|
|
![]() |
|
|
|
|||||||
.::||[ آخر المشاركات ]||::. |
|
الإهداءات |
|
![]() |
|
|
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
|
أحد آثار هذه الرؤية، اتضاح تكليف الإنسان ما فائدة هذه الرؤية؟ أرجو أن تسمعوا هذه العبارة بتمعّن. من أهم فوائد هذه الرؤية الشمولية والصائبة هي أنها تشخص تكليف الإنسان بشكل دقيق. إنه لإدعاء كبير جدا، وهو أنه ليس لنا في كل الحياة سوى تكليف واحد. فلابدّ أن نراقب شيئا واحدا فقط. وسوف نعي هذه الحقيقة إن شاء الله. فليس المطلوب هو أن نقوم بمئة عمل ولأن أن نزيل مئة عيب ونحصل على مئة حسنة، فكلها أمر واحد. فلابدّ أن نعرف ذاك الأمر الواحد الذي تشتمل عليه كل الأعمال الصالحة، إذ إن جميع الحسنات والصالحات بدءً من الحد الأدنى من القضايا الأخلاقية إلى أقصى مراتب عشق الله وعشق أوليائه، هي صور لهذا الأمر الواحد الذي لا آخر له. فإن عرفت هذا النظام وصحّت رؤيتُك واتجاهُك، عندئذ ترسم خطا مستقيما من موقعك الذي أنت فيه إلى نقطة الهدف، وسوف تعلم ماذا عليك وما الذي يجب أن تقوم به. أما إن لم يقدر الإنسان على رسم هذا الخط المستقيم، يبقى في حيرة بين مختلف الفضائل والرذائل فلا يدري أيصلح حسده أم يراقب بخله أم يقضي على حب المقام أم يزيل حب الراحة؟! أفهل هي عيب واحد أم عيبان؟ بل هي آلاف، فما يصنع هذا الإنسان المسكين الضائع بين عيوبه ورذائله؟! إن هذه الحيرة ليست بحالة جيدة، فليس من الصحيح أن يكون الإنسان في حيرة من أمره لا يعرف حاجته الأولى من بين مختلف الصفات الجيدة، من قبيل الصدق والصبر والتواضع والكرم وغيرها. إن هذه الحالة هي حالة الحيرة المذمومة. قد يقول البعض أن الجميع مبتلون بهذه الحيرة. أقول: فهل تصبح حالة جيدة إن ابتلى بها الجميع؟! فأين موقع معرفة النفس إذن، وكيف نتمكن من محاسبة النفس؟ فإن لم تكن رؤيتي صائبة تجاه الطريق الذي أريد أن أسلكه وإن لم أعرف تكليفي الرئيس ولا أميّز بين التكليف الأصلي والفرعي، لن أستطيع أن أحاسب نفسي أبدا. من آثار هذه الرؤية، تبلور الحكمة في قلب الإنسان إن دور النبي(صلي الله عليه وآله) هو أن يعلّم الناس الكتاب والحكمة؛ (هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَة)[الجمعة:2] فما معنى الحكمة؟ إن الكتاب هو علم يدخل في قلب الإنسان من الخارج، أما الحكمة فهي علم تفور من داخل القلب. فالحكمة هي إنتاج العلم لا تعلّمه. فكأن الله أراد من النبي الأعظم(صلي الله عليه وآله) أن يربّي أفراد أمّته لكي يصيروا حكماء. من خصائص الإنسان الحكيم هي أنك عندما تقرأ عليه الروايات، يتقبلها بكل رحابة صدر ويؤيدها بقلبه. فهو يدرك صحتها ويعرف موقعها من الدين. فتجده يتحدث بمضمون الروايات قبل أن يسمعها أو يعثر عليها في كتب الحديث. فتأتي الآيات والروايات مؤيدة لما كان يشعر به في قلبه. متى يصل الإنسان إلى هذه الحكمة؟ عندما يشاهد الفيل كلّه بنظرة واحدة. أما إن لم ير الإنسان هذا الفيل وكانت معرفته به عبر بعض اللمسات المتفرقة وحسب، لا يستطيع أن يصدّق أو يستوعب كثيرا من كلمات المتحدّث عندما يتحدث عن الفيل. فإذا تحدّث عن ذنبه أو تحدّث عن خرطومه يتلقّى هذه المعلومات كمعلومات جديدة غريبة على قلبه وقد لا يستطيع الاستيناس بها. أما الحكيم فهو الذي قد رآى الفيل كلّه. فعن أي عضو من أعضاء الفيل تتحدث معه، يتفاعل معك ويكمل كلامك وحتى قد يزيدك ببعض المعلومات. فالحكيم هو ذاك الإنسان الذي تلصق الروايات بفؤاده لشدّة انسجامها مع ما طُبِع عليه قلبُه، ثم يعرف موقع الروايات من الدين وما هو دورها في حركة الإنسان الدينية. هذا هو أحد أبعاد الحكمة. من خصائص الحكيم هي أنّه يكون على بصيرة من نفسه. فهو يعرف داءه وعيوبه. ذات يوم قال لي رجل من أولي البصائر والألباب: إن بيني وبين الإمام الخميني(ره) بونا شاسعا. فاستغربت من قوله وقلت في نفسي: أمن الفنّ أن يعرف الإنسان أن بينه وبين الإمام الخميني(ره) بعد المشرقين؟! ولكني ما كنت أستطيع أن أبدي استغرابي له إذ كنت أحترمه كثيرا. ثم زال استغرابي في جملته التالية حيث قال: ولكني أعلم السبب والداء الذي جعلني أتأخّر عن مقام الإمام(رض). فعرفت أنه يتحدث بحكمة ووعي. وإلا فأنا أيضا أدعي أن هناك بون شاسع بيني وبين الإمام(رض)، ولكني لا أعرف الأمراض التي أخّرتني عن ذاك المقام، ولكنه قال إني أعرف العلة والداء الذي سبّب هذا البون الشاسع. هذه هي الحكمة. فإنها تجعلك تفهم وتعلم أكثر ممّا سمعت. وهذا هو أثر الرؤية والمشاهدة، حيث إنك تشاهد مشهدا عبر لحظة واحدة، ولكنك تقدر على كتابة ما شاهدت في مئة صفحة. وكلما رأيت المشهد من زاوية جديدة، تستطيع أن تكتب حقائق جديدة عن المشهد. فينبغي أن نرى الدين بطريقة نتمكن من شرح مختلف أبعاده للناس وأن نعطيهم صورة صحيحة عن الدين. لابد أن ندرك ماهية علاقتنا بالدين جيّدا ولا نخدع أنفسنا. يتبع إن شاء الله... |
|
|
#2 |
|
موالي فعال
|
مرور على ما انتهينا إليه في الجلسات السابقة كل هذا ا لكلام الذي مرّ الآن واستغرق ربع ساعة، كان مقدمة البحث. فلنرى هل نستطيع أن نتقدم في البحث في نصف الساعة الباقية. فلنستعرض بإيجاز ما انتهينا إليه في الجلسات السابقة. لقد خلق الإنسان بصفته قادرا على إيجاد التغيير في وجوده، وقد عبّرنا عن هذا المعنى في الليلة البارحة بإنتاج القيمة المضافة. فتمّ القرار على أن يكون الإنسان قادرا على ترقية نفسه وتحسينها. ثم قلنا لا يتمّ هذا الإرتقاء عبر ازدياد المعلومات وحسب، إذ إن مجرّد ازدياد المعلومات لا يحسّن شيئا في العالم. وسوف تتضح أحقية هذا الإدعاء من خلال الأبحاث التالية. إن الارتقاء والتطوّر منوط بأن تشتملَ أنت على رغبة أو رغبات، ثم تتخلّص من بعض رغباتك عبر صراع شديد بين الرغبات، إلى رغبات أخرى. أو أن تغيّر هواك في خضمّ تضارب الأهواء. فهذا الارتقاء منوط بتغيير ثمين. فإن كنت تحبّ شيئا ما ثم تعمد إلى أكله أو لبسه أو اتخاذه تلبية لهواك، فإنك لم تتغيّر. وسوف يكون شأنك كشأن الملائكة الذين يحبّون الله ويسبحون بحمده بمقتضى طبيعتهم، فإنهم لا يقدرون على إيجاد تغيير في داخلهم. فإنهم صالحون ويبقون صالحين. ولكنك لست مثلهم إذ المفترض منك أن توجد تغييرا وأن تتكامل وتكسب الصلاح عبر عمليّة التغيير. هنا قد يتبادر في ذهنكم سؤالا وهو لماذا وجب ذلك وما السبب من اختصاص الإنسان بهذا التغيير، وسوف نجيب عن هذا السؤال لاحقا إن شاء الله. لقد قُدّر للإنسان أن يكون قادرا على تغيير نفسه ويكسب الصلاح عبر هذا التغيير، لا أن يكون موجودا صالحا من الأول كما هو الحال في الملائكة. بل لابد أن يترقّى ويصلح من خلال صيرورة وتغيّر. فإن نجح إنسان في هذه العمليّة واستطاع على إنجاز ذلك فقد سبق الملائكة وتفوّق عليهم. ولا سبيل لنيل هذا الهدف سوى أن تكون مشتملا على رغبات متعددة، وتُعطى حقّ الاختيار من بين أهواء ورغبات شتّى وكذلك تُعطى قدرةَ الاختيار، ثم تصرع رغبةً وتختار أخرى. هذا هو الحدث الرئيس الذي خُلقتَ إنسانا من أجله. وقد بدأت حياتك الإنسانية من هذا المنطلق. وصار الإنسان إنسانا لما يشتمل عليه من أهواء متضاربة لابدّ أن يختار بعضها دون الأخرى وهذا هو شأنه إلى آخر عمره. أما ما هي الرغائب التي لابدّ أن يصرعها الإنسان وما التي يجب أن يختارها وكيف يكون مسار هذا الصراع، فلابدّ أن نتحدث حول هذه المواضيع في المستقبل. فلسفة خلق الإنسان/ هوية الإنسان الرئيسة/ حقيقة الدين السؤال الذي لابدّ أن نجيب عنه بادئ ذي بدء ونهضمه جيدا هو أن لماذا جئنا إلى هذه الدنيا أساسا؟ لقد جئنا إلى الدنيا لنرغب ونشتهي بعض الأشياء ثم لا نمدّ أيدينا إليها. جئنا لنحبّ بعض الأشياء ثم نعاني من حرمانها. جئنا إلى الدنيا لنجاهد شهواتنا. ثم ما قيمة العلم في هذه الظروف؟ العلم خادم لهذا الحدث وهذه الملحمة. العلم خادم لهذا الجهاد. هذه هي قيمة العلم. فلا قيمة للعلم بالأصالة بل هو خادم لهذا الجهاد ويسهّل عملية الجهاد على الإنسان. إنه يهدي الإنسان ويخدمه في هذا المسار. فإن استخدمته في هذا السبيل يكون علما نافعا قيّما، وإلّا فيصبح مدعاة لهبوط مستواك وقلة قيمتك. وكذلك الحال في العمل، فالعمل القيّم هو ما كان ناتجا من هذا الجهاد. أما إذا كان من قبيل عمل النحل في عمليّة إنتاج العسل فلا فائدة له. إذ يطير النحل ويجلس على الأزهار ويمتصّ شهدها ثم ينتج العسل بمقتضى غريزته وطبيعته. فهل يستحق الأجر والثواب والجنان بهذا الإنتاج؟! كلا، إذ لا قيمة لهذا العمل ولأن الله لم يعلّمها عملا آخر، ولم تتردّد النحلة بين خيارين قطّ حين طيرانها في البساتين والحدائق، ولم تهشّ نفسها إلى الميتة مثلا لتبقى مترددة بين امتصاص دم الميتة أو شهد الزهور! فبسبب هذا الفارق الأساسي، صار الزنبور زنبورا وصرتَ أنت آدميّا. فمنذ أن عزم الله على أن يجعلك إنسانا، شاء لك أن تجاهد أهواءك فقد اُخِذ عنوان «مخالفة الأهواء» كعنصر محوري في تعريف هويّتك الإنسانيّة. لعلّك تسأل: أيّ الرغائب أحاربها؟ ولكن قبل أن تطرح هذا السؤال حاول أن تثبّت هذه الحقيقة في ضميرك، وهي أن قد خلقت من أجل مخالفة أهوائك. فحاول أن ترسّخ هذه الرؤية وتثبتها جيّدا، ثم يأتي الله ويعطيك البرنامج، إذ إن الدين هو برنامج جهاد النفس. فإن لم تكتبوا العبارة مئة مرة هذه الليلة، فعلى الأقل اكتبوها بخط كبير مرة واحدة وانصبوها أمامكم. إن الدين عبارة عن برنامج لجهاد النفس ومخالفة بعض الأهواء. هذا هو برنامج الدين، ولكن قبل أن يكون جهادُ النفس برنامج الدين، كان جزءً من هوية الإنسان وكان يمثل فلسفة خلق الإنسان. وقد سبق أن قرأت لكم كلام أمير المؤمنين(ع) حيث قال: «فِي خِلَافِ النَّفْسِ رُشْدُهَا»(تحف العقول/ص91). فإنّ هويّة الإنسان وصلاحه، في هذا الجهاد بغض النظر عن أحكام الله ويوم القيامة، بل قد صُبّت تركيبة الإنسان على هذا الأساس. فمن لم يجاهد نفسه يخرج عن تعادله ويترنّح يمينا وشمالا. يتبع إن شاء الله... |
|
|
|
#3 |
|
موالي فعال
|
إن ديانة الإنسان الفارّ من المعاناة ديانة بلا فائدة
إنّك إن لم تحل قضية المعاناة لنفسك، قد تكون متديّنا ولكن يفرغ دينك من مضمونه وأثره في ترقيتك. فيا ترى ما كنا نفعل لو كنا في مقام محمد بن مسلم وكنّا قد واجهنا الإمام بهذه النصيحة؟ لعلنا كنا نقول: نعم، لابدّ من التواضع. وحسبنا من التواضع هو هذه الابتسامة التي نوزعها على الناس. وهذا يعني المرور من جانب المانع وعدم القفز منه. طبعا وبالتأكيد ليس طريق التواضع هو ممارسة الأعمال الرديئة دائما ولا أريد أن أنصحكم بممارسة هذه الأعمال، إذ يختلف دواء الناس باختلاف دائهم فكلٌ بحسبه. ولكن حاولوا أن لا تفروا من المحن والابتلاءات التي يقدرها الله لكم ولا تلتفوا حول ابتلاءاتكم. إن الله يمتحن مختلف الناس بمختلف الابتلاءات والمصائب فلابدّ أن توطّن نفسك على البلاء والعناء. وكذلك لابد أن توطّن نفسك على معاناة سحق الهوى والشهوات. رضوان الله على الشهيد شمران إذ كان قد وعى حقيقة المعاناة بكل وجوده ورحب صدره لأنواع البلاء. لقد جاء في كتاباته: «أنا أعتقد أن الله العظيم يثيب الإنسان بقدر المعاناة التي عاشها في سبيله، وأن قيمة كل إنسان بقدر ما تجرعه من ألم وعناء في هذا السبيل وأرى أن أولياء الله قد ابتلوا بالبلاء والألم والمحنة في حياتهم أكثر من أي أحد». ثم كتب هذا الشهيد العظيم مخاطبا ربه: «إلهي أشكرك إذ عرفتني على الفقر لكي أعيش ألم الجائعين وأشعر بمحنة المحتاجين. إلهي أشكرك إذ قد صببت عليّ أمطار التهم والشتم والافتراءات لكي أغرق في عواصف الظلم والجهل والتهمة الموحشة، وينمحي صوتي المنادي بالحق أمام زئير طوفان الأعداء وعواصفهم، فيحتضنني الألم والبلاء ويفتح عليّ نوافذ فطرتي حتى أشعر بمعاناة عليّ(ع) بأعماق روحي». أحد الآلام التي فرضها الله علينا هو الموت. فيا ترى لماذا قد أحاط الله الموت بهالة من الشدّة والوحشة والدهشة بحيث يهدم ذكره جميع اللذات؟! لأنه أراد أن تعيش مع ذكر الموت في حياتك كلّها ولا تنساه. لقد قدّم الله تعالى الموت على الحياة وقال: (الَّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياة)[الملك/2] فكأن الله قد خلق الموت قبل خلق الحياة، وكأنه قد قدّر للناس الموت قبل أن يقدّر لهم الحياة. إن ذكر الموت يمثّل أحد أهم الأساليب التربويّة في الإسلام كما قال رسول الله(ص): «کفَی بِالمَوتِ واعِظاً»[الكافي/ج2/ص275] فلا تنسوا الموت وتجرعوا مرارة ذكره، فإن كثيرا من الروايات قد دعتنا إلى هذا الأسلوب التربوي وهو هدم اللذات عبر ذكر الموت وتجرع مرارة ذكره. فهل قد رأيت من يلاقي حتفه أمامك؟ وكم قد شيعت من إخوانك وأنزلت جسدهم في القبر؟ ويا ترى لماذا كل هذا التأكيد على ذكر الموت في رواياتنا؟ وكم له من تأثير إيجابي على النفوس؟ ولماذا جاء هذا التأثير؟ استمعوا هذه الرواية الرائعة المروية عن الإمام الصادق(ع) وتأملوا فيها. قال(ع): «ذِکْرُ الْمَوْتِ یُمِیتُ الشَّهَوَاتِ فِی النَّفْسِ وَ یَقْطَعُ مَنَابِتَ الْغَفْلَةِ وَ یُقَوِّی الْقَلْبَ بِمَوَاعِدِ اللَّهِ تَعَالَى وَ یُرِقُّ الطَّبْعَ وَ یَکْسِرُ أَعْلَامَ الْهَوَى وَ یُطْفِئُ نَارَ الْحِرْصِ وَ یُحَقِّرُ الدُّنْیَا وَ هُوَ مَعْنَى مَا قَالَ النَّبِیُّ ص فِکْرُ سَاعَةٍ خَیْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَ ذَلِكَ عِنْدَ مَا تَحُلُّ أَطْنَابَ خِیَامِ الدُّنْیَا وَ تَشُدُّهَا بِالْآخِرَةِ وَ لَا یَسْکُنُ نُزُولُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ ذِکْرِ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَ مَنْ لَا یَعْتَبِرُ بِالْمَوْتِ وَ قِلَّةِ حِیلَتِهِ وَ کَثْرَةِ عَجْزِهِ وَ طُولِ مُقَامِهِ فِی الْقَبْرِ وَ تَحَیُّرِهِ فِی الْقِیَامَةِ فَلَا خَیْرَ فِیهِ»[مصباح الشريعة/171]. إن الفنانين معروفين برقّة الطبع، وقد أعطت هذه الرواية وصفة لرقة الطبع وهي ذكر الموت. فإذا أراد فنان أن يزداد طبعه رقّة عليه أن يكثر من ذكر الموت ويقضي بعض وقته في المقابر! هذه نصيحة صادقة وصريحة جدّا للفنانين. كان المجاهدون في الجبهة يذكرون الموت كثيرا، حتى كانوا يحفرون قبرا لهم في الصحراء ويتعبدون فيه في جوف الليل، كانوا يسجدون فيه وينامون فيه ويبكون فيه. ثم كانوا يرجعون من قبرهم وكأنهم وردة من شدة لطافتهم ورقّتهم. فإذا سالتني: من أين حصل على هذه الرقة واللطافة، أقول: قد أخذها من ذلك القبر الذي بات فيه يبكي إلى الصباح. إن كنت ترى أحدهم لرأيته رؤوفا بالجميع ومتفائل بالخير وله جميع الصفات والحسنات التي تبحث عنها أنت. لقد حظى بجميع تلك الخصال الرائعة حتى بلغ درجة تصدير الصفات والتأثير على غيره. وقد نال كل ذلك بذكر الموت وتجسيم الموت. فانظر إلى أثر ذكر الموت التربوي على النفوس وهو أحد مصاديق الألم والعناء في هذه الدنيا. فإن أردت أن تطوّر نفسك بمعزل عن هذا المنهج تضيع في متاهات. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |
|
|
|
#4 |
|
موالي فعال
|
إليك ملخص الجلسة الحادية عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران. إن طريق حركتنا الرئيس على أساس خصائص الإنسان والحياة، هو جهاد النفس. فإنّكم عندما تسيرون في درب الدين والكمال والأعمال الصالحة، طريقكم الرئيس هو مخالفة الأهواء بطبيعة حال الحياة وبمقتضى خصائص الإنسان. إن مخالفة الأهواء والرغبات سواء أكانت عبر الأوامر والتكليف أم كانت عبر الفرض والتقدير فهي ما نسميه بالعناء. وهو ما لا تخلو حياتنا منه وإن لم تخل من النّعم واليسر أيضا. إن طريقنا هو طريق جهاد النفس ولا أصالة للعناء، ولكنّه أمر لابدّ منه في عمليّة جهاد النفس. لا يخفى أن العناء الذي يحصل عبر جهاد النفس من خلال البرنامج الإلهي يختلف عن كثير من المعاناة الأخرى، وبودّي أن أسلّط الضوء في هذه الجلسة على هذا الموضوع. لا أصالة للعناء، ولكنّنا قد خلقنا من أجل إنتاج القيمة المضافة وهذا ما يحتاج إلى جهاد النفس، وجهاد النفس لا ينفك عن العناء. عادة ما يصطدم الإنسان بمشاكله دون نعمه، فلابد أن يحدّد موقفه تجاه العناء من بين التكاليف الإلهية قد ينسجم هوانا مع بعض الأوامر والنواهي ولكن الأساس في الأوامر والأعمال الصالحة التي لها دور رئيس في رشدنا هي تلك الأعمال التي لا تنسجم مع هوانا. كما أن العامل الحاسم في تعيين مقامنا من الله سبحانه وتعالى هو الصبر والرضا في المعاناة التي نعيشها في حياتنا، وليس ساعات الراحة واللذة في حياتنا. طبعا لا شك في أن المسرات واللذات طبيعية ولا تخلو منها الحياة ويجب أداء شكرها في المقابل، ولكن أساس العمل الصالح هو المعاناة في سبيل الله. لماذا؟ من جانب يقول الإمام الصادق(ع): «جُبِلَتِ الْقُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ یَنْفَعُهَا وَ بُغْضِ مَنْ أَضَرَّ بِهَا»[الكافي/ج8/ص152]. ومن جانب آخر، من طبائع الإنسان هي أنه ينسى مئات النعم، ولكنه يجعل الألم الصغير وقصير الأمد نصب عينيه. وعليه فإذا منّ الله على الإنسان بمئات النعم ووسائل اليسر، ويبتلى معها بعلّة واحدة، يلتفت عن كل نعمه ومسراته إلى تلك العلّة الواحدة. ولهذا فإن خلي الإنسان مع ربّه ليصارحه عن ما في قلبه، قد يضع كل نعمه ودواعي يسره إلى جانب ويعاتب الله لعلة واحدة أو مصيبة واحدة أصابه بها في حياته! بعبارة أخرى، عادة ما يصطدم الإنسان بمصائبه ويلتفت إليها دون النّعم، ولهذا ومن أجل أن يقدر على السير في هذا الدرب بنجاح، لابدّ في بداية الأمر أن يحدّد موقفه تجاه العناء. فإن كانت نفسك تبحث عن مفرّ من العناء في هذه الدنيا، فهذا وهم باطل وإنك مخطئ في حساباتك. فلابدّ أن نخاطب نفسنا الفارة من العناء ونقول لها بصراحة: إن الحياة غير منفكة عن المعاناة، وإن السّلوك نحو الله سبحانه وتعالى هو صعود وتسلّق عبر طريق مرتفع صعب، وليس بطريق معبد منحدر. لا نفرّ من الدين بغية الفرار من معاناة التكليف والتقدير فلا فائدة منه إن طريقنا الرئيس هو جهاد النفس، وأهم قضية تواجهنا في مسار هذا الجهاد هو العناء. فلابدّ أن نحدد موقفنا تجاه العناء ونقبل بوجود أصل العناء ونوطن أنفسنا على مواجهة مختلف المعاناة ولا نفرّ من الدين بغية الفرار من المعاناة إذ لا فائدة منه. ولابد أن نعلم أن جميع الناس يعانون من مشاكل. فإن وجدنا أحدا يبتسم ولم تبد على ملامحه غبار المصائب فليس ذلك لقلّة معاناته، بل بسبب أنه أكثر صبرا ولعله يسعى لحفظ الظاهر أو أنه إنسان عاقل وفاهم. على أي حال لابدّ لنا أن نحدّد موقفنا تجاه العناء. لا ينبغي أن ننسى الآلام والمعاناة بل يجب أن نشاهدها بعين مفتوحة، وإلا تخرب عمليّة جهاد النفس ونتهرّب عن المعاناة التكليفية والتقديرية. ثم إن هذا التهرّب لا يرتبط في أكثر الأحيان بقلّة الإيمان. فعندما يواجه الإنسان بعض الناس ممن لم يلتزم بالدين جيدا، قد يقول له: «كن مؤمنا» في حين أنه مؤمن بالفعل ولكنه ليس من أهل تحمّل العناء. إنه مؤمن ولكن قد أخبروه بخبر كاذب فتوّهم أن يوجد مجال في هذه الدنيا لا عناء فيه وهناك طريق مفرّ منه. إن لم نتعامل مع العناء بالشكل الصحيح، تزدد معاناتنا في الحياة إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، تزدد معاناتنا في الحياة. وقد أشارت روايات كثيرة إلى هذه الحقيقة. روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: الجَزَعُ أتْعَبُ مِن الصَّبرِ[غرر الحکم/5620] وقال(ع): «الجَزَعُ عندَ المُصیبَةِ یَزیدُها، و الصّبرُ علَیها یُبیدُها»[غررالحکم/2043] وقال(ع) في رواية أخرى: «لا تَجْزَعوا مِن قلیلِ ما أکْرَهَکُم، فیُوقِعَکُم ذلکَ فی کثیرٍ مِمّا تَکْرَهونَ»[غررالحکم/5638] وكذلك روي عن الإمام الكاظم(ع) أنه قال: «المُصیبَةُ للصّابرِ واحدَةٌ ، و للجازعِ اثْنَتانِ»[تحف العقول/414]. يتبع إن شاء الله... |
|
![]() |
|
|
![]() |
![]() |
![]() |