بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بقائمهم
قَدْ تَعَرفْتَ على مقدّمات برهان الإِمكان و أنَّ الاستنتاج منه متوقفٌ على امتناع الدور و التسلسل ، و لولا تسليم امتناع هذين الأمرين ، لأصبح القياس عقيماً و البرهان غيرَ منتج. و الذي نركز عليه هنا هو أنَّ كلَّ ما استُدِلَّ به على إثبات الصَّانع لا يكونُ منتجاً إلاَّ إِذا ثبت قَبْلَه امتناع الدور و التسلسل. ولولا هذا التسليم لكانت البراهين ناقصةً ، غير مفيدة.
مثلا : إِنَّ برهان النظم الذي هو من أَوضح البراهين و أعمِّها لا يكون منتجاً و دالا على أنَّ للعالَم خالقاً واجباً ، و أنَّ سلسلة الكون منتهيةً إليه ، إلاَّ إذا ثبتَ قبلَه امتناعُ الدور و التسلسل. لأَنَّ النظام البديعَ آيةُ كونِه مخلوقاً لعلم وسيع و قدرة فائقة يعجز الإِنسان عن وصفهما و تعريفهما. و أَما كون ذلك العلم واجباً و تلك القدرة قديمة ، فلا يثبتُ بذلك البرهان. إِذ من المحتمل أَنْ يكونَ خالقُ النّظام ممكناً مخلوقاً لموجود آخر و هكذا ، إِما أَنْ يدورَ أوْ يتسلسل. فإِثباتُ كونِ النظامِ و سلسلةِ العللِ و المعاليلِ متوقفةً عند نقطة خاصّة هي واجبةٌ لا ممكنةً ، غنية لا فقيرة ، قائمةٌ بنفسها لا بغيرها ، يحتاج إِلى تسليم امتناع الدور و التسلسل كما هو واضح ، فكأنَّ المُسْتَدِلَّ ببرهان النظمِ أو سائر البراهين أخذ امتناعهما أصلا مسلماً عند الاستدلال بها.
الالهيات الشيخ السبحاني