هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
دورة : التوظيف والتعيين والإست... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 80 ]       »     دورة : مهارات التخطيط المالي و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 63 ]       »     دورة : اساسيات التأمين [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 75 ]       »     دورة : تحليل البيانات والقوائم... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 73 ]       »     دورة : السلامة والصحة المهنية ... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 70 ]       »     دورة : آليات الرقابة الحديثة و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 112 ]       »     دورة : تكنولوجيا التميز والإبد... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 97 ]       »     دورة : القيادة عالية الإنجاز و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : فنون العرض والتقديم وال... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 102 ]       »     دورة : الإدارة الفعالة للمختبر... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 103 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات



يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
إضافة رد
#1  
قديم 11-07-2010, 10:15 PM
الفاروق الاعظم
مشرف عام
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5057 يوم
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم : 10
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي كتاب "فصل الخطاب" ونقاط مهمة



الفصل الثالث
كتاب "فصل الخطاب" ونقاط مهمة


"فصل الخطاب" في سطور

يشتمل كتاب "فصل الخطاب" لمؤلفه الميرزا حسين النوري (ت 1320 هـ.) على ثلاث مقدمات وبابين، وقد تحدث النوري في المقدمة الأولى عن النصوص الواردة في جمع [تأليف] القرآن، وأن هذا الجمع مخالف لتأليف مصحف الإمام علىّ، كما تحدّث في المقدمة الثانية عن أنواع التغيير في القرآن سواء في ذلك الممكن تحققه أو الممتنع كذلك، أما المقدمة الثالثة فذكر الميرزا النوري فيها جملة من أقوال علماء الشيعة الواردة حول مسألة تغيير القرآن وعدمه.

وعقيب المقدمات الثلاث خصص النوري الباب الأول من كتابه لعرض الأدلّة المزعومة ـ وهي اثنا عشر دليلا ـ لإثبات ما توهمه من وقوع التغيير والنقصان في القرآن الكريم، فيما ركز في الباب الثاني جهوده على مناقشة أدلة القائلين بسلامة القرآن عن التحريف بعد ذكرها دليلا دليلا.

وقد أورد المحدث النوري في كتابه هذا نصوصاً عديدة من كتب الفريقين الشيعة الصفحة 94

والسنة وذكر جملة من الروايات المشتركة، كروايات تشابه الأمم، ومصحف الإمام علىّ وغيرهما، وسجّل في هذا الكتاب نصوصاً اختصت بها مصادر أهل السنة كمصحف ابن مسعود، ومصحف أبي بن كعب، والنصوص المتعلقة بكيفية جمع القرآن بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم، ونظرية نسخ التلاوة، وجمع عثمان، واختلاف القراء السبعة أو العشرة، والأخبار الدالة ـ وفق ظاهرها ـ على وقوع التحريف... كما تعرض من جهة أخرى لمجموعة من النصوص التي اختصت بها من ناحية أخرى مصادر الشيعة من قبيل النصوص التي تذكر أسماء أوصياء خاتم النبيين في الكتب السالفة، والأخبار الدالة على وقوع النقصان والتبديل في القرآن إما بعمومها أو بدلالة نصية صريحة فيها تحدد الموضع الذي وقع فيه التحريف في القرآن الكريم.

وقد انتخب النوري في كتابه طريقاً لم يسلكه غيره من العلماء، ولذلك لما رأى انفراده بهذه المزعومات قال:


"فالمتبع هو الدليل وإن لم يذهب إليه إلاّ القليل... ولا يجب أن يوحش من المذهب قلّة الذاهبين إليه، والعاثر عليه، بل ينبغي أن لا يوحش منه..."(1).



بيد أن هذا الكلام منه قابل للمناقشة فكتابه محشو بالروايات الضعيفة وبتلك المصادر التي لا إسناد لها في الغالب، ومن ثمّ فلا معنى لقوله "فالمتبع هو الدليل".

نعم، إذا بنينا على اتباع الدليل الواقعي فالواجب علينا اتباع أدلة القائلين بعدم وقوع التحريف في القرآن; أي تلك الأدلة التي ذكرها المحدث النوري نفسه أيضاً في الباب الثاني من كتابه ووقف عاجزاً عن الإجابة عنها لقوتها ومتانتها، وكل ما قاله في نقد هذه الأدلة المتينة ليس له قيمة علمية، بل إنّ كلامه يناقض بعضه بعضاً كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى في النقاط الآتية:


____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 35.




رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:17 PM   #2
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



النقطة الأولى: نظرة إجمالية لمزاعم المحدث النوري وأجوبتها

سوف نسعى في هذه النقطة إلى بيان تلك المزاعم التي أثارها المحدث النوري، ونردفها بمناقشات وإجابات موجزة ومقتضبة، مهيبين بالقراء الأعزاء الراغبين بالمزيد من التفصيل والتعمّق العودة إلى الكتب العديدة المختصة بمعالجة قضية التحريف في القرآن الكريم، لا سيما تلك المعنية منها بالردّ على كتاب فصل الخطاب نفسه والتي سنشير إلى بعضها في النقطة الرابعة الآتية إن شاء الله تعالى.

ففي المقدمة الأولى تحدث الميرزا النوري عن مصحف الإمام علىّ عليه السلام الذي ورثه الأئمة المعصومون عليهم السلام، وسيأتي استيفاء البحث حول هذا المصحف لدى التعرض لـ "مصحف الإمام علىّ" في المقام الثاني إن شاء الله تعالى.

أما المقدمة الثانية، فقد تعرض فيها المحدث النوري لأنواع التحريف وأشكاله مميزاً ـ وفق زعمه ـ بين أشكال التحريف التي تعرض لها القرآن الكريم وتلك التي كان مصوناً منها، يقول الميرزا النوري في هذا الصدد ما نصّه:


"إنّ زيادة السورة وتبديلها بأخرى أمر ممتنع، وزيادة آية على القرآن أو تبديل آية بأخرى هو أيضاً منتف بإجماع، أما زيادة كلمة في القرآن، ممكنة كزيادة "عن" في قوله تعالى: (يسألونك عن الأنفال...). ونقصان كلمة في القرآن ككلمة "في علىّ" في كثير من الآيات وتبديل الكلمات، مثل تبديل آل محمد، بآل عمران وتبديل حرف وكنقصان "همزة" من قوله تعالى: (كنتم خير أمّة...)"(1).



أقول: إن زيادة كلمة "عن" في قوله تعالى: (يسألونك عن الأنفال...) قراءة واردة بإجماع الفريقين(2) وليست من التحريف في شيء كما زعمه النوري، كما أنـّها

____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 23.

2 ـ جامع البيان (تفسير الطبري): ج 2، ص 176; التبيان: ج 5، ص 86.
الصفحة 96

ليست من اختلاق الروافض ولا من وحي الشيطان كما ادّعاه الدكتور القفاري(1)، وزيادة "في علىّ" أو غيره ـ إن صحت أسانيد النصوص التي جاءت فيها هذه القضية ـ إنّما هي من باب الإقراء والتفسير، وبيان النزول، أو مورده، وقد أوردنا على ذلك أدلة قويمة، كما أن الشواهد على هذا الأمر من كتب الفريقين كثيرة هي الأخرى، وسوف نفصل القول فيما سيأتي في قضية تبديل آل محمّد بآل عمران، وخير أئمة، بخير أمة، وسيرى القارئ الكريم أنّ هذه الحالات لا علاقة لها بما ادّعاه المحدث النوري على الإطلاق(2)، بل إنها ليس سوى تفسير وبيان لأتم المصاديق، فالقرآن الموجود اليوم ما بين الدفتين هو الذي أنزله الله تعالى على رسولنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، لا يزيد عن ذلك ولا ينقص، وذلك للأدلة القطعية على سلامته من الدس والتحريف.

وأما المقدمة الثالثة، فقد عقدها النوري لذكر أقوال علماء الطائفة في تغيير القرآن وعدمه.

وقد استعرضنا حرفياً أقوال علماء الشيعة بنصوصهم حول هذا الموضوع في المقام الأول، ممّا تبيّن أن الإمامية مجمعة على القول بصيانة القرآن من التحريف والتغيير، والإشكالية التي وقع فيها المحدث النوري تكمن في نسبته القول بتحريف القرآن إلى طائفتين:

الأولى: أصحاب الكتب الروائية والتفسير بالمأثور مثل محمد بن يعقوب الكليني(3)، محمد بن إبراهيم النعماني، علىّ بن إبراهيم القمي، محمد بن مسعود

____________

1 ـ أصول مذهب الشيعة: ص 1011 و1007 (في الهامش رقم 2).

2 ـ انظر: المقام الثاني، مبحث "هل انكار المنكرين لهذا الكفر من الشيعة من قبيل التقية".

3 ـ سيأتي البحث تفصيلا عن "موقف علىّ بن إبراهيم القمي ومحمد بن يعقوب الكليني عن روايات التحريف" في المقام الثاني، مبحث "شيوع هذه المقالة في كتب الشيعة" وستلحظ البحث عن تفسير العياشي وتفسير فرات الكوفي و... في النقطة الثانية بحث "مصادر وأسانيد روايات كتاب فصل الخطاب".
الصفحة 97

العياشي وفرات الكوفي و...

الثانية من ذكر كلمة التحريف في عنوان كتابه كمحمد بن حسن الصيرفي فعنوان كتابه: "التحريف والتبديل"(1) وأحمد بن محمد السياري (ت 276 هـ.) عنوان كتابه: "كتاب القراءات"(2) (وفي بعض الكتب سمّي بكتاب "التنزيل والتحريف") وأحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 276 هـ.) عنوان كتابه: "كتاب التحريف"(3) وعلي بن حسن بن فضال (ت أواخر القرن الثالث) عنوان كتابه "كتاب التنزيل من القرآن والتحريف"(4).

لكن اسناد التحريف لكلّ من الطائفتين ليس بصحيح.

فأمّا الطائفة الأولى فإنّما كان غرضها من كتبها الروائية جمع الأحاديث فحسب، دون أن يكون لهم أدنى تعرض للبحث في دلالة الحديث ومضمونه أو علاج تعارض تلك الأحاديث مع الأحاديث الكثيرة في نفس الكتب الدّالة على سلامة القرآن من التحريف، ومن الواضح عدم اختصاص الإمامية بمثل هذه الكتب التي فيها بعض الأحاديث التي تدل بظاهرها على التحريف ولذا يقال لهذه الكتب، الكتب الروائية والتفسيرية بالمأثور.

وأمّا إسناد القول بالتحريف للطائفة الثانية فليس صحيحاً أيضاً. فإنّ المحدث النوري استفاد من عناوين هذه الكتب وذهاب أصحابها إلى القول بالتحريف لكن

____________

1 ـ الفهرست للطوسي: ص 183، الرقم 661.

2 ـ رجال النجاشي: ص 80، الرقم 192.

3 ـ نفس المصدر: ص 76، الرقم 182.

4 ـ نفس المصدر: ص 257 ـ 258 الرقم 676.
الصفحة 98

ومع غض النظر عمّا قاله علماء الرجال في بعض أصحاب تلك الكتب مثل أحمد بن محمد السيّاري حيث اتفق علماء الفريقين على تضعيفه(1) واحمد بن محمد بن خالد البرقي وهو قد نقل عن الضعفاء واعتمد على المراسيل(2)، نقول:

أولاً: لا يجزم باستفادة القول بالتحريف في خصوص ألفاظ القرآن من مجرد هذه العناوين خصوصاً عنوان كتاب الصيرفي وهو "التحريف والتبديل"، وكتاب البرقي وهو "كتاب التحريف".

وثانياً: بعض عناوين الكتب المتقدّمة ليس بثابت، فقد اختلف أصحاب الفهارس في عناوينها، مثل كتاب احمد بن محمد بن خالد البرقي، فقال الشيخ الطوسي بأنّ اسمه "كتاب المعاني والتحريف"(3) وذكره ابن النديم بأسم "كتاب معاني الأحاديث والتحريف"(4).

وثالثاً: ليس مراد اصحاب تلك الكتب من كلمة التحريف، التحريف في ألفاظ القرآن، حيث وإن لم يصل إلينا سوى كتاب السياري فأنّه مع التأمّل بما جاء في كتاب السيّاري من الأحاديث وما جاء من الأحاديث المختلفة في كتب المتأخرين، نستطيع الجزم بأنّ مراد أصحاب تلك الكتب من كلمة التحريف هو التحريف في معاني القرآن لا التحريف بمعنى التغيير والتبديل في ألفاظ القرآن، ومع ملاحظة طبقة أصحاب تلك الكتب وإنّ منهجهم كان غالباً في تنسيق وتنظيم وتصنيف الروايات فإنّ عناوين كتبهم تقتبس من ألسن الأحاديث، وما كان في الأحاديث من لفظ "التحريف" ينصرف وبعدة قرائن إلى التحريف بالمعنى، أو ـ على الأقل ـ

____________

1 ـ الفهرست للطوسي: ص 51 ورجال النجاشي: ص 80، معجم رجال الحديث: ج 2، ص 282، الرقم 871 ولسان الميزان: ج 1، ص 382، الرقم 800.

2 ـ الفهرست للطوسي: ص 48 ورجال النجاشي: ص 76.

3 ـ الفهرست للطوسي: ص 49.

4 ـ الفهرست للنديم: ص 277.
الصفحة 99

أنّ عنوان التحريف منتزع من القدر المتيقن من الأحاديث المختلفة بحيث يكون شاملاً للتحريف والحذف في الوحي التفسيري، وحمل الآيات على خلاف مراد الله سبحانه، واختلاف تأليف الآيات، واختلاف القراءات و...

هذا ونرى المحدّث النوري في المجال ولأجل رسالة "ناسخ القرآن ومنسوخه" نسب التحريف إلى سعد بن عبد الله القمي، ولأجل رسالة "صنوف آيات القرآن" نسب إلى محمد بن إبراهيم بن النعمان التحريف، مع إنّ الرسالتين في الواقع واحدة ولا يعرف من صاحبها بل تلك الرسالة بنفسها قد تسمى باسم "رسالة في المحكم والمتشابه" ونسبت لأشخاص آخرين وعلى ذلك لا يمكن نسبة التحريف إلى سعد بن عبد الله القمي، أو إلى محمد بن إبراهيم النعمان.

إلى هنا كان البحث في المقدمات الثلاث لكتاب فصل الخطاب. وقد تعرض المحدث النوري في الباب الأول لما زعمه من الأدلة على إثبات ما ادّعاه من التحريف وهي:


الزعم الأول: تشابه الأمم

قال النوري:


"إن اليهود والنصارى غيروا وحرفوا كتاب نبيهم بعده فهذه الأمة أيضاً لا بدّ وأن يغيروا القرآن بعد نبينا صلّى الله عليه وآله لأن كل ما وقع في بني إسرائيل لا بدّ وأن يقع في هذه الأمة على ما أخبر به الصادق المصدق صلوات الله عليه..."(1).




____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 35، وقد ورد في الروايات من طريق الشيعة والسنة أن كل ما وقع في الأمم السابقة لا بدّ وأن يقع مثله في هذه الأمة، انظر: مسند أحمد بن حنبل (طبع المحقق): ج 18، ص 322، رقم 11800، فالمحققون قد صرحوا في الهامش بصحة سند حديث تشابه الأمم; وبحار الأنوار، باب افتراق الأمة بعد النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم على ثلاث وسبعين فرقة: ج 28، ص 8 وج 51، ص 128.
الصفحة 100

والجواب عن ذلك:

أولا: إنّ هذا الدليل لو تم لكان دالا على وقوع الزيادة في القرآن أيضاً كما وقعت في التوراة والإنجيل، ومن الواضح بطلان ذلك.

ثانياً: إنّ كثيراً من الوقائع التي حدثت في الأمم السابقة لم يقع مثلها في هذه الأمة، كعبادة العجل، وتيه بني إسرائيل أربعين سنة، ومسخ كثير من السابقين قردة وخنازير، وغير ذلك ممّا لا يسعنا إحصاؤه، وهذا أدل دليل على عدم إرادة التشابه في كل الجهات فلا بدّ من إرادته في بعض الوجوه.

ثالثاً: يكفي لتشابه هذه الأمة في وقوع التحريف في كتابها، عدم اتباعهم لحدود القرآن، وإن أقاموا حروفه، أي تفسيرهم له برأيهم، كما كان الحال في التحريف على مستوى العهدين حيث تم تحريفهما تحريفاً معنوياً وتفسيرهما تفسيراً على غير وجهه.

رابعاً: إن كان المقصود من المشابهة، إرادة التشابة في تمام الجهات، إذاً فتلك الروايات مخالفة للأدلة القطعية التي تؤكد على سلامة القرآن من التحريف ـ وقد تقدّم ذكرها ـ فلا بدّ من تأويلها أو استثناء تحريف ألفاظ القرآن منها(1).


الزعم الثاني: كيفية جمع القرآن

قال النوري:


"إن كيفية جمع القرآن وتأليفه [بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله ]مستلزمة عادة لوقوع التغيير والتحريف فيه..."(2)



____________

1 ـ لمزيد من التفصيل حول زعم المحدث النوري هذا ينبغي مراجعة: كشف الإرتياب في عدم تحريف كتاب ربّ الأرباب: ص 164; الحجة على فصل الخطاب في إبطال القول بتحريف الكتاب: ص 75; البيان في تفسير القرآن: ص 220 ـ 222; صيانة القرآن من التحريف: ص 151.

2 ـ فصل الخطاب: ص 97.
الصفحة 101

إن هذه الشبهة مبتنية على صحة الأحاديث الواردة في كيفية جمع القرآن بعد وفاة النبىّ صلّى الله عليه وآله، لكن يستفاد من الأدلة القطعية والشواهد الكثيرة أن القرآن كان مجموعاً أيام حياة النبىّ صلّى الله عليه وآله على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وكلماته وحروفه بلا زيادة ولا نقصان ولا تبديل ولا تغيير.

وقد بحث جملة من علماء الشيعة هذا الموضوع قديماً وحديثاً وحققوا ما يتعلق به من الروايات المختصة بجمع القرآن الكريم أيضاً(1).

ونحن نكتفي هنا بذكر ما أورده السيد الخوئي في المقام إجمالا، حيث ذكر ـ رحمه الله ـ إحدى وعشرين رواية من روايات جمع القرآن من صحاح ومسانيد أهل السنة، وبعد البحث فيها وصل إلى هذه النتيجة وهي أنّ تلك الروايات متناقضة تناقضاً داخلياً فيما بينها، وسجل السيد الخوئي اثني عشر مورداً من موارد التناقض هذا عند مقايسة بعضها مع بعض، كما ولاحظ تعارضها مع الكتاب ومخالفتها حكم العقل والإجماع(2)، وبعد الاستدلال وتفصيل الكلام في هذه الموارد كافة، قال (قده) في نهاية المطاف:


"وخلاصة ما تقدم، أنّ إسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنة والإجماع والعقل، فلا يمكن القائل بالتحريف أن يستدل به على دعواه، ولو سلّمنا أن جامع القرآن هو أبو بكر في أيام خلافته، فلا ينبغي الشك في أن كيفية الجمع المذكورة في



____________

1 ـ من القدماء كالشريف المرتضى (ت / 436 ق.) في كتابه الذخيرة في علم الكلام: ص 364 ـ 365; وابن شهرآشوب (ت / 588 ق.) في مثالب النواصب المخطوط: الورق 468 من نسخة لكنهو 471 من نسخة سپهسالار، وحديثاً شرف الدين العاملي (ت / 1381 ق.) في أجوبة مسائل جار الله: ص 25; وجعفر مرتضى العاملي في حقائق هامة حول القرآن الكريم: ص 20 ـ 50.

2 ـ انظر: البيان: ص 239 ـ 257.
الصفحة 102


الروايات المتقدمة مكذوبة، وأن جمع القرآن كان مستنداً إلى التواتر بين المسلمين، غاية الأمر إن الجامع قد دوّن في المصحف ما كان محفوظاً في الصدور على نحو التواتر"(1).



وعليه فينتفي زعم المحدّث النوري انتفاء موضوعياً بل ـ كما قال السيد الخوئي نفسه ـ إن هذه الروايات لو صحت وأمكن الاستدلال بها على التحريف من جهة النقص لكان اللازم على النوري أن يقول بالتحريف من جهة الزيادة أيضاً لأن كيفية الجمع المذكور ـ على حد زعم النوري ـ تستلزم ذلك، والقول بالزيادة خلاف إجماع المسلمين، كما اعترف به النوري نفسه قائلا: "زيادة الآية وتبديلها منتفيان بالإجماع..."(2).


الزعم الثالث: منسوخ التلاوة وبطلانها

قال النوري:


"إن أكثر العامة وجماعة من الخاصة ذكروا في أقسام الآيات المنسوخة ما نسخت تلاوتها دون حكمها وما نسخت تلاوتها وحكمها معاً... وحيث إن نسخ التلاوة غير واقع عندنا فهذه الآيات والكلمات لا بدّ أن تكون ممّا سقطت من الكتاب جهلا أو عمداً لا بإذن الله ورسوله وهو المطلوب"(3).



والجواب عن ذلك:

أولاً: لا يوجد في روايات الإمامية آية منسوخة التلاوة إلاّ آية الرجم، وهي

____________

1 ـ نفس المصدر: ص 257.

2 ـ فصل الخطاب: ص 23.

3 ـ فصل الخطاب: ص 95.
الصفحة 103

خبر واحد سنداً، معارض للروايات الأخرى متناً كما سيأتي تفصيله(1).

ثانياً: إن نظرية نسخ التلاوة دون الحكم أو مع الحكم سراب لا حقيقة له، كما سترون واعترف به بعض علماء أهل السنة قديماً وحديثاً وفنّدها بأدلة قويمة، لكن هذا لا يعني أن تلك الآيات والكلمات المنسوخة مما سقط أو كان سقوطه من الكتاب جهلا أو عمداً، بل إن نفس الروايات التي حملت هذه المضامين ساقطة لا ينبغي الركون إليها، وسيأتي تفصيل هذه النكتة إن شاء الله تعالى في مبحث "دراسة أحاديث التحريف في مصادر أهل السنة".


الزعم الرابع: مصحف الإمام علىّ ومخالفته لهذا القرآن

قال النوري:


"إنّه كان لأمير المؤمنين عليه السلام قرآن مخصوص جمعه بنفسه بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله... وهو مخالف لهذا القرآن الموجود من حيث التأليف وترتيب السور... ووجود الزيادة فيه من نفس القرآن حقيقة لا من الأحاديث القدسية ولا من التفسير والتأويل..."(2).



وبدورنا، ونظراً للأهمية التي تحظى بها دراسة هذا المصحف، والاهتمام الزائد الذي أبداه ويبديه الآخرون إزاءه على صعيد نقد الشيعة وموقفهم منه، عالجنا قضية هذا المصحف وبشكل مفصل في موضعين وخرجنا بنتائج أثبتنا من خلالها الأمور التالية:

أولا: إن أصل وجود هذا المصحف أمر ثابت وفقاً لمستندات الطرفين السنة والشيعة ومصادرهما.


____________

1 ـ في مبحث: "وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري" في المقام الثاني.

2 ـ فصل الخطاب: ص 135.
الصفحة 104

ثانياً: إن التفاوت الحاصل ما بين مصحف الإمام علىّ عليه السلام والمصاحف الموجودة بين أيدينا إنما يكمن في ترتيب السور وشرح الآيات وتفسيرها.

ثالثاً: إن الزيادة الواقعة في مصحف الإمام علىّ عليه السلام إنما هي من نوع التفسير والتأويل ليس إلاّ.

رابعاً: إن الشبهات والاتهامات التي أثارها ويثيرها الآخرون حول هذا المصحف ليست سوى جهل أو عناد(1).


الزعم الخامس: مخالفة مصحف عبد الله بن مسعود للمصحف الموجود

قال النوري:


"إنّه كان لعبد الله بن مسعود مصحف معتبر فيه ما ليس في القرآن الموجود مستلزم لعدم مطابقته لتمام ما نزل على النبىّ صلّى الله عليه وآله إعجازاً..."(2).



ثم يذكر المحدث النوري موارد كانت موجودة في مصحف عبد الله بن مسعود، غير موجودة اليوم فيما بأيدينا من مصاحف، معقباً ذلك بالإقرار بـ:


"إن تلك الأخبار أكثرها ضعاف وكون بعضها من طرق أهل السنة"(3).



والجواب عن ذلك:

أولا: إن اختلاف مصحف ابن مسعود مع سائر المصاحف إنما كان في قراءته الزيادة التفسيرية أحياناً، وتبديله كلمات غير مألوفة إلى نظيراتها المألوفة لغرض

____________

1 ـ انظر مبحث "مصحف الإمام علي" في المقام الثاني.

2 ـ فصل الخطاب: ص 135.

3 ـ نفس المصدر: ص 136. لقد نقل المحدث النوري سبعة وعشرين مورداً عن مصحف ابن مسعود، تسعة منها من كتب أهل السنة وثمانية منها من كتب الشيعة. انظر المصدر السابق: ص 136 ـ 139.
الصفحة 105

الإيضاح، وهذه المسألة تصبح مستساغة حينما نرجع إلى الأبحاث التي تتعلق بمفردات من قبيل "الإقراء" و"التنزيل" و"التأويل"، وكذلك حينما نراجع المستندات التي تحكي عن أن الصحابة كانوا يقومون بشرح الآيات القرآنية في مصاحفهم ـ كما يشير إليه ابن الجزري في قوله: "كانوا [أي الصحابة] ربما يدخلون التفسير في القراءة إيضاحاً وبياناً لأنّهم محققون لما تلقوه عن النبىّ صلّى الله عليه وآله قرآناً فهم آمنون من الالتباس وربما كان بعضهم يكتبه معه"(1) ـ وإذا لم يكن الأمر كما قلناه آنفاً ـ بل كان الاختلاف على صعيد نفس القرآن والآيات القرآنية ـ فإن هذا الاختلاف الحاصل بين مصحف ابن مسعود وبقية المصاحف يستدعي تجاهل مصحف ابن مسعود نفسه ورده دون الأخذ به نظراً إلى كونه من أخبار الآحاد، بينما القرآن الذي بين أيدينا إنما نقل لنا بالتواتر، وهذا يعني معارضة مصحف ابن مسعود مع الأدلة القطعية التي دلّت على سلامة القرآن من التحريف.

ثانياً: لقد أنكر ابن مسعود ـ كما تزعم مصادر أهل السنة ـ قرآنية المعوذتين بدعوى أنهما عوذتان لا أكثر، ولم يثبت سورة الفاتحة في مصحفه نظراً لكونها عدل القرآن لا منه.

لكن ذلك منه لا ينم عن قصد لتحريف الكتاب، وسيأتي إن شاء الله تعالى موقف علماء أهل السنة من هذا الإنكار، واتفاق الإمامية على بطلان موقفه من المعوذتين.


الزعم السادس: مخالفة مصحف أُبي بن كعب للمصحف الموجود

قال النوري:


"إن هذا المصحف الموجود غير شامل لتمام ما في مصحف أُبي بن



____________

1 ـ النشر في القراءات العشر: ج 1، ص 32 وبمضمونه عن القاضي أبي بكر في الانتصار، نقل عنه الزركشي في البرهان: ج 1، ص 235.
الصفحة 106


كعب فيكون غير شامل لتمام ما نزل إعجازاً لصحة ما في مصحف أُبي واعتباره"(1).



حصيلة ما أثاره المحدث النوري هنا هو:

أولا: إن هذا المصحف الموجود غير شامل لتمام ما في مصحف أُبي بن كعب.

ثانياً: إن ما في مصحف أُبي معتبر.

لقد اشتمل مصحف أُبي على دعائين للقنوت وقد حسبهما سورتين، سورة الخلع وسورة الحفد، وكانت له زيادات تفسيرية وقراءات واردة على غرار زيادات مصحف ابن مسعود، ومعناه أن هذه الزيادات لا تشكل دليلا على أن ما في مصحفه من سنخ ما نزل إعجازاً وإلاّ ـ كما قلناه فيما يتعلق بمصحف ابن مسعود ـ فإذا لم نتمكن من تقديم تأويل وتبرير لهذا الاختلاف الموجود بين مصحف أبي والمصحف الموجود بين أيدينا اليوم فإن ذلك يشكل دليلا على بطلان مصحف أُبي نفسه، ذلك أنـّه مصحف ثبت بخبر الواحد، ومن ثم فهو يعارض الأدلة القطعية الدالة على صيانة القرآن من التحريف والتزوير.

أما قول المحدث النوري بأن ما في مصحف أُبي معتبر، فهو كلام قابل للمناقشة من حيث تعارضه مع المنقول عن أهل البيت عليهم السلام من أمرهم بالقراءة المشهورة المتداولة بين الناس حيث قالوا: "... اقرأ كما يقرأ الناس"(2) و"اقرءوا كما علمتم"(3) وعليه فلا حجة للنوري فيما ادّعاه.


____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 149.

2 ـ الكافي: ج 2، ص 633، الرقم 23.

3 ـ نفس المصدر: ج 2، ص 631، الرقم 14 ومثله في: ج 2، ص 619، الرقم 2.
الصفحة 107


الزعم السابع: جمع عثمان للمصحف وتمزيق سائر المصاحف

قال المحدث النوري:


"إن ابن عفان لما استولى على الأمة جمع المصاحف المتفرقة واستخرج منها نسخة بإعانة زيد بن ثابت... وأحرق ومزق ساير المصاحف... مما لزم منه سقوط بعض الكلمات والآيات..."(1).



إن الروايات التي تحدثت عن جمع عثمان للمصاحف المتفرقة بإعانة من زيد بن ثابت، وعن قيامه بتمزيق المصاحف الأخرى وإحراقها ومن ثم إسقاط بعض الأشياء منه وقول عثمان بوجود الخطأ واللحن في المصحف الموجود... كلها روايات مدرجة في مصادر أهل السنة، وهي بأجمعها لا اعتبار لها وإن وردت في مصادر وكتب معتبرة في حد نفسها! كيف يمكن لعالم منصف واعتماداً على مثل هذه الروايات أن يحتمل وقوع التحريف من طرف عثمان والحال كما يقول السيد المرتضى (ت 436 هـ.) أحد قدماء الإمامية:


"إذا جاز فيما أداه النبىّ صلّى الله عليه وآله نيفاً وعشرين سنة وتداوله الناس ونشروه أن يتم فيه لعثمان النقص والحذف جاز ذلك فيما جمعه عثمان نفسه، وهذا حد لا يبلغ إليه محصل"(2).



أو كما قال من المتأخرين السيد الخوئي رحمه الله:


"1 ـ لأن الإسلام قد انتشر في زمان عثمان على نحو ليس من إمكان عثمان أن ينقص من القرآن شيئاً ولا في إمكان من هو أكبر شأناً من عثمان.

2 ـ ولأن تحريفه إن كان للآيات التي لا ترجع إلى الولاية، ولا تمس



____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 149.

2 ـ الذخيرة في علم الكلام: ص 363.
الصفحة 108


زعامة سلفه بشيء، فهو بغير سبب موجب وإن كان للآيات التي ترجع إلى شيء من ذلك فهو مقطوع بعدمه، لأن القرآن لو اشتمل على شيء من ذلك وانتشر بين الناس لما وصلت الخلافة إلى عثمان.

3 ـ ولأنّه لو كان محرّفاً للقرآن لكان في ذلك أوضح حجة وأكبر عذر لقتلة عثمان في قتله علناً، ولما احتاجوا في الاحتجاج على ذلك إلى مخالفته لسيرة الشيخين في بيت مال المسلمين وإلى ما سوى ذلك من الحجج.

4 ـ ولكان من الواجب على الإمام علىّ عليه السلام بعد عثمان أن يردّ القرآن إلى أصله... ولكان ذلك أبلغ أثراً في مقصوده وأظهر لحجته على الثائرين بدم عثمان ولا سيّما إنّه عليه السلام قد أمر بإرجاع القطائع التي أقطعها عثمان(1).

... هذا أمر علىّ عليه السلام في الأموال فكيف يكون أمره في القرآن لو كان محرّفاً فيكون إمضاؤه عليه السلام للقرآن الموجود في عصره دليلا على عدم وقوع التحريف فيه..."(2).



ثمّ قال السيّد الخوئي في نهاية المطاف:


"نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في زمانه، [لكن] لا بمعنى إنّه جمع الآيات والسور في مصحف بل بمعنى إنّه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد وأحرق المصاحف الأخرى التي تخالف ذلك المصحف"(3).




____________

1 ـ انظر: نهج البلاغة: الخطبة 15، قول الأمام علىّ عليه السلام: "والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته...".

2 ـ البيان: ص 218.

3 ـ نفس المصدر: ص 257 ـ 258.
الصفحة 109

ومن وجهة نظرنا، فإن الدافع الذي حدا بعثمان لتوحيد المصاحف، لم يكن اختلافاً في متن آيات الوحي المنزل إذ الآيات كانت متواترة، وإنما الاختلاف في تفسيرها حيث سجّل كل واحد من الصحابة في مصحفه أحياناً ما سمعه في محضر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وما رزقه من التوفيق في السماع منه، وبناء عليه فما أقدم عليه عثمان لم يكن سوى طرح ما زاد على القراءات المعروفة عن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم وإلقاء التأويلات التي كانت موجودة في المصاحف لا النص القرآني نفسه.


الزعم الثامن: الأخبار الكثيرة في كتب أهل السنة

قال النوري:


"الأخبار الكثيرة التي رواها المخالفون زيادة على ما مرّ في المواضع السابقة الدالة صريحاً على وقوع التغيير والنقصان في المصحف الموجود..."(1).



وقد أورد النوري هنا ما يقرب من مئة حديث من مصادر أهل السنة، وسيأتي موقف علماء أهل السنة من أسانيد هذه الروايات ومضامينها، فقد ناقشوها بضعف السند تارة وبكون مضامينها من باب التفسير والقراءة الواردة والمنسوخ التلاوة و... تارة أخرى، وقد أورد النوري هنا "سورة مكذوبة" تسمى بسورة النورين أو الولاية سنفصل الكلام حولها عندما نصل إلى البحث المعنون بـ "هل لدى الشيعة مصحف سري يتداولونه" في المقام الثاني فلاحظ إن شئت.


الزعم التاسع: ذكر أسماء أوصياء النبىّ في الكتب السالفة

يقول المحدث النوري:


"إنّه تعالى قد ذكر أسامي أوصياء خاتم النبيين وابنته الصديقة



____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 171.
الصفحة 110


الطاهرة عليهم السلام وبعض شمائلهم وصفاتهم في تمام الكتب المباركة التي أنزلها على رسله... فكيف يحتمل أن يهمل الله تعالى ذكر أساميهم في كتابه المهيمن على جميع الكتب الباقي على مر الدهور الواجب التمسك به إلى قيام الساعة..."(1).



ونحن مسبقاً درسنا هذا الادّعاء في مناقشة الطائفة الخامسة من طوائف روايات التحريف في كتب الشيعة دراسة تحليلية نقدية، وحيث أوردنا هناك روايات الفريقين على هذا الصعيد، وتمّ نقدها وتسجيل الملاحظات عليها(2) ولا حاجة بنا لتكرار ذلك البحث.

لكن ما تجدر الإشارة إليه هنا والتعرض لبحثه هو التناقض الذي وقع فيه المحدث النوري من حيث لا يشعر.

فقد ذكر أنـّه لا بدّ من وجود أسماء الأوصياء في القرآن الكريم، معترفاً بأن هذا القرآن مهيمن على جميع الكتب الباقية، مر الدهور، والتمسك به واجب إلى قيام الساعة، وانطلاقاً من ذلك رأى بأن أسماء الأوصياء قد جرى إسقاطها من القرآن الكريم في عملية تحريف مسبقة، وفي هذه الحالة لا يعود القرآن مهيمناً على الكتب السابقة الأخرى ولا واجب التمسك والأخذ، بل في هذه الحالة ـ على الأقل ـ تصبح تلك الكتب السماوية الأخرى واجبة التمسك لتأخذ من ثم موقع الهيمنة الذي كان للقرآن وتكسبه لنفسها ولتحدد بنفسها تكليف القرآن في هذا المجال وهذا الكلام لا يستبطن سوى التناقض بل هو مخالف لصريح القرآن الكريم نفسه; وبناء عليه فمضافاً إلى الآيات التي تردّ التحريف في القرآن العظيم، تثبت هذه الآية الشريفة

____________

1 ـ نفس المصدر: ص 183.

2 ـ انظر: مبحث "دراسة روايات التحريف في كتب الشيعة" وللتفصيل انظر: صيانة القرآن عن التحريف: ص 214 ـ 219.
الصفحة 111

هذا الأمر بعينه، وهي قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه)(1) نعم، إن الكتب السابقة ـ كما أقرّه المحدث النوري نفسه في هذا الفصل على تقدير تمامية السند ـ لم تتعرض سوى لأوصاف الأوصياء وشمائلهم كما هو الحال في القرآن تماماً، ولو حصل أن صرحت هذه الكتب باسم من أسماء الأوصياء فإنما ذلك من باب التفسير الذي قام به الأنبياء لأممهم لا جزءاً من النص الكتابي نفسه.


الزعم العاشر: اختلاف القراء السبعة أو العشرة

قال النوري ما حاصله:


"إنه لا إشكال ولا خلاف بين أهل الإسلام في تطرق اختلافات كثيرة وتغييرات غير محصورة في كلمات القرآن وحروفه وهيئاته من ناحية القراء السبعة أو العشرة بما فيه من الاختلاف وحيث أن القرآن نزل في جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف كان جميع ما ذكروه غير الوجه الواحد المجهول المردد فيه غير مطابق لما أنزل على الرسول صلّى الله عليه وآله إعجازاً وهو المقصود".



ثم قال:


"وهذا الدليل وإن كان غير واف لإثبات نقصان سورة بل آية والكلمات أيضاً لعدم شمول تلك اختلاف القراءات لها إلاّ أنه يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل..."(2).



إن ما ذكره المحدث النوري في هذا الدليل بعضه حق وبعضه باطل، ولذلك وقع في هذا البحث ـ كما في مزعوماته الأخرى ـ في تناقض فاحش نتيجة ذلك.


____________

1 ـ المائدة (5): الآية 48.

2 ـ فصل الخطاب: ص 209.
الصفحة 112

فإنّ أصل وجود الاختلافات الكثيرة والتغييرات غير المحصورة في كلمات القرآن وحروفه وهيئاته من ناحية القراء السبعة أو العشرة حق لا ريب فيه، كما هو مشهور، لأن منشأ بعض تلك الاختلافات يعود إلى تقصير أو قصور في أنفسهم، لا إلى إذن ورضا من نبيهم صلّى الله عليه وآله، وهذا هو قول المحققين من علماء الفريقين، فإنهم يقولون: إن تلك القراءات متواترة إلى نفس القراء لا إلى النبىّ صلّى الله عليه وآله، قال الزركشي:


"... التحقيق أن القراءات متواترة عن الأئمة السبعة، أما تواترها عن النبىّ ففيه نظر، فإن إسنادهم بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات وهي نقل الواحد عن الواحد لم تكمل شروط التواتر..."(1).



ومثله ابن الجزري في "النشر"(2) وقال أبو شامة في كتابه "المرشد الوجيز":


"إنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء..."(3).



وغيرهم كثير(4).

وعليه فإذا كانت القراءات غير متواترة وإنما تثبت بخبر الواحد وتنقل إلينا عن هذا الطريق، فهذا يعني أن احتمال القصور أو التقصير من جانب القراء أنفسهم هو احتمال وارد، لكن الكلام كل الكلام في أنه هل ثمة تلازم ما بين تواتر القراءات وتواتر القرآن أو لا؟ وبالتالي فهل يستلزم تواتر القرآن تواترها وبالعكس أو لا يستدعي ذلك؟


____________

1 ـ البرهان: ج 1، ص 319.

2 ـ النشر: ج 1، ص 13 ـ 14.

3 ـ المرشد الوجيز: ص 178 ومثله عن كتابه "البسملة" كما نقل عنه التبيان للجزائري: ص 102.

4 ـ انظر: البيان: ص 153 ـ 156 فقد أورد ـ رحمه الله ـ تصريحات علماء أهل السنة الذين نفوا تواتر القراءات السبعة.

الصفحة 113



يرى البعض من أمثال أبي سعيد فرج بن لب مفتي البلاد الأندلسية أن:


"من زعم أنّ القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر، لأنه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملة"(1).



فحكم بكفر جمع كثير من المحققين بلا هوادة.

أما البعض الآخر ـ من أمثال المحدث النوري ـ فيرى بأن القراءات حيث لم تثبت بالتواتر عن النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم فهذا معناه أن القرآن ليس له وجوه عديدة في التلاوة، فتكون جميع تلك القراءات ـ عدا وجه واحد مجهول ومردد ـ غير مطابقة لما أنزل على الرسول صلّى الله عليه وآله.

لكن في الحقيقة، لا ما ذكره أبو سعيد فرج بن لب صحيح، ولا مقولة النوري هي الأخرى تامة، بل الصائب ما صرح به سيدنا الخوئي في قوله:


"ليست بين تواتر القرآن وبين عدم تواتر القراءات أية ملازمة، لأن أدلة تواتر القرآن وضرورته لا تثبت بحال من الأحوال تواتر قراءته كما أن نفي تواتر القراءات لا تتسرب إلى تواتر القرآن بأي وجه، لأن القرآن تتوافر الدواعي لنقله لأنه الأساس للدين الإسلامي والمعجز الإلهي وكل شيء تتوفر الدواعي لنقله لا بدّ وأن يكون متواتراً فما كان نقله بطريق الآحاد لا يكون من القرآن قطعاً..."(2).

"فالواصل إلينا بتوسط القراء إنما هو خصوصيات قراءاتهم، وأما أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين وبنقل الخلف عن



____________

1 ـ عن مناهل العرفان: ص 428. وقال أبو شامة:


"وظنّ جماعة ممن لا خبرة له بأصول هذا العلم أن قراءة هؤلاء الأئمة السبعة هي التي عبّر عنها النبىّ صلّى الله عليه وسلم بقوله: "انزل القرآن على سبعة أحرف..." وقد أخطأ من نسب إلى ابن مجاهد أنـّه قال ذلك". المرشد الوجيز: ص 146.



2 ـ البيان: ص 124.
الصفحة 114


السلف... ولذلك فإن القرآن ثابت بالتواتر، حتى لو فرضنا أن هؤلاء القراء السبعة أو العشرة لم يكونوا موجودين أصلا، وعظمة القرآن أرقى من أن تتوقف على نقل أولئك النفر المحصورين"(1).



ويعقب السيد الخوئي كلامه هذا ببحث موسع نسبياً ليقيم أفضل الأدلة على عدم تواتر القراءات، مرفقاً ذلك بالشواهد التاريخية والمستندات التي تتحدث عن ترجمة القراء أنفسهم، وهو ـ مع ذكره التصريحات التي أدلى بها النافون للتواتر في القراءات من كبار علماء أهل السنة ـ ركز جهوده على مناقشة الأدلة التي قدمها القائلون بتواتر القراءات السبع، بحيث لا يستغني قارئ عن الرجوع إلى هذا البحث(2).

وعليه فرأي المحدث النوري باطل من أساسه، أي القول بأن الاختلافات الكثيرة الواقعة من ناحية القراء حصلت دون إذن ورضا من نبيهم صلّى الله عليه وآله مما يوجب الخلل ويعرض أساس القرآن نفسه للنقصان، ليجعله غير مطابق لما أنزل على الرسول إعجازاً، ذلك أنّ للقرآن حقيقة ثابتة أما الاختلاف عند بعض القرّاء في كيفية أداء كلماته فهو حقيقة أخرى.

وعلاوة على هذا الرأي، يبدو المحدث النوري هنا متناقضاً أيضاً حيث يقول:


"... إن القرآن نزل في جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف فكان جميع ما ذكروه [أي من وجوه الاختلاف في القراءات] غير الوجه الواحد المجهول المردد فيه... فكان غير مطابق لما أنزل على الرسول إعجازاً وهو المقصود... وهذا الدليل وإن كان غير واف لإثبات نقصان سورة بل آية والكلمات أيضاً لعدم شمول



____________

1 ـ نفس المصدر: ص 158.

2 ـ انظر: نفس المصدر، بحث "أضواء على القراء": ص 121 ـ 168.
الصفحة 115


تلك الاختلاف القراءات لها إلاّ أنه يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل..."(1).



إن هذا الكلام من المحدث النوري يناقض كلامه السالف الذكر فيما يخص مصحف ابن مسعود ومصحف أبي بن كعب، فهو يقول في زعمه الخامس والسادس إن قراءة عبد الله بن مسعود وقراءة أُبي بن كعب معتبرتان، ويعدهما معاً من قبل الله تعالى، وكان يقول بأن كلتا القراءتين ترجعان إلى حقيقة القرآن الكريم نفسه(2) لا إلى كيفية أداء كلمات القرآن، والحال أن ثمة اختلافات كثيرة بين قراءة هذين الشخصين، وطبقاً لتوهم النوري لا بدّ أن تكون جميع هذه الاختلافات الواقعة بين هذين المصحفين من جانب الله عزّ وجلّ ذلك أن كلتيهما مرتبطتان بالقرآن الكريم نفسه، إلاّ أنه هنا يعود فيكرر القول بـ: "أن القرآن نزل في جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف"، أليس هذا تناقضاً واضحاً وجلياً في مواقفه وكلماته؟!

ومع غض النظر عن كل ذلك، فإن ما يثير تعجب الإنسان هو ذاك الادّعاء الخطير الذي يطرحه المحدث النوري فيما يتعلق بعدم القول بالفصل بين نقصان السورة والآية والكلمات واختلاف القراءات في الهيئات وأداء الكلمات نفسها، إذ

____________

1 ـ أي كل من رأى بنقصان حروف القرآن واختلاف هيئات الكلمات رأى بنقصان سورة وآية ونفس الكلمات فلا يفصل بينهما!!

2 ـ قال النوري في مصحف عبد الله بن مسعود:


"تمام ما جمع ابن مسعود في مصحفه معتبر ومطابق لما نزل على النبىّ" (فصل الخطاب: ص 136).



وقال في مصحف أُبي بن كعب:


"إنّ ما في مصحف أُبي صحيح ومعتبر وحيث إنّ هذا المصحف الموجود غير شامل لتمام ما في مصحف أُبي بن كعب فيكون غير شامل لتمام ما نزل إعجازاً" (فصل الخطاب: ص 144).


الصفحة 116

كيف يدعي المحدث النوري أمراً من هذا القبيل دون تقديم دليل على مدعاه هذا؟! بل ودون أن يرشدنا حتى لشخص واحد ذهب إلى هذا التلازم بين الأمرين، والأعجب من هذا الادعاء تلك السخافة الواضحة في كلماته حيث يقول هنا:


"... والظاهر أن المصحف الموجود غير مطابق لما أنزل عليه صلّى الله عليه وآله إعجازاً".



وهذا الكلام يعني سقوط القرآن عن مستوى الإعجاز، ومن ثم فتحديه يصبح لغواً، ونتيجة ذلك قدرة الآخرين على الإتيان بمثله، والحال أنّ التاريخ على امتداده يحكي عن عدم قدرة أحد على الإطلاق على تقديم نموذج كالنموذج القرآني أو حتى سورة من مثل سوره الكريمة، بل إن نفس المحدث النوري يقرّ بهذا الأمر قائلا:


"التحريف بزيادة السورة وتبديلها ممتنع لقوله تعالى: (وإن كنتم في ريب ممّا نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله...) بل زيادة الآية وتبديلها أيضاً منتفيان"(1).




الزعم الحادي عشر والثاني عشر: أخبار تحريف القرآن بالنقيصة

قال النوري:


"الأخبار الكثيرة في وقوع السقط ودخول النقصان في الموجود من القرآن... من غير اختصاصها بآية أو سورة"(2).



وقال أيضاً:


"الأخبار الواردة في الموارد المخصوصة من القرآن الدالة على تغيير بعض الكلمات والآيات والسور وهي كثيرة جداً"(3).




____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 32.

2 ـ نفس المصدر: ص 234.

3 ـ نفس المصدر: ص 250.
الصفحة 117

أقول: أورد النوري للزعم الحادي عشر إحدى وستين رواية، وللزعم الثاني عشر اثنتين وستين وألف رواية، زعمها دالة على تحريف الكتاب العزيز، إمّا دلالة عموم أو ناصة على موضع التحريف بالخصوص، وقد جعل النوري من النوع الأول دليله الحادي عشر، ومن النوع الثاني دليله الثاني عشر. وفي الواقع فإنّ الأحاديث المذكورة هنا هي نفس الأحاديث التي أوردها النوري في مزاعمه العشرة السابقة ليس إلاّ، وفيها أحاديث متكررة كثيرة جداً، قد نقلها بالإسناد تارة وبالإرسال أخرى.

وقد ناقش الأستاذ السيد مرتضى العسكري لدى نقده كتاب "الشيعة والقرآن" للأستاذ إلهي ظهير هذه الروايات كافة وبالتفصيل، سواء على صعيد المضمون والمحتوى أم على صعيد السند، ثم كتب عقب ذلك وتحت عنوان "نتائج البحوث" قائلا:


"استشهد الشيخ النوري والأستاذ ظهير على حد زعمهما بتلك الروايات التي بعضها مشتركة في كتب الفريقين على التحريف والنقصان في آيات كتاب الله العزيز الحكيم، وقمنا بفضل الله تعالى بدراستها رواية بعد رواية سنداً ومتناً...".



ثم قال مدّ ظله:


"فلم يصح سند رواية واحدة منها [إلاّ رواية عن الكافي التي مضى دراستها](1) بل كان في إسنادها من وصفه علماء الرجال بضعيف الحديث! فاسد المذهب! مجفو الرواية! يروي عن الضعفاء! كذّاب! متّهم في دينه! غال!




____________

1 ـ وهي رواية الكليني بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام، انظر: الكافي: ج 2، ص 634، رقم 28.
الصفحة 118


ولم يكن المراد مما جاء في متون الروايات ما زعم بأن في نصوص القرآن الذي بأيدينا اليوم تبديل وتحريف والعياذ بالله بل المراد أن المخاطبين لم يعلموا بها... ويفسرونها على غير ما أنزل ولا يكون في متن الرواية إلاّ بياناً وتفسيراً للآية الكريمة خلافاً لما زعما بأنها نص محذوف منها وكثيراً ما اجتمع الأمران المذكوران في ما استدلا به من رواية، وهكذا انتج البحث لهما في كل رواية استدلا بها صفراً، وصدق عليهما المثل القائل: تمخض الجبل فولد فأراً"(1).



أقول: إن ما قاله الأستاذ في مضامين تلك الروايات في محلّه; لأنّنا حينما نعمد إلى القيام بفرز وتقسيم تلك الروايات فسنجد مضامينها غير خالية من إحدى طائفة من الطوائف الستّ، التي مضت دراستها، ولاحظتم أنها بعيدة كل البعد عن التحريف بالمعنى المتنازع فيه.

وأما ما ذكره الأستاذ حول أسانيد ومصادر تلك الروايات فهو عين مقالة المحققين من علماء الإمامية، وسترونها في النقاط الآتية.


____________

1 ـ القرآن الكريم ورواية المدرستين: ج 3، ص 231 و847.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:18 PM   #3
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 119


النقطة الثانية: دراسة في مصادر وأسانيد روايات كتاب فصل الخطاب

كلّ من يتصفّح كتاب فصل الخطاب يصل إلى النتائج الآتية:

أولا: إن هذا الكتاب مشحون بروايات ضعاف أكثرها من كتب المراسيل.

يقول العلامة محمد جواد البلاغي النجفي:


"إن المحدّث المعاصر جهد في كتاب "فصل الخطاب" في جمع الروايات التي استدل بها على النقيصة وكثر أعداد مسانيدها بأعداد المراسيل عن الأئمة عليهم السلام في الكتب كمراسيل العياشي وفرات وغيرها مع أن المتتبع المحقق يجزم بأن هذه المراسيل مأخوذة من تلك المسانيد... فإن القسم الوافر من الروايات ترجع أسانيدها إلى بضعة أنفار وقد وصف علماء الرجال كلاً منهم إما بأنه ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية، وإما بأنّه مضطرب الحديث والمذهب يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء، وإما بأنه كذاب متهم لا أستحل أن أروي من تفسيره حديثاً واحداً وأنه معروف بالوقف وأشد الناس عداوة للرضا عليه السلام. وإما بأنه كان غالياً كذاباً. وإما بأنه ضعيف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه ومن الكذابين. وإما بأنه فاسد الرواية يرمى بالغلو. ومن الواضح أن أمثال هؤلاء لا تجدي كثرتهم شيئاً..."(1).



وقال العلاّمة الشعراني في هذا الصدد أيضاً:


"قد تتبعت الكتاب ـ كتاب فصل الخطاب ـ صدره وذيله وجميع ما فيه فلم نجد فيه ما يصلح مستنداً للقول بالتحريف سوى بضع روايات ضعاف الأسناد وفيها من المناكير مما لا يقول به أشياخه ولا



____________

1 ـ آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ص 26.
الصفحة 120


سائر علمائنا حيث مخالفتها مع أصول المذهب..."(1).



وتقدّم أيضاً كلام الأستاذ السيد مرتضى العسكري بعد دراسته لروايات فصل الخطاب رواية بعد رواية.

وكلام هؤلاء العلماء والمحققين تام ناجم عن تحقيق دقيق لا شبهة فيه، لأن مجموع الروايات التي نقلها المحدث النوري ـ ويزعم أنها اختصت بكتب الإمامية ـ يصل إلى 1602 رواية موزعة على النحو الآتي:

350 رواية (يعنى حدود ثلث الروايات التي جمعها) من كتاب القراءات لأحمد بن محمد السياري، وهذا الكتاب لا قيمة له عند الإمامية ومؤلفه ضعيف الحديث عند الفريقين(2).



____________

1 ـ الوافي: ج 2، حاشية ص 232 ـ 234. ومن جملة علماء الإمامية الذين أبدوا رأيهم في سند روايات التحريف وعدّوها بين الآحاد، الضعيف، المرسل وغير المعتبر و...: الشيخ محمد بن محمد النعمان المفيد (ت 413 هـ.) في المسائل السروية: ص 78. السيد الشريف المرتضى علم الهدى (ت 436 هـ.) في كتاب "الذخيرة في علم الكلام": ص 364. الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 هـ.) في كتاب "التبيان في تفسير القرآن": ج 1، ص 3. الشيخ محمد بن الحسين الحارثي الشهير ببهاء الدين العاملي (1030 هـ.) عن آلاء الرحمن: ص 26. الشيخ جعفر الكبير (ت 1228 هـ.) في كتاب "كشف الغطاء": ص 277. السيد محمد الطباطبائي (ت 1242 هـ.) في "مفاتيح الأصول". السيد شرف الدين العاملي (ت 1377 هـ.) في "الفصول المهمة": ص 126. الميرزا مهدي الشيرازي في "المعارف الجلية": ص 18. العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (ت 1402 هـ.) في تفسيره "الميزان": ج 12، ص 104 وما بعدها. الإمام روح الله الخميني (ت 1409 هـ.) في "أنوار الهداية": ص 243 وما بعدها. و"تهذيب الأصول": ج 2، ص 165. والأستاذ محمد هادي معرفة في "صيانة القرآن من التحريف": ص 235.

2 ـ قال النجاشي: "أحمد بن محمد بن سيار أبو عبد الله الكاتب بصري:... ضعيف الحديث، فاسد المذهب... له كتب... كتاب القراءات": ج 2، ص 865. وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي: "أحمد بن محمد بن سيار... ضعيف الحديث فاسد المذهب مجفو الرواية، كثير المراسيل... وصنف كتباً كثيرة... كتاب القراءة" ص 411. وقال ابن الغضائري: "أحمد بن محمد بن سيار... ضعيف متهالك، غال، محرف...". وقال أبو جعفر ابن بابويه في فهرسته حين ذكر كتاب النوادر: استثني منه ما رواه أحمد بن محمد بن سيار، وقال: لا أعمل به ولا أفتي به لضعفه...". انظر معجم رجال الحديث: ج 2، ص 282، رقم 871 وراجع أيضاً: "أعيان الشيعة": ج 2، ص 448، "تنقيح المقال": ج 1، ص 87 و"لسان الميزان": ج 1، ص 382، رقم 800.
الصفحة 121

129 رواية من تفسير "مجمع البيان"، وهو وإن كان من الكتب القيمة لدى الإمامية إلاّ أن جميع رواياته مرسلة، علاوة على أن الروايات المنقولة عنه تقع كلها في مجال القراءات، دون أن يكون لها أدنى علاقة أو ارتباط بمسألة تحريف القرآن بمعناه المتنازع فيه، كما أن صاحب مجمع البيان أورد هذه الروايات في مبحث القراءة. وقد ذكر الشيخ الطبرسي رأيه في هذه المسألة في مقدمة كتابه وصرح(1)بعدم وقوع التحريف في القرآن، ومضافاً إلى ذلك فإن المحدث النوري نفسه نقل اعتقاد الشيخ الطبرسي في مسألة عدم التحريف(2).


88 رواية من كتاب تفسير العياشي، وروايات هذا التفسير إما مرسلة أو مقطوعة، ولا تصمد في الدلالة على المدعى لأن أكثرها من باب التحريف بالمعنى الأعم (أي التحريف المعنائي، واختلاف القراءات، والتأليف في الآيات).


86 رواية من تفسير علىّ بن إبراهيم القمي، وسيوافيك الكلام في هذا التفسير المنسوب إلى القمي حيث ستتحقق من أنه ليس من صنعه، ومقدمته من شخص قد جمع هذا التفسير، وهو مجهول.


83 رواية من كتاب الكافي، وهي في الأساس من "باب النكت والنتف" وقد حكم المجلسي رحمه الله بتضعيف كل ما في الباب إلاّ ستة أحاديث(3).


69 رواية من كتاب "الناسخ والمنسوخ" المنسوب إلى سعد بن عبد الله الأشعري، منها 3 روايات فقط مسندة، والبقية كلها مرسلة ومرفوعة.



____________

1 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 83.

2 ـ فصل الخطاب: ص 34.

3 ـ مرآة العقول: ج 5، ص 60 ـ 161، وأرقام الأحاديث كالتالي: 17، 72، 74، 76، 78 و83.
الصفحة 122

وأما بقية الأحاديث فهي من كتب أخرى أيضاً.

وقد اعتمد المحدث النوري على روايات كثيرة من كتب أهل السنة في هذا المجال، كما قلنا، لكن لا قيمة لهذه الروايات عند أهل السنة أنفسهم، فيما إذا لم يكن يوجد لها تأويل صحيح.

ثانياً: إن أغلب روايات كتاب "فصل الخطاب" ينتابها مشكل التكرار، وهي بين مرسلة ومسندة، والمرسل منها عين المسند، فالناظر إليها من بعيد قد يلحظ كثرة فيها بيد أنّ هذه الكثرة تؤول في النهاية إلى روايات قليلة، غاية الأمر أن سندها قد حذف تارة وذكر أخرى، وهذا يعني قلة عدد هذه الروايات في الواقع.

ثالثاً: لم يذكر المحدث النوري في هذا الكتاب أبداً أن المصادر التي اعتمد عليها في رواياته مصادر معتبرة، وهو من دأب النوري الذي يعتبر من المحدثين المجدين في التتبع للشواذ، وقد ضمن كتابه روايات من مصادر لا وزن لها علمياً ليحقق ضالته المنشودة، كـ "تفسير أبي الجارود" وهو زياد بن المنذر السرحوب (ت 150 هـ.) وتفسيره هذا يرويه عنه أبو سهل كثير بن عياش القطان وإليه ينتهي طريق الشيخ الطوسي والنجاشي إلى تفسيره، وقد قال الشيخ الطوسي عنه: "... وكان ضعيفاً"(1).

وكتاب "الاستغاثة" لعلي بن أحمد أبي القاسم الكوفي (ت 325 هـ.) ولا اعتداد بالرجل وكتابه عند العلماء(2).

و"التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام"، وهو تفسير منقول برواية "علىّ بن محمد بن سيار" وزميله "يوسف بن محمد بن زياد" وكلاهما

____________

1 ـ معجم رجال الحديث: ج 7، ص 322.

2 ـ قال النجاشي: علي بن أحمد أبو القاسم الكوفي... غلا في آخر أمره وفسد مذهبه وصنف كتباً كثيرة أكثرها على الفساد" وقال الشيخ الطوسي رحمه الله مثله. معجم رجال الحديث: ج 11، ص 246 ـ 247.
الصفحة 123

مجهول الحال(1)، مع أن الناظر في هذا التفسير لا يشك في أنه موضوع، لا يناسب مستوى عالم محقق فضلا عن الإمام العسكري عليه السلام(2)، وكتاب مشارق الأنوار للحافظ رجب البرسي(3) وكتاب دبستان مذاهب، لمؤلفه آذر كيوان الزردشتي(4) ورسالة مجهولة المؤلف، حيث نسبت إلى سعد بن عبد الله الأشعري (ت 301 هـ.) باسم "رسالة الناسخ والمنسوخ" ومحمد بن إبراهيم النعماني (ت 360 هـ.) باسم "ما ورد في صنوف آيات القرآن" وإلى السيّد المرتضى (ت 436 هـ.) باسم "رسالة في المحكم والمتشابه"(5).

رابعاً: روى النوري روايات من الغلاة والمتهمين في دينهم، كأحمد بن محمد السياري الذي تقدمت ترجمته آنفاً، وسهل بن زياد الآدمي(6)، وإبراهيم بن إسحاق النهاوندي(7)، والحسين بن حمدان الخصيبي (الحصيني)(8)، ومحمد بن علىّ أبو سمينة الكوفي(9)، ومحمد بن سليمان الديلمي(10)، والحسن بن علىّ بن أبي حمزة(11)وغيرهم.

هذا بالنسبة إلى مصادر وأسانيد الروايات الواردة في كتاب فصل الخطاب.


____________

1 ـ معجم رجال الحديث: ج 17، ص 157.

2 ـ المصدر السابق: ج 12، ص 147.

3 ـ قال المجلسي: يشتمل الكتاب على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع، بحار الأنوار: ج 1، ص 10.

4 ـ سيأتي البحث عنه أكثر في المقام الثاني.

5 ـ انظر تفصيله: صيانة القرآن عن التحريف: ص 222 ـ 234.

6 ـ رجال النجاشي: ص 185، رقم الترجمة 490.

7 ـ نفس المصدر: ج 1، ص 71.

8 ـ رجال النجاشي: ص 67، رقم الترجمة 159.

9 ـ معجم رجال الحديث: ج 17، ص 319 ـ 321.

10 ـ رجال النجاشي: ص 365، رقم الترجمة 987.

11 ـ معجم رجال الحديث: ج 11، ص 299 ـ 340.
الصفحة 124

أما بالنسبة إلى مدلول الروايات ومضامينها، فيقول العلامة الشيخ محمد جواد البلاغي:


"أكثر الروايات التي أوردها المحدث النوري هي من باب اختلاف القراءات ـ مثل ما جمعه من تفسير "مجمع البيان" وهو ينيف على مئة وعشرين حديثاً كلها مراسيل ومن باب اختلاف القراءات ـ أو يكون من باب تفسير الآيات أو تأويلها أو بيان لما يعلم يقيناً شمول عموماتها له لأنّه أظهر الأفراد وأحقها بحكم العام، أو ما كان مراداً بخصوصه وبالنص عليه في ضمن العموم عند التنزيل، أو ما كان هو المورد للنزول أو ما كان هو المراد من اللفظ المبهم.

ويحمل كلمة "التحريف" فيها على تحريف المعنى ويشهد لذلك نفس الروايات والقرائن الداخلية والخارجية منها مكاتبة أبي جعفر عليه السلام لسعد الخير كما في روضة الكافي: "وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده"(1).

كما يحمل ما في الروايات مما كان في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام أو ابن مسعود وينزل على أنّه كان فيه بعنوان التفسير والتأويل"(2).



أقول: ما ذكره العلاّمة محمد جواد البلاغي رحمه الله هو ما يقتضيه التحقيق، لا سيما إذا لاحظنا معاني كلمات "التنزيل"، و"التأويل"، و"الإقراء" و"التحريف" الواردة في الروايات، وقد مرّ تفصيل ذلك في المقام الأول، وجملة القول إن ما أورده المحدث النوري من روايات الإمامية ينقسم من حيث المحتوى والمدلول إلى

____________

1 ـ عن البيان: ص 229.

2 ـ آلاء الرحمن: ج 1، ص 27.
الصفحة 125

طوائف:

1 ـ الروايات التي وردت في شأن مصحف الإمام علىّ عليه السلام.

2 ـ الروايات التي جاء فيها لفظ "التحريف".

3 ـ قراءات منسوبة إلى بعض الأئمة عليهم السلام.

4 ـ روايات الفساطيط.

5 ـ الروايات التي دلّت على أن بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذكر فيها أسماء الأئمة.

6 ـ الروايات التي دلت على التحريف في القرآن بالنقيصة.

وقد تكلمنا في تلك الطوائف وما اقتضاه التحقيق فيها عند الحديث عنها في الفصل الثاني.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:19 PM   #4
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 126


النقطة الثالثة: تفنيد مناقشات النوري في أدلّة سلامة القرآن

لقد عقد المحدث النوري الباب الثاني من كتابه في بيان أدلة سلامة القرآن من التحريف والمناقشة فيها، والآن ننظر ما هي مناقشاته وكيف يجاب عنها.


1) تفنيد المناقشات في دلالة الآيات

أ ـ قال المحدث النوري في جواب المستدلين على صيانة القرآن من التحريف بالآية الشريفة: (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون)(1):


"الذكر قد أطلق في القرآن كثيراً على رسول الله صلّى الله عليه وآله ومن الجايز أن يكون هو المراد منه هنا أيضاً... ولو سلمنا فإن المراد بالحفظ، حفط معاني القرآن ومداليله عن تطرق شبه المعاندين بحيث لا يوجد فيه مدخل إلى القدح فيه، ولا الجامع من حفظ معاني القرآن وحفظ ألفاظه عن الإسقاط، بل فالحفظ عند محمد وآله صلوات الله عليهم يكفي في تحقق مفهوم الآية ومعه لا مانع لتغيره عند غيرهم".



ثمّ قال:


"التحقيق في الجواب أنّ ظاهر الآية ـ والله أعلم ـ أنـّه تعالى يحفظ القرآن في الموضع الذي أنزله فيه... وموضعه الذي أنزله تعالى فيه ووعد حفظه هو قلب النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم لا الصحف والدفاتر ولا غير صدره من الضمائر"(2).



وجوابنا عن ذلك:

أولاً: إن كلمة "الذكر" الواردة في القرآن تطلق كثيراً بشكل صريح على القرآن

____________

1 ـ سورة الحجر (15): الآية 9.

2 ـ فصل الخطاب: ص 359 ـ 360.
الصفحة 127

الكريم كقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم)(1).

ثانياً: إن الآية السادسة من سورة الحجر تمثل قرينة سياقية واضحة على أن المقصود من "الذكر" في الآية التاسعة من هذه السورة هو القرآن العظيم; لأن كلمة الذكر الواردة فيها وهي: (وقالوا يا أيّها الذي نزل عليه الذكر إنّك لمجنون) تدل دلالة قاطعة وصريحة على أنّ المراد من الذكر هو القرآن، وفي الواقع إنّ كلمة الذكر الواردة في قوله تعالى: (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون) تمثل جواباً قاطعاً عن شبهات المعاندين التي أوردها في الآية السادسة فالألف واللام في كلمة "الذكر" هنا للعهد الذكري.

ثالثاً: إن نفس الادعاء القائل بأن المراد من حفظ القرآن هو حفظه قبال شبهات المعاندين هو ادعاء بلا دليل، بل إنّه مخالف لإطلاق الآية نفسها، ذلك الإطلاق الشامل لمطلق أنواع التحريف والذي من جملته الإسقاط والتغيير، وليس ثمة نوع من أنواع الحفظ أكثر أهمية من هذا النوع، بل إنّ الآية الكريمة ـ وأخذاً بعين الاعتبار الأرضية التي تتحرك فيها ـ تبدو أكثر ظهوراً في هذا النوع من الحفظ منه في الأنواع الأخرى، ذلك أنّ الشبهات والتشكيكات التي يثيرها الكافرون هنا تتعلق بتدخل القوى غير الإلهيّة لإسقاط القرآن ونسبته إلى غير الله سبحانه، وليس لها أية علاقة باختلاق الشبهات على صعيد المعارف والمضامين القرآنية، والقرآن ينبئنا بنفسه ـ عبر تأكيداته المتواصلة ـ عن حفظه من أي مساس حين نزوله وبعد النزول أيضاً.

رابعاً: كيف يمكن أن تصمد المعارف القرآنية ومحتويات الكتاب العزيز أمام الشبهات المقامة من قبل المعاندين والحال أنـّه ـ ووفقاً لتصورات المحدث النوري نفسه والمستندة إلى الرواية التي يوردها في كتابه والقاضية بأن ما يزيد على ثلثي

____________

1 ـ سورة النحل / 44.
الصفحة 128

القرآن قد تم إسقاطه منه عبر عملية تحريف مسبقة ـ لا يمكن، أخذاً بعين الاعتبار الإتساق القائم بين المضامين، والتصديق بهذه المزعمة فيما إذا أدّت إلى زيادة أو نقصان حرف واحد أو كلمة واحدة مفضية إلى تبديل مطلب بأكمله من حق إلى باطل، أو إسقاط تعبير من التعبيرات الواردة في الآية، يؤدي إلى خدش الفصاحة والمساس بالبلاغة القرآنية بشكل كامل وكلّي.

خامساً: كيف يتم للمحدث النوري القول بأنّ تحقق مفهوم الآية يكفي فيه حفظ القرآن ولو نسخة واحدة بيد المعصوم عليه السلام؟! ويقدم لذلك جواباً عميقاً حين يقول: بأن الوعد بحفظ القرآن يمكن تحققه بالحفظ في قلب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم!! أليس الهدف من نزول القرآن الكريم يتطلب بيان الآيات الشريفة؟ فالمطلوب هو أن يحفظ القرآن النازل على النبىّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم في يد الناس حتى يمكنهم عبر الوصول إليه الوصول إلى العلم والتصديق والعمل بما جاء فيه وهل يتحقق هذا النوع من الهداية من خلال حفظ القرآن الكريم ولو بنسخة واحدة في يد المعصوم فيما يصبح القرآن المحرف هو المتداول في أيدي الناس؟! وفي هذه الحالة هل هناك من ضرورة لكل هذا التأكيدات الواردة في الآية الكريمة على كلّ هذه الأهمية والعظمة؟ وإذا كان الحال كما يقوله المحدث النوري من أنّ القرآن المحرف لا يسقط عن سمة الهداية ومقام الإرشاد بل يقوم ـ كما كان ـ بمهمة إيصال الناس إلى الهدف المنشود، فلماذا لا بدّ له أن يحفظ في قلب النبىّ؟ أليس قادراً ـ على تقدير تعرضه للتحريف في هذه المرحلة ـ على الهداية وتحقيق الغاية من أخذ يد البشر إلى طريق الغاية والهدف المقصود، ومن ثم فليس بحاجة إلى كلّ هذا الوعد الإلهي بالحفظ في قلبه صلّى الله عليه وآله وسلم. وعليه فإنّ الوعد بالحفظ الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى إنّما هو ليبقى هذا القرآن حجة على الناس أجمعين، وهو أمر لا يتسنى تحققه إلاّ عن طريق الصفحة 129

حفظه في تمام المراحل والمقامات بدءاً من تلقي الوحي ومروراً بإبلاغ الآيات ووصولا إلى مرحلة البقاء في يد الناس على نفس الصورة، وهذا الوعد وعد مستمر متواصل إلى يوم القيامة في حق القرآن الكريم، ذاك الكتاب السماوي الخالد ذي الهيمنة على الكتب التي سبقته، وميزان حقانية معارفها وعلومها(1)؟

ب: ناقش المحدث النوري الاستدلال بالآية الشريفة: (... وإنّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)(2) على سلامة القرآن من التحريف بقوله:


"إنّ الحذف والتغيير والتبديل وإن كان باطلا لكن ليس المراد من الآية ذلك لأنّه:

أولا: فلأن ظاهرها أنـّه لا يجوز أن يحصل فيه ما يستلزم بطلانه من تناقض في أحكامه أو كذب في إخباراته وقصصه [وأنـّه لا يعلو عليه شيء ولا يمكن نسخه أو إبطال محتواه].

ثانياً: فلأنّه منقوض بمنسوخ التلاوة والحكم أو التلاوة فقط بناء على مذهب الجمهور من وقوع القسمين في الآية.

وثالثاً: يكفي في انتفاء الباطل عنه انتفاؤه عن ذلك الفرد المحفوظ عند أهل البيت عليهم السلام"(3).



وللرد على هذه المناقشات نقول:

أولا: إنّ سياق الآية مطلق، ولا يوجد أي قيد يخصص ذلك، وتخصيصها بهذا النوع من الصيانة والحفظ يحتاج إلى دليل، بل كيف يمكن مع وقوع كل هذا التغيير

____________

1 ـ انظر: سورة المائدة (5): الآية 48.

2 ـ سورة فصل (41): الآية 41 ـ 42.

3 ـ فصل الخطاب: ص 361 ـ 362.
الصفحة 130

في ألفاظ القرآن الكريم وعباراته وعلى هذا النطاق الواسع ـ بحسب ما يزعم المحدث النوري ـ بقاء العلوم والمعارف القرآنية على حقيقتها، لا سيما ـ كما أشرنا سابقاً ـ إذا ما أخذنا بعين الاعتبار فصاحة وبلاغة القرآن والدقة التي توخاها، بحيث إننا لو أضفنا أو اختزلنا حرفاً واحداً فإنّ المضمون القرآني سوف يصاب بالتغيير، مما يصحح في بعض الأحيان انقلاب الباطل حقاً والحق باطلا.

بل نضيف للمحدث النوري قائلين: أليس عدم وجود مدخل إلى شبه المعاندين وما يستلزم بطلانه من التناقض في الأحكام أو الكذب في إخباراته وقصصه... أليس هذا أدل دليل على صيانته عن التحريف بإسقاط ألفاظه؟!

ثانياً: إن كان منسوخ التلاوة والحكم أو دون الحكم، باطلا ـ يعني إن الآيات التي نسخت تلاوتها ليست في الواقع آية قرآنية كما هو الحق ـ فالآن لا يوجد آيات منسوخة في القرآن فلم يدخل الباطل فيه، وإن كانت تلك الآيات آيات قرآنية في الواقع ووقع نسخها فهذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل، بل إن الأدلة دالة على عدم كونها آيات قرآنية، وسيأتي إن شاء الله تعالى البحث في هذه النقطة. وإن كانت تلك الآيات آيات قرآنية في الواقع ونسخت حقيقة فلا يدخل الباطل في القرآن، والشبهة منتفية موضوعاً.

ثالثاً: قلنا سابقاً إن حفظ نسخة كاملة من القرآن الكريم فقط عند أهل البيت عليهم السلام دون عامة الناس لا يلبي الغاية التي أنزل من أجلها القرآن.


2) تفنيد المناقشات في دلالة روايات العرض

قلنا إنّ المستفاد من أحاديث عرض الأخبار على القرآن، والتي وردت في كتب الفريقين متواترةً هو:

أولا: إنّ القرآن الكريم يمثل الميزان والمقياس الكلي والمطلق، وإذا كان القرآن ميزاناً فيجب أن يكون متواتراً مقطوعاً به، لا يدنسه التحريف; لأنّه المقياس الصفحة 131

الفارق بين الحق والباطل.

ثانياً: إن الروايات الدالة بظاهرها على التحريف ـ إذا لم يوجد لها تأويل صحيح ـ تتحول بنفسها عند عرضها على الكتاب إلى روايات ساقطة غير ممكنة القبول، ذلك أنها تشكل مصداقاً لما خالف القرآن فيجب طرحه.

والمحدث النوري وبعد اعترافه بتواتر تلك الأخبار عن النبىّ والأئمة عليهم السلام وإنّ العرض على المحرَّف المبدَّل لا وجه له وعلى المنزل المحفوظ لا يستطاع، قال:


"والجواب: إنّ ما ورد عن النبىّ صلى الله عليه وآله في ذلك فلا ينافي ما ورد في التغيير بعده وما جاء عنهم عليهم السلام فهو قرينة على أن الساقط لم يضر بالموجود وتمامه من المنزل للإعجاز، فلا مانع من العرض عليه، مضافاً إلى اختصاص ذلك بآيات الأحكام..."(1).



لكن مناقشات المحدث النوري هذه باطلة من حيثيات متعددة:

أولا: لماذا نقيِّد أحاديث النبىّ صلّى الله عليه وآله وسلم في هذا المجال بما قبل وفاته؟ وما هو دليلنا على هذا التقييد؟ والحال أننا لو رجعنا إلى كلماته لوجدناها مطلقة في اعتبار القرآن الكريم معياراً وميزاناً يرجع إليه عند الفتن ويحتمى به عند الشبهات.

ثانياً: إن المحدث النوري يخالف مدلولات هذه الأخبار مخالفة صريحة، ذلك أنّ روح مناقشته في الحقيقة تؤول إلى أنّ القرآن لا بدّ له أن يكون محكوماً للأخبار بما فيها تلك الأخبار الدالة على وقوع التحريف فيه، ومن ثم فتحريف القرآن يصبح أمراً ثابتاً نتيجة قيام أخبار التحريف نفسها، ولأجل إدراك مقدار التحريف الحاصل لا بدّ لنا مجدداً من العودة إلى عرض القرآن الكريم على أخبار العرض،

____________

1 ـ فصل الخطاب: ص 363.
الصفحة 132

حتى تحدد تلك الأخبار وظيفة القرآن نفسه، فتعين بالتالي ما هو المقدار الساقط من القرآن الكريم، وهل أنّ هذا المقدار الساقط يضر بمرجعية القرآن وكونه ميزاناً ومعياراً أم لا؟! أليس هذا النوع من المحاكمة مخالفاً لأخبار العرض نفسها؟ ألا تعتبر أخبار العرض كتاب الله تعالى ـ وبشكل قطعي وواضح ـ الميزان والحاكم والمعيار؟ وعليه كيف يعطي المحدث النوري هذه المعيارية وهذه السلطنة والمحورية الممنوحة للقرآن الكريم للروايات فيجعل القرآن محكوماً لها بدل أن يكون حاكماً عليها؟ ومن الطبيعي أن محورية الحديث بالنسبة لشخص كالمحدث النوري الذي تحكمه ثقافة الحديث ومركزيته ليست بالأمر الغريب حينما توضع قبال المركزية التي يمثلها القرآن الكريم.

ثالثاً: ما هو الدليل الذي يجعل أخبار العرض محصورة في دائرة آيات الأحكام؟ والحال أن المعصومين عليهم السلام كانوا بصدد تقديم ضابطة كلية وعامة، كما أن تعبيراتهم في هذا المجال اتسمت بالإطلاق والشمولية.


 

رد مع اقتباس
قديم 11-07-2010, 10:20 PM   #5
الفاروق الاعظم
مشرف عام


الصورة الرمزية الفاروق الاعظم
الفاروق الاعظم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 08-05-2022 (12:41 PM)
 المشاركات : 1,422 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الصفحة 133


النقطة الرابعة: نبذة من ردود الإمامية على كتاب "فصل الخطاب"

لقد انهمك علماء الإمامية وعقب تأليف المحدث النوري لكتابه "فصل الخطاب" بدراسات موسعة وشاملة تثبت سلامة القرآن من التحريف وتناقش الأفكار التي أثارها النوري وتبطل مقولة التحريف، وهي دراسات ما تزال متواصلة، نورد هنا بعضاً من منجزاتها من الكتب التي ألفت بهذا الصدد:

1 ـ كشف الارتياب في عدم تحريف كتاب ربّ الأرباب، تأليف محمود بن أبي القاسم، المشتهر بالمعرب الطهراني (ت / 1313 هـ.)، وقد كتبه رحمه الله في سنة 1303 أي بعد أقل من أربع سنوات على نشر كتاب فصل الخطاب.

2 ـ حفظ الكتاب الشريف على شبهة القول بالتحريف، تأليف هبة الدين السيد محمد حسين الشهرستاني (ت / 1315 هـ.).

3 ـ تنزيه التنزيل، تأليف علىّ رضا حكيم خسرواني، تأليف سنة 1371 هـ.

4 ـ الحجة على فصل الخطاب في إبطال القول بتحريف الكتاب، تأليف عبد الرحمن المحمدي الهيدجي، تأليف سنة 1372 هـ.

5 ـ البرهان على عدم تحريف القرآن، تأليف الميرزا مهدي البروجردي، تأليف سنة 1374 هـ.

6 ـ آلاء الرحيم في الردّ على تحريف القرآن، تأليف الميرزا عبد الرحيم المدرس الماهر الخياباني، تأليف سنة 1381 هـ.

7 ـ بحر الفوائد في شرح الفرائد (في ضمن بحث حجية ظواهر القرآن)، تأليف الميرزا محمد حسن الآشتياني (ت / 1319 هـ.).

8 ـ آلاء الرحمن في تفسير القرآن (مقدمة الكتاب)، تأليف الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي (ت / 1352 هـ.).

9 ـ البيان في تفسير القرآن (مقدمة الكتاب)، تأليف آية الله السيد أبو القاسمالصفحة 134

الخوئي (ت / 1413 هـ.).


10 ـ تهذيب الأصول (ضمن بحث حجية ظواهر القرآن) وأنوار الهداية، تأليف الإمام روح الله الخميني (ت / 1409 هـ.).

11 ـ صيانة القرآن عن التحريف، تأليف الأستاذ محمد هادي معرفة ط. 1416 هـ.

12 ـ القرآن الكريم وروايات المدرستين (ثلاث مجلدات)، تأليف آية الله السيد مرتضى العسكري ط. 1420 هـ.

13 ـ حقائق هامة حول القرآن الكريم، تأليف السيد جعفر مرتضى العاملي.

14 ـ التحقيق في نفي التحريف، تأليف السيد علي الميلاني ط. 1415 هـ.

15 ـ أكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسنة، تأليف رسول جعفريان، ط. 1413 هـ.

* * *


 

رد مع اقتباس
إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 10:06 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية