هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل في :: منتديات ثار الله الإسلامي :: . للتسجيل الرجاء اضغط هنـا

facebook

.::||[ آخر المشاركات ]||::.
متجر Trendol وجهتك المميزة للت... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 51 ]       »     الاجراء الأمثل في حال تعاطي أح... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 258 ]       »     فاتورة منصة عربية عندها أدوات ... [ الكاتب : الياسمينا - آخر الردود : الياسمينا - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 390 ]       »     دورة : تأثيرات السياحة على وقع... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 398 ]       »     دورة : التقنيات الجديدة لشحذ و... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 475 ]       »     دورة : إدارة الموارد البشرية ل... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 417 ]       »     دورة : إدارة الموارد البشرية ل... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 407 ]       »     دورة : نظام إدارة سلامة الغذاء... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 410 ]       »     دورة : إدارة أنظمة الأمن الحدي... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 405 ]       »     دورة : التحليل المالي والفني ا... [ الكاتب : فاطمة كريم - آخر الردود : فاطمة كريم - عدد الردود : 0 - عدد المشاهدات : 409 ]       »    



 
 عدد الضغطات  : 7851  
 عدد الضغطات  : 2944  
 عدد الضغطات  : 4873


الإهداءات



يتم تحميل بيانات الشريط . . . . اذا لم تظهر البيانات رجاء قم بتحديث الصفحة مرة اخرى
 
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
قديم 12-24-2010, 09:54 PM   #7
الشيخ حسن العبد الله
مشرف


الصورة الرمزية الشيخ حسن العبد الله
الشيخ حسن العبد الله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 232
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 03-18-2014 (09:42 PM)
 المشاركات : 352 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



ثانيا : في مجال الفكر والعقيدة جاء الإسلام ليرسخ الحق بين الناس ، ومن أهم ما هدف إلى تثبيت قواعده وتشييد أركانه هو ( التوحيد الإلهي ) فإلى جانب الاستدلال على ذلك بما يوافق الفطرة والعقل السليمين ، سعى لمحو آثار الوثنية ، وكسر أصنام الجاهلية , لما استتبعت من تحميق الناس ، وتعميق الجهل والذل في نفوسهم على حساب تضخم الثروة عند الطغاة ، وتوغل الفساد في المجتمع الإنساني . ولما كانت الوثنية والصنمية فكرة ناشئة من عقيدة تجسيم الإله وتشبيهه بالخلق ، سعى الإسلام لنفي التجسيم والتشبيه ، ودعا إلى التوحيد في الذات والصفات ، والتنزيه عن كل ما يمت إلى المخلوقات ، كل ذلك بالدلائل والبراهين والآيات البينات . لكن الاتجاه الرجعي تسلط على المسلمين في فترة مظلمة من تاريخ الإسلام ، بدأت بتسنم الحزب الأموي أريكة الخلافة ، وسيطرته من خلالها على ربوع البلاد ورقاب العباد ، أولئك الذين كانوا آخر الناس إسلاما ، وهم مسلمة الفتح ، ولم تنمح من أذهانهم صور الأصنام ، ولم يزل من قلوبهم حب الجاهلية وعباداتها ، فكما كانوا في الجاهلية من أشد الناس تمسكا بالصنمية ورسوم الجاهلية الجهلاء ودعاة الشرك والفجور ، ورعاة الدعارة والعهارة والخمور ، فكذلك وبتلك الشدة أمسوا في الإسلام أعداء التوحيد والتنزيه ومحاربي العفاف والإنصاف . وعندما بلي المسلمون بولاة من هؤلاء ، بدأوا تشويه الصبغة الإسلامية بانتهاك الأعراض والحرمات ، وامتهان الشخصيات والكرامات ، وتشويش الأفكار والمعتقدات ، وتزييف الوجدان وإثارة الأضغان ، وتعميق العداء والبغضاء ، وتعميم الجور والعدوان . عقيدة الجبر : وكان من أخطر ما روجوه بين الأمة وأكدوا على إشاعته هو فكرة ( الجبر الإلهي ) بهدف التمكن من السلطة التامة على مصير الناس ، والهيمنة على الأفكار بعد الأجسام . ‹ صفحة 89 › فإن الأمة إذا اعتقدت بالجبر ، فذلك يعني : أن كل ما يجري عليها فهو من الله وبإذنه ، فما يقوم به الخليفة من فساد وظلم وجور وقتل ونهب وغصب ، فهو من الله - تعالى عن ذلك - استكانت الأمة للظالم ولتعدياته ، ولم تحاول أن تتخلص من سيطرته ، ولا دفع عدوانه ، بل لم تفكر في الخلاص منه ، لأن ذلك يكون مخالفة لإرادة الله ومشيئته ، فالخليفة والأمير والحاكم والوالي إنما ينفذون إرادة الله ، وهم يد الله على عباده ! فكيف يرجى من أمة كهذه أن تقوم بوجه سلطة الظالم واعتداءاته وتجاوزاته ( 1 ) . لقد أظهر الأمويون عنادهم للإسلام حتى في مسائل الدين ، ومن عندهم ظهرت الفتاوي في الشام بخلاف ما في العراق ، كما ظهر القول بالجبر في أصول الدين . وأول ما انتحله معاوية من التفرقة - بين المسلمين - هو القول بالجبر ، فقد كان هو أول من أظهره . قال القاضي عبد الجبار في ( المغني في أبواب العدل والتوحيد ) : أظهر معاوية أن ما يأتيه بقضاء الله ومن خلقه ، ليجعله عذرا في ما يأتيه ويوهم أنه مصيب فيه ، وأن الله جعله إماما وولاه الأمر ، وفشا ذلك في ملوك بني أمية ( 2 ) . وكان الأمويون يقولون بالجبر ( 3 ) . ولقد قاوم أئمة أهل البيت عليهم السلام فكرة الجبر بكل قوة ووضوح منذ زمان أمير المؤمنين عليه السلام ( 4 ) . ولكن لما استفحل أمر بني أمية ، وملكوا أنفاس الناس ، وتمكنوا من عقولهم وأفكارهم ، انفرد معاوية في الساحة ، وغسل الأدمغة بفعل علماء الزور ووعاظ السلاطين . فكان معاوية يقول في خطبه : ( لو لم يرني الله أهلا لهذا الأمر ما تركني وإياه ولو ‹ صفحة 90 › كره الله تعالى ما نحن فيه لغيره ) . وقال معاوية في بعض خطبه : ( أنا عامل من عمال الله أعطي من أعطاه الله وأمنع من منعه الله ولو كره الله أمرا لغيره ) . فأنكر عليه عبادة بن الصامت وغيره من الصحابة . نقله ابن المرتضى وقال : هذا صريح الجبر ( 1 ) . وهذا هو الذي شدد قبضة الأمويين على البلاد والعباد ، ومكنهم من قتل أبي عبد الله الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكل جرأة ، ومن دون نكير ! وقد أظهر يزيد ، أن الحسين عليه السلام إنما قتله الله ! فأعلن ذلك في مجلسه وأمام الناس . لكن الإمام السجاد عليه السلام لم يترك ذلك يمر بلا رد ، فانبرى له وقال ليزيد : قتل أبي الناس ( 2 ) . وقبل ذلك في الكوفة قال عبيد الله : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟ فقال الإمام عليه السلام * ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) * [ سورة الزمر ( 39 ) الآية ( 42 ) ] . فغضب عبيد الله وقال : وبك جرأة لجوابي ، وفيك بقية للرد علي ، اذهبوا به فاضربوا عنقه . ثم صعد المنبر ، وقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وحزبه ( 3 ) . إن الموقف كان خطرا جدا ، فالطاغية في عتوه ، ونشوة الانتصار تغمره ، فالرد عليه في مثل هذه الحالة يعني منازعته سلطانه . ولكن الإمام السجاد عليه السلام وهو أسير ، يعاني آلام الجرح والمرض ، لم يتركه يلحد في دين الله ، ويمرر فكرة الجبر أمامه ، على الناس البسطاء ، الفارغين من المعارف ، التي نص عليها القرآن بوضوح . وليس غرضنا من سرد هذه الأخبار إلا نقل رد الإمام عليه السلام على مزاعم الحكام ‹ صفحة 91 › بنسبة القتل إلى الله ، بينما هو من فعل الناس ، والتذكير بالفرق بين الوفاة للأنفس واسترجاعها الذي نسب في القرآن إلى الله حين حلول الأجل والموت حتف الأنف ، وبين القتل الذي هو إزهاق الروح من قبل القاتل قبل حلول الموت المذكور . إن تحدي الحكام وفي مجالسهم ، وبهذه الصراحة ينبئ عن شجاعة وبطولة ، وهو تحد للسلطة أكثر من أن يكون ردا على انحراف في العقيدة فقط . وفي حديث رواه الزهري - من كبار علماء البلاط الأموي - أجاب الإمام زين العابدين عليه السلام عن هذا السؤال : أبقدر يصيب الناس ما أصابهم ، أم بعمل ؟ أجاب عليه السلام بقوله : إن القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد . . . ولله فيه العون لعباده الصالحين . ثم قال عليه السلام : ألا ، من أجور الناس من رأى جوره عدلا ، وعدل المهتدي جورا ( 1 ) . وعقيدة التشبيه والتجسيم : وقد تجرأ أعداء الإسلام - بعد سيطرتهم على الحكم - على المساس بأساس العقيدة الإسلامية ، وهو التوحيد الإلهي ، وذلك بإدخال شبه التجسيم والتشبيه في أذهان العامة ، لإبعادهم عن الحق ، وجرهم إلى صنمية الجاهلية . ولقد استغل الأعداء جهل الناس ، وبعدهم عن المعارف ، حتى اللغة العربية ! فموهوا عليهم النصوص المحتوية على ألفاظ الأعضاء ، كاليد والعين ، مضافة في ظاهرها إلى الله تعالى ، وتفسيرها بمعانيها المعروفة عند البشر ، بينما هي مجازات مألوفة عند فصحاء العرب في شعرهم ونثرهم ، يعبرون باليد عن القوة والقدرة ، وبالعين عن البصيرة والتدبير ، وهكذا . . . وقد قاوم الإسلام منذ البداية هذه الأفكار المنافية للتوحيد والتنزيه ، وقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار بمقاومتها وإبطال شبهها ، وفضح أغراض ناشريها ودعاتها . وفي عهد الإمام السجاد عليه السلام ، وبعد أن استشرى الوباء الأموي بالسيطرة التامة ، ‹ صفحة 92 › كان أمر هؤلاء الملحدين قد استفحل ، وتجاسروا على الإعلان عن هذه الأفكار بكل وقاحة ، في المجالس العامة ، حتى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانت مهمة الإمام السجاد عليه السلام حساسة جدا ، لكونه ممثلا لأهل البيت عليهم السلام ، بل الرجل الوحيد ذا الارتباط الوثيق بمصادر المعرفة الإسلامية بأقرب الطرق وأوثقها ، وبأصح الأسانيد ، مصحوبا بالإخلاص لهذا الدين وأهله ، وعمق التفكير وقوته ، وبالشكل الذي ليس لأحد إنكار ذلك أو معارضته . ومع ما كان عليه الإمام السجاد عليه السلام من قلة الناصر ، فقد وقف أمام هذا التيار الإلحادي الهدام ، وأقام بأدلته وبياناته سدا منيعا في وجه إحياء الوثنية من جديد ! فقام الإمام بعرض النصوص الواضحة التعبير عن الحق ، والناصعة الدلالة على التوحيد والتنزيه ، مدعومة بقوة الاستدلال العقلي ، وكشف عن التصور الإسلامي الصحيح ، وشهر سيف الحق والعلم والعقل على تلك الشبه الباطلة : ولنقرأ أمثلة من تلك النصوص : جاء في الحديث أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ، إذ سمع قوما يشبهون الله بخلقه ، ففزع لذلك ، وارتاع له ، ونهض حتى أتى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فوقف عنده ، ورفع صوته يدعو ربه ، فقال في دعائه : ( إلهي بدت قدرتك ، ولم تبد هيبة جلالك ، فجهلوك ، وقدروك بالتقدير على غير ما أنت به مشبهوك . وأنا برئ - يا إلهي - من الذين بالتشبيه طلبوك ، ليس كمثلك شي - يا إلهي - ولن يدركوك . فظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك ، لو عرفوك . وفي خلقك - يا إلهي - مندوحة عن أن يتأولوك . بل ساووك بخلقك ، فمن ثم لم يعرفوك . واتخذوا بعض آياتك ربا ، فبذلك وصفوك . فتعاليت - يا إلهي - عما به المشبهون نعتوك ) ( 1 ) . ‹ صفحة 93 › فوجود الإمام عليه السلام في المسجد النبوي ، وإظهاره الفزع من ذلك التشبيه ، وارتياعه لذلك الكفر المعلن ، ونهوضه ، والتجاؤه إلى القبر الشريف ، ورفعه صوته بالدعاء . . . كل ذلك ، الذي جلب انتباه الراوي ، ولا بد أنه كان واضحا للجميع ، إعلان منه عليه السلام للاستنكار على ذلك القول ، وأولئك القوم الذين تعمدوا الحضور في المسجد والتجرؤ على إعلان ذلك الإلحاد والكفر . وهو تحد صارخ من الإمام عليه السلام للسياسة التي انتهجتها الدولة وكانت وراءها بلا ريب ، وإلا ، فمن يجرؤ على إعلان هذه الفكرة المنافية للتوحيد لولا دعم الحكومة ، ولو بالسكوت ! إن قيام الإمام السجاد عليه السلام بهذه المعارضة الصريحة وبهذا الوضوح يعطي للمواجهة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 87 › ( 1 ) الاحتجاج ( ص 319 ) . ( 2 ) الاحتجاج ( ص 312 ) . ( 3 ) دائرة المعارف الشيعية ( ج 2 ص 66 ) . ‹ هامش ص 89 › ( 1 ) لاحظ رسائل العدل والتوحيد ( ص 85 - 86 ) . ( 2 ) لاحظ رسائل العدل والتوحيد ( 2 : 46 ) . ( 3 ) تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام ، لأبي ريان ( ص 148 - 150 ) . ( 4 ) لاحظ الاحتجاج ( ص 208 ) في احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام . ‹ هامش ص 90 › ( 1 ) المنية والأمل ( ص 86 ) . ( 2 ) الاحتجاج ( 311 ) . ( 3 ) الإرشاد للمفيد ( ص 244 ) ولاحظ صدره في تاريخ دمشق ( الحديث 25 ) . ‹ هامش ص 91 › ( 1 ) التوحيد للصدوق ( ص 366 ) . ‹ هامش ص 92 › ( 1 ) كشف الغمة ( 2 : 89 ) وانظر بلاغة الإمام علي بن الحسين عليه السلام ( ص 17 ) وقد رواه الصدوق في أماليه ( ص 487 ) المجلس ( 89 ) موقوفا على الرضا عليه السلام ، فلاحظ . ‹ هامش ص 93 › ( 1 ) لاحظ الفصل لابن حزم ( 4 : 204 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 93 - 99
بعدا آخر ، أكثر من مجرد البحث العلمي ، والنقاش العقيدي والفكري . إنه بعد التحدي للدولة التي كانت تروج لفكرة التجسيم والتشبيه ، وتفسح المجال للإعلان بها في مكان مقدس مثل الحرم النبوي الشريف ، في قاعدة الإسلام ، وعاصمته العلمية ، المدينة المنورة ! ! ومهزلة الإرجاء : الإرجاء ، بمعنى عدم الحكم باسم ( الكفر ) على من آمن بالله ، في ما لو أذنب ما يوجب ذلك ، وأن حكما مثل هذا موكول إلى الله تعالى ، ومرجأ إلى يوم القيامة ، وأن الذنوب - مهما كانت - والمبادئ السياسية مهما كانت ، لا تخرج المسلم عن اسم الإيمان ، ولا تمنع من دخوله الجنة . وكان الملتزمون بالإرجاء ، يتغاضون عما يقوم به الحكام والسلاطين مهما كانت أفعالهم مخالفة لأحكام الإسلام في آيات قرآنه ونصوص كتابه وسنة رسوله . بل كان منهم من يقول : إن الإيمان هو مجرد القول باللسان ، وإن علم من القائل الاعتقاد بقلبه بالكفر ، فلا يسمى كافرا . ومنهم من يقول : إن الإيمان هو عقد القلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه فلا يسمى كافرا ( 1 ) . ‹ صفحة 94 › وهذه المبادئ - مهما كان منشؤها - كانت ولا زالت تخدم الحكام الجائرين المبتعدين عن الإسلام في كل أعمالهم وتصرفاتهم ، لأن أصحاب هذه المبادئ كانوا - ولا يزالون - يرون أن مهادنة هؤلاء الحكام صحيحة وغير منافية للشرع وللتدين بالإسلام . فكانت - كما يقول أحمد أمين - : هذه المبادئ تخدم بني أمية - ولو بطريق غير مباشر - وأصحابها كانوا يرون أن مهادنة بني أمية صحيحة ، وأن خلفاءهم مؤمنون ، لا يصح الخروج عليهم . فكان أن الأمويين لم يتعرضوا لهم بسوء ، كما تعرضوا للمعتزلة والخوارج والشيعة ( 1 ) . بل أصبح الإرجاء - كما نقل الجاحظ عن المأمون : - دين الملوك ( 2 ) . وهذه المزعومة - الإرجاء - باطلة أساسا ، لدلالة النصوص الواضحة على أن العمل - فعلا وتركا - له أثر مباشر في صدق أسماء ( الإيمان والكفر ) . ولذلك أعلن أئمة المسلمين بصراحة : أن الإيمان قول باللسان ، واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان . فمن خالف ما ثبت أنه من الدين ضرورة فهو محكوم باسم الكفر ، وتجري عليه أحكام هذا الاسم ، سواء أنكره بلسانه ، أو بقلبه ، أو بعمله ، كقاتل النفس المحترمة وتارك الصلاة ، مثلا . وفي قبال مخالفات الحكام الظالمين ، المعلنة والمخفية ، قاوم المسلمون بكل شدة ، وحاسبوهم بكل صرامة ، حتى قتل عثمان - وهو خليفة - من أجل بعض مخالفاته الواضحة . لكن ، لما تربع بنو أمية على الحكم ، بدأوا يحرفون عقيدة الناس بترويج كفرهم ، وقتل المؤمنين العارفين بالحقائق ، وإجراء سياسة التطميع والتجويع ، وغسل الأدمغة والتحميق ، مستمدين بوعاظ السلاطين من أمثال الزهري : فقد ورد في الأثر أن هشام بن عبد الملك سأل الزهري قال : حدثنا بحديث ‹ صفحة 95 › النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، وإن زنا وإن سرق ( 1 ) . فهشام حافظ للحديث ، لكنه يريد من الزهري تقريرا عليه وتصديقا به ، وكأنه يقول له : إن مثل هذا الحديث يعجبنا ويفيدنا فاروه لنا . ولم يكذب الزهري هذا الحديث المجعول من قبل المرجئة ، وإنما قال لهشام : أين يذهب بك ، يا أمير المؤمنين ! كان هذا قبل الأمر والنهي . لكن إذا كان قبل الأمر والنهي فلماذا يذكر الزنا والسرقة ، أو هما كانتا محرمتين ! ؟ فعاد أمر الأمة إلى أن لم ير المضحون والمخلصون ، وفي طليعتهم أهل البيت عليهم السلام إلا أن ينهضوا في طلب الإصلاح . وقام الإمام الحسين عليه السلام بالتضحية الكبرى في كربلاء ، لإنقاذ الإسلام مما ابتلي به من تدابير خطرة ، ومؤامرات لئيمة دبرها بنو أمية . وقد أدت تلك التضحية العظيمة ، إلى فضح حكام بني أمية ، حيث إن عملهم الظالم ذلك ، الذي لم يجدوا في الأمة منكرا له ولا نكيرا عليه ، هون عليهم الإقدام على أعمال فظيعة أخرى بعلانية ووقاحة ، بشكل لم يبق مبرر لإطلاق اسم الإسلام والإيمان عليهم ، ولذلك نجد أن الذين أعلنوا عن ثورة المدينة قبيل وقعة الحرة ، كانت دعواهم : ( أن يزيد لرجل ليس له دين ) ( 2 ) والأمويون تأكيدا على كفرهم وخروجهم على كل المقدسات ، استباحوا مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحرمه ، وقتلوا آلاف الناس ، وفيهم جمع من أبناء صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهتكوا الأعراض وانتهبوا الأموال ( 3 ) . وعقبوا ذلك بالهجوم على الكعبة والمسجد الحرام وحرم الله الآمن ، فأحرقوها وهتكوا حرمتها ، وسفكوا الدماء فيها ، ولم يرقبوا في شي عملوه أيام حكمهم الدموي كرامة لأحد ، ولا حرمة لشئ مقدس . ‹ صفحة 96 › والمرجئة - مع ذلك - يقولون في الأمويين إنهم الحكام الذين تجب طاعتهم ، وإنهم مؤمنون لا يجوز الحكم عليهم بالكفر ، ولا لعنهم ، ولا التعرض لهم ولا الخروج عليهم ! إن هذا الانحراف الذي عرض لأمة الإسلام ، كان ردة خفية تمرر باسم الإسلام وعلى يد الخليفة والمجرمين الممالئين له . فكانت جهود الإمام السجاد عليه السلام هي التي أعقبت إحياء الروح الإسلامية واستتبعت الصحوة للمسلمين ، فرص الصفوف ، فتمكن ابنه المجاهد العظيم زيد بن علي عليه السلام من إطلاق الثورة ضدهم . وتلك التعاليم السجادية هي التي جعلت أمر كفر الأمويين وبطلان حكمهم ، أوضح من الشمس ، وألجأت أبا حنيفة المتهم بالإرجاء ( 1 ) أن يرى ولاة بني أمية مخالفين لتعاليم الدين وأعلن وأظهر البغض والكراهية لدولتهم ، وساهم في حركة زيد الشهيد ، وناصر أهل البيت بالمال والعدة ، وكان يفتي - سرا - بوجوب نصرة زيد وحمل المال إليه والخروج معه على اللص المتغلب المتسمي ب‍ ( الإمام والخليفة ) ( 2 ) . وفي الإمامة والولاية : . كانت الإمامة في نظام الدولة الإسلامية ، أعلى المناصب الحكومية ، ولذا كان الحكام يسمون أنفسهم أئمة للناس ، وأمراء للمؤمنين ، بلا منازع . ولا يدعي أحد غير الحاكم ، لنفسه منصب الإمامة إلا إذا لم يعترف بالحاكم ولا حكومته : ومعنى هذا الادعاء معارضته للنظام ولمقام الخليفة نفسه . والإمام السجاد عليه السلام قد أعلن عن إمامة نفسه بكل وضوح وصراحة ومن دون أية تقية وخفاء . ولعل لجوءه عليه السلام إلى هذا الأسلوب المكشوف كان من أجل أن بني أمية بلغ أمر فسادهم وخروجهم عن الإسلام ، وعدم صلاحيتهم للحكم على المسلمين وإدارة ‹ صفحة 97 › البلاد ، فضلا عن الإمامة ، حدا من الوضوح لم يمكن ستره على أحد . فكان من اللازم الإعلان عن إمامة السجاد عليه السلام كي لا يبقى هذا المنصب شاغرا ، وإن لم تكن الإمامة الحقة حاكمة ظاهرا . ومهما يكن ، فإن خطورة إعلان الإمام السجاد عليه السلام عن إمامة نفسه وأهل بيته ، لا تخفى على أحد ممن عرف جور بني أمية وطغيانهم وقسوتهم في مواجهة المعارضين . وقد تعددت الأحاديث الناقلة لهذا الإعلان ، حسب تعدد المناسبات ، والظروف : 1 - ففي الحديث الذي أورده ابن عساكر : قال أبو المنهال نصر بن أوس الطائي : رأيت علي بن الحسين ، وله شعر طويل ، فقال : إلى من يذهب الناس ؟ قال : قلت : يذهبون هاهنا وهاهنا ! قال : قل لهم : يجيئون إلي ( 1 ) . 2 - قال له أبو خالد الكابلي : يا مولاي ! أخبرني كم يكون الأئمة بعدك ؟ فقال : ثمانية ، لأن الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر إماما ، عدد الأسباط ، ثلاثة من الماضين ، وأنا الرابع ، وثمانية من ولدي ، أئمة أبرار ، من أحبنا وعمل بأمرنا كان في السنام الأعلى ، ومن أبغضنا أو رد واحدا منا فهو كافر بالله وبآياته ( 2 ) . 3 - وقال عليه السلام : نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغر المحجلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمان أهل الأرض ، كما أن النجوم أمان لأهل السماء . . . ولو ما في الأرض منا لساخت بأهلها ، ولم تخل الأرض - منذ خلق الله آدم - من حجة لله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو ، إلى أن تقوم الساعة ، من حجة لله فيها ، ولولا ذلك لم يعبد الله ( 3 ) . 4 - وقال عليه السلام : نحن أفراط الأنبياء ، وأبناء الأوصياء ، ونحن خلفاء ‹ صفحة 98 › الأرض ، ونحن أولى الناس بالله ، ونحن أولى الناس بدين الله ( 1 ) . 5 - وكان يقول في دعائه يوم عرفة : اللهم ! إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علما لعبادك ومنارا في بلادك بعد أن وصلت حبله بحبلك ، وجعلته الذريعة إلى رضوانك ، وافترضت طاعته ، وحذرت معصيته ، وأمرت بامتثال أوامره ، والانتهاء عند نهيه ، وألا يتقدمه متقدم ، ولا يتأخر عنه متأخر ، فهو عصمة اللائذين ، وكهف المؤمنين ، وعروة المتمسكين ، وبهاء العالمين . اللهم فأوزع لوليك شكر ما أنعمت به عليه ، وأوزعنا مثله فيه ، وآته من لدنك سلطانا نصيرا ، وافتح له فتحا يسيرا ، وأعنه بركنك الأعز . . . وأقم به كتابك وحدودك وشرائعك وسنن رسولك صلواتك - اللهم - عليه وآله . وأحي به ما أماته الظالمون من معالم دينك ، وأجل به صدأ الجور عن طريقتك ، وابن به الضراء من سبيلك ، وأزل به الناكبين عن صراطك ، وامحق به بغاة قصدك عوجا ، وألن جانبه لأوليائك ، وابسط يده على أعدائك ( 2 ) . ففي يوم عرفة ، وفي موقف عرفات ، حيث تتجه القلوب إلى الله بلهفة ، وحيث الأنظار شاخصة إلى ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والآذان صاغية إلى بقية العترة ، لتسمع دعاءه في ذلك اليوم الشريف ، وذلك الموقف المنيف ، يدعو بهذه الكلمات ليعرف المسلمين بما يجب أن يكون عليه الإمام الحق من صفات ، وما عليه وله من حقوق وواجبات . ولا يرتاب المتأمل : أن في عرض مثل هذه الأوصاف والواجبات - التي يبتعد عنها الحكام المدعون للإمامة أشواطا ومسافات طويلة - يعد تعريضا بهم ، وتحديا لوجودهم . وأن الإمام السجاد عليه السلام لما كان يعرف الإمامة بهذا الشكل ، فهو - بلا ريب ‹ صفحة 99 › يستبعد عنها كل أدعياء الإمامة من غير ما لياقة ، فضلا عن الاستحقاق . فأين أولئك المغمورون في الرذيلة والظلم والجهل بالدين ، بل المعارضون له عقائ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 93 › ( 1 ) لاحظ الفصل لابن حزم ( 4 : 204 ) . ‹ هامش ص 94 › ( 1 ) ضحى الإسلام ( 3 : 324 ) . ( 2 ) الاعتبار وسلوة العارفين ( ص 141 ) . ‹ هامش ص 95 › ( 1 ) الاعتبار وسلوة العارفين ( ص 141 ) . ( 2 ) أيام العرب في الإسلام ( ص 420 ) . ( 3 ) انظر كتب التاريخ في حوادث سنة ( 63 ه‍ ) وتاريخ المدينة المنورة وترجمة مسلم بن عقبة ، وعبد الله بن الغسيل . ‹ هامش ص 96 › ( 1 ) لاحظ تاريخ بغداد ( ج 13 ) وانظر الكنى والألقاب ( 1 / 52 ) . ( 2 ) لاحظ ضحى الإسلام ، لأحمد أمين ( 3 : 274 ) . ‹ هامش ص 97 › ( 1 ) تاريخ دمشق ( الحديث 21 ) ومختصره لابن منظور ( 17 / 531 ) . ( 2 ) كفاية الأثر للخزاز ( ص 236 - 237 ) . ( 3 ) أمالي الصدوق ( ص 112 ) الاحتجاج ( ص 317 ) . ‹ هامش ص 98 › ( 1 ) بلاغة علي بن الحسين ( ص 60 ) . ( 2 ) الصحيفة السجادية ، الدعاء رقم ( 47 ) . ‹ هامش ص 99 › ( 1 ) الصحيفة السجادية الدعاء رقم ( 48 ) . ( 2 ) كفاية الأثر للخزاز ( ص 240 - 241 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 99 - 104
ئديا وعمليا ، أين هم من هذه الإمامة المقدسة ! ؟ 6 - وكان يقول في دعائه ليوم الجمعة ، والأضحى : اللهم : إن هذا المقام لخلفائك ، وأصفيائك ، ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها ، قد ابتزوها ، وأنت المقدر لذلك لا يغالب أمرك . حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين ، مقهورين ، مبتزين ، يرون حكمك مبدلا ، وكتابك منبوذا ، وفرائضك محرفة عن جهة إشراعك ، وسنن نبيك متروكة . اللهم : العن أعداءهم من الأولين والآخرين ، ومن رضي بفعالهم وأشياعهم ، وأتباعهم ( 1 ) . ويوصي الإمام إلى ولده محمد الباقر فيقول : بني : إني جعلتك خليفتي من بعدي ، لا يدعيها في ما بيني وبينك أحد إلا قلده الله يوم القيامة طوقا من النار ( 2 ) . بل ، أعلن خلافة ولده الباقر وإمامته ، للزهري ، وهو من علماء البلاط الأموي ، في ما روي عنه ، قال : دخلت على علي بن الحسين عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه : فقلت : يا بن رسول الله ، إن كان أمر الله ، ما لا بد لنا منه ، فإلى من نختلف بعدك ؟ فقال عليه السلام : يا أبا عبد الله ، إلى ابني هذا - وأشار إلى محمد الباقر عليه السلام - فإنه وصيي ، ووارثي ، وعيبة علمي وهو معدن العلم وباقره . قال الزهري : قلت : هلا أوصيت إلى أكبر ولدك ؟ قال عليه السلام : يا أبا عبد الله ، ليست الإمامة بالكبر والصغر ، هكذا عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا وجدناه مكتوبا في اللوح والصحيفة . ‹ صفحة 100 › قال الزهري : قلت : يا بن رسول الله ، كم عهد إليكم نبيكم أن يكون الأوصياء بعده ؟ قال عليه السلام : وجدناه في الصحيفة واللوح ( اثنا عشر اسما ) مكتوبة إمامتهم . ثم قال عليه السلام : يخرج من صلب محمد ابني سبعة من الأوصياء فيهم ( المهدي ) ( 1 ) . إلى غير ذلك من الآثار الواردة في هذا الباب . والمهم في الأمر أن الإمام السجاد عليه السلام بصراحته هذه ، وإعلانه عن أهم ما يرتبط باستمرار العقيدة ودوامها ، تمكن من تثبيت الإمامة بعد أن تعرض التشيع لأوحش الحملات في ذلك التأريخ ، فأدت بالعقيدة إلى تضعضع لم يسبق له مثيل ! كما أدت إلى يأس في النفوس ، وتمزق بين صفوف الشيعة بما لا يتصور ! فكانت مواقف الإمام السجاد عليه السلام هذه ، الواضحة ، والجريئة ، والمكررة ، سببا للملمة الكوادر من جديد ، ورص الصفوف ثانية ، وتكريس الجهود المكثفة ، واستعادة القوى المهدورة ، والتركيز على ترسيخ القواعد الأصلية من أن تحرف أو يشوبها التشويه لتكوين الأرضية الصالحة لبذر علوم آل محمد على أيدي الأئمة لا سيما الباقر والصادق عليهما السلام . إثارة خلافة الشيخين : إن بني أمية ، الذين أحدثوا مذبحة كربلاء ، ومجزرة الحرة ، ومأساة عين الوردة ، لم يقنعوا بتصفية التشيع جسديا ، بقتل الأعداد الكبيرة من أنصار أهل البيت عليهم السلام ، ومعهم الأعيان والرؤساء ، بمن فيهم الإمام الحسين عليه السلام ، وإنما حاولوا - أيضا - القضاء على التشيع فكريا وحضاريا ، واتبعوا سبل الدعاية المغرضة ، وإثارة الناس الغوغاء على كل ما يمت إلى أهل البيت عليهم السلام من فكر وتراث وشعار ، حتى حاربوا أسماءهم ، فكان من يتسمى بها مهددا . ومن أخبث أساليبهم بث بذور الفرقة والشقاق بين المسلمين ، ليتمكنوا من القضاء على الإسلام كله ، ومن خلال ضرب المذاهب بعضها ببعض ، ومما ركزوا عليه في هذه ‹ صفحة 101 › السبيل هو إثارة موضوع ( خلافة الشيخين : أبي بكر وعمر ) اللذين حكما الأمة باسم الخلافة فترة غير قصيرة ، وأصبحت خلافتهما مثارا للبحث بين كل من الشيعة وأهل السنة . فالخلافة والإمامة ، يراها الشيعة حقا لأئمة أهل البيت عليهم السلام بالنص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق إلا عن الوحي الإلهي ، وقد التزموا بهذا على أنه واحد من أصول مذهبهم ومعتقدهم ، وهو المميز لهم عن أهل السنة ، الملتزمين بخلافة من استولى على أريكة الحكم ، كما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ حكم أبو بكر ، ثم عمر بدعوى وأن ذلك تم برضا من الناس الحاضرين ، وأن ذلك كاف في تحقق الحق لهما في الخلافة ، وهو الدليل على فضلهما ومنزلتهما عند المسلمين الذين سكتوا على ذلك . ومن الواضح - تاريخيا - أن الجميع لم يحضروا مجلس البيعة للشيخين في سقيفة بني ساعدة . ومجرد السكوت في مثل هذا الموقف لا يدل على الرضا ، لاحتمال الخوف ، والمداراة ، والغفلة ، أو الطمع في الحكم والمنصب . مع حصول الاعتراض العلني قولا وفعلا من بعض كبار الصحابة . وتعيين بعض الناس ورضاهم وسكوتهم ، أمور إن دلت على الفضل والمنزلة عندهم ، فهي لا تدل على الرضا عند الله ورسوله وجميع المؤمنين ! ومع وجود هذه المفارقات ، فإن في المسلمين من لم تثبت عندهم خلافة الشيخين بطريق من الشرع الكريم ، فلذا رفضوا هذا الموقف ، وإن وقع ، والتزموا بما هو الحق ، وإن لم يقع ! ولقد جوبه هذا الالتزام بالاستنكار العنيف من قبل أهل السنة فاعتبروه ( كفرا ) وأحلوا دماء ( الرافضة ) بزعمهم مع اعترافهم بأن التأويل يمنع من التكفير ، وأن الحدود تدرء بالشبهات ! ! وكان الأمويون يثيرون هذا الخلاف لاصطياد أغراضهم من تعكير الماء ، بين فئات المسلمين . ‹ صفحة 102 › فكان موقف الإمام السجاد عليه السلام مقاومة ذلك بحكمة وحنكة ، حتى صير أمره إلى الإحباط . فلا بد أن يعرف : أن قضية الإمامة وثبوتها لأئمة أهل البيت عليهم السلام ، وخلافة الخلفاء وحقهم في الحكم ، قضية أدق من أن يبت فيها بمجرد الرفض واللعن والتكفير والطرد ، والقذف والسب ، أو إثارة الضجيج والعجيج ، وكيل التهم والتقبيح ، والتنفير والتهجير ، والاستهزاء والتهجين . بل هي عند العقلاء قضية قناعة واعتقاد وأرقام ونصوص وحقوق وصفات وفضائل . وهي عند أهل البيت عليهم السلام قضية هداية وإيمان ، محورها ( الحق ) الذي أمرنا الله بالتواصي به ، والصبر عليه . وإذا تصدى لها أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وتعرضوا لها ، وطالبوا بها فليس لحاجة في أنفسهم إليها أو إلى مآربها ، بل إنما من أجل أولئك الناس أنفسهم ، وهدايتهم إلى ( الحق ) المنشود من كل الرسالات الإلهية . فقد كان الإمام السجاد عليه السلام يقول : ما ندري ، كيف نصنع بالناس ؟ ! إن حدثناهم بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحكوا ، وإن سكتنا ، لم يسعنا . . . ( 1 ) . وكان الإمام الباقر عليه السلام يقول : بلية الناس - علينا - عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا ( 2 ) . وبهذا المنطق ، الواقعي ، المتين ، الحنون ، الواضح ، دخل أهل البيت عليهم السلام في موضوع الخلافة والإمامة ، وحكموا عليها ولها . وإذا كان هذا هو المنطلق ، فلا بد أن يكون المسير على طريق مصلحة الناس ، وهم المسلمون في كل عصر ومصر ، ومن أجل الحفاظ على دينهم الحق وهو الإسلام المحمدي الخالص . وعلى هذا الأساس ، لم يسمح الأئمة عليهم السلام للغوغاء ، أن يتدخلوا في هذه القضية - الخلافة - كي لا يغرقوا في غمارها ، ولا يصبحوا ألعوبة في أيدي الدهاة ‹ صفحة 103 › الماكرين من حكام الجور والضلالة ، بإثارة الشغب والفتنة بين طوائف الشعب ، على حساب قضية ( الخلافة ) . فإن الغوغاء لا يدخلون في أية قضية على أساس المنطق السليم ، ولا من منطلق قويم ، ولا يمشون على الصراط المستقيم ، بل على طبيعتهم في الجدل العقيم ، وعلى طريقتهم في القذف واللعن والطرد ، وهي بالنسبة إليهم البداية المحسوبة ، والنهاية المطلوبة . وليس الهدف عند الأئمة من أهل البيت عليهم السلام إلا ( الحق ) وأن يتبين الرشد من الغي . وقد كان الأمويون يثيرون القضية على مستوى العوام الطغام ، والغوغاء الهوجاء ، ويهدفون من ذلك القضاء على وحدة المسلمين ، باتهام أهل البيت وأتباعهم ، وهم يمثلون أقوى الخطوط المعارضة لحكمهم . ولقد كان موقف الإمام السجاد عليه السلام في إحباط هذه الخطط الأموية الجهنمية ، شجاعا ، وصريحا ، ومدروسا : فهو عليه السلام لما سئل عن منزلة الشيخين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أشار - بيده - إلى القبر - قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال : بمنزلتهما منه الساعة ( 1 ) وفي نص آخر : كمنزلتهما منه اليوم ، وهما ضجيعاه ( 2 ) . فمثير السؤال ، إنما أراد أن يعلن الإمام عن رأيه في الشيخين من حيث الفضل والمقام والرتبة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ولكن الإمام السجاد عليه السلام لم يفسح له المجال في إثارته المريبة ، فأجابه عن موضعهما من حيث المكان والمنزل والمدفن ، من دون أن يتعدى في الإجابة الحقيقية الظاهرة ، أو يتجاوز الحق المفروض ، فهما - الشيخان - كانا قريبين - جسديا - كما هما في قبريهما - الآن - بالنسبة إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لكن هل هذا كرامة لهما ، وقد دفنا في ما لم يملكا حق الدفن فيه ؟ ! ‹ صفحة 104 › ويقول لمثير آخر : إذهب ، فأحب أبا بكر وعمر ، وتولهما ، فما كان من إثم ففي عنقي ( 1 ) . وبمثل هذه القوة ، يبعد الإمام عوام الناس عن التوجه إلى هذه القضية الحساسة ، في ميدان الصراع ذلك اليوم ، فقد كانت أصول الدين ، وقواعده ، وفروعه ، وأحكامه الأساسية ، مهددة ، يتهددها الطغيان الأموي ، وكبار الصحابة ، وعلماء الأمة ، يذبحون كل صباح ومساء ، فكان الإعراض عن القضايا الأساسية العاجلة ، والبحث عن قضية الشيخين البائدة ، تحريفا لمسير النضال ، وتشتيتا لقوى المناضلين ، مع أنه خداع ومكر يطرحه الحكام الظالمون للتفريق بين الأمة ، لصرفها عن القضايا المصيرية ، المعاصرة ، التي هي محل ابتلاء المسلمين فعلا إلى قضايا تاريخية غير حيوية ! فإثارة مشكلة الخلافة - آنذاك - لم يزد أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم إلا انزواءا وانعزالا عن المجتمع العام ، وذلك هو المطلوب لرجال الدولة ، لأنه ييسر لهم اجتثات أصول المعارضة ، والقضاء على جذورها . بينما التع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 99 › ( 1 ) الصحيفة السجادية الدعاء رقم ( 48 ) . ( 2 ) كفاية الأثر للخزاز ( ص 240 - 241 ) . ‹ هامش ص 100 › ( 1 ) كفاية الأثر للخزاز ( ص 243 ) . ‹ هامش ص 102 › ( 1 ) الكافي ( 3 / 234 ) وقد مر تخريجه . ( 2 ) الإرشاد للمفيد ( ص 266 ) . ‹ هامش ص 103 › ( 1 ) سير أعلام النبلاء ( 4 : 4 - 395 ) . ( 2 ) تاريخ دمشق ( حديث 92 ) ومختصر ابن منظور له ( 147 : 240 ) . ‹ هامش ص 104 › ( 1 ) تاريخ دمشق ( الحديث 97 ) ومختصر تاريخ دمشق ( 17 : 241 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 104 - 110
ير عن تولي الشيخين ، وعامة الناس هم على ذلك بمن فيهم المثيرون ، لا يغير الآن شيئا ، وليس له مفعول مثل ما لتولي بني أمية اليوم ، وهم حكام مستحوذون مستخلفون كما استخلف أبو بكر وعمر ، لكن هؤلاء مالكو الساحة اليوم ، مع مالهم من مخالفات حتى لسنة الشيخين ، تلك السنة التي التزموا بها ودعوا إليها ، وباسمها استولوا على الأمور . وليست ولاية الشيخين بمجردها هي المشكلة الفعلية العائقة ، بل المشكلة - الآن - هي ولاية بني أمية ! الذين يستخدمون فكرة ولاية الشيخين ، ويريدون بذلك فقط أن يستمروا على الحكم والخلافة ، ويضربوا من لا يوافقهم على ولايتهم التي هي استمرار لولاية الشيخين . والمفروض أن ولاية الشيخين ، أصبحت وسيلة بأيدي الأمويين ليثبتوا عرشهم من جهة ، ويضربوا أهل البيت عليهم السلام من جهة أخرى . فلذا أعلن الإمام زين العابدين عليه السلام للسائل ، بأن ولاية الشيخين ليست موضعا ‹ صفحة 105 › للنقاش ، في هذا الوقت ، إذ لا يترتب عليها نفع للإسلام والمسلمين ، لمضي زمانها ، وإنما المضر - الآن - هو ولاية بني أمية ، التي لا بد أن تميز عن ولاية الشيخين ! مهما كانت استمرارا لها ولقد كشف الإمام السجاد عليه السلام عن أقنعة مثيري هذه الفتنة ، وفضحهم ، حيث قال لهم : قوموا عني ، لا قرب الله دوركم ، فإنكم متسترون بالإسلام ، ولستم من أهله ( 1 ) . فقد أعلن أن مثيري القضية بشكلها الغوغائي ليسوا إلا من المبعوثين من قبل بني أمية وعيونهم ، ممن لا ينتمون إلى الإسلام إلا ظاهريا ، وبالاسم فقط ، وإنما يريدون بإثارة هذه القضية ، وحملها على أهل البيت ، هدم الإسلام ، المتمثل - يومذاك - بشخص الإمام السجاد عليه السلام وشيعته . والإمام السجاد عليه السلام إنما يهدف إلى تجديد بناء الإسلام الذي هزهز بنو أمية قواعده وأركانه . وتربية الكوادر الذين أشرفوا على الانقراض على يد جلاوزة بني أمية حكام الشام . وإرساء قواعد التشيع التي أشرفت على الانهيار ، بعد فجيعة كربلاء . وإحياء الأمل في النفوس التي صدمتها الحوادث المتعاقبة وزرعت فيها اليأس والخوف . فما كان من المصلحة - أصلا - الإجابة على مثل تلك الأسئلة المثارة وقد كان مثيروها لا يمتون إلى الإسلام بصلة ، وإنما هم متقنعون باسمه - لتمرير أهدافهم - بتقديم هذه الأسئلة ، وإثارة قضايا الخلاف في الخلافة ، التي يريد العدو أن يستغلها بأية صورة . فالإجابة الصحيحة ، إذا كانت مخالفة لرأي العامة الغوغاء ، فإنها تثيرهم ، فينثالون على البقية الباقية من المؤمنين بخط أهل البيت عليهم السلام فيبيدونهم عن بكرة أبيهم ، فلا يبقى منهم نافخ نار ، ولا طالب ثار . وكل ذلك من أجل قضية لا أثر لإثارتها هذا اليوم ، ولا دخل لها في القضايا ‹ صفحة 106 › المصيرية الراهنة ، في عهد الإمام عليه السلام ، فلا تسمن ، ولا تغني الأمة من جوع ، ولا تكسوهم من عري ، أو تنجدهم من ظلم أو جور . والمستفيد من تلك الإثارة ، هم الحكام المسيطرون ، وهم ذلك اليوم بنو أمية ، الذين يحاولون وبشتى الأساليب إبادة الحضارة الإسلامية ، في فكرها ، وتراثها ، ورجالها ، ومقدساتها . وهم الذين يسعون في إحياء الجاهلية ، في وثنيتها وصنميتها ، وعنصريتها ، وعصبيتها ، وجهلها ، وفسقها ، وفجورها ، وظلمها ، وبذخها ، وكفرها ، وعتوها . فأية القضيتين أولى بالبحث عنها عند الإمام السجاد عليه السلام ، وأحق أن يركز عليها ويعارضها ؟ هل هي ولاية بني أمية ؟ أو ولاية الشيخين ؟ لقد كان - حقا - موقف الإمام السجاد عليه السلام : شجاعا ، وصريحا ، ومدروسا : كان عليه السلام شجاعا : أن يواجه ، ويجابه الذين كان يعلم نياتهم الخبيثة ، وأهدافهم الدنيئة ، من جواسيس بني أمية ، وعيونهم ، البرءآء من الإسلام ، وكذلك في الإعلان عن خططهم وتدابيرهم الإجرامية . فالذين لم يؤمنوا بأصل الإسلام ، كيف يهتمون بقضية الخلافة والخلفاء السابقين ؟ وما هو هدفهم من هذه الإثارة ؟ ولو صدقوا في أسئلتهم : فلماذا لا يهتمون بما يجري على المسلمين في ولاية بني أمية ؟ وما لهم لا يتساءلون عن حق بني أمية في الحكم الظالم ؟ وهذا مثل ما تثيره الأجهزة الاستعمارية ، وأذنابهم النهضويون والرجعيون - في عصرنا الحاضر - من النزاعات المذهبية بين الطوائف الإسلامية الواعية ، فإن كل مسلم عاقل يفطن إلى أن إثارتهم هذه ليست لمصلحة الأمة الإسلامية وإنما هم يهدفون من وراءها إلى ضرب القدرة الإسلامية العظيمة والصحوة الإسلامية ‹ صفحة 107 › المتنامية ، وتحطيم كيان الدين الإسلامي ، المركز في قلوب الأمة . وكان الإمام السجاد عليه السلام صريحا : في إعراضه عن تفصيل القضية ، حيث يجر إلى ما يريده الأعداء ، بل صرف الأنظار إلى ما هم مبتلون به من مشاكل ومآس ، بالولاية الباطلة التي تخيم عليهم بظلمها وجرائمها وحكامها الجائرين ! وكان موقفه مدروسا : إذ لم يدل بتصريح يخالف الحق أو ينافي الحقيقة ، بل حافظ عليهما بقدر ما يخلص الموقف من الحرج ، ويخرج الإنسان المسؤول من المأزق


 

رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 12:07 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010
منتديات دعوة الاسلامية