنون كلهم بلفظة (وليكم) فثبت أن من ثبتت له الولاية بعض المؤمنين لا كلهم.
7- أن القول بأن الولاية في الآية تعني الأولى بالأمر لا ينافي السياق ولا يتعارض مع المناسبة المدعاة بين الآيات لأن ولاية الأمر تشمل ولاية النصرة والمحبة وغيرها فثبتت المناسبة.
8- أن جعل المقصود من قوله (الذين آمنوا) عموم المسلمين، وبالتالي جعل الحصر المستفاد من (انما) خاص بالله ورسوله والمؤمنين جميعاً دون اليهود والنصارى والمنافقين والذين في قلوبهم مرض ويكون المعنى كما قال: (لا تتخذوا اولئك أولياء لأن بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم إنما أولياؤكم الله ورسوله (ص) والمؤمنون فاختصوهم بالمولاة ولا تتخطوهم الى الغير...)، مناف ومعارض بالجملة الحالية في قوله تعالى: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), وسيأتي بيانه.
ثانياً: قوله: وأفراد الولي مع تعدده ليفيد كما قيل: أن الولاية لله تعالى بالأصالة.... إلى قوله: لأن الحصر باعتبار أنه سبحانه الولي بالأصالة وحقيقة وولاية غيره إنما هي الإسناد إليه عز شانه).
والجواب عليه:
1- أنتقل الآلوسي هنا إلى تعليل الأفراد في لفظة وليكم وكأنه قد فرغ من معناها فيما حاول الإشارة إليه بأنها بمعنى الولاية الواردة في آية النهي عن ولاية اليهود مع أنه لم يورد لفظاً صريحاً على معناها هنا والتحقيق أن معنى الولاية في الآية (الأولى بالأمر) لما ثبت في اللغة من أن الولي من كان أولى بالأمر في كل شيء ولا يمكن أن يراد بها هنا النصرة أو المحبة لمكان أداة الحصر (إنما) فلو كان المراد بها النصرة والمحبة لناقض الحصر لأنهما نابتتان لجميع المسلمين فلا مورد لمجيء (انما) هنا ومن هنا حاولوا تفسير: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), بأنها تشمل جميع المؤمنين وسيأتي بيان الخطل في ذلك.
2- أن لفظة (وليكم) جاءت في الآية مفردة واثبتها الله لنفسه أولاً ثم أنبتها لرسوله (صلى الله عليه وآله) بالعطف ثانياً ثم للذين آمنوا الموصوفون بالصفة المذكورة ثالثاً: فدل أن ما ثبت للذين آمنوا هو نظير ما ثبت لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وأن المعنى المراد الثابت للجميع واحد هذا هو الظاهر من اللفظ.
نعم، يثبت من دليلين عقليين: الأول أن الولاية لله بالأصالة والثاني أنه لا يجتمع وليان عرضاً في وقت واحد أن الولاية الثابتة هنا طويلة وانها بالأصالة لله ثم لرسوله ثم لمن صفته كذا من المؤمنين بالتبع.
3- أن أفراد لفظة (وليكم) فيها أشارة إلى ان المراد من (الذين آمنوا) واحد في كل عصر وهذه وسابقتها نكته بيانية مهمة يحتاجها بيان المعنى الزائد في الآية.
وأما ما نقله من أن النكتة في أفراد الولاية هي لبيان أنها بالأصالة لله ثم للرسول (صلى الله عليه وآله) والذين آمنوا بالتبع ليس على استقامته إذ أن استفادة ذلك كما قدمنا من دليل خارج من الآية ويتم حتى لو جاءت الولاية بالجمع مع ما في قوله (وأفرد الولي مع تعدده) من مصادرة على المطلوب، فإن افراد الولي في (وليكم) يشير إلى أنه واحد كما قدمنا وقوله (مع تعدده) أول الكلام ويحتاج إلى إثبات كما سيأتي.
ومن هذا يظهر أنه لا يحتاج إلى تقدير في الكلام كما نقله عن صاحب الفرائد لأن المعنى على ما قدما تام بدون تقدير ولكنهم أضطروا إليه لما صرفوا المعنى إلى الجميع. فلاحظ.
ويظهر أيضاً صحة المنافاة المدعاة لو كان التقدير على الجمع (أي أوليائكم) لأداة الحصر (إنما)، فأنه لا يظهر من الأداة حصر الولاية في الله أصالة ثم أنها للرسول والذين آمنوا بالتبع وإنما يظهر منها الحصر بالله وبمن عطف عليه النبي (صلى الله عليه وآله) والذين آمنوا بالتساوي نعم قلنا يظهر من دليل خارج أنها بالأصالة لله وبالتبع لغيره، فالتقدير اللغوي بأن الولاية للجميع ينافي وضع (إنما) للحصر لغةً فلاحظ.
4- قد تقدم أن الولاية في الآية ثابتة بمعنى واحد للكل ولا يمكن أن يكون المراد من ولاية الله ولاية النصرة، فبالتالي لو كان المراد من الذين آمنوا جميع المؤمنين كان معنى الولاية الثابتة في حقهم غير معناها بالنسبة لله إذ لا تخرج الولاية بالنسبة إليهم عن معنى النصرة أو المحبة وهي غير ولاية الله كما قدمنا، مع أنا نلاحظ من السياق أشراك الجميع بالعطف على هذا المعنى الواحد من الولاية الذي جاء على المفرد فلو كانت الولاية تثبت للجميع وهي بمعنى آخر لاحتاج إلى أن تذكر ولاية أخرى في المقام رفعاً للالتباس كما قال تعالى: (( قُل أُذُنُ خَيرٍ لَّكُم يُؤمِنُ بِاللّهِ وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنِينَ )) (التوبة:61). فكرر الإيمان وفرقه بين الله بتعديته بالباء وبين المؤمنين بتعديته باللام.
ثالثاً: قوله: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )), بدل من الوصول الأول..... إلى قوله: (( وهم خاشعون )) ومتواضعون لله تعالى، وقيل هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة والركوع ركوع الصلاة والمراد بيان كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه).
والجواب عليه:
1- ان اعراب الجملة في الآية (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ )) على أنها بدل أو صفة لا يؤثر في الإستدلال، والتعبير عنها في رواياتنا بأن الله سبحانه وصفه(ع) بكذا أو قول علمائنا وبعض علماء السنة بأن الله وصف الذين آمنوا بكذا، قد يراد به النعت المعروف في النحو وقد يراد به البيان والتفسير فلا ينافي أن يكون بدلا.
وعلى كل حال فإن المعنى يكون أن الذين أمنوا من صفتهم أقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الركوع.
2- لقد أعترف الآلوسي هنا أن جملة (( وهم راكعون )) حال من جملة (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )) أي يؤتون الزكاة وهم في حال الركوع، لا كما فعل معظم أسلافه في محاولة لصرفها عن علي (ع) بجعل الجملة (( وهم راكعون )) معطوفة على الجملة السابقة التي هي صلة الموصول، فإن الواو هنا حالية وليس عاطفة كما هو ظاهر اللغة العربية ـ فإن المفهوم من قول القائل (فلا يغشى أخوانه وهو راكب) معنى الحال أي أنه يغشى حال ركوبه وكذلك لو قال (لقيت فلانا وهو يأكل) كان معناه لقائه حال الأكل.
3- ولكنه حاول صرفها عن علي (ع) بطريق آخر بأن قال كما قاله القوشجي قبله أن المراد من الركوع ليس الركوع المعروف وهو الانحناء وإنما معناه الخشوع والتواضع فيكون المعنى على قوله أنهم يأتون الزكاة وهم خاشعون متواضعون، وهذا خلاف ظاهر اللفظ أيضاً.
لأن المعروف في العربية أن الركوع هو التطأطؤ المخصوص والانحناء وهو معناه حقيقة وإنما شبه به الخضوع والخشوع على نحو المجاز، فقد أنشد لبيد:
أخبر أخبار القرون التي مضت ***** أدب كأني كلما قمت راكع
فالحمل على الحقيقة أولى ولا يحمل على المجاز إلا بقرينة كما قال الشاعر:
لا تهن الكريم علك ان تركع ***** يوماً والدهر قد رفعه
فإنه أراد به علك أن تخضع يوماً بقرينة لا تهن الكريم والدهر قد رفعه.
وقد قال صاحب العين الفراهيدي كل شيء ينكب لوجهه فيمس ركبته الأرض أولا يمس بعد أن يطأطئ رأسه فهو راكع وغيرها من أقوال أصحاب اللغة.
وكذلك يفهم من الركوع في الحقيقة الشرعية التطأطؤ المخصوص في الصلاة دون التواضع والخشوع فالحمل على الحقيقة الشرعية أولى من حمله على التواضع والخشوع كما سلف من أنه جاء لبيان حال اعطاء الزكاة وهو في الركوع وليس هناك داع لحمله على خلافها سوى العصبية.
فظهر مما ذكرنا أن جعله معنى الركوع هو الخشوع والتواضع ليس له وجه أصلاً وتضعيفه القول بأن معناه الانحناء والتطأطؤ المخصوص بقوله (قيل) ليس له وجه أيضاً، بل أن الظاهر والدليل مع هذا المعنى الأخير، وقد دلت الروايات على أن من أتى الزكاة وهو بحال الركوع هو علي (ع) ليس غيره كما سيأتي فما حاول من نسبة هذا القيل إلى الجمع بقوله: (والمراد بيان كمال رغبتهم في الاحسان ومسارعتهم إليه) ليس في محله كذلك، وسيأتي من كلامه الآتي ما يدحض هذه المحاولة للتعميم بعد أن يعترف بأن الآية نزلت عندما تصدق علي (ع) بخاتمه وهو راكع فروايات النزول تدحض ما حاول نسبته إلى الجمع فالسائل واحد والتصدق واحد، فلاحظ.
رابعاً: قوله: (وغالب الأخباريين على أنها نزلت في علي كرم الله وجهه فقد أخرج الحاكم... الخ).
والجواب عليه:
1- هذا أعتراف منه بنزول الآية بحق علي (ع)، وأن حاول التقليل من ذلك بقوله (غالب الإخباريين) ولم ينص كما نص غيره من متكلميهم كالقوشجي بأن الاجماع أنعقد على أنها نزلت في علي (ع), وقد أتفق المفسرون على ذلك ولكن الآلوسي هنا لم يتبعه في قوله كما فعل سابقاً!!
2- ثم انه أقتصر على رواية واحدة وهي التي فيها مجيء عبد الله بن سلام إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يذكر الروايات الاخر الكثيرة والتي فيها من الصحيح العديد وكلها تدل على أن سبب النزول هو علي (ع).
3- ولا نطيل بذكر الأسانيد وتصحيحها بل اثبات تواترها في أن الآية نزلت بحق عليه (ع) بل نحيلك إلى صفحتنا تحت عنوان (الأسئلة العقائدية / آية الولاية).
4- ومما ذكرنا يظهر لك أن المعني بـ (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) هو علي بن أبي طالب (ع) لا جمع من المؤمنين، ومن عطفها على رسول الله (صلى الله عليه وآله) يثبت له نفس معنى الولاية الثابت له (صلى الله عليه وآله) وهو نفس المعنى منها الثابت لله سبحانه وتعالى، ومن الحصر الموجود في آية بدلالة (إنما) يثبت أنها خاصة بالله ورسوله وعلي (ع) دون غيرهم فلا يمكن أن يراد بمعنى الولاية النصرة أو المحبة لأنها عامة لجميع المؤمنين.
وبالتالي يثبت ما نقله الآلوسي من استدلال الشيعة بهذه الآية على الولاية دون نقاش حيث قال: (واستدل الشيعة بها على امامته كرم الله وجهة.... إلى قوله: وهذه نكتة سرية تعتبر في كل مكان بما يليق به).
ويسقط كل ما حاول الإجابة عليه من طريق أهل السنة كما سيأتي
خامساً: قوله: (وقد أجاب أهل السنة عن ذلك بوجوه الأول:...الخ).
والجواب عليه:
1- أن هذا الكلام من تقرير استدلال الشيعة والجواب عليه قد أخذه من عبد العزيز الدهلوي في التحفة الأثني عشرية وهو مذكور في مختصر التحفة الأثني عشرية لمحمود شكري الآلوسي عند كلامه حول الآية، وقد أجاب عليه علمائنا ومنهم السيد أمير محمد القزويني في كتابه الآلوسي والتشيع.
2- وأصل هذا الإشكال ورد عند القوشجي في شرح التجريد عندما أعترض على اختصاصها بعلي (ع) وقال بأنها ليست في حقه للجمع وللحصر وهم (أي شيعة) لا يقولون به، أي لا يقولون بحصر الولاية في علي (ع) فقط دون أولاده.
3- أن الشيعة يستدلون على ولاية علي (ع) من هذه الآية بهذا التقرير: أن الآية حصرت بظاهر اللفظ الولاية بالله سبحانه وتعالى وعطفت عليه الرسول والذين آمنوا، ولا بد من أن يكون الذين امنوا بعض المؤمنين لا كلهم، لوضوح أن الذين أمنوا غير الذين ذكروا بضمير (كم) المضاف في (وليكم) وإلا لأصبح كل مؤمن ولي نفسه ولبطل الحصر وكان المضاف هو المضاف إليه وهو مستحيل، وأن معنى الولاية غير معنى النصرة للحصر المذكور فأن ولاية النصرة شاملة لكل المؤمنين كما في قوله (( المُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )).
وبعبارة أخرى: أن الله خاطب المؤمنين بأن وليكم ولا ولي غيره هو الله سبحانه وتعالى فدخل في المخاطبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم أخرجه بالعطف فثبتت له الولاية أيضاً ثم عطف الذين آمنوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فثبتت لهم الولاية كذلك ولا يمكن أن يكون الذين آمنوا نفس المخاطبين أولاً لما ذكرناه.
ثم انهم يقولون: أنه قد ثبت بالاجماع أن الصفة المذكورة للذين أمنوا وهي (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) قد وقعت بالفعل الخارجي من علي (ع) وحده لا سواه فثبت أن المراد من (الذين آمنوا) هو علي (ع) لا غيره بنص الروايات وفعل وحال النبي (ص) المنقول فيها، فانه خرج بعد نزول الآية يبحث عن هذا المتصدق في حال الركوع ولم يكن إلا علي (ع).
واعطاء حكم كلي والاخبار بمعرف جمعي بلفظ الجمع ولا يكون المصداق الخارجي إلا واحد، معروف في اللغة وهو ابلغ وأتم بياناً للمراد وهو معروف في آيات القرآن الكريم وعليه أكثر من شاهد.
وهم بهذا يستدلون على أن المراد بـ (الذين آمنوا) هو علي (ع) مما وقع في الخارج وليس من ظاهر لفظ الآية كما هو الظاهر من تقرير عبد العزيز الدهلوي والآلوسي لدليلهم، فلاحظ.
4- أن الآية جاءت بالأخبار عن واقع خارجي وليس بالإنشاء لحكم شرعي، فلا يدخل بها كل من تصدق وهو راكع بعد أن علم بالآية وكان علمه بها دافعه للتصدق وبعبارة أخرى كما يقول بعض علمائنا أنها جاءت على شكل قضية خارجية محددة الموضوع لا قضية حقيقة مقدرة الموضوع كما يذكرون في علم المنطق.
ومن هنا كان فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما خرج يبحث عن التصدق حال الركوع ليبينه للمسلمين وكما هو ظاهر أيضاً من الفعل المضارع (يؤتون) الدال على الوقوع في الحال. فتكون الآية دالة على ولاية علي (ع) وأولاده (عليهم السلام) بنحو الاختصاص لا التخصيص، فلاحظ.
5- أن الولاية الحقيقة هي لله سبحانه وتعالى فقط لأنه الحاكم والمالك الحق وهذا واضح، ولكن ولاية رسول الله (صلى الله عليه وآله) تكون بالطول والتبع والنيابة فكذلك ولاية الذين آمنوا، فان ولايتهم طولية لا عرضية، فولاية علي (ع) ثابتة في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالطول، أي أن له حق الطاعة من قبل المؤمنين ولكن لوجود رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو الأولى بالطاعة وأن كانت طاعة علي (ع) ثابتة أيضاً ويدل على ذلك قصة اصطفاء علي (ع) لجارية من سبي اليمن وشكاية بعضهم ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله) وجوابه بأنه له من الحق أكثر من ذلك.
6- ومن هنا نقول إذا كانت ولاية الأئمة (ع) من أولاد علي (ع) ثابتة بالطول وبالنيابة عن ولايته (ع) ومترتبة عليها في ذاتها وتأتي بعدها في الزمن فلا يضر الحصر فيها، وإنما يضر الحصر إذا كانت الولاية بالعرض وفي نفس وقت وزمن حياة الولي أو كانت على نحو الشركة أو المعارضة أو سابقة بالزمن كما يدعيه أهل السنة لخلفائهم.
فإن حصر الولاية إذا ثبت لأشخاص بالطول لا يمكن أن يدخل معهم غيرهم بالعرض وفي زمنهم بما هو ثابت من معنى الإمامة وما يثبته العقل الفطري لها من عدم جواز الشركة وتعدد الأئمة في وقت واحد.
فحصر الولاية بالله ورسوله وعلي (ع) يدفع أي احتمال لوجود إمام آخر يتخلل وقته بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (ع) لأنه منفي بالحصر، وهو أي الحصر يثبت ولاية علي (ع) بعد رسول الله بلا فصل كما يثبت عدم ولاية غيره معه.
7- ومن هنا يتضح أن الحصر لو كان حقيقياً فهو لا يضر بإمامة الأئمة (ع) لوجوه:
أ- ما ذكرناه من أن ولايتهم مترتبة طولاً.
ب- لوجود أدلة أخرى على امامتهم بعد أبيهم بالترتيب زمناً.
ج- لما تبين من أن الآية سيقت مساق الأخبار لا الشريع فهي تدل على ولايتهم بالاختصاص لا بالتخصيص.
د- أن لفظ الجمع عند ذلك يشملهم ولا يعارضه اختصاص أمير المؤمنين بالتصدق حال الركوع في وقته وثبوت ذلك الفعل الخارجي منه بالروايات، لان حصر واختصاص الولاية به عند ذلك يكون بما وقع خارجاً وما أشار إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا بما دل عليه اللفظ.
و ـ وجود الروايات عندنا بان الأئمة (ع) كلهم يتصدقون حال الركوع عندما يصلون إلى حد الإمامة.
وكذلك لا يضر لو كان الحصر أضافياً لوجوه:
أـ أنه حصر اضافي لما يحتمل أن يقع فيه الترديد بالإضافة إلى الثلاثة الذين تقدموا عليه.
ب ـ يصح الحصر عند ذلك في زمن حياة علي (ع) فقط كما ثبت من معنى الولاية عرفاً وعقلاً واستحالة عدم وجودها وتعددها على طول الزمان إلى يوم القيامة.
ج ـ وكذلك يصح الحصر في تلك الصفات (( يأتون الزكاة وهم راكعون )) في الحال والآن أو في زمن حياته لموقع الفعل المضارع يؤتون الدال على الحال.
د ـ بل لعل الحصر لابد أن يكون إضافياً أما لقصر الأفراد أو القلب أو التعيين لما هو مركوز في العقول من عدم خلو الأرض من إمام الى يوم القيامة وكذلك وجود أئمة سبقوا نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) من زمن آدم لم يتصدقوا حال الركوع.
ولكن الحصر سواء كان أضافياً أو حقيقياً فهو ينفي إمامة الثلاثة المتقدمين وهذا كاف في الاستدلال.
8- ان بعض علمائنا عندما يقولون أن الحصر أضافي يريدون به أنه حصر أضافي لمن كان في زمن حياة علي (ع) ومن يدعي أن له الولاية والإمامة مقابله بالعرض، لأن العامة يقولون أنه حصر إضافة لولايته في وقت من الأوقات لا على التعيين حتى يصدق على الوقت الذي تولى فيه خلافة المسلمين بعد عثمان، لأن هذا القول ينافي حصر الولاية في الآية بالله ورسوله ومن تصدق وهو راكع وهو علي (ع) وترتب هذه الولاية بالطول وهو واضح إذ سوف يدخل بالولاية من هو خارج الحصر، فلاحظ.
كما أن ولاية السبطين في حياته لا تعارض ولايته لما قلنا من أنا الولاية طولية كما أن ولايته (ع) لا تعارض ولاية رسول الله بل أن ولاية رسول الله لا تعارض ولاية الله.
9- أما أنه (ع) سوف يلزمه النقص حال ولاية الثلاثة فهو واضح لأن ولايتهم ستكون عرضية ومعارضة لولايته واما أن لا يلزمه النقص بولاية سبطيه فلأن ولايتهما طولية نابعة من ولايته ثم أن هذا المعنى غير خارج من الآية بل هو داخل في معنى الولاية وطوليتها لأن حصر الولاية بالثلاثة يفهم منه معارضة ولاية غيرهم معهم بالعرض ولا يعارض ولاية، من يتبعهم بالطول والنيابة ثم أن ولاية أولاده نابعة من ولايته فكيف يكون فيها نقص عليه وهل ولاية ولي العهد لأي ملك في زمن حياة الملك نقص عليه، ما هذا إلا توهم جاهل!!
سادساً: قوله الثاني: انا لا نسلم الإجماع على نزولها في الأمير.....)
والجواب:
1- ان نفي الإجماع على نزولها في علي (ع) دفعاً بالصدور، فهذا من الجحود والتعصب الأعمى بدون دليل، كيف وقد نص علماؤهم على ذلك؟!
إذ كيف يكون الإجماع بعد ذكر المفسرين والمحدثين والمتكلمين له ووصول العديد من الروايات الصحيحة في ذلك إضافة للضعيفة والمرسلة,هذا عندهم فضلاً عن إجماع الشيعة من أولهم إلى أخرهم على ذلك.
(وأما تفصيل ذلك فهو وجود على صفحتنا فلا نعيد، فراجع).
2- أما لجوءهم إلى الرواية عن أئمتنا بطرقهم بما يناقض ما قلناه متواتراً عنهم (ع)، فهذا مما يضحك الثكلى ويقتضي العجب، وهماً منهم أنهم سوف يسكتوننا بذلك.
كيف وقد روينا عن الباقر (ع) بعدة طرق أنها نزلت في علي، ففي الكافي عن أبي جعفر (ع) قال: (أمر الله عزوجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ... )) الرواية.
وروى الصدوق في الامالي عن أبي جعفر (ع) انها نزلت في علي (ع) والفتال النيسابوري في رواية حجة الوداع والعياشي في تفسيره والقمي في تفسيره وفرات في تفسيره وغيرهم الكثير كلهم عن أبي جعفر الباقر(ع).
بل روينا عن الباقر(ع) أنها نزلت فيهم وأنهم المؤمنون المعنيون في الآية. ففي الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: مسألته عن قول الله عزوجل (( وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ )) (الأعراف:160)، قال: ان الله تعالى أعظم وأعز وأجل وأمنع من أن يظلم ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )), يعني الأئمة منا. (الكافي 1: 146). ومثلها العديد من الروايات.
ومنها يتوضح المراد في الرواية التي رواها عبد الملك عنه (ع) (لو صحت) ونقلها الطبري في تفسيره قال سألته عن هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا، قلنا بلغنا انها نزلت في علي بن أبي طالب قال: علي من الذين آمنوا. (جامع البيان 6/389)، فان الإمام (ع) هنا يريد الذين آمنوا حقاً وهم الأئمة (ع) والإمام علي (ع) أولهم فيطابق ما نقله الشيعة في ذلك.
ولكن أنظر كم اختلفوا في نقل نص هذه الرواية نفسها، فمرة المؤمنون، وأخرى المسلمون، وأخرى المهاجرون والأنصار، مع أن السند واحد!!
3- وأعجب من ذلك ما نقلوه عن عكرمة الكذاب الخارجي أنها نزلت في أبي بكر! بل العجب ممن يصدق ذلك ويذكرها في كتابه!! بل يقول: ((وروى جمع من المفسرين)) حتى يغطي على أنفراد عكرمة بالوضع فينسبها إلى جمع من المفسرين!
4- وهناك من ذكر نزولها في حق عبادة بن الصامت، وهذا خبر واحد لا يعارض المجمع عليه فلا يلتفت إليه، ومع ذلك فالرواية غير معارضة لنزولها في علي (ع) لأن عبادة في الرواية تبرأ من موالاة اليهود فأخبر الله بأن الولاية المرضاة عند الله هي المحصورة بالله ورسوله والذين آمنوا فأخبر عبادة بأوليائه بدل اليهود.
سابعاً: قوله: (الثالث: انا لا نسلم أن المراد بالولي المتولي للأمور.... الخ).
والجواب:
1- الظاهر منه أنه يسلم أن لفظة الولي تأتي بمعنى الأولى بالأمر ومستحق الطاعة والمتصرف بالأمور ولكنه ينكر إرادة هذا المعنى في الآية ولذا قال: أن المراد بالولي الناصر. وان كان ينكر هذا المعنى من أصل فبيننا وبينه أهل اللغة قال المبرد: الولي هو الأحق والمولى والأولى عبارة عن شيء واحد، انتهى. ولا نطيل أكثر من هذا.
وأما أن المراد بالآية معنى الأحق والأولى وذلك لمقام الحصر بـ(إنما) فإنها حصرت هذه الولاية بالمذكورين ونفتها عن غيرهم وقد مر استدلالنا على أن المراد من الذين آمنوا هو علي (ع) لمقام الحال من التصدق أثناء الركوع ولم يثبت لغيره ولأن ولاية النصرة عامة لجميع المؤمنين.
كذلك أنها نسبت الولاية لله وهو مالك الكل وللرسول وهو الحاكم غير المنازع فكذلك من عطف عليه وهذا هو قضية الظاهر من قولهم (فلان ولي المرأة) أي الأحق بالتصرف (وفلان ولي عهد الملك) أي واجب الطاعة بعده، فان الولي بما أنه نسب الى المرأة أوالى ولي العهد فهم من المعنى الأحق بالتصرف فكذلك عندما ينسب إلى الله ورسوله فإن الولاية لهما ولاية مخصوصة ونصرة خاصة لا كمثل نصرة المؤمنين بعضهم لبعض.
2- قال الشهيد نور الله التستري في (الصوارم المهرقة: 172) في الرد على ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: والحاصل أنه أن أريد بالولي الناصر وبالذين آمنوا جماعة من المؤمنين الذين يمكن أتصافهم بالنصرة فيستقيم الحصر حينئذٍ لكن لا يستقيم الوصف بايتاء الزكوة حال الركوع وان أريد به الناصر وبالذين آمنوا علي (ع) يبطل الحصر وأن أريد به الأولى بالتصرف وبهم علي (ع) يستقيم الحصر والوصف معاً.
3- أما قوله (لأن الكلام في تقوية قلوب المؤمنين) فهو رجوع إلى الاستدلال بقرينية السياق وقد أجبناه سابقاً وسيأتي ولكن نقول أن الاحتياج إلى القرينة يأتي فما لو أحتمل الظاهر معنين نحدد أحدهما بالقرينة لا بأن يكون المعنى مع القرينة خطأ ومنافٍ للإستعمال اللغوي كما هو مراده لمنافاته للحصر بإنما في الآية.
وأما قرينية السياق المدعاة: فإنه لم يستدل بالآية الأولى وهي (( لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ )) (المائدة:51)، اذ لعله تنبه إلى بعدها عن الآية مورد الإستدلال كما ذكرنا سابقاً.
ولكنه استدل بقرينية آية الارتداد وهي قوله تعالى: (( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَومَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) (المائدة:54), وظاهرها أنها تتحدث عن أمر سيقع في المستقبل بقرينة قوله (فسيأتي الله) وفيها من التهديد والإنذار مالا يخفى وليس لتقوية قلوب المؤمنين فإنها تتحدث عن ملحمة ستأتي لاحقاً وأن الارتداد سيقع في هذه الأمة وان من يقوّمه وينصر دين الله موصوف بأوصاف ذكرها الله في الآية كلها تنطبق على علي (ع) ومن الروايات ما يؤيد ذلك فهي أولى في قرينيتها على أن المراد بالولاية في الآية اللاحقة لها ولاية الإمامة لا ولاية المحبة والنصرة وقد روي عن علي (ع) انها نازلة فيه ومن معه عندما قاتل الناكثين، وهل هناك دليل أدل دليل على الارتداد من إنكار ولاية الله المفروضة على المؤمنين لعلي (ع)؟
أما الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )) (المائدة:56)، فهي أوضح على ما قلناه لأن فيها ذكر الحزب والجماعة وذلك يستدعي وجود القيادة والإمامة ولعل هذا الأمر هو الذي أدى بالآلوسي الى اغفالها.
4- واما الآية اللاحقة وهي قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُم هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَالكُفَّارَ أَولِيَاء وَاتَّقُوا اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ )) (المائدة:57). فهي كلام مستأنف لا علاقة له بما قبله من الآيتين فيها نهي عن ولاية ومحبة المستهزئين بالدين لأن المستهزئين كأن لا دين لهم وهي منسجمة في السياق مع ما بعدها من آيات لا مع ما قبلها، ولك أن تلاحظ وجود الحصر في الآية مورد الاستدلال دون ما أدعي من أتحادها مع الآيات التي قبلها والآيات التي بعدها وهذا يدل على أن معنى الولاية المحصور هنا غير معنى الولاية المطلق هناك.
وعليه فلم يدّع أحد أن الولاية في الآية المذكورة اللاحقة هي ولاية الإمامة، وحتى يقول أنها آبية عن حملها على الولي لمن أنصف نفسه، مع أن استدلاله لا يتم إلا بالقول باتحاد السياق في الكل حتى تكون الولاية بمعنى واحد وهذه دعوى لا دليل عليها وهي مصادرة على المطلوب.
ثامناً: قوله ( وكلمة انما المفيدة للحصر تقتضي ذلك المعنى أيضاً لأن الحصر يكون فيما يحتمل اعتقاد الشركة... الخ).
والجواب:
1- أن هذه الشبهة ذكرها القوشنجي في شرح التجريد وتبعه غيره عليها منهم هذا الآلوسي.
2- أن هذه الآية المذكورة نزلت أواخر حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) وفي بعض الروايات نزلت قبل حجة الوداع ومن ثم يتضح وجود النزاع والتطلع إلى الإمامة في ذلك الوقت. من قبل المعنيين والأخبار في ذلك كثيرة الدالة على أتفاق المنافقين لصرفها عن علي (ع) لما أشار إليه النبي (صلى الله عليه وآله) كثيراً من أول البعثة إل أخرها.
3- ثم ان علم الله تعالى بوقوع الخلاف يكفي في ورود الحصر وصحته.
4- وقد ذكرنا سابقاً بأنه يمكن حمل الحصر على الحصر الإضافي بأقسامه من حصر الأفراد والقلب أو التعيين.
5- ثم ان وجوب وقوع التردد في الحصر هو في الحصر الإضافي لا الحقيقي وقد قدمنا صحة حمل الحصر في الآية على الحقيقي والإضافي.
ومن هنا يظهر تحقق حمل الولاية على الإمامة لا النصرة والمحبة ويدل عليه مجيء الحصر في هذه الآية لا في الآيات التي قبلها، ولا يصح إلا لإفادة معناً جديداً لم يذكر سابقاً وإلا أدى إلى التكرار وقد نهي عن ولاية اليهود والنصارى سابقاً.
تاسعاً: قوله (الرابع: أنه لو سلم أن المراد ما ذكروه فلفظ الجمع عام...الخ).
والجواب:
1- وهذه أيضاً ذكرها القاضي عبد الجبار في المغنى وتبعه عليه أكثرهم واجاب عليها علماؤنا بالتفصيل.
2- بعد وقوع الاجماع على أنها نزلت بحق علي (ع) وأنه المراد من (الذين آمنوا) لأنه المتصدق حال الركوع لا غير لا مجال للإستدلال بظهور اللفظ في العموم فأين الإرادة من الدلالة وقد ذكرنا سابقاً أن الآية جاءت للأخبار لا للإنشاء فهي ليست قضية حقيقية بل خارجية شخصية.
3- وصحة ورود الحكم العام أو المعرف الجمعي الذي لا يكون له إلا مصداق واحد في الخارج معروف في الإستعمال القرآني وله شواهد كثيرة على ذلك منها قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاء )) (الممتحنة:1). والمراد منها واحد وهو حاطب بن أبي بلتعة ومنها قوله تعالى في نفس هذه الآيات (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة...) فإنهم قالوا أن المراد منها عبد الله بن أبي.
على أن مجيء لفظ الجمع وإرادة الواحد منه كثير في الإستعمال، بل قال المرتضى(ره) أنه أصبح حقيقة شرعية في الواحد المعظم كقوله تعالى: (( أنا أرسلنا )) و (( لقد أرسلنا )) وغيرها من الآيات.
4- قوله (والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب) صحيح ولكن في حال الإنشاء لحكم لا الأخبار عن واقع خارجي كما قدمنا سابقاً مع ما قلنا من أن الاجماع وقع بان المراد هو علي (ع) في وقته مع صحة حمل الجمع على أرادة أئمتنا (ع) لورود الروايات بتحقق التصدق منهم (ع) ولم ترد بوقوعه من غيرهم المدعى لهم الإمامة وأن الحصر ينفي ولاية من تقدمه لا من لحقه من أولاده كما مر.
5- ثم ان الضرورة قاضية بحمل العام هنا على الخاص وذلك لورد الحصر والصفة الخاصة بالتصدق اثناء الركوع ولم يكن غيره (ع) في زمنه، وحمل الركوع على غير معناه المتبادر المعروف تمحل سوف يأتي الجواب عنه.
6- وقد ذكروا وجود النكتة لورود لفظ الجمع مع أن المراد واحد وهي كما قال الزمخشري لترغب الناس على الفعل وكما قال الطبرسي في مجمع البيان للتعظيم وكما قال شرف الدين في المراجعات بأن الناس لم يكونوا يتحملون التصريح باسم علي (ع) في ذلك الوقت.
7- ثم انا نلتزم بثبوت الولاية لبعض المؤمنين وهم المعنيون بالعموم من ألفاظ الجمع، ولكنهم موصوفون بوصف خاص وهو التصدق حال الركوع وهو لم يثبت إلا لعلي (ع) فاختصت الآية به في وقته واختصت بكل إمام في وقته لما ورد عندنا أنهم يتصدقون حال الركوع عند بلوغهم حد الإمامة.
وهذا غير حمل الآية على عموم المسلمين فإن ظاهر الحصر واختلاف المضاف والمضاف إليه في وليكم يمنعه.
عاشراً: قوله فان قالوا: الضرورة متحققة ههنا أذ التصدق على السائل...الخ).
والجواب:
1- كيف يجوز أن يكون المراد من الركوع التخشع والتذلل بعد ورود الروايات والإجماع على تصدق علي (ع) حال كونه راكعاً وان الآية نزلت فيه ونص الروايات بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج يبحث عن المتصدق وسأل السائل عن حاله حال اعطاءه الخاتم، فهل بعد فهم الرسول (ص) وأصحابه يلتفت إلى ما يحتمله هؤلاء المتشدقين وهل هذا إلا تنطع وصقاعة!! والوقوع أدل دليل على المراد والعجب من هذا الآلوسي بعد أن نقل عن ابن عباس رواية أبن سلام وفيها نص على التصدق حال الركوع يأتي ويقول أن المراد من الركوع هو الخشوع والتذلل فهل رأيت تهافت ودفع للحق أكثر من هذا!!
2- ولقد أجبنا على هذا القول من أن المراد بالركوع الخشوع فيما مضى تحت (ثالثاً) فراجع، ومجمله (أن الركوع معناه الانحناء والتطأطوء كما نص أهل للغة وحمله على الخشوع والخصوع مجاز ولا يحمل على المجاز إلا بقرينة كما في الأمثلة التي أوردها هو.
وعليه فان معنى الركوع في اللغة والشرع هو الانحناء والتطأطوء المعروف في الصلاة فما يوحي به الآلوسي في عبارته من أنه معنى شرعي غلط ووهم متعمد منه.
وفهم العرف والشيعة منه على أنه الانحناء مطابق لمعناه اللغوي والشرعي لا أخذاً بالمعنى الشرعي مقابل اللغوي كما يريد أن يوهم القاريء، فلاحظ.
3- ثم انا نحمل الزكاة على معناها اللغوي أيضاً اذ الزكاة هي أعطاء المال لوجه الله من أجل نيل الثواب، ثم انتقل معناها إلى المعنى الشرعي الشامل للواجب والمستحب فاصبحت مشتركة في المعنيين فهي قبل الشرع تشمل الصدقة لغة كما قال تعالى: (( وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ )) (الأنبياء: 73). فإنه لم يكن هناك زكاة قبل الإسلام وقوله تعالى: (( قَد أَفلَحَ مَن تَزَكَّى )) (الأعلى:14), وغيرها من الآيات.
ثم إن قلنا أن المعنى الشرعي هو المراد وأنه مشترك بين الواجب والمندوب فهو، وإلا حمل على المندوب بقرينة الروايات المجمع عليها التي تنص على أنه (ع) أعطى الصدقة.
قال الجصاص في أحكام القرآن: نظير قوله تعالى: (( وَمَا آتَيتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ )) (الروم:39). قد أنتظم صدقة الفرض والنفل فصار أسم الزكاة يتناول الفرض والنفل كأسم الصدقة وكأسم الصلاة ينتظم الأمرين (أحكام القرآن 2: 558).
4- أما ما قاله من البعدية، فان كان المراد منه استبعاد تصدق علي (ع) أثناء الركوع فهذا تكذبه الروايات وأن كان الاستبعاد من جهة أن هذا الفعل من الصدقة في الركوع لا يسمى زكاة فقد اجبنا عليه آنفاً. ومن هنا لم نفهم من هذه البعدية شيء سوى أنها موجودة في رأس الآلوسي.
5- أما ما نقله عن بعض أهل السنة من أن حمل الركوع على معناه الشرعي يوجب قصوراً بيناً في مفهوم (يقيمون الصلاة)، ان كان يريد منه قصوراً في مفهوم الصلاة المركبة من أجزاء وشرائط فقد نص الفقهاء على عدم الخدشة في ذلك بالفعل القليل. وان كان يريد قصوراً في مفهوم الصلاة الكاملة والمنقطعة التوجه إلى الله. فإن نص القرآن على مدح ذلك ونص الروايات وفقه أمير المؤمنين (ع) المعروف عنه يرد ذلك.
كما أن فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحمل أمامة وحكه للنخامة من على جدار المسجد في صلاته يرد ذلك.
هذا كله لو سلمنا أصل المدعى ولا نسلم، وهو كون دخول عبادة في ضمن عبادة على هذا الشكل قصوراً بل هو منتهى الانقطاع والكمال ومصداق للأمر بالمسارعة للخيارات الواردة في القرآن.
الحادية عشرة: قوله (وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي عن أصل الاستدلال بأن الدليل قائم في غير محل النزاع... الخ).
والجواب:
1- الحمد لله لاعتراف الشيخ الكردي بدلالة الآية على الولاية العامة بعد أن كانوا يصرون على أنها بمعنى النصرة.
2- أن هذه الشبهة ذكرها القوشجي في شرحه على التجريد وقبله عبد الجبار في المغني ثم أخذها من جاء بعدهما وقد أجاب عليها علمائنا بالتفصيل.
3- وكيف أن الآية ليست في محل النزاع وقضية الحصر أن لا ولي غير الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة وهم راكعون وهو علي (ع) في زمنه، فلا مشاركة لأحد في الولاية لغير المذكورين في الآية، ولو كان أحد غيره ولياً بعد رسولا الله لانتقض الحصر وأصبح واضح لغوا في الآية.
4- لقد ذكرنا سابقاً: أن ولايته (ع) ولاية بالطول لا بالعرض كما كانت ولاية هارون مع موسى (ع) فإذا غاب من له حق التصرف الفعلي أنتقل مباشرة لمن ثبت له التصرف بعده مباشرة ولا يدخل أحد بينهما في البين.
وربما مُثل لذلك بالوصي حال حياة الموصي وبولي العهد حال حياة القائم بالأمر والملك.
5- ولقد ذكرنا سابقاً أن معنى الولاية هي ثبوت حق الطاعة وحق التصرف وهي ثابتة له (ع) في زمن رسول الله (ص) بدليل قصة الجارية التي اصطفاها من سبي اليمن. وإنما كان يمنع من استقلاله بها حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإذا مات انتقلت له بالمباشرة مع أن الآية صريحة في ثبوت الولاية في الحال ولكن أنعقد الإجماع أنها معلقة له (ع) حال حياة رسول الله (ص)، فإذا ذهب (صلى الله عليه وآله) فلا إجماع وثبت له مباشرة وهذا أقل ما يثبت بالآية وإلا فقصة الجارية تثبت له حق التصرف والطاعة مع حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذا لم يكن حاضراً ومتأخراً عنه إذا كان حاضراً بل لعله لمكانة العصمة منه (ع) كان لا يصدر منه خلاف لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن ثبت له حق الطاعة والتصرف معه.
ودلالة حديث المنزلة يثبت له ما ثبت لهارون من موسى (ع) وقد قال الله تعالى: (( اجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي شدد به أزري واشركه في أمري )) وهي واضحة في الشراكة.
6- ومن هنا تعرف أن ما نسبه إلى الإمامية من أنهم لا يقولون أنها مرادة زمن الخطاب لأن ذلك عهد النبوة هو زعم في زعم وعدم فهم لقولهم بالطولية والنيابة، فإن حق الولاية والتصرف والطاعة يثبت ولكنه على أقل الأحوال موقوف إلى زمن الإنفراد واستقلاله في زمن حياته، نعم ربما نقول تنزلاً أن فعليتها لا تتم إلا بعد انتقال النبي (صلى الله عليه وآله).
7- ثم لو سلمنا من أن زمن الخطاب غير مراد بخصوصه (ع) ولكنه يثبت له في أول آن بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمقتضى ظاهر الآية والحصر الذي فيها فكيف دخل الاغبار في البين ومن أين لهم ذلك النقض على الآية.
8ـ ثم ان قضية العطف في الآية تثبت للمعطوف النفس ما للمعطوف عليه وولاية الله ورسوله ثابتة في كل الأحوال فكذلك ولايته (ع)، وبما أن الدليل قام على عدم ثبوتها له بالعرض مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل الطول ثبتت له بعده (صلى الله عليه وآله) مباشرة.
9- بل أن ولايته ثابتة على الدوام لأسمية الجملة، وان كلمة الولي صفة مشبهة، وهما دالتان على الدوام والثبات، فيثبت كونه وليا للمسلمين دائماً وان تسلط غيره على رقابهم.
الثانية عشرة: قوله (ومن العجائب أن صاحب أظهار الحق... الخ).
والجواب:
1- ليس غاية صاحب أظهار الحق تصحيح الاستدلال، فان الاستدلال كما مضى آنفاً تام لا خدشة فيه، وإنما غرضه الزام المخالفين حتى على قولهم بأن المراد من الولاية في الآية المحبة.
2- أن ما نقله الآلوسي من مختصر التحفة الاثني عشرية لم ينقله بالكامل، بل لم ينقله بالدقة والضبط ولذا فإن فيه اختصاراً وبعض الأخطاء، ونحن سنحاول أن نجيب على ما نعتقد أنه مراده بالمقارنة بين تفسير روح المعاني ومختصر التحفة.
3- على التسليم بأن المراد بالولاية في الآية هي المحبة، فهي قطعاً ليست المحبة الواقعة بين كل المؤمنين كما في الآية: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )), وذلك لوجهين.
أ- مقام الحصر والتعاطف بين الله ورسوله والذين آمنوا، فإن الحصر لا يصح إلا بالتغاير بين هذه المحبة وتلك وكذلك محبة الله مطلقة غير مقيدة والمعطوف عليها كذلك.
ب- لو قلنا أن في الآية ادعاء بأن المحبة بين المؤمنين كلا محبة أو ليست محبة حقيقة وإنما المحبة هي لله ورسوله والذين آمنوا، فلابد لهذا الادعاء والتنزيل من نكتة أو إضافة معنى في هذه المحبة فوق معنى تلك المحبة العامة، ولا نكتة ولا إضافة معنى غير أن هذه المحبة محبة مطلقة غير مقيدة بقيد ولا شرط. وهذا هو قولنا.
4- وإذا ثبت وجوب المحبة المطلقة ثبت وجوب الطاعة والاتباع لقوله تعالى: (( قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللّهُ )) (آل عمران:31)، وهي كبرى القياس في القضية، وصغرى القياس ما ثبت في النقطة السابقة من الآية مورد البحث من ثبوت المحبة المطلقة له (ع) كما هي ثابتة لله ورسوله (صلى الله عليه وآله).
وإذا ثبتت له الطاعة مطلقاً ثبتت له الإمامة والعصمة وهذا الاستدلال شبيه الاستدلال بآية المودة.
5- ان ما قاله صاحب أظهار الحق يرجع إلى هذا الدليل وأن لم يفهمه صاحب التحفة الاثني عشرية ولا صاحب المختصر ولا صاحب روح المعاني.
اذ مراد صاحب أظهار الحق من قوله (أن الأمر بمحبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) يكون بطريق الوجوب لا محالة).
هو ما ذكرناه من وجوب المحبة مطلقاً لا مقيدة بجهة من الجهات وهي التي تستلزم وجوب الطاعة والعصمة ومعنى أنها واجبة مطلقاً أي واجبة دائماً وفي كل الأوقات وليست بسبب جهة من الجهات فهي محبة مساوية لمحبة ذواتهم بل هي محبة لذواتهم لما ثبت من أن ذواتهم طاهرة.
ومعنى قوله: (إذ الحكم في كلام واحد يكون موضوعه متحداً ومحموله متحداً أو متعدداً ومتعاطفاً) هو أن ظاهر الكلام الواحد من المسند والمسند إليه لابد أن يكون له معنى واحداً وفي موردنا لابد أن يكون حكم الولاية واحداً لأن المحمول عليها متعاطف وحكم التعاطف الإتحاد فلا يمكن أن تكون الولاية بمعنى المحبة لله ولرسوله واجبة وتكون لما عطف عليهما مندوبة، إذ يلزم من ذلك أرادة معنيين من لفظ واحد وهو باطل كما حقق في علم الأصول، فلا بد من أن يكون حكم المحبة أما واجبه للكل أو مندوبة للكل، وبما أنه لا يمكن أن تكون المحبة مندوبة بالنسبة لله ورسوله فكذلك لا يمكن أن تكون مندوبة للذين آمنوا بل هي واجبة في الكل فثبت المطلوب وسيأتي مزيد بيان في الجواب على إشكالاته.
ثم ان كل كلامه في الموضوع والمحمول اللغويين وليس في المنطقيين كما فهمه صاحب التحفة غلطاً ومن ثم أخطأ في الجواب عليه كما أن مراده من الحكم الحكم الشرعي لا الحكم في القضية المنطقية والفرق واضح بينهما وإن خفي على المجيب.
والكلام على الجملة من وجهة نظر أصولية يختلف عليها من وجهة نظر منطقية والخلط بينهما يؤدي إلى الهفوات التي وقع بها صاحب التحفة.
الثالثة عشرة: قوله: (ويرد عليه أنه مع تسليم المقدمات أين اللزوم بين الدليل والمدعى؟... الخ).
والجواب:
1- لقد بينا اللزوم بين الدليل والمدعى في النقطة السابقة, فالدليل ما ذكر من الكبرى والصغرى، والمدعى أو النتيجة وجوب إطاعته مطلقاً وهو معنى الإمامة وقد بيناه.
2- وأما الاستدلال على التعيين وإن المراد علي (عليه السلام) من العموم فقد اتضح سابقاً بما لا مزيد عليه من خلال الآية والأوصاف المذكورة فيها المنحصرة في علي (عليه السلام) بشهادة الروايات وما وقع في الخارج.
3- لقد ذكرنا (على التنزل بأن معنى الولاية المحبة) أن المحبة الواجبة في الآية هي المحبة المطلقة غير المقيدة بقيد ولا شرط ولا جهة وهي غير المحبة المشروطة بقيد الإيمان الشاملة لجميع المؤمنين.
وعندما نقول إنها واجبة مطلقاً أي واجبة دائماً وعلى طول الزمان ولا تكون مندوبة في وقت من الأوقات ومعنى مطلقاً أي غير مقيدة بأي قيد وشرط فلا تجب محبتهم بسبب فعل أوصفة ما أو في وقت دون وقت بل تجب محبتهم دائماً سواء وجد هذا الفعل أو الصفة أو لا، وعندما نقول من دون جهة أي تجب محبتهم من جميع جهاتهم لا حصرها بجهة معينة بحيث يمكن معاداتهم من جهة أخرى فإن وجوب محبتهم من جميع الجهات يعني لا يمكن معاداتهم بحال من الأحوال كما هي محبة الله ورسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واجبة دائماً وعلى طول الأزمان وعلى كل حال ومن جميع الجهات ولكل أفعالهم وأقوالهم وأوامرهم ونواهيهم، أقدامهم أو توقفهم وغير ذلك.
وبالتالي فلا وجه للنقض بالآية: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ... )) (التوبة:71) لأنا لو سلمنا بأن المحبة فيها واجبة وليست مندوبة ولكنها غير مطلقة بل مقيدة من جهة الإيمان فيمكن معاداتهم من جهة أخرى كالخصومة مثلاً بل الآية قيدت تلك المحبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله, فلاحظ.
ولا يمكن القول بأن محبة علي (عليه السلام) في الآية مقيدة بالإيمان أيضاً وذلك لأنها معطوفة على محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وهما مطلقتان أي لا يمكن معاداتهما بحال من الأحوال فكذا المعطوف عليهما, فتكون الأوصاف المذكورة في الآية لأجل تعين الشخص المراد كما بينا سابقاً وإن كانت ربما تشعر بنوع من العلية ولكن ليست على سبيل العلة التامة بل جزء العلة.
والعجب من هذا المستشكل فهو بعد أن يقول أن مولاة المؤمنين من جهة الإيمان وإنها ترجع إلى مولاة إيمانهم لا ذواتهم وهو جهة صريحة يرجع ويقول بأنها أمر عام بلا قيد ولا جهة فلاحظ وتعجب.
وكذا القياس على معاداة الكفار من جهة كونهم كفار لو سلمنا بأنها ليست مطلقة وواجبة دائماً فإنها مقيدة من جهة الكفر.
وصفة الإيمان في المؤمنين والكفر في الكافرين ثابتة للطائفتين على العموم فصح الحكم بالشمول لهما أو ما يسميه هو بالإجمال.
ولكن كلام صاحب إظهار الحقّ ليس في المحبة المقيدة بل بالمحبة المطلقة وهي لا تثبت في الآية إلا لمن انطبقت عليه الصفات من المؤمنين وهي التصدق وهو راكع فكيف يجعلها شاملة لكل المؤمنين ولا يستطيع أحد أن يحقق هذه الصفة للكل بل من المستحيل ذلك فضلاً عن أنه لم تقع لأحد غير علي (عليه السلام) في وقته.
إضافة لما في كلامه من حمل آيات القرآن على الإجمال من مسامحة فإنه قياس لكلام الخالق على كلام المخلوقين المبني على المسامحة والتعميم.
ثم إن كلامه هذا في حمل الولاية في الآية على الإجمال والعموم إعادة لما سبق من استدلالهم على أنها تفيد النصرة للمؤمنين المنفية عن اليهود والنصارى والتي أجبنا عليها بأنها تنافي الحصر فإن إرادة العموم من الآية ينافي الحصر المستفاد من (إنما) بأي معنىً أخذت الولاية فيها, فلاحظ وتأمل.
4- وأما قوله (وأنت تعلم أن ملاحظة الكثرة بعنوان الوحدة مما لا شك فيه) فلم نفهم مراده منه ولا من الاستشهاد به.
فإن كان يريد مجيء الحكم عاماً بعنوان الوحدة وهو قاعدة أن المورد لا يخصص الوارد فهذا صحيح، ولكن إذا لم يقم الدليل على خلافه وإن الحكم خاص وهنا قام الدليل بالقرائن العديدة على تخصيص الآية بعلي (عليه السلام) كما فصلناه سابقاً فلا نعيد.
وان كان يريد ذلك في أصل اللغة بدليل ذكره لعلم الوضع, فإنه على نحوين:
أ- الوضع للوحدة بملاحظة الكثرة, ويصطلح عليه في علم الأصول الوضع عام والموضوع له خاص فهو ممكن ولكن ليس له أدنى ربط بالمقام.
ب- الوضع للكثرة بملاحظة الوحدة؛ ويصطلح عليه الوضع خاص والموضوع له عام وهو مستحيل، وتفصيل الكلام في علم الأصول, ومع ذلك فإن هذا الأمر ليس له ربط بالمقام أيضاً.
5- لقد وقع صاحب التحفة في الخطأ في جوابه نتيجة الخلط بين ما بُين في علم الأصول وما ذكر في المنطق وسبب ذلك تطور علم الأصول عند الإمامية وتقدمه بمراحل على علم الأصول عند أهل السنة.
فإن صاحب إظهار الحق كان يتكلم حسب ميزان علم الأصول ولما لم يفهمه صاحب التحفة ظن نتيجة لتشابه بعض الاصطلاحات أنه يتكلم حسب ميزان علم المنطق فجاء جوابه خاطئاً وليس له علاقة بالاستدلال.
فقوله (المحذور كون المولاة الثلاثة في مرتبة واحدة وليس فليس إذ الأولى أصل والثانية تبع والثالثة تبع التبع) ليس له أي تأثير على صحة استدلال صاحب إظهار الحق.
فإن المفهوم المشكك المتحقق في الخارج على مراتب يبقى واحداً وإن تعددت مراتبه ولا تكون لكل مرتبة معنى غير معنى المرتبة الأخرى ثم أن الترتب الطولي من الأصل والتبع لا يؤثر في الحكم وكونه متحداً لو جاء في سياق واحد. فيبقى الموضوع واحد والمحمول متعدد والحكم واحد، فإذا كان الحكم واحداً والمعنى واحداً مشككاً كفى في صحة الاستدلال ولا يؤثر فيه اختلاف مادة القضية المنطقية في الواقع.
ثم إن مادة القضية تختلف عن جهة القضية فإن الجهة موطنها الذهن وقد تذكر في الكلام حسب ادعاء المتكلم وما يريده وأما مادة القضية فإن موطنها الواقع وظرف التحقق وقد تتحدد المادة مع الجهة وقد تختلف.
فما مثل به من (الموجود في الخارج الواجب والجوهر...) متحد الجهة وهي الإمكان العام وهو مراد المتكلم من إثبات حكم الوجود للكل والوجود له معنى واحد لا غير وأن اختلفت مادة القضية بالنسبة للواجب والجوهر والعرض في الواقع مع أنا قد ذكرنا بأن هذا خارج عن الموضوع من البداية.
6- وأما ما استشهد به من الآية: (( قُل هَـذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي... )) (يوسف:108) فإنه أول الكلام أن الدعوة واجبة على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط ومندوبة على غيره ممن اتبعوه فإن ما ذكره يحتاج إلى دليل بل صياغة الجملة الخبرية في الآية إذا قلنا أنها تصب مصب الإنشاء يكون حكم الدعوة فيها واحداً بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن تبعه حسب ظاهر الآية.
ولو ادعى من دليل خارج بأن الدعوة واجبة على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مندوبة على غيره فإنها تكون دعوى خارجة عن مدلول ظاهر الآية, فإن ظاهرها اتحاد الحكم بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين من تبعه.
7- وقوله (القِران في النظم لا يوجب القِران في الحكم) لا نسلم به، بل ندفعه خاصة إذا كان الكلام محصوراً كما في الآية وتفصيل الكلام فيه في علم أصول الفقه.
الرابعة عشرة: قوله (ثم أنه أجاب عن عدم وقوع التردد مع اقتضاء (إنما) له... إلخ).
والجواب:
1- لقد ذكرنا سابقاً أن الحصر الإضافي يقتضي التردد لا الحصر الحقيقي وقد بينا صحة الاستدلال على القول بكلا الحصرين.
2- أن إيراده لهذه الروايات إنما هو من باب الإلزام لأهل السنة وليس معناه الإيمان بما جاء فيها.
3- أن محض السؤال يقتضي التردد في الذهن إذ لولا الجهل المحتاج إلى تعيين وهو أحد مداليل (إنما) أو التردد في تعيين أحد الأطراف وهو مدلول آخر لأنما لما ورد السؤال من السائل فإن السؤال يكشف أن وراءه نوع من الترديد أو الجهل وإذا كان هذا هو منشأ السؤال صح الإجابة (بانما) لا (بأن) لقطع العذر.
4- وأما أنه وقع قبل نزول الآية أو بعدها فإنه واضح من تصفح السيرة ومشاهدة كثرة تنافسهم للأمارة، والشاهد الأوضح ما وقع في خيبر وتصريح عمر بأنه تساور إليها وهي قبل نزول الآية فإنها نزلت على الأصح قبل حجة الوداع حسب ما في بعض الروايات.
5- ذكرنا سابقاً بأن علم الله بأنه سيقع النزاع في المستقبل كافٍ في تحقيق معنى أنما وتصدر الآية بها.
6- أن الاستدلال سيكون هكذا بالإلزام: بأنه كيف تقولون بأنه لم يقع التردد والسؤال عن من هو الخليفة وعندكم روايات تدل على ذلك فأما أن تسلموا بوقوع التردد ومن ثم صحة ورود (أنما) بالحصر الإضافي أو إسقاط هذه الروايات.
وأما نحن فلا تلزمنا هذه الروايات من البداية.
الخامسة عشرة: قوله: وذكر الطبرسي في مجمع البيان... إلى قوله: (وأن يكون كل واحد من المؤمنين ولي نفسه وذلك محال).
والجواب:
لا يجوز حمل (( الذين آمنوا )) في الآية على الاستغراق حقيقة (أي جميع المؤمنين), لوجوب التغاير بين من خوطب بالآية بـ (إنما وليكم) وهم المؤمنون وبين المنادين إلى الخطاب وهم (الذين آمنوا), إذ لو كان المراد في الاثنين الجميع لأصبح المعنى هكذا (إنما أنتم أولياء أنفسكم) أو (إنما وليكم أنتم) وهو بمعنى أن كل واحد ولي نفسه فالمضاف وهو الضمير (كم) سيكون بعينه المضاف إليه وهو (الولي), ولابد من تغاير المضاف والمضاف إليه, هذا إضافة إلى ما يدل عليه أفراد لفظة الولي وعدم جمعها من أنها متعلقة بأفراد مخصوصين إذا لو قال (إنما أوليائكم) لكان في الكلام مجال.
نعم، يمكن حمل الآية على ما يريده من معنىً مجازاً ويكون بمعنى قوله تعالى: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ... )) (التوبة:71) ولاحظ كيف عبر هنا بلفظة (البعض) ولم يعبر بها هناك.
فحمل الذين آمنوا في الآية على الاستغراق حقيقة يؤدي إلى كون المعنى أن كل واحد ولي نفسه,وحملها على المجاز أن بعضهم أولياء بعض يحتاج إلى قرينة أولاً, وثانياً لا يؤخذ به إلا إذا تعذر الحمل على الحقيقة أو مجاز أقرب منه.
وحمل (الذين آمنوا) في الآية على الخصوص وإن المراد به البعض دون الجميع مجاز أيضاً ولكنه كثير الاستعمال في القرآن إذا لم نقل أنه أصبح حقيقة عرفية فهو أقرب من ذلك المجاز المدعى. اضافة لوجود النص عليه من الروايات والقرينة الحالية من الخارج.
فقول المستشكل (وأنت تعلم أن المراد ولاية بعض المؤمنين بعضاً) معنى مجازي للآية لا معنى حقيقى وما قلناه من خصوص الذين آمنوا مجاز أقرب من هذا المدعى قامت عليه القرينة فتعين الأخذ به.
وكذلك ما مثل به من مثالين فإنها تحمل على المعنى مجازاً لتعذر الحقيقة ولعدم وجود مجاز أقرب وأكثر استعمالاً بل المعنى المقصود في المثالين هو المجاز الأقرب فتعين.
وأما ما قاله بخصوص سبب النزول فقد أجبنا عليه سابقاً.
ودمتم في رعاية الله


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 08:47 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية