هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التوظيف والتعيين والإست... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 80 ]       »     دورة : مهارات التخطيط المالي و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 63 ]       »     دورة : اساسيات التأمين [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 75 ]       »     دورة : تحليل البيانات والقوائم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 73 ]       »     دورة : السلامة والصحة المهنية ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 70 ]       »     دورة : آليات الرقابة الحديثة و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 112 ]       »     دورة : تكنولوجيا التميز والإبد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 97 ]       »     دورة : القيادة عالية الإنجاز و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : فنون العرض والتقديم وال... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : الإدارة الفعالة للمختبر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 103 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات



يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
#1  
قديم 01-28-2011, 12:37 AM
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5057 يوم
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي النتائج الخطيرة لتوسيع مدلول كلمة (الغلو) عند الوهابية



الصفحة 89
النتائج الخطيرة لتوسيع مدلول كلمة (الغلو) عند الوهابية
على أننا نحب أن نذكر النتائج الخطيرة لتوسيع مدلول كلمة (الغلو) عند الوهابية، ويكفينا أن نعرف أثر توسيع مدلول كلمة (الغلو) على كيفية تعامل الوهابية مع مخالفيها من الاثني عشرية ومن أهل السنّة، من أجل قضايا كان يجب أن تعالجها الوهابية بحكمة، لكن الوهابية حشرَت كلمة (الغلو) في هذه القضايا وخلقت ضجة وفتنة مفتعلة ومتخيلة ـ من حيث لا تعلم ـ بين المسلمين، تحت غطاء محاربة الغلو في هذه القضايا التي اختلف حو لها علماء الإسلام، وأصبحت الوهابية تحسب وتظن أنّ من خالفها في قضية معينة من هذه القضايا الخلافية يعتبر من الغلاة المنحرفين.

* * * *
ولعله مما يحتم علينا هنا أن نذكر أهمّ القضايا التي خلقت الوهابية بسببها فتنة بين المسلمين، بسبب توسّعها في مفهوم كلمة (الغلو). وإليك تلك القضايا ا لهامة بالترتيب:
القضية الأُولى: وهي الضجة الكبرى المفتعلة التي خلقتها الوهابية ـ من دون قصد ـ بسبب قضية (الصفات الخبرية للذات الإ لهية)، فهم اعتبروا كل من خالفهم في قضيّة (الصفات الخبرية) من أهل السنّة والاثني عشرية من الغلاة.
وقد كتبوا مئات الكتب في الرد على أهل السنّة وفي الرد على الاثني عشرية؛ لأنّهم أصبحوا في نظرهم من الغلاة والمنحرفين. وعمّت العالم الإسلامي معركة كبيرة حول (الصفات الخبرية للذات الإ لهية) ضاعفت من التمزيق للصف الإسلامي.
</span>الصفحة 90 وبدلاً من أنْ يكون البحث عن الصفات الإ لهية عاملاً لتوحيد المسلمين أصبح البحث عن هذه القضية عاملاً لتمزيق الصف الإسلامي، وأصبحت الوهابية تتخيل معركة كبيرة بين فريقين:
الفريق الاول: هم الوهابيون المسلمون الذين يفسرون (الصفات الا لهية) على الطريقة الوهابية.
والفريق الثاني: هم من الغلاة المنحرفين الضالين من أهل السنّة ومن الاثني عشرية الذين يقولون بتأويل آيات الصفات.
وقد تكلّم علماء أهل السنّة عن الفتنة التي أوجدتها الوهابية عندما أطلقوا كلمة (الغلو) على كل الذين رفضوا منهجهم في تناول الصفات الإ لهية ـ من أهل السنّة والاثني عشرية ـ في الكثير من كتبهم، ورأوا أنّه كان الاولى للوهابيين أن يطرحوا منهجهم في تناول آيات الصفات من دون اتهام المسلمين من الاثني عشرية وأهل السنّة بـ (الغلو).
ونجد أنّ العلامة السنّي (محمد عادل عزيزة) ـ حفظه الله ـ من أجل أنْ يبين للوهابيين أنّ قدماء أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية لم يكونوا من الغلاة؛ احتج عليهم بشخصية لا يطعنون فيها، وهو الإمام (ابن كثير الدمشقي)، فبين في كتابه المعروف (عقيدة الإمام الحافظ ابن كثير ـ من أئمة السلف الصالح ـ في آيات الصفات) أنّ الإمام ابن كثير كان يُؤول بعض آيات الصفات.
فكأنّه يريد أنْ يقول لهم: إذا كان جمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية من الغلاة لأنّهم أولوا آيات الصفات، فلماذا لا يكون ابن كثير الدمشقي من الغلاة؟! لأنني ساثبت في كتابي (عقيدة الإمام الحافظ ابن كثير في آيات الصفات) أنّه ينهج نهج أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية ونهج الاثني عشرية في القول بتأويل الصفات، لا منهجكم وطريقكم.
</span>الصفحة 91 وتأتي أهمية هذا الكتاب أنّه صدر في ظل الحملة الشديدة من قبل الوهابيين على الاثني عشرية وأهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية، الذين يرون أنّ تأويل آيات الصفات لا يمكن أن يكون سبباً في أن نجعل القائلين بالتأويل من الغلاة ومن أهل الضلال.
ولم يتمكن علماء الاثني عشرية وعلماء أهل السنّة أن يجدوا صلة تربط بين القائلين بتأويل آيات الصفات من أهل السنّة والاثني عشرية وبين الغلاة، وانتقدوا الوهابية لأنّها تريد أن تلصق كلمة (الغلو) بهؤلاء الذين يمثّلون جمهور الأُمة الإسلامية، ومن ثَمّ بيّنوا أنّ مفهوم الجماعة الوهابية عن (الغلو) يعتبر مفهوماً جديداً بعيداً عن معناه ومفهومه عند أهل السنّة والاثني عشرية.
ونحن سوف ننقل ـ هنا ـ نماذج من كلمات أهل السنّة التي كتبت بقصد (الدفاع) عن القائلين بتأويل الصفات من أهل السنّة والاثني عشرية؛ في وجه المهاجمين لهم الذين اتهموهم بالغلو من الوهابيين.
ولقد واجه أهل السنّة جماعة جامدة بسيطة وبريئة تتهم كل من يخالفها في موضوع (الصفات الإ لهية) بـ (الغلو)، وبسبب هذا الاتهام الخطير أصبحت الوهابية تحتقر جمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية وتحتقر الاثني عشرية، وتطوّر الأمر حتى خلقت الوهابية فتنة بسبب موضوع الصفات، وقد صوّر أهل السنّة هذه الفتنة بهذه الصورة، قال العلامة السني (محمد عادل عزيزة):
(ولقد قصدت بنشر هذا العمل تضييق شقة الخلاف بين المسلمين، وإماتة الحفائظ والأضغان بينهم، فقد بلينا في هذا العصر وأصاب كثيراً من علماء أهل السنّة ما أصابهم من اتهام [يقصد من قبل الجماعة الوهابية]، ونبز بالألقاب، وافتراء وتضليل وتكفير ومسبّة.. وغير ذلك؛ لقو لهم في آيات الصفات بقول مالك وأحمد والشافعي...)(1).

____________
(1) عقيدة الإمام الحافظ ابن كثير في آيات الصفات ـ من أئمة السلف الصالح ـ للعلامة محمد عادل عزيزة: ص 7.
الصفحة 92 والذي يقرأ كتاب الشيخ (محمد عادل عزيزة) يجد أنّ الشيخ حاول دراسة مسألة الصفات بلغة بعيدة عن طريقة الوهابيين، أي بعيدة عن لغة الاتهام بالغلو، فهو يقول:
(كما أنّ هذه الرسالة الصغيرة التي جمعت شتات أقوال الحافظ ابن كثير السلفي في آيات الصفات، تجعل المسلم المتحرر من ربقة العصبية وا لهوى أكثر اتزاناً وهدوءاً في حكمه على من قال بقول ابن كثير، الذي شهدت له الأمة بسلامة المعتقد والعدالة، ودقة النقل، وسعة العلم وغزارته. وعندها لا يستطيع أن يعتقدَ أن التأويل لبعض آيات الصفات ضلال ومروق عن الدين [يقصد الشيخ الوهابيين الذين يتهمون أهل السنّة والاثني عشرية بالغلو والانحراف بسبب تأويل آيات الصفات]، وقد قال به حبر الأُمة سيّدنا عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ عند تفسير قوله تعالى (يومَ يكشفُ عن سَاقٍ)(1)، قال ابن كثير: قال ابن عباس: يكشف عن أمرٍ عظيم. كما لا يمكنه أن يعتقدَ أنّ التفويض منهج أهل الضلال)(2).
وفي الحقيقة أنّ الإشكالية الكبرى لا تعود إلى طريقة الوهابية في تناول آيات الصفات، ونحن نحترم وجهة نظرهم في آيات الصفات، إنّما الإشكالية تعود لأنّهم يرون أن جمهور أهل السنّة من القدماء والمتأخرين، وهكذا قدماء ومتأخري الاثني عشرية؛ قد أصبحوا من الغلاة بسبب تأويل آيات الصفات. وبسبب هذا الاتهام بالغلو تلقّى أهل السنّة والاثنا عشرية من الوهابية ـ منذ ظهورها في القرن الثامن عشر الميلادي ـ شتى الضربات وا لهجمات التي لم تضع أوزارها إلى اليوم.

____________
(1) سورة القلم: الآية 42.
(2) عقيدة الإمام الحافظ ابن كثير في آيات الصفات: ص 7- 8.




رد مع اقتباس
قديم 01-28-2011, 12:37 AM   #2
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 93 ونحن نقرأ في كلمات أهل السنّة وكلمات الاثني عشرية عبارات كثيرة ترسم عمق المعاناة من الوهابية. ونطلب من القارئ أن يتأمّل في كلمات العلامة السنّي الدكتور (محسن عبد الحميد) ـ حفظه الله ـ وهو يتحدث عن المشاكل التي أثارتها الوهابية ـ من حيث لا تعلم ـ، عندما اتّهمت الذين خالفوها من السنّة والاثني عشرية بالغلو، قال في كتابه (تفسير آيات الصفات):
(وقد لاحظت ولاحظ معي العاملون في الحقل الإسلامي الحديث في السنوات القليلة الأخيرة تياراً [يعني: التيار الوهابي] يزعم أنّ منهجه قائم على تصحيح العقيدة، ومحاربة مظاهر الشرك في المجتع الإسلامي.. يُشغِل الجو الإسلامي بالمساجد وغيرها بمناقشات عقيمة حول تفسير آيات الصفات الخبرية).
إلى أن يقول:
(وكان هذا الوضع المؤلم دافعي الأوّل في العودة إلى آيات الصفات وقراءتها قراءة جديدة)(1).
ولقد شغلت هذه الفتنة الوهابية ـ التي جعلتهم يحسبون أنّ جمهور أهل السنّة وأنّ الاثني عشرية قد أصبحوا من الغلاة الضالين والمنحرفين ـ الكثير من علماء أهل السنّة منذ ظهور الوهابية.
وفي هذا السياق نذكر العلامة والمفكّر السنّي الدكتور (محمد عياش الكبيسي) ـ حفظه الله ـ الذي عالج هذه الفتنة الوهابية في كتابين من مؤلفاته، ومما قاله في شأن هذه الفتنة الوهابية:
(ولقد دفعني هذا [أي: الفتنة التي أثارتها الوهابية بين المسلمين بسبب قضية تفسير آيات الصفات] ـ أيضاً ـ لاختيار موضوع البحث في رسالة الماجستير
____________
(1) تفسير آيات الصفات للعلامة السنّي الدكتور محسن عبد الحميد، مقدمة الكتاب.
الصفحة 94 (الصفات الخبرية عند أهل السنّة والجماعة)، وقد قمت فيها باستقراء تام لجميع الصفات الخبرية في الكتاب والسنّة، مبيّناً أقوال العلماء فيها من السلف والخلف)(1).
وقال ـ أيضاً ـ بعد أن بحث بحثاً مفصّلاً في آيات الصفات، وقدّم بعض الملاحظات حول تفسير آيات الصفات:
(هذه الملاحظات تقودنا ـ أيضاً ـ إلى أن نفسح صدورنا لتقبل الخلاف في تفسيرها، ولا ينبغي أن تعدّ الفيصل بين الإيمان والكفر وبين التوحيد والشرك، لا سيما أنّ السلف لم يقفوا عندها طويلاً، ومَنْ وقف عندها فسّرها بتفسيرات كثيرة، تصح أن تكون الجذور الحقيقية للمذاهب الكلامية في الصفات)(2).
ويجب أن أذكر حقيقة هامة ترتبط بموضوع هذا الكتاب، أي (المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين) وهذه الحقيقة ناتجة من خلال تجربة شخصية مرّ بها كاتب هذه السطور عندما كان وهابياً، وهي: لقد كنت أعتقد أنّ مَنْ خالف الوهابية في مسألة الصفات فهو ضال ومغال ومنحرف عن الإسلام، وأعتقد أنّ رأي الوهابية في الصفات لا يمكن أن يحتمل الخطأ بأيّ صورة من الصور. وأذكر عندما كنت في جامعة الإمام محمد بن سعود في سنة (1988م) كانت هنالك حملة شديدة على أهل السنّة من الأشعرية والماتريدية بسبب موضوع الصفات، وكنّا نتبرّأ من العلامة والمفكر السنّي (عبد الفتاح أبو غدة)، ومن الإمام (محمد الغزالي المصري)، ومن العلامة السنّي (محمد علي الصابوني)، ومن الإمام (حسن البنا)، ومنْ العشرات من علماء أهل السنَّة؛ لأنّهم خالفوا الوهابية في مسألة الصفات.

____________
(1، 2) العقيدة الإسلامية في القرآن ومناهج المتكلمين للعلامة الدكتور السنّي محمد عياش الكبيسي: ص 122، هامش رقم: 122.
الصفحة 95 وبعد أن تركت الوهابية اكتشفت المشاكل التي تكتنف نظريتهم حول الصفات وبدأت الحوار معهم حول الصفات، لكنني أرى أنّ الحوار معهم حول الصفات لن يكون مثمراً إلاّ إذا جعلناهم يحسنون الظن برأي أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية، ورأي الاثني عشرية الذي يقوم على أساس تأويل آيات الصفات كما أننا لا يمكن أن نستنقذهم إلا إذا أحسنا الظن بهم، فهم إخواننا إلاّ أنّهم يتصفون بالبساطة في التفكير.
وطريقتي في الحوار معهم أنني أذكر كلمات العلماء الذين تثق بهم الوهابية كابن كثير ـ مثلاً ـ، تلك الكلمات الصريحة في تأويلهم آيات الصفات؛ لأنك إذا ذكرت له اسم شيخ الطائفة الإمام (محمد بن الحسن الطوسي) من الاثني عشرية، أو ذكرت له اسم الإمام (أبو حامد الغزالي) من أهل السنَّة، فلن يتحمّل مجرّد ذكر اسمهما، فكيف سيسمع رأيهما؟! ومنْ ثمَّ بعد أن تذكر له رأي الإمامين الطوسي والغزالي لا بد أن تأتيَ له بما يؤيدهما من كلام ابن كثير، حينئذٍ بالإمكان أن يحسن الظن برأي الإمامين. وهذه الطريقة اضطر إليها العلامة السنّي محمد عادل عزيزة في كتابه (عقيدة الحافظ ابن كثير في آيات الصفات).
إذن، فلا داعي لذكر علماء أهل السنّة أو علماء الاثني عشرية الذين ينفرُ منهم الوهابيون، بل يكفي أن تجد ما يؤيدهم من كلام ابن كثير، حينئذ سيقبلون ما تريد أن تبينه لهم حول الصفات، والعبرة بالأفكار لا بالاشخاص.
وا لهدف الرئيسي هو التقريب بين الوهابيين وبين الاثني عشرية من جهة، وبينهم وبين أهل السنة من جهة ثانية، وبين الاثني عشرية وأهل السنّة من جهة ثالثة.

* * * *
وإن من الحكمة في التعامل مع هذه الجماعة الوهابية البريئة والبسيطة التي تحتاج منّا إلى المعالجة والمعاينة لا المجادلة والمخاصمة؛ أنْ ننظر إليها كما ينظرُ </span>الصفحة 96 الطبيبُ إلى المريض الذي يحملُ له المحبّة والمودّة، فهو يبذل كل ما لديه من جهدٍ من أجل أنْ يجلب له الدواء ويزيل عنه الداء. ولا شك أنّ الطبيب الذي يسيء الظن بمريضه لا يستطيع معاينة مريضه ومعالجته.
إنّ أتباع هذه الجماعة البريئة يحسبون أنّ كل المذاهب الكلامية الإسلامية من أهل السنّة ومن الاثني عشرية قد أصبحوا من الغلاة، ومن ثَّم فهم يرون أنّ العالم الإسلامي قد امتلأ بالغلاة، فلا توجد مدينة أو قرية من مدن وقرى المسلمين إلاّ وفيها غلاة! وهم لا يعرفون أنّهم يعيشون في حالة نفسية جعلتهم يتوّهمون أن المسلمين من أهل السنّة ومن الاثني عشرية أصبحوا من الغلاة.
لقد عشت هذه الحالة النفسية فترة زمنية من حياتي، وكنت أحسب أنّ المسلمين من أهل السنّة ومن الاثني عشرية قد صاروا من فرق الغلاة، وكنت أعتقد أنّه لم تسلم من الغلو إلاّ الجماعة(1) (الوهابية) الناجية. ولم يكن يخطر ببالي أنني أعيش في حالة نفسية تولّد منها الشعور بأنّ المسلمين أصبحوا غلاة، ومن ثَمّ قررت في بداية حياتي أنْ أخوض معركة مع الذين كنت أحسبهم من الغلاة، وفي هذه الفترة من حياتي قررت أن أبدأ بمعالجة الغلو عند الاثني عشرية، ثم أشرع في معالجة الغلو عند جمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية. وبالفعل حسبت نفسي طبيباً يقفُ أمام رجل ـ أعني المذهب الاثني عشري ـ، وبعد أن كشفت على هذا الرجل خُيّل إليّ أنّه مصابٌ بمرضٍ خطير أطلق عليه الأطباء مرض (الغلو).

____________
(1) من أجل تحقيق فكرة التقريب بين الاثني عشرية وبين الوهابية ـ التي هي الغرض من تأليف هذا الكتاب ـ لا بد من مراعاة قضية عدم استخدام الكلمة التي تتعارض مع هذه الفكرة، ومن هنا عنى كاتب هذه الدراسة أن يطلق على الوهابية كلمة (جماعة) لا كلمة (فرقة)؛ لأنني رأيت أن كلمة (فرقة) مرفوضة عند الاثني عشريين وعند الوهابيين، ولا يمكن أن تتحقق قضية التقريب إلا إذا تعاملنا وفقاً للآداب الإسلامية المقدسة عند الاثني عشرية وعند الوهابية.


 

رد مع اقتباس
قديم 01-28-2011, 12:38 AM   #3
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 97 ولا زلت أذكر تلك اللحظة التي كنت أحسب فيها أنّني سأعالج المذهب الاثني عشري من مرض الغلو، وكتبتُ لأجل هذه المعالجة كتاب (الصلة بين الاثني عشرية وفِرَق الغلاة)، ثم ظهرَ لي قبل طباعة الكتاب أمرٌ لم أكن أحسبه؛ ظهر لي أنّني كنت أعيش في حالة نفسية جعلتني أحسب أنّ ذلك الرجل ـ أعني المذهب الاثني عشري ـ قد أُصيب بمرض الغلو، ولكنني اكتشفت ـ بعد حين من الزمن ـ أنّ هذا الرجل لم يكن مريضاً، بل اكتشفتُ أنّ هذا الرجل ـ أعني المذهب الاثني عشري ـ من المتخصصين في معالجة الغلو، ومن المتخصصين ـ أيضاً ـ في معالجة الأمراض النفسية. وتبين ليّ أنني كنتُ مصاباً بحالة نفسيةٍ جعلتني أتوهم أنّ هذا الرجل ـ أعني المذهب الاثني عشري ـ قد أُصيب بمرض الغلو الكبير الخطير، حينئذٍ قررتُ أنْ أُعالج حالتي النفسية عند هذا الرجل.. وهكذا؛ انعكست المعادلة، فأصبح الطبيب يتعالج عند الذي كان يحسبه مريضاً.
وقصتي مع هذا الرجل ـ أعني المذهب الاثني عشري ـ تشبه قصة طبيبٍ أُصيب بمرض السرطان في رأسه، وبسبب شدّة المرض تكوّنت عنده حالة نفسية، فأصبح يحسب أنّ كل رجلٍ سليمٍ في العالم قد أُصيب بمرض السرطان، كما كنت أحسَبُ أنّ المسلمين من أهل السنّة والإثنى عشرية قد أُصيبوا بمرض الغلو. وكان هذا الطبيب يكشف على الرجل السليم ـ أي رجلٍ ـ ويخبره بأنّه مصابٌ بمرض السرطان، إلى أن جاءهُ رجلٌ سليم مُتخصصٌ في معالجة أمراض السرطان ومتخصص ـ أيضاً ـ في معالجة الأمراض النفسية، فكشف عليه الطبيب وأخبره أنّه قد أُصيب بالسرطان، ولكن هذا الرجل ـ بسبب أنّه كان متخصصاً في أمراض السرطان وأمراض الحالات النفسية ـ لاحظ أنّ الطبيب قد خلط بين أنواع وأصناف الامراض، كما لاحظ سلامة أولئك الرجال الذين حسبهم الطبيب من المصابين بالسرطان، وحينئذ قرر هذا الرجل أن يذهب إلى الطبيب، وبعد محادثات طويلة بينة وبين الطبيب تبين له أنّ الطبيب مصابٌ </SPAN>الصفحة 98 بحالة نفسية؛ فقرر أن يكشف على الطبيب ـ على الرغم أنه جاء من أجل المعالجة عند هذا الطبيب ـ، وعند الكشف عليه استيقن أنّ الطبيب كان مصاباً بمرض السرطان في رأسه؛ فلذلك تصور الطبيب أنّ البشرية كلّها قد أُصيبت بمرض السرطان. وهكذا؛ انعكست المعادلة فأصبح الطبيب يتعالج عند هذا الرجل الذي جاء من أجل أن يكشف عليه هذا الطبيب ـ بعد أن كان يعالجه ـ، وتبين أنّ الطبيب هو المريض، وأنّ هذا الرجل ـ الذي حَسِبَ الطبيب أنّه مريض ـ كان سليماً سلامةً تامة.

* * * *
والشيء الجديد في هذا الكتاب هو أنّ الدراسات السابقة كانت تدافع عن الأنا (الاثني عشرية) ضد تهمة الآخر (الوهابية)؛ لأنّها تتهم الأنا (الاثني عشرية) بأنها مصابة بـ (مشكلة الغلو)، لكن هذا الكتاب عكس المعادلة واثبت أنّ الآخر (الوهابية) مصابة بـ (مشكلة الخلط الأكبر لا الأصغر) فحسب بين الاثني عشرية وفرق الغلاة، وتطالبه ـ أعني تطالب الوهابية ـ بأن يدفع عن نفسه هذه الحقيقة (حقيقة الخلط الأكبر لا الأصغر)(1)، فحسب بعد أن ظل يتهم الأنا (الاثني عشرية) منذ ظهور الآخر (الوهابية) في القرن الثامن عشر.

____________
(1) ونحن نستخدم كلمة الخلط في هذا الكتاب بمعنى خلط الشيء بالشيء بصورة كبيرة وكاملة، بحيث يحسب الرائي انّ هذين الشيئين المختلفين متساويان، من قبيل قوله تعالى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا...) التوبة 102. ومعنى كلمة (خلطوا) في الآية الكريمة ـ كما ذكر المفسرون ـ: أي مزجوا وضمّوا. ووردت في القرآن الكريم كلمة أخرى قريبةٌ من حيث المعنى لـكلمة (الخلط) وهي: كلمة (اللبس)، كما في قوله تعالى: (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ...) البقرة 42. ووردت كلمة (الخلط) في السنّة النبوية في موارد عديدة، قال الإمام مجد الدين ابن الأثير ـ رحمه الله ـ (ت 606): ((خلط: في حديث الزكاة (لاخِلاط ولا ورَاط))، الخِلاط: مَصْدَر خَالَطه يُخالطُه مُخالَطة وخِلاطاً، والمراد به أن يخْلط الرجل إبله بإبل غيره..). النهاية في غريب الحديث والأثر (ج 2، ص 62).

ووردت كلمة (الخلط) في الروايات المنقولة عن الأئمة الاثني عشر الذين أشار إليهم البخاري ومسلم في صحيحيهما بنفس هذا المعنى، قال الإمام المحدِّث الطريحي (ت 1085 هـ) في تفسيره
=>
الصفحة 99 ومنذ أكثر من قرنين كان هذا الآخر (الوهابية) يحسب نفسه طبيباً يعالج الأنا (الاثني عشرية) من (مشكلة الغلو)، ويجعل الأنا (الاثني عشرية) موضوعاً للبحث والدراسة والتحليل، ولكن الأنا (الاثني عشرية) اكتشف أن الآخر (الوهابية) مريضٌ بـ (مشكلة الخلط الأكبر الخطير لا الخلط الأصغر)، وأصبح الآخر (الوهابية) موضوعاً ومدروساً ومبحوثاً عنه، بعد أن كان يحسب نفسه دارساً وعارفاً وطبيباً، وأخذ الأنا (الاثني عشرية) يبحث عن (علل مشكلة الخلط الأكبر) عند الآخر (الوهابية)، بعد أن كان الآخر (الوهابية) ـ في السابق ـ يبحث عن (علل مشكلة الغلو) عند الأنا (الاثني عشرية).
ويمكن لنا تصوير وتجسيم هذه القضية بالشكلين الآتيين:

____________

<=
لمعاني كلمة (الخلط) في روايات الأئمة الاثني عشر: (الاختلاطُ بالشيء: الامتزاج به، سواء كان مع التمييز وعدمه). مجمع البحرين (ج 4، ص 246).
وبإمكاننا هنا أن نقسم الخلط إلى قسمين:
القسم الأول: (الخلط الأصغر)، وهذا النوع من الخلط موجود عند بعض علماء المذاهب الإسلامية، ولا يترتب على هذا النوع من الخلط نتائج خطيرة؛ لأنّه خلط في المسائل الفرعية.
القسم الثاني: (الخلط الأكبر)، وهذا النوع من الخلط موجود عند الوهابية، وهو خلطٌ خطير وكبير؛ لأنّ من مظاهره السقوط في هاوية التكفير الأكبر للمسلمين. وهو خلط في مسائل أُصول الدين لا فروع الدين. وأبرز مورد لهذا النوع من الخلط؛ الخلط الذي وقع فيه الخوارج حين خلطوا بين معنى (الحكم) في قوله تعالى (إِن الحُكْمُ إلاّ للهِ...) الانعام: 57 وبين معنى (التحكيم) في قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا) النساء 35. ونتيجة لهذا الخلط الأكبر ـ عند الخوارج ـ بين مفهوم ومعنى (الحكم) في تلك الآية الذي هو من مختصات الذات الإ لهية، وبين معنى ومفهوم (التحكيم) في هذه الآية الذي لا علاقة له بالمعنى الأول؛ إذ إن كل رجل يختلف مع رجل آخر لا بد لهما أن يحكّما رجلاً ثالثاً.. أقول نتيجة لهذا الخلط الأكبر عند الخوارج كفروا الإمام عليّاً وكفرّوا كبار الصحابة!
ومن نماذج هذا الخلط عند الوهابية أنّهم خلطوا بين الغلو الأكبر الذي يُخرج عن الإسلام، وبين الغلو في مصطلح بعض المحدثين الذي أطلقوه ـ احياناً ـ على رواة الحديث من المسلمين، ومن هنا كفروا الاثني عشرية!


الصفحة 100 الصفحة 101 </SPAN>الصفحة 102 </SPAN>الصفحة 103

ومن هنا تجدني ـ دائماً ـ أؤكد بأنّ أكثر الوهابيين من المخلّطينَ البسطاء الأبرياء لا من المغرضين الخبثاء، ومن هنا أطلقت كلمة (بريئة) على الوهابية. ولا شك أنّ الرجل المصاب بالتخليط والخلط لا يمكن معاملته بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع الرجل السليم من الخلطِ والتخليط، ولكنه يخلط قصداً وعمداً من أجل تحقيق أغراضه الخبيثة؛ كما لا يمكن تسوية القاتل عمداً بالقاتل خطأً.
إنّنا نسعى في هذا الكتاب وفي كل كتاباتنا ومحاضراتنا ومقالاتنا إلى استنقاذ هذه الجماعة الوهابية من مشكلة الخلط الأكبر، ولا يمكن أن نستنقذها من هذا المستنقع الخطير ـ مشكلة الخلط ـ إذا كنا نسيء الظن بهذه الجماعة، كما لا يمكننا استنقاذ هذه الجماعة المبتلاة بالخلط إذا قسونا عليها أو استخدمنا معها طريقة فظة وغليظة؛ لأنّها سوف تنفرُ وتشتدُ خلطاً (ولو كُنْتَ فَضّاً غَلِيظَ القَلبِ لانفضّوا من حَوْلِكَ)(1).
ولا شك أنّ الطبيب المتخصص في معالجة الأمراض النفسية لا يمكن أنْ يعالج مريضه المصاب بحالةٍ نفسية إذا كان يسيء الظن به أو يُغلظ عليه. وحين نعالج الوهابية من هذه المشكلة سوف يتم تحقيق فكرة التقريب بين الاثني عشرية والوهابية، وسوف نحافظ على الوحدة الإسلامية المقدسة وبالتالي سوف نفشل المخططات الصليبية والصهيونية التي تسعى للقضاء على المودة والأخوة الموجودة بين المسلمين الاثني عشريين وبين المسلمين الوهابيين.

* * * *
القضية الثانية: الفتنة التي خلقتها الوهابية بين السنّة والسنّة من جهة، وبين السنّة والاثني عشرية من جهة أخرى؛ لأجل بعض المسائل التي ظن الوهابيون أنها من مسائل (أُصول الدين)، مع أنها في حقيقتها من مسائل (العقيدة) لا من
____________
(1) سورة آل عمران: من الآية 159.
الصفحة 104 مسائل (أُصول الدين). وقد أدى هذا الفهم الخاطئ لأن تطلق الوهابية كلمة (الغلو) على مخالفيها في قضايا حسبتها أنها من مسائل (أُصول الدين).
إنّ الوهابية، وبسبب معاناتها من مشكلة الخلط في كل شيء كان من الطبيعي أن تخلط بين ما أطلق عليه الخلف من أهل السنّة لا السلف (مسائل العقيدة)، وبين ما أطلق عليه سلف أهل السنّة (مسائل أُصول الدين). وكان من نتائج هذا الخلط أنّ الوهابيين لا يميزون بين من خالف بعض (مسائل العقيدة) التي لا ترتبط بأُصول الدين، وبين من خالف مسألة من مسائل (أصول الدين)، ومن ثَمّ أطلقوا كلمة (الغلو) على الكثير من أهل السنّة وعلى الاثني عشرية؛ لأنّهم خالفوا الوهابية في بعض مسائل العقيدة التي لا علاقة لها بـ (أُصول الدين).
إنّ الوهابيين يحسبون أنّ أيّ مسألة من مسائل العقيدة يجب أن تكون ـ أيضاً ـ من مسائل أُصول الدين؛ لأنّهم يرون أنّ هناك علاقة تساوي بين مسائل العقيدة وبين مسائل أُصول الدين (مسائل العقيدة = مسائل أُصول الدين).
إنّه بالإمكان لنا أن نقول: إنّ كل مسألة من مسائل أصول الدين يجب أن تكون من مسائل العقيدة، ولكن ليس كل مسألة من مسائل العقيدة يجب أن تكون من أُصول الدين، فبعض مسائل العقيدة من أُصول الدين وبعض مسائلها ليس من أصول الدين(1). ولا يصح أنْ نخلط بين مسائل العقيدة المرتبطة بأُصول الدين وبين مسائل العقيدة المنفصلة عن أصول الدين.
وتكمن أهميّة هذا البحث بعد أن وجدنا الوهابيين يرفضون التقريب بين أهل السنّة وبين الاثني عشرية، حتى جعل الوهابي المعاصر (ناصر القفاري) رسالته في الدراسات العليا تحت عنوان (مسألة التقريب)، واعتبر هذا الوهابي ـ وكل الوهابيين ـ أنّ مسألة التقريب بين أهل السنّة وبين الاثني عشرية، وبين الاثني عشرية والوهابية لا يمكن أن تتم وتتحقق في عالم الواقع؛ لأنّ الخلاف بين أهل السنّة والاثني عشرية وبين الاثني عشرية والوهابية ـ في رأيه ورأي الوهابيين ـ هو خلافٌ في أُصول الدين.

____________
(1) وحسب تعبير علماء المنطق يكون بين أُصول الدين ومسائل العقيدة عموم وخصوص مطلق.
الصفحة 105 وحينما بحثت في هذه المسائل الخلافية ـ بين أهل السنّة وبين الاثني عشرية ـ وجدت أنّه لا يوجد لها علاقة بأُصول الدين، بل هي إما ترجع إلى بعض مسائل العقيدة التي قال علماء أهل السنّة أنّها لا علاقة لها بأُصول الدين، وإما ترجع إلى قضايا فرعية فقهية لا تتصل بمسائل أُصول الدين ولا بمسائل العقيدة، ومن ثَمّ فلا بد أن نعالج هذا الخلط عند الوهابية بين بعض (مسائل العقيدة) وبين (مسائل أصول الدين). وهذه التفرقة ليست من عندنا، بل إنّنا سننقل لإخواننا الوهابيين كلاماً قيماً للامام ابن تيمية رحمه الله ـ ولا يمكن لهم أن يطعنوا في كلام ابن تيمية ـ، قال في تبيين ضرورة التمييز بين بعض مسائل العقيدة وبين مسائل أُصول الدين:
(إنّ المسائل الخبرية قد تكون بمنزلة المسائل العملية، وأسميت تلك (مسائل أصول) وهذه (مسائل فروع)، فإنّ هذه تسمية محدثة، قسمها طائفة من الفقهاء والمتكلمين. وهي على المتكلمين والأصوليين أغلب)(1).
وحتى يعلم القارئ أنّ الوهابية تخلط بين (مسائل أُصول الدين) وبين بعض (مسائل العقيدة)، وكان من نتائجه أن أطلقوا كلمة (الغلو) على جمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية وعلى الاثني عشرية، كما رفضوا التقريب بين أهل السنّة وبين الاثني عشرية، والتقريب بين الاثني عشرية والوهابية؛ أرى ـ هنا ـ من الضرورة أنْ أنقل ما قاله أحد علماء أهل السنّة الذين لا تطعن فيهم الوهابية وهو العلامة (محمد عبد الحليم حامد)، حيث يقول في هذا الخلط الخطير عند الوهابية تحت عنوان سمّاه (تسمية العقيدة بأصول الدين تسمية تشريفية)، يقول:

____________
(1) راجع البحث الذي كتبه العالم السنّي محمد عبد الحليم حامد حول هذا الموضوع في كتابه (معاً على طريق الدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام الشهيد حسن البنا). وإنّما أشرت إلى هذا العالم لأنه ليس صوفياً ولا شيعياً حتى تتأمل الوهابية في كلامه، فهو رجل ليس من خصومهم.
الصفحة 106 (واستقرت هذه التسمية [يعني: التسمية الجديدة لمسائل العقيدة بأُصول الدين] على مَرّ الأجيال إلى عصرنا هذا، وهنا حقائق هامة ينبغي الانتباه إليها وهي: إنّ هذه التسمية لم تعهد في القرون الثلاثة الفاضلة، إنّها تسمية جديدة جرت على لسان علماء الكلام ابتداءً وبعض الفقهاء، حسب ما قسموا مسائل الدين إلى (أصول) وتعني مسائل العقيدة، (وفروع) وتعني مسائل الأحكام العملية (الفقه).. هذا التقسيم راج وانتشر واستقرّ عند أهل السنّة وعلماء الكلام. وهذه هي الحقيقة الغائبة.
فأهل السنّة عندما يطلقون تسمية أصول الدين على العقيدة [يعني: عندما يطلقون أُصول الدين على بعض مسائل العقيدة التي لا ترتبط بأُصول الدين] يريدون بذلك تشريف العقيدة).
إلى أن يقول:
(ولا يقصدون [أهل السنَّة] بذلك [يعني: باطلاق أصول الدين على بعض مسائل العقيدة] أنّ كل مسائل العقيدة أصول، بل إنّ فيها الفروع أيضاً).
إلى أن يقول:
(هذه هي نظرة علماء السلف ـ رحمهم الله ـ. وهذه نظرة دقيقة رشيدة حفظت لمذهب أهل السنّة استقامته واعتداله، وعصمتهم من السقوط في هاوية التكفير السحيقة، وحفظتهم من رمي الغير بسهام الزيغ والضلال والزعزعة والميوعة).
إلى أن يقول:
(فالإسلام عظيم متين لا يهدم بسهولة لمجرد خلاف أو زلة في مسائل من مسائل العقيدة [يجب أن نميز بين الزلة في مسائل أصول الدين وبين الزلة في بعض مسائل العقيدة] دون نظر إلى حجم هذه المسألة ووزنها).
</SPAN>الصفحة 107 إلى أن يقول:
(وهذه الحقيقة ليست استنباطاً سبقتُ إليه، وإنّما هي مدونة في كتب عالم جليل من علماء السلف، وإمام عظيم من أئمتهم؛ إنّه شيخ الإسلام ابن تيمية)(1). ثُمّ ذكر كلاماً طويلاً مفصّلاً للإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في ضرورة عدم الخلط بين مسائل أصول الدين وبين بعض مسائل العقيدة التي لا علاقة لها بأُصول الدين.
ويتحتم على كل وهابي أن يراجع كلام الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؛ حتى لا يخلط بين مسائل أُصول الدين وبين بعض مسائل العقيدة التي ترتبط بفروع الدين لا باصوله، وحتى لا يعتبر أكثر المسلمين من الغلاة ومن أهل الضلالة.
والحاجة إلى جلاء هذه الفكرة هي حاجة ضرورية للوهابية؛ لأنّها إذا أدركت الفرق بين (أصول الدين) وبين بعض (مسائل العقيدة)، سوف تحسن الظن بالكثير من المسلمين من السنّة ومن الاثني عشرية، وسوف تعرف أنّها بحاجة إلى تجديد نظرتها حول (مسألة التقريب) بين أهل السنّة وبين الاثني عشرية، وحول (مسألة التقريب) بين الإثني عشرية والوهابية، وحول (مسألة التقريب) بين أهل السنّة والوهابية؛ لأن الوهابية لم تعارض هذا التقريب إلاّ لظنها أنّ الخلاف بين السنّة والاثني عشرية هو خلاف في (أصول الدين)، ولظنها أن الخلاف بين الاثني عشرية والوهابية هو خلاف في (أصول الدين)، ولظنها أن الخلاف بين أهل السنّة والوهابية هو خلاف في (أصول الدين). وهي لا تدري أنّها تعاني من خلط كبير بين مسائل أُصول الدين وبين بعض مسائل العقيدة التي هي في الأصل من فروع الدين.

____________
(1) نفس المصدر: ص 134 ـ 137.


</SPAN>


 

رد مع اقتباس
قديم 01-28-2011, 12:39 AM   #4
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



* * * *
والله يعلم بحالي فكم من الشهور والسنين مضت وأنا أبحث ـ ليلاً ونهاراً ـ عن حلٍ؛ من أجل تخفيف حدّة النزاع بين أهل السنّة والوهابية من جهة، وبين الاثني عشرية والوهابية من جهة أُخرى، وبين أهل السنّة والاثني عشرية منْ جهة ثالثة الذين هم أبناء أُمة واحدة. وتبين لي بما لا مجال للشك فيه أنّ الجماعة الوهابية ـ منْ دون قصد ـ كانت وراء توسيع ذلك النزاع، وأنّ من النادر أن تجد كتاباً تنشره الوهابية إلاّ وأقرأه بتمعن وإتقان، حتى أستطيع أن أبحث عن العلة التي جعلت هذه الجماعة تثير الفتنة بين السنّة وبين الاثني </span>الصفحة 109 عشرية، وجعلتها تنعزل عن بقية المسلمين من أهل السنّة بعد أن صاروا من الغلاة في نظرها، حتى مَنَّ الله عليّ واكتشفت العلة بعد بحث طويل، واستيقنت أن العلة تكمن في (مشكلة الخلط عند الوهابية بين الاثني عشرية وفرق الغلاة)، حينئذ بدأت أدرس الخلط بصورتيه العامة والخاصة(1) عند الجماعة (الوهابية)، والبحث عن أسباب علاجه.
وقد لاحظت أنّ الخلط من أخطر الأمراض الفكرية التي تصيب الإنسان، فبدأت بتحليل علله والبحث عن دوائه، والتفكير في كيفية علاج الوهابية منه، بعد أن كنت ـ سابقاً ـ أحد ضحايا مشكلة الخلط بين الاثني عشرية والغلاة.
وقد لا يصدق القارئ أنني كنت أثناء البحث عن العلل التي جعلت الوهابية تكون سبباً للفتنة بين السنّة وبين الاثني عشرية، وتكون سبباً في عز لها عن بقية المسلمين من أهل السنَّة، لا سيما وأنا أتابع دماء المسلمين التي تسيل في الباكستان من أهل السنّة ومن الاثني عشرية ومن الوهابية، بعد أن فتنت بين أبناء الأمة الواحدة كتابات الوهابي إحسان إ لهي ظهير ـ من حيث لا يعلم ـ، وكنت أحياناً ـ من شدّة التأسف على الحالة المأساوية التي وصلت إليها الوحدة الإسلامية المقدسة بسبب كتابات الوهابية ـ أجد نفسي أبكي في زاوية مكتبتي، إلى أنْ أذن الله ـ تعالى ـ لي وعرفت أنّ الوهابية تعاني من داء (الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة)، بل من داء الخلط بصورة عامة. وبعد أن عرفت هذه المشكلة عرفت حقيقة الوهابية.
لقد نشرت الوهابية المئات بل الآلاف من المقالات والمحاضرات والكتب التي تتحدث عن (مشكلة الغلو عند الاثني عشرية)، بل عن (مشكلة الغلو عند كل
____________
(1) الخلط بصورة خاصة يرتبط بمشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة عند الوهابية. والخلط بصورة عامة عند الوهابية يشمل الكثير من القضايا والمسائل التي خلطت فيها الوهابية، منها: الخلط بين أُصول الدين وبعض مسائل العقيدة، ومنها: الخلط بين جمهور أهل السنة وبين فرق الغلاة.
الصفحة 110 المسلمين ما خلا الوهابية). لكنني بعد أنْ اكتشفت داء (الخلط) عند الوهابية التفت نظري إلى أنّ هنالك (مشكلة خلط عند الوهابية)، لا (مشكلة غلو عند الاثني عشرية)، أو (مشكلة غلو عند أهل السنَّة).. مشكلة الخلط عند الوهابية جعلتني أدرك أنّ الوهابية تخلط بين السبئية وبين الاثني عشرية، كما خلطت بين جمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية وبين الغلاة الضالين والمنحرفين، وكما خلطت بين المشركين وبين المسلمين.
إنّني أعتقد أنّ الوهابيين إخواننا لا خصومنا، وهم لا يضمرون العداء لأهل السنّة أو للاثني عشرية، ولكنهم بسبب الإصابة بمشكلة الخلط بيننا وبين فرق الغلاة لم يفهمونا. ومن الواجب علينا أن نستخدم كل وسيلة شرعية حتى نعالج إخواننا من هذه المشكلة، وحين يتم علاجهم سوف ترون كيف ستتحول تلك الخصومة والكراهية ـ للاثني عشريين ولجمهور أهل السنّة من الأشاعرة والماتريدية ـ إلى اخوةٍ إسلامية مستحكمة؛ بين الوهابيين وبين الاثني عشريين من جهة وبين الوهابيين وأهل السنّة من جهة أُخرى، عند ذلك يفرح المؤمنون الذين يقدّسون الوحدة الإسلامية ويشتدّ غيض أعداء الإسلام.

* * * *
وهذا الكتاب محاولة لتصحيح الحوار بين الوهابيين وبين الاثني عشريين، إذ الحاجة إلى هذه القضية ضرورية؛ لأن تصحيح الحوار بيننا سيساعد على التقريب بين الاثني عشرية والوهابية، وعلى سبيل المثال عندما نتناول معهم موضوع (التوسل بذات الرسول الأعظم بعد وفاته) لا بد لنا ـ قبل أن نتناول هذا الموضوع مع الوهابيين ـ أن نتناول في البداية هذه القضية، وهي: هل الخلاف حول موضوع (التوسل بذات الرسول الأعظم بعد وفاته) بين المجيزين والمانعين هو خلاف في مسألة من مسائل أُصول الدين أم لا علاقة لهذا الاختلاف بأُصول الدين؟
</span>الصفحة 111 وعندما يجيب إخواننا الوهابيون بأنّ الاختلاف في هذا الموضوع هو اختلاف في مسائل العقيدة.
نقول لهم في الجواب على ذلك: بأنّ مسائل العقيدة تنقسم إلى قسمين ـ كما هو رأي الإمام ابن تيمية رحمه الله ـ: القسم الأول من مسائل العقيدة يرجع إلى أُصول الدين، والقسم الثاني من مسائل العقيدة يرجع إلى فروع الدين.
وحين يرى إخواننا الوهابيون أنّ الاختلاف في موضوع (التوسل بذات الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته) هو خلافٌ في أُصول الدين؛ لا بد أن نبين لهم أنّهم قد أُصيبوا بمشكلة الخلط بين مسائل أُصول الدين وبين مسائل العقيدة، ولا بد قبل الحوار في هذا الموضوع من معالجتهم من هذه المشكلة، حتى يتبين لهم أنّ هذا الاختلاف حول هذا الموضوع هو خلافٌ في فروع الدين لا أُصوله، وعلى فرض أنّه خلاف في مسألة عقائدية، لكنه خلاف في مسألة عقائدية لا تتصل بمسائل أُصول الدين. وقد نحتاج معهم إلى حكمة وتؤدة حتى نعالجهم من مشكلة الخلط بين أُصول الدين وبعض مسائل العقيدة التي لا علاقة لها بأُصول الدين.
وبديهي أن نبين لهم أنّ المذاهب الأربعة المعروفة (مذهب الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله) لم تجعل الاختلاف حول هذا الموضوع من الاختلاف في مسائل (أُصول الدين).
وغني عن الذكر أننا قد نحتاج أن نذكر لهم أقوال أهل السنّة في أنّ الاختلاف حول هذه المسألة هو خلافٌ في مسألة فرعية لا أصولية ولا عقائدية ـ في نظر بعض علماء أهل السنّة ـ.
كما أنني أرفض أن نتهم الوهابيين بكراهية الرسول الأعظم ـ والعياذ بالله ـ أو التنقيص منه، لأنّهم يرفضون التوسل به بعد مماته؛ إذ لا ترابط بين رفض التوسل بالنبي بعد الممات وبين كراهيته ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، فلا يصح أن نقابل خطأ الوهابيين بخطأ مثله.
</span>الصفحة 112 وفي هذه المسألة نذكر لإخواننا الوهابيين ـ على سبيل المثال ـ ما قاله الإمام الشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ حول هذا الموضوع، قال ـ رحمه الله ـ:
(والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه موضع خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة)(1).
وإذا تبين لهم أنّ الاختلاف في هذا الموضوع هو اختلاف فرعي لا أُصولي، حينئذ سوف نستطيع أنّ نستنقذهم من اتهامنا واتهام أهل السنّة بالشرك؛ لأنّهم يعلمون أنّ الاختلاف في المسائل الفرعية لا علاقة له بالشرك أو الكفر، وإنّما يتصل بالخطأ والصواب.
ولا بد لنا من استخدام هذه الطريقة في هذه المسألة وفي كلِّ مسألة مع الوهابية؛ لأنّهم بسبب مشكلة الخلط بين أُصول الدين وبين فروع الدين قد خلقوا فتنة خطيرة بينهم وبين أهل السنّة من جهة وبينهم وبين الاثني عشرية من جهة أخرى حول هذه المسألة. وقد عانى الإمام الغزالي من الفتنة التي خلقتها الوهابية ـ من حيث لا تعلم ـ حول هذه المسألة، وفي هذا يقول ـ رحمه الله ـ:
(ونعود إلى التوسل بذات الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حين يدعو المسلم ربّه؛ إنّ الخلاف بين المجيزين [يعني: أهل السنّة والاثني عشرية] والمانعين [يعني: المصابين بمشكلة الخلط وهم الوهابية] كاد يشبه الخلاف بين دينين، ولم أر لذلك سبباً معقولاً)(2).

____________
(1) الأصل الخامس عشر من الأُصول العشرين التي اقترحها الإمام حسن البنا ـ رحمه الله ـ من أجل الحفاظ على الوحدة الإسلامية بين أهل السنّة والوهابية من جهة، وبين أهل السنّة والاثني عشرية من جهة أُخرى، وبين الوهابية والاثني عشرية من جهة ثالثة.
(2) دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، الغزالي: ص130. ط / الأولى 1997م، دار الشروق ـ القاهرة ـ مصر.
الصفحة 113 وهذا صحيح في عمومه، ولكن يبقى أن نشير أنّه يوجد سبب معقولٌ لهذا الخلاف الذي وصفه الإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ بأنّه (كاد يشبه الخلاف بين دينين)، وهذا السبب المعقول يكمن في مشكلة الخلط بصورة عامة التي يعاني منها العقل الوهابي، فهذه المشكلة جعلته يخلط بين ما هو من أُصول الدين وما هو من فروع الدين.
وما دام أنّ الموضوع يتعلق بأُصول الدين عند الوهابية فقد أصبحت تتعامل مع مخالفيها في هذه المسألة كما يتعامل المسلمون مع الديانات الأُخرى؛ فهي تتهمهم بالشرك، كما تتهمهم بالغلو.. وفي هذا يقول الإمام الغزالي موجهاً خطابه للوهابيين الذين اتهموا أهل السنّة والاثني عشرية بالشرك بسبب أنّهم توسلوا إلى الله ـ أثناء الدعاء ـ بأحدٍ من خلقه:
(وبقي أن ننصح هواة الإتهام بالشرك [يعني: المصابين بمشكلة الخلط] أن ينظفوا سرائرهم وألسنتهم من سوء الظن، ولا يبنوا أحكاماً على أوهام..(1))(2).

* * * *
والقضية الثالثة ـ قضية حكم الأخذ بخبر الآحاد في مسائل الاعتقاد ـ: من أهمّ القضايا التي خلقتْ الوهابية ـ من حيث لا يعلمون ـ بسببها فتنة ومعركة بين المسلمين(3)، ودخلت الوهابية باسم أنصار القائلين بحجية خبر الآحاد في
____________
(1) نفس المصدر السابق.
(2) مشكلة الخلط عند الوهابية تنقسم إلى قسمين:
أ ـ القسم الأول: مشكلة الخلط عند الوهابية بصفة عامة، وهذه تشمل نماذجاً كثيرة من الخلط.
ب ـ والقسم الثاني: مشكلة الخلط عند الوهابية بصفة خاصّة، وأعني بها (مشكلة الخلط عند الوهابية بين الاثني عشرية وفرق الغلاة).
(3) كتب الوهابيون رسائل عديدة في هذه القضية، منها: (الأدلة والشواهد على وجوب الأخذ بخبر الواحد في الأحكام والعقائد) للشيخ الوهابي سليم ا لهلالي ـ رحمه الله ـ، ومنها: رسالة (أصل الاعتقاد) للوهابي الدكتور عمر بن سليمان الأشقر ـ حفظه الله ـ، ومنها: (أخبار الآحاد في الحديث النبوي) للوهابي الشيخ عبد الله الجبرين ـ رحمه الله ـ. وغيرها كثير.
الصفحة 114 مجال الاعتقاد، واتهمت القائلين بعدم حجية خبر الآحاد في مجال الاعتقاد بالغلو، فاستعرت الحرب بينها وبين هؤلاء.
وولدت معركة خطيرة بعيدة عن البحث العلمي، حتى أصبح القارئ يشعر بأنّ هنالك حزبين لا يلتقيان أبداً؛ الحزب الأوّل ضالع في الأخذ بخبر الآحاد في مجال الاعتقاد، والحزب الثاني مؤيد للتيار الذي يرفض الأخذ بخبر الآحاد في مجال الأعتقاد. وهكذا؛ خلقت الوهابية من هذه القضية تمزقاً شاملاً بين المسلمين.
وأشهد أنّه ما دخلت الوهابية في قضية ـ أي قضية ـ إلاّ وصنعت ضجّة، وهي تظن أنّها تصنع ذلك في مصلحة الإسلام والمسلمين. ولا يمكن أن نعالجهم إلا إذا استنقذناهم من تخليطهم المعيب في كل مذهب أو قضية يتناولونها.
وحينما يعرض علماء أهل السنّة وعلماء الاثني عشرية قضية (الأخذ بخبر الآحاد في مسائل الاعتقاد) يحسنون طرحها، ويحسنون تقديم الحكم فيها، بطريقة بريئة من نزوات اتهام المسلمين بالغلو والانحراف.
أمّا الوهابيون فكيف رسموا هذه القضية؟
لقد رسموها بحالة تقتضي أن تسوء علماء الإسلام من أهل السنّة والاثني عشرية والوهابية وتسر خصوم الإسلام(1).

____________
(1) كما صنع الوهابي الشيخ محمد بن عبد الله الوهيبي ـ حفظه الله ـ في كتابه (حجيَّة الآحاد في العقيدة وشبهات المخالفين) حيث يذكر سبب تأليفه لكتابه قائلاً:
(... أما بعد؛ فإنّ المسلمين بحاجة ماسة إلى تذكيرهم أصول عقيدتهم كما فهمها السلف الصالح، بعدما تكاثر أهل البدع، وكثرت شبهاتهم [يعني شبهات كبار علماء أهل السنّة وعلماء الاثني عشرية]، وتأثر بها بعض الفضلاء. ومن هذه الأصول ا لهامة التي اضطرب فهمها لدى بعض الدعاة؛ مسألة حجية خبر الآحاد في العقيدة، حيث تأثر البعض بشبهات المتكلمين ودعاواهم حين فرّقوا بين العقائد والأحكام أو الأصول والفروع، وادّعوا أنّ الآحاد لا يحتج به في الأُصول. وممن تأثر بذلك بعض كبار الدعاة، ممن عرف منهم الدفاع عن السنة).
راجع الكتاب المذكور: ص 4. ط / الأُولى سنة 1415 هـ، دار المسلم ـ الرياض ـ السعودية.
الصفحة 115 ولست أتحامل على الوهابيين، وإنّما أُطالبهم أنْ لا يتهموا أعلام الإسلام بالغلو لأجلِ مخالفتهم في هذه القضية.
وفي الحقيقة أنّ اتهام الوهابيين لمخالفيهم من أهل السنّة ومن الاثني عشرية بالغلو أصبح معلوماً لكل من قرأ كتب الوهابيين أو حضر في مجالسهم؛ فلا يخالفهم المسلم ـ أي مسلم ـ في قضية إلاّ ويصفونه بأنّه من الغلاة. وبسبب توسعهم في مدلول الغلو أصبح الكثير من المسلمين في العالم الإسلامي مسجلين في قائمة الغلاة المنحرفين!
ولذلك تجد أنّ الوهابيين ـ من حيث لا يعلمون ـ هدموا حدود الغلو وتجاوزا معاييره التي رسمها الكتاب والسنّة، ورسموا صورة للغلو غريبة لا يقبلها علماء الإسلام من أهل السنّة والاثني عشرية وتوسعوا في فهم حقيقة الغلو توسعاً كبيراً، حتى إنّك من النادر أن تجد علماً من أعلام الإسلام إلاّ واتهموه بالغلو وأصبحت الوهابية تعدّ بعض القضايا المستندة إلى الكتاب والسنّة من الغلو، مع أنّها من صميم الإسلام وبهذا وسعوا دائرة (الغلو) أيّما توسيع حتى جعلوا الاثني عشرية من الغلاة. ولو أخذنا بمفهوم الوهابيين عن الغلو لكان من المستحيل أنّ تجد إنساناً (معتدلاً) في هذا الوجود!!


 

رد مع اقتباس
قديم 01-28-2011, 12:40 AM   #5
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



* * * *
وأعود إلى ما ذكرت آنفاً من البحث عن قضية (حكم العمل بالخبر الآحاد في مسائل الاعتقاد)، وحتى يستبين الأمر لإخواننا الوهابيين في أنّ الذين خالفوهم في هذه القضية ليسوا من الغلاة؛ سوف أوضح لهم أنّ بعض الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يخالفونهم في هذه القضية، فقد ثبت في الحديث الصحيح أنّ عائشة ـ رضوان الله عليها ـ ردت خبر عمر ـ رضي الله عنه ـ في حديث (تعذيب الميت ببكاء أهله عليه) وقالت: ((رحم الله عمر، والله ما حدّث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه)).
</span>الصفحة 116 وقالت: ((حسبكم القرآن (ولا تزروا وازرةٌ وزرى أُخرى)(1)..))(2).
وإذا كانت عائشة ـ رضي الله عنها ـ تتعامل مع هذه الرواية بهذه الصورة فكيف يصرّ الوهابيون على اتهام المسلمين بالغلو لأنّهم لم يأخذوا بعقائد وهابية مستقاة من أحاديث آحادية؟!
وحينما يقذف الوهابيون إخوانهم من أهل السنّة ومن الاثني عشرية بالغلو في المرحلة الأُولى، يتهمونهم في المرحلة الثانية بالشرك؛ لأنّهم ـ في نظرهم ـ خالفوا رواية آحادية صدرت من قبل رجل يحتمل عليه الخطأ والنسيان، أو يحتمل أنّهم أخطأوا في تعديله؛ إذ يجوز أن يكون ظاهره العدالة وغاب عنهم حقيقة أمره وخفاياه.
وهل من المنطق أن نتهم المسلمين بالغلو لأجل رفضهم عقيدة مبنية على رواية آحادية لم يأخذ بها إلاّ بعض الوهابيين؟ بل هل يجوز لنا أن نتهم السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ بالغلو لأنّها ردتْ حديثاً آحادياً؟.. ومن هنا قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ((... ردّ من الصحابة غير واحد من الأخبار التي هي صحيحة عند أهل الحديث))(3).
وعلماء الاثني عشرية وعلماء أهل السنّة لم يحاربوا كل ما ورد من الأحاديث الآحادية، بل حاربوا الأحاديث الآحادية التي تسيء إلى عقيدة الإسلام الصافية والنزيهة.
ونحن لا نشك أنّ هذه القضية من أخطر القضايا التي جعلت الوهابية البريئة تتهمُ المسلمين بالغلو؛ لأنّ الوهابية عندما أصرّت على الأخذ بأخبار الآحاد في مسائل أُصول الدين وقعت في أخطاء كثيرة، وادخلت الوهابية ـ من حيث لا تعلم ـ قضايا كثيرة بعيدة عن الإسلام إلى مسائل أُصول الدين. كما أنّ هذه القضية
____________
(1) سورة الزمر: 7.
(2) صحيح البخاري: حديث رقم 1288.
(3) المسودة للإمام ابن تيمية: ص 245 ـ 247.
الصفحة 117 الخطيرة هي التي جعلت الوهابية تتهم المسلمين بالغلو؛ لأنّهم رفضوا العقائد الوهابية التي تكونت عند الوهابيين بسبب اعتمادهم على أخبار آحادية في إثبات أُصول عقيدتهم... وجعلهم الإيمان بالأخذ بأَخبار الآحاد في اثبات العقائد الشاذة يكفرون مَنْ عداهم مِنْ المسلمين؛ لأنّهم لم يعملوا بالأخبار الآحادية الظنية إذا كانت تأتي بأُمور شاذة في مسائل العقيدة.
وحتى يُحسن الوهابيون الظن بمخالفيهم في هذه القضية يستحسن أن ننقل لهم أقوال علماء أهل السنّة في هذه القضية، حتى يعرفوا أنّهم خالفوا جمهور المسلمين في هذه القضية، ثُمّ اتهموهم بالغلو وفي هذه القضية يقول القاضي عياض:
(قال ابن القاسم وابن وهب: رأيت العمل [يعني: عمل أهل المدينة] اقوى من الحديث [يعني: أقوى من حديث الآحاد])(1).
وإذا كان الإمام مالك ـ رحمه الله ـ يرد حديث الآحاد في بعض المسائل الفقهية إذا تعارض الخبر الآحادي مع السيرة العملية لأهل المدينة؛ فكيف يصّر الوهابيون على الأخذ ببعض أخبار الآحاد في مجال مسائل العقيدة، ثُمّ يتهمّون من شكك فيها بالغلو، ويتهمونه بمحاربة السنّة النبوية؟ وإذا كانوا يتهمون علماء أهل السنّة وعلماء الاثني عشرية بالغلو، لأنّهم شككوا في بعض عقائد الوهابية المستقاة من أخبار آحادية؛ فما هو قو لهم في الصحابة وفي الأئمة الأربعة الذين شككوا في بعض المسائل الفرعية المبنية على أخبار آحادية؟.. ولو أنصفوا لاحتملوا العذر لعلماء أهل السنّة ولعلماء الاثني عشرية كما احتملوه للصحابة وللأئمة الأربعة.
وفي الحقيقة أنّ اعتقاد الوهابيين بالأخذ بالخبر الآحادي في مجال العقيدة قد جعلهم يدخلون في العقيدة مسائلَ غريبة وخطيرة، ثم يتهمون كل سني أو اثني عشري بالغلو إذا خالف هذه العقائد الغريبة والخطيرة!

____________
(1) ترتيب المدارك: ج 1، ص 66، باب ما جاء عن السلف والعلماء في وجوب الرجوع إلى عمل أهل المدينة.
الصفحة 118 ولولا أنني أكره التشنيع على المسلمين، وأنني من دعاة التقريب بين الاثني عشرية والوهابية؛ لذكرتُ بعض عقائد الوهابيين الغريبة التي انبثقت وتولدت من بعض الروايات الآحادية التي رفضها أهل السنّة والاثنا عشرية.
ويكفي ـ هنا ـ أن نذكر لإخواننا من الوهابيين ما جاء عن الإمام أحمد في هذه القضية.
وفي هذا قال العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ـ حفظه الله ـ:
((وقد وجدت الحنابلةُ مختلفين في هذه القضية، نظراً لاختلاف ما روي عن الإمام أحمد بشأنها، وتبين لي أنّ معظم الأصوليين المحققين في المذهب [الحنبلي] يميلون إلى أنّ حديث ـ أو خبر الواحد ـ لا يفيد اليقين. وبتعبير آخر: لا يقتضي العلم. ذكر ذلك القاضي أبو يعلى في (العدة)، وأبو الخطاب في (التمهيد)، وابن قدامة في (الروضة)، وابن تيمية في (المسودة)(1)..)).
والوهابيون لا يعلمون أنّهم خالفوا الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في هذه القضية، حيث ثبت أنّه قال:
((.. إنّ هذا من أخبار الآحاد فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصّح الإيمان إلاّ به))(2).
وهكذا؛ نجد الإمام الشاطبي يقول:
(.. الظن في أُصول الدين فإنّه لا يغني عند العلماء؛ لاحتماله النقيض عند الظان، بخلاف الظن في الفروع فإنّه معمول به عند أهل الشريعة، للدليل الدال على إعماله، فكان الظن مذموماً إلاّ ما تعلّق منه بالفروع. وهذا صحيح ذكره العلماء في هذا الموضع)(3).

____________
(1) (الشيخ الغزالي كما عرفته رحلة نصف قرن) للإمام العلامة يوسف القرضاوي ـ حفظه الله ـ: ص 125. طبعة / دار الوفاء، مصر، ط / الأولى سنة 1417 هـ ـ 1997م.
(2) منهاج السنة: ج 2، ص 133.
(3) الاعتصام للإمام الشاطبي: (1 / 235).
الصفحة 119

بل خالف الوهابيون ـ من حيث لا يحتسبون ـ جمهور الأُمة، حيث ذهب جمهور أهل السنَّة إلى (أنّ الأحاديث الآحادية(1) لا يجوز الاحتجاج بها في المسائل العقائدية، وذلك لعدم القطع بثبوتها).
وكل من بحث عن هذه القضية اتضح له أنّ هذا هو مذهب جمهور الأُمة، وأنّه مذهب إمام الحرمين في (البرهان)، والسعد في (التلويح)، والإمام الغزالي في (المستصفى)، والإمام ابن عبد البرّ في (التمهيد)، والإمام ابن الأثير في مقدمة (جامع الأصول)، وصفي الدين البغدادي في (قواعد الأُصول)، والإمام ابن قدامة الحنبلي في (روضة الناظر)، وعبد العزيز البخاري في (كشف الأسرار)، وابن السبكي في (جمع الجوامع)، والمهدي في (شرح المعيار)، والإمام الصنعاني في (إجابة السائل)، وابن عبد الشكور في (مسلم الثبوت)، والإمام الشنقيطي في (مراغي الصعود)... الخ... الخ... وغيرهم كثير من كبار قدماء أهل السنَّة ومتأخريهم ـ رحم الله امواتهم وحفظ أحياءهم ـ.
وحتى يزداد الأمر وضوحاً أذكر أقوالاً أُخرى في توضيح وتبيين هذه القضية، لعل الله يهدي إخواننا الوهابيين إلى الرشاد فلا يتهمون مخالفيهم بالغلو لأجل هذه القضية الخلافية.
وفي هذه القضية يقول الإمام الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ:
(خبر الواحد لا يقبل في شيءٍ من أبواب الدين المأخوذ على المكلفين العلم بها والقطع عليها).
وقال الإمام أبو اسحاق الشيرازي ـ رحمه الله ـ:
(أخبار الآحاد لا توجب العلم)(2).

____________
(1) ذهب جمهور العلماء أنّ الحديث الآحادي هو ما عدا المتواتر.
(2) التبصرة: ص 298.
الصفحة 120 وقال الإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ:
(... خبر الواحد لا يفيد العلم، وهو معلومٌ بالضرورة، فإنا لا نصدق بكل ما سمع، ولو صدقنا وقدرنا تعارض خبرين فكيف نصدق بالضدين..)(1)!
وقال العلامة الشيخ ابن عبد الشكور ـ رحمه الله ـ:
(الأكثر من أهل الأُصول ومنهم الأئمة الثلاثة على أنّ خبر الواحد إن لم يكن معصوماً لا يفيد العلم مطلقاً، سواء احتف بالقرائن أو لا)(2).
إلى أن قال:
(ولو أفاد خبر الواحد العلم لأدى إلى التناقض إذا أخبر عدلان بمتناقضين...)(3).
وقال الإمام أبو منصور عبد القاهر البغدادي ـ رضوان الله عليه ـ:
(وأخبار الآحاد متى صح إسنادُها، وكانت متونها غير مستحيلةٍ في العقل كانت موجبةً للعمل بها دون العلم)(4).
وقال الإمام البيهقي ـ رحمه الله ـ:
(... ترك أهلُ النظر من أصحابنا الاحتجاج بأخبار الآحاد في صفات الله تعالى إذا لم يكن لما انفرد منها أصل في الكتاب أو الإجماع..)(5).
وقال الإمام فخر الدين الرازي ـ رحمه الله ـ:
(اعلم أنّ المراد في أُصول الفقه بخبر الواحد الخبر الذي لا يفيد العلم واليقين)(6).

____________
(1) المستصفى للإمام الغزالي: 1 / 145.
(2) مسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت: ج 2، ص 121 ـ 122.
(3) المصدر السابق.
(4) أُصول الدين للإمام عبد القاهر البغدادي: ص 12.
(5) الاسماء والصفات للإمام البيهقي: ص 357.
(6) المعالم للإمام فخر الدين الرازي: ص 138.
الصفحة 121 وقال ـ أيضاً ـ ينتقد الذين يأخذون بأخبار الآحاد في مسائل الاعتقاد:
(... ثُمّ إنّهم يتكلمون في ذات الله تعالى وصفاته بأخبار الآحاد، مع أنّها في غاية البعد عن القطع واليقين)(1).
وفي الأخير أذكر ما جاء في هذه القضية عن المعاصرين من أهل السنَّة.
قال الإمام الشيخ محمد الغزالي المصري ـ رحمه الله ـ:
(لقد تخرجتُ في الأزهر من نصف قرن، ومكثتُ في الدراسة بضع عشرة سنة، لم أعرف خلا لها إلاّ أنّ أحاديث الآحاد يفيد الظن العلمي، وأنّه دليل على الحكم الشرعي ما لم يكن هناك دليل أقوى منه. والقول بأنّ حديث الآحاد يفيد اليقين ـ كما يفيد المتواتر ـ ضرب من المجازفة المرفوضة عقلاً ونقلاً)(2).
ويقول ـ أيضاً ـ في أثناء رده على الوهابيين الذين اتهموا كبار علماء أهل السنَّة وعلماء الاثني عشرية بالغلو بسبب رفضهم بعض العقائد الوهابية الشاذة الثابتة بأخبار الآحاد:
(حديث الآحاد يعطي الظن العلمي أو العلم الظني، ومجاله الرحب في فروع الشريعة لا في أُصو لها. ونحن نؤكد أنّ خبر الواحد قديماً وحديثاً ما كان يفيد إلاّ الظن... ومع ذلك ففي عصرنا قوم [يعني: الوهابية] يريدون بخبر الواحد إثبات العقائد التي يكفر منكرها، وهذا ضرب من الغلو الممجوح)(3).
وقال الإمام يوسف القرضاوي ـ حفظه الله ـ:
(حديث الآحاد وإثبات العقائد... وهذا... مؤسس على أمرين:
1 ـ إنّ العقائد لا بد أن تُبنى على اليقين لا على الظن.
2 ـ وإنّ أحاديث الآحاد ـ وإن صحتْ ـ لا تفيد اليقين، بل لا يفيد اليقين إلاّ المتواتر.

____________
(1) انظر كتابه (أساس التقديس).
(2) السنّة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث للإمام الشيخ محمد الغزالي: ص 74.
(3) دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين للشيخ الإمام محمد الغزالي: ص 68.
الصفحة 122 ونصوص القرآن تؤيد الأمر الأول؛ [يعني: أنّ نصوص القرآن تؤيد أنّ العقائد لا بد أن تبنى على اليقين لا على الظن] فإنّ الله تعالى ذم المشركين بقوله: (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (النجم:28).
وأقوال جمهور علماء الأُصول (أُصول الدين وأُصول الفقه) تؤيد الأمر الثاني [يعني: تؤيد أنّ أحاديث الآحاد لا تفيد اليقين].
وهذا التوجه في التعامل مع أحاديث الآحاد في العقائد هو الشائع لدى المدارس والجامعات الدينية الشهيرة في العالم الإسلامي، مثل: الأزهر، والزيتونة، والقرويين، وديوبند، وما تفرع منها)(1).
ويقول الشهيد المفكر الاسلامي سيد قطب ـ رضوان الله عليه ـ:
(وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة، والمرجع هو القرآن، والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أُصول الاعتقاد)(2).
وفي هذا يقول الإمام الأكبر محمود شلتوت ـ رحمه الله ـ:
(.. وهكذا؛ نجد نصوص العلماء (متكلمين وأصوليين) مجتمعة أنّ خبر الآحاد لا يفيد اليقين، فلا تثبت به العقيدة، ونجد المحققين يصفون ذلك بأنه ضروري لا يصح أن ينازع أحد في شيء منه)(3).
إلى أن يقول:
(ومن هنا يتأكد ما قررناه من أنّ أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة، ولا يصح الاعتماد عليها في شأن المغيبات؛ قولٌ مجمع عليه، وثابت بحكم الضرورة العقلية التي لا مجال للخلاف فيها عند العقلاء)(4).
وهكذا وهكذا هنالك عشرات الأقوال بين أيدينا التي ذكرها كبار أهل السنّة في هذه القضية، وإنّما ذكرناها من أجل إقناع إخواننا الوهابيين أن يعذروا علماء أهل السنّة الذين خالفوهم في هذه القضية، الخلافية ولا داعي لجعلها سبباً في تمزيق الصف الإسلامي.

____________
(1) انظر كتاب: (الشيخ الغزالي كما عرفته رحلة نصف قرن) للإمام الشيخ يوسف القرضاوي ـ حفظه الله ـ: ص 123 ـ 124.
(2) في ظلال القرآن، الشهيد المفسِّر سيد قطب: 6 / 4008.
(3، 4) الاسلام عقيدة وشريعة للإمام شلتوت: 74 ـ 76.


 

رد مع اقتباس
إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 12:40 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية