عرض مشاركة واحدة
قديم 12-24-2010, 10:07 PM   #12
الشيخ حسن العبد الله
مشرف


الصورة الرمزية الشيخ حسن العبد الله
الشيخ حسن العبد الله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 232
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 03-18-2014 (09:42 PM)
 المشاركات : 352 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



عليه السلام على قدسية بكائه لما سئل عن سببه ؟ فقال : لا تلوموني . فإن يعقوب عليه السلام فقد سبطا من ولده ، فبكى ، حتى ابيضت عيناه من الحزن ، ولم يعلم أنه مات . . وقد نظرت إلى أربعة عشر ( 2 ) رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة ! فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا ؟ ! ( 3 ) . إنه عليه السلام في الحين الذي يربط عمله بما في القرآن من قصة يعقوب وبكائه ، وهو نبي متصل بالوحي والغيب ، إذ لا ينبع فعله عن العواطف الخالية من أهداف الرسالات الإلهية . وفي الحين الذي يمثل لفاجعة الطف في أشجى مناظرها الدامية ، وبأقصر عبارة وافية . فهو يؤكد على تبرير بكائه ، بحيث يعذره كل سامع . وفي حديث آخر : جعل الإمام عليه السلام من قضية كربلاء مدعاة لكل الناس إلى إحيائها ، وتزويدها بوقود الدموع ، وإروائها بمياه العيون ، ولا يعتبرونها قضية خاصة بعائلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحسب ، بل هي مصاب كل الناس ، وكل الرجالات الذين لهم ‹ صفحة 184 › كرامة في الحياة ، أو يحسون بشئ اسمه الكرامة ، أو شخص يحس بالعاطفة ، فهو يقول : وهذه الرزية التي لا مثلها رزية . أيها الناس ، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله ؟ أم أي فؤاد لا يحزن من أجله ؟ أم أي عين منكم تحبس دمعها ؟ ( 1 ) . وكان عليه السلام يحث المؤمنين على البكاء ويقول : أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتى تسيل على خده ، بوأه الله تعالى بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا . وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خديه مما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا ، بوأه الله منزل صدق ( 2 ) . وكان البكاء واحدا من الأساليب التي جعلها وسيلة لإحياء ذكرى كربلاء ، وقد استعمل أساليب أخرى . منها : زيارة الحسين عليه السلام : قال أبو حمزة الثمالي : سألت علي بن الحسين ، عن زيارة الحسين عليه السلام ؟ فقال : زره كل يوم ، فإن لم تقدر فكل جمعة ، فإن لم تقدر فكل شهر ، فمن لم يزره فقد استخف بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( 3 ) . ومنها : الاحتفاظ بتراب قبر الحسين عليه السلام : فكانت له خريطة ديباج صفراء ، فيها تربة قبر أبي عبد الله عليه السلام ، فإذا حضرت الصلاة سجد عليها ( 4 ) . ‹ صفحة 185 › ومنها : خاتم الحسين عليه السلام : فقد كان الإمام زين العابدين عليه السلام يتختم بخاتم أبيه الحسين عليه السلام ( 1 ) . كما كان ينقش على خاتمه : ( خزي وشقي قاتل الحسين بن علي عليه السلام ) ( 2 ) . ومن المؤكد أن الإمام عليه السلام لم يتبع هذه الأساليب لمجرد الانعطاف مع العواطف والسير وراءها ، ولا لضعف في نفسه ، أو لاستيلاء هول الفجيعة على روحه ، ولم يتخذ مواقفه من بني أمية نتيجة للحقد أو الانتقام الشخصي ، ممن له يد في مذبحة كربلاء . وإنما كان عليه السلام يلتزم بتلك الخطط ويتبع تلك الأساليب لإحياء الفكرة التي من أجلها قتل الحسين عليه السلام واستشهد هو وأصحابه على أرض كربلاء فضرجوا تربتها بدمائهم الزكية . ولقد أثبت ذلك بصراحة في حياته العملية : فقد كانت له علاقات طبيعية مع عوائل بعض الأمويين مثل مروان بن الحكم ، الذي التجأ بأهله وزوجته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان إلى بيت الإمام زين العابدين عليه السلام ، فأصبحوا تحت حمايته ، مع أربعمائة عائلة من بني عبد مناف ، مدة وجود الجيش الأموي في المدينة ، فأمنوا من استباحتهم لها وهتكهم الأعراض فيها ، في واقعة الحرة الرهيبة ( 3 ) . وبالإضافة إلى أن الأئمة عليهم السلام بعيدون عن روح الانتقام الشخصي وإنما يغضبون لله لا لأنفسهم ، فإنهم يشملون باللطف والرحمة النساء والأطفال في مثل تلك الظروف ، وبذلك يكسبون ود الجميع حتى الأعداء ، ويثبتون جدارتهم ، ولياقتهم ‹ صفحة 186 › لمنصب الإمامة والزعامة . فكسب الإمام زين العابدين عليه السلام بمواقفه اعتقاد الجهاز الحاكم فيه أنه ( خير لا شر فيه ) ( 1 ) وأنه ( مشغول بنفسه ) ( 2 ) . ذلك الاعتقاد الذي أفاد الإمام عليه السلام نوعا من الحرية في العمل في مستقبل تخطيطه ضد الحكم الأموي الغاشم ، وعزز موقعه الاجتماعي حتى تمكن من اتخاذ المواقف الحاسمة من الظالمين وأعوانهم . كما رسمت في سيرته الشريفة صور من صبره على المصائب والبلايا ، مما يدل على صلابته تجاه حوادث الدنيا ومكارهها ، وهي أمثلة رائعة للمقاومة والجلد . فعن إبراهيم بن سعد ، قال : سمع علي بن الحسين واعية في بيته ، وعنده جماعة ، فنهض إلى منزله ، ثم رجع إلى مجلسه ، فقيل له : أمن حدث كانت الواعية ؟ قال : نعم . فعزوه ، وتعجبوا من صبره . فقال : إنا أهل بيت نطيع الله في ما نحب ، ونحمده في ما نكره ( 3 ) . ونتمكن من استخلاص الهدف الأساسي من كل هذه الإثارات لقضية كربلاء وشهدائها خصوصا ذكر أبيه الإمام الشهيد عليه السلام من خلال الحديث التالي : قال عليه السلام لشيعته : عليكم بأداء الأمانة ، فوالذي بعث محمدا بالحق نبيا ، لو أن قاتل أبي الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ائتمنني على السيف الذي قتله به ، لأديته إليه ( 4 ) . ففي الوقت الذي يشير فيه إلى مأساة قتل الحسين عليه السلام ، ويذكر بقتله ، ليحيي معالمها في الأذهان ، فهو يؤكد بأغلظ الأيمان على أن أمرا ( مثل أداء الأمانة ) يوجبه الإسلام ، هو فوق العواطف والأحاسيس الشخصية . وهو يوحي بأن الإمام الحسين عليه السلام إنما قتل من أجل تطبيق كل المبادئ التي ‹ صفحة 187 › جاء بها الإسلام ، والتي بعث بها جده النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن الإمام زين العابدين يريد الاستمرار على تلك المبادئ والخطط التي أنار الحسين الشهيد عليه السلام معالمها بوقود من دمه الطاهر . وهو في الوقت ذاته ، يرفع من قيمة البكاء أن يكون من أجل أمور مادية ولو كانت الدنيا كلها : ففي الخبر أنه عليه السلام نظر إلى سائل يبكي ! فقال عليه السلام : لو أن الدنيا كانت في كف هذا ثم سقطت منه ما كان ينبغي له أن يبكي ( 1 ) . ‹ صفحة 188 › ثالثا : التزام الدعاء ومن أبرز المظاهر الفذة في سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام الأدعية المأثورة عنه ، فقد تميز ما نقل عنه بالكثرة ، والنفس الطويل ، والشهرة التداول ، لما تحتويه من أساليب جذابة ومستهوية للقلوب ، تتجاوب معها الأرواح والنفوس ، وما تضمنته من معان راقية تتفاعل مع العقول والأفكار . وقد كان للأدعية التي أصدرها أبعاد فكرية واسعة المدى ، بالنصوص الحاسمة لقضايا عقائدية إسلامية ، كانت بحاجة إلى البت فيها بنص قاطع ، بعد أن عصفت بالعقيدة ، تيارات الإلحاد ، كالتشبيه والجبر والإرجاء ، وغيرها مما كان الأمويون وراء بعثها وإثارتها وترويجها ، بهدف تحريف مسيرة التوحيد والعدل ، تمهيدا للردة عن الإسلام ، والرجوع إلى الجاهلية الأولى . وفي حالة القمع والإبادة ، ومطاردة كل المناضلين الأحرار ، وتتبع آثارهم وخنق أصواتهم ، كان قرار الإمام زين العابدين عليه السلام باتباع سياسة الدعاء ، أنجح وسيلة لبث الحقائق وتخليدها ، وأءمن طريقة ، وأبعدها من إثارة السلطة الغاشمة ، وأقوى أداة اتصال سرية مكتومة ، هادئة ، موثوقة . كما كانت لنصوص الأدعية أصداء قوية في ميادين الأدب ، الذي له وقع كبير في نفوس الشعوب ، وخاصة الشعب العربي ، وله تركيز كثير في قرارات أذهان الناس وذاكرتهم . ولقد استخ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 181 › ( 1 ) إقرأ عن المجالس التي أقامها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كتاب : سيرتنا وسنتنا للأميني ، ولاحظ تاريخ دمشق لابن عساكر ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ( ص 165 - 185 ) . ( 2 ) دلائل النبوة للبيهقي ( 6 : 468 ) ومسند أحمد ( 3 : 242 و 265 ) وانظر أمالي الصدوق ( ص 126 ) ودلائل النبوة ، لأبي نعيم ( ص 709 ) رقم ( 492 ) . ( 3 ) وقعة صفين ( ص 141 ) والمصنف لابن أبي شيبة ( 15 : 98 ) رقم ( 191214 ) وكنز العمال ( 7 : 105 و 110 ) وأمالي الصدوق المجلس ( 78 ) ( ص 478 و 479 ) . ( 4 ) تاريخ دمشق لابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ) ( ص 235 ) رقم 280 وانظر الأرقام ( 236 - 239 ) . ( 5 ) أمالي الصدوق ( المجلس ( 24 ) ص 101 ) . ( 6 ) فضل زيارة الحسين للعلوي ( ص 41 ) الحديث ( 13 ) . ‹ هامش ص 183 › ( 1 ) أمالي الصدوق ( ص 121 ) ولاحظ بحار الأنوار ( 46 : 108 ) الباب ( 6 ) الحديث ( 1 ) . ( 2 ) يلاحظ أن المعروف في عدد المقتولين من أولاد علي وفاطمة عليهما السلام في كربلاء هم ( ستة عشر ) رجلا ، - الوسائل - المزار - الباب ( 65 ) تسلسل ( 19694 ) عن عيون أخبار الرضا عليه السلام ( 1 : 299 ) ولاحظ نزهة الناظر ( ص 45 ) . ( 3 ) كامل الزيارات ( ص 107 ) أمالي الصدوق ( المجلس 9 و 91 ) تيسير المطالب لأبي طالب ( ص 118 ) وتاريخ دمشق الحديث ( 78 ) ومختصره لابن منظور ( 17 : 239 ) وحلية الأولياء ( 3 : 138 ) . ‹ هامش ص 184 › ( 1 ) كامل الزيارات ( ص 100 ) مقتل الحسين عليه السلام للأمين ( ص 213 ) ولاحظ كتابنا هذا ( ص 66 ) . ( 2 ) ثواب الأعمال ( ص 83 ) . ( 3 ) فضل زيارة الحسين عليه السلام للعلوي ( ص 43 ) ح 17 . ( 4 ) بحار الأنوار ( 46 : 79 ) باب 5 ، الحديث 75 وعوالم العلوم ( ص 129 ) وباختصار في مناقب ابن شهرآشوب ( 4 / 162 ) عن مصباح المتهجد للشيخ الطوسي . ‹ هامش ص 185 › ( 1 ) نقش الخواتيم ، للسيد جعفر مرتضى ( ص 11 ) . ( 2 ) نقش الخواتيم ، للسيد جعفر مرتضى ( ص 25 ) الكافي ( 6 : 473 ) ومسند الرضا عليه السلام ( 2 : 365 ) وبحار الأنوار ( 46 : 5 ) . ( 3 ) أنساب الأشراف ( 4 : 323 ) تاريخ الطبري ( 5 : 493 ) ومروج الذهب ( 2 : 14 ) وكشف الغمة ( 2 : 107 : ) . ‹ هامش ص 186 › ( 1 ) قاله مسرف بن عقبة لما استباح المدينة ، انظر في ما مضى من كتابنا هذا ( ص 71 ) . ( 2 ) قاله الزهري لعبد الملك ، انظر ( ص 212 ) في ما يأتي . ( 3 ) تاريخ دمشق ومختصره لابن منظور ( 1 : 240 ) . ( 4 ) أمالي الصدوق ( ص 128 ) المجلس ( 43 ) . ‹ هامش ص 187 › ( 1 ) كشف الغمة ( 2 : 106 ) عن كتاب نثر الدرر للآبي .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 188 - 194
خدم الأئمة عليهم السلام تأثير الأدب في الناس ، فكانوا يهتمون بذلك ، سواء في تطعيم ما يصدرونه ، بألوان زاهية من الأدب العربي الراقي ، نثرا وشعرا ، كما كانوا يبعثون الشعراء على نظم القضايا الفكرية ، والحقة ، في أشعارهم ، ويروجونها بين الناس . ولقد استثار الأئمة عليهم السلام - على طول خط الإمامة - شعراء فطاحل من المتشيعين ، للنظم في قضايا عقيدية تؤدي إلى تثبيت الحق والدعوة إلى الإسلام من خلال مذهب أهل البيت عليهم السلام ، حتى اشتهر عنهم الحديث ( من قال فينا بيتا من ‹ صفحة 189 › الشعر ، بنى الله له بيتا في الجنة ) . ولقد كان لهذا التوجيه أثر آخر ، وهو انتشال الأدب - وخاصة الشعر - من مهاوي الرذيلة والمجون والاستهتار الذي سقط فيه والأدباء وخاصة الشعراء في تلك العصور المظلمة ، التي كادت تؤدي إلى ضياع جهود جبارة من ذوق الشعراء وفنهم في متاهات الأغراض الفاسدة ، وكذلك جهود الأمة في سماع ذلك الأدب الماجن ، ونقله وضبطه وتداوله ! وقد أثرت جهود الأئمة عليهم السلام بتعديل ذلك المجرى ، للسير في السبل الآمنة ، والأغراض الشرعية ، والتزام الأدب الهادف المؤدي إلى رفع المستوى الخلقي والفكري والثقافي . ولقد أثرى الإمام زين العابدين عليه السلام الأدب العربي : بمادة غزيرة من النصوص الموثوقة ، بشكل الأدعية التي تعد من أروع أمثلة الأدب العربي في النثر ( 1 ) . وامتازت بين مجموع ما روي عن الإمام زين العابدين من الأدعية ، تلك التي ضمنها ( الصحيفة السجادية ) التي تتلألأ بين أدعيته ، لأنها من تأليف الإمام نفسه ، وإملائه ، فلذلك فتح العلماء لها مجالا خاصا في التراث الإسلامي ، وأغدق عليها المبدعون بأجمل ما عندهم من مهارات في الخط والزخرفة ، وأولاها الداعون عناية فائقة في الالتزام والأداء ، والعلماء في الشرح والرواية ، فلنتحدث عنها في الصفحات الأخيرة من هذا الفصل . ‹ صفحة 190 › وأخيرا : مع الصحيفة السجادية هدفا ومضمونا أولا : مع الصحيفة هدفا إن التشيع ، وفي عصر الإمام زين العابدين عليه السلام خاصة - كان يواجه صعوبات بالغة الشدة ، حيث كان الظلم مستوليا على كل المرافق والمقدرات ، ولم يكن بالإمكان القيام بأية مقاومة إيجابية ، أو محاولة . فآخر ثورة تلك التي أعلنها الإمام الحسين عليه السلام في صد التعدي الغاشم ، كان قد قضي عليها ، وعلى جميع عناصرها بشكل دموي ، وبقي منهم ( غلام ) فقط ، وهو ( الإمام زين العابدين عليه السلام ) . وكانت الأوضاع الاجتماعية تسير باتجاه خطر ، خطورة الإجهاز على أساس النهضة ، وإخماد روح الوثبة الإسلامية ، بل القضاء على كل تفكير من هذا القبيل ، وتناسيه إلى الأبد . وأبرز نموذج لهذه المشكلة ، أن الإمامة - وهي الجهاز الوحيد الباقي من كل مرافق الحكومة الإسلامية العادلة - أصبحت على شرف التناسي عن الأذهان ، لأن نظام الحكم الأموي استولى على كل أجهزة الإعلام من المنبر ، والمحراب ، والمسجد ، واشترى ذمم كل ذوي النفوذ في الرأي العام من قاض وحاكم ووال ، وأصبحت كل الإمكانات في قبضة ( الخلافة ! ) وفي خدمة ( الخليفة ) ! أما الإمام زين العابدين ، فقد بقي وحيدا في مواجهة المشكلات ، مع أن الإرهاب والذعر كان يتحكم في الرقاب ، ويستولي على النفوس . في مثل هذه الظروف أصبح ( الدعاء ) ملجأ للإمام وللإمامة ، لا ، بل موقعا اتخذه الإمام زين العابدين عليه السلام للصمود والهجوم : صمود ماذا ؟ - صمود ذلك الفكر ، وذلك الهتاف ، وذلك الإيمان ، الذي جندت الدولة الأموية كل الإمكانات في العالم الإسلامي ضده . والهجوم على من ؟ ‹ صفحة 191 › - للهجوم على سلطة تمكنت من كل قواعد القدرة ، وسلبت من الأمة كل إمكانات المقاومة ! فكان الدعاء هو سلاح النضال . ومعنى ذلك : أنه إذا طوقت مقاومة ، أو فكرة ، أو نضال ، وأدت بها الظروف إلى مثل ما حصل في ( كربلاء ) إذ تعرض كل رجالها للإبادة الدامية ، ولم يبق سوى رجل ( واحد ) ووقع كل النساء والصغار في الأسر ، وتحت القيود ، وإذا لم تبق أية إمكانية للعمل المسلح ، والدفاع عن الحق بالقوة ، فإن هذا الرجل الوحيد لا تسقط عنه المسؤولية . إنه مسؤول أن يدرب الأمة على القناعة بأن على عاتقه إحياء الفكرة ، وتحريك الأحاسيس ، والدفاع عن ذلك الحق ، ولو بلسان الدعاء ، وجعل الرسالة مستمرة ولو بالأمل والرجاء ، ونقلها كذلك إلى الأجيال . إن الإمام زين العابدين عليه السلام : وإن كان قد فقد إمكانات التضحية والنضال المستميت إلى حد الشهادة ، كما فعل أبوه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء . وفقد إمكانات العمل الاجتماعي الحر ، كما قام به ابنه الإمام الباقر وحفيده الإمام الصادق عليهما السلام . لكنه لم يفقد فرصة المقاومة من طريق هذه الحربة النافذة في أعماق أشلاء النظام الحاكم ، والقابلة للتغلغل في أوساط المجتمع الفاسد ، والسارية مع كل نسيم ، والممكنة في كل الظروف ، والتي اسمها ( الدعاء ) . وإن قيل : إن هذا هو من أضعف فروض النضال والجهاد ؟ قلنا : نعم ، لكن الدعاء أمر ضروري حتى لو كان الإنسان في غير هذه الحال ، فلو كان بإمكانه النضال والمقاومة ، بأشكال أخر ، أقوى وأقدر ، فإن من المستحيل استغناؤه عن الدعاء ، وليس بالإمكان أن يمنع من هذا النضال ، ولو كان أضعف ، فلا بد له أن يكون قادرا على عملية الدعاء ، وأن يضمر في نفسه الارتباط بربه ، وأن يعلن عن أفكاره وعقائده بأسلوب المناجاة والدعاء ، ويعبر عن آماله وآلامه ، ومكنون نفسه ، وأن يبرز هتافاته ، وأن يطالب برعباته المهضومة ، والمغصوبة ‹ صفحة 192 › على أن من الضروري لكل مناضل أن يركز معتقداته ، ويحدد مواقعه الفكرية ويحصن أصول دينه ، حتى يكون على بصيرة من أمره ، فيوحي إلى ذاته بالحق ، ويوصي نفسه بالصبر عليه ، بالدعاء . وليس في المقدور لأية سلطة حاكمة أن تسلبه هذه القدرة ، أو أن تحاسبه على هذه الإرادة . وفي مثل هذا التركيز والتحديد يكمن سر خلود الإنسان ، عندما يكون مهددا بالإبادة . والنطق بالدعاء . وسيلة للإعلان عن المعتقدات وتبليغ الرسالات وتنمية الشعور بالمسؤليات ، في أحلك الظروف وأحرجها ، وبث روح النضال والمقاومة ، وتوثيق الرابطة الفكرية ، وتأكيد التعهدات الاجتماعية ، وتثبيت العواطف الصالحة ، حبا بالتولي والإعلان عنه ، وبغضا بالتبري وإبدائه ، وتعميق الوعي العقائدي بين الأمة ، وتهيئة الأجواء - روحيا وفكريا وجسميا - للإعداد للمسؤوليات الكبرى ، كل ذلك في ظروف جندت فيه القوى المضادة ، للقضاء على الأهداف كلها . إن الإمام في مثل ذلك عليه أن يخطط للعمل ، عندما لا يستطيع المؤمن من القيام بأي عمل ، حتى الموت الشريف ، بعزة وكرامة ، حيث لا طريق إلى اختيار الشهادة كسلاح أخير ، لأن الشهادة - أيضا - تحتاج إلى أرضية وظروف مؤاتية ، ومعركة ، كي يتسنى للشهيد أن يفجر بدمه الوضع ، ويكسر الصمت ، وإلا فهو الموت الصامت غير المؤثر ، المهمل الذي لا يستفيد منه إلا العدو . والإمام زين العابدين عليه السلام أصبح قدوة للنضال في مثل هذه الظروف بكل سيرته ، ووجوده ، ومصيره ، وسكوته ، ونطقه ، وخلقه ، ورسم بذلك منهاجا للعمل في مثل هذه الأزمات . إنه رسم الإجابة عن كل الأسئلة التي تطرح : عن العمل ضد إمبراطورية ضارية ، مستحوذة على كل المرافق والقدرات ؟ ! وعن الصمت الثقيل القاتل ، المطبق ، الذي يستحيل فيه التفوه بكلمة الحق ، كيف يمكن أن يكسر ؟ وعن أسلوب شخصي لعرض جميع الطلبات والقيم والعواطف ؟ ‹ صفحة 193 › إن الصحيفة السجادية هي : كتاب الجهاد عند الوحدة ! وكتاب التعبير عند الصمت ! وكتاب التعبئة عند النكسة ! وكتاب الهتاف عند الوجوم ! وكتاب التعليم بالشفاه المختومة ! وكتاب التسلح عند نزع كل سلاح ! وهو قبل هذا وبعده ، كتاب ( الدعاء ) . إن الدعاء - كما يقول الدكتور الفرنسي الكسيس كارل - : ( تجل للعشق والفاقة ) وقد أضاف الإسلام إلى هذين : ( التوعية ) . وفي مدرسة الإمام زين العابدين عليه السلام يأخذ الدعاء بعدا رائعا هو تأثيره الاجتماعي الخاص . وبكلمة جامعة : إن الدعاء في مدرسة الإمام زين العابدين - في الوقت الذي يعد كنزا لأعمق التوجهات ، وأحر الأشواق ، وأرفع الطلبات - منهاج يتعلم فيه المؤمن تخطيطا متكاملا للوجود والتفكير والعمل ، على منهج الإمامة وبقيادة حكيمة تستلهم التعاليم من مصادر الوحي . ثانيا : مع الصحيفة السجادية مضمونا : إن الحديث عن هذا الكتاب العظيم وأثره العلمي والديني عقيديا وحضاريا وأثره الاجتماعي يحتاج إلى تفرغ وتخصص ، وإلى وقت ومجال أوسع من هذا الفصل ، ولا ريب أن النظر فيه سيوقف القارئ على مقاطع رائعة تدل على مفردات ما نقول بوضوح وصراحة . وإذا أخذ الإنسان بنظر الاعتبار ظروف الإمام زين العابدين عليه السلام وموقعه الاجتماعي وقرأ عن طغيان الحكام وعبثهم ، وقارن بين مدلول الصحيفة ومؤشرات التصرفات التي قام بها أولئك الحكام ، اتضح له أن الإمام قد قام من خلالها بتحد صارخ للدولة ومخططاتها التي استهدفت كيان المجتمع الإسلامي لتزعزعه . ‹ صفحة 194 › وإذ لا يسعنا الدخول في غمار هذا البحر الزخار لاقتناص درره فإنا نقتصر على إيراد مقطعين من أدعية الصحيفة ، يمثلان صورة عما جاء فيها ، مما تبرز فيه معالم التصدي السياسي الذي التزمه الإمام عليه السلام بمنطق الدعاء . المقطع الأول : دعاؤه لأهل الثغور : إن الإمام ، لكونه الراعي الإلهي ، المسؤول عن رعيته وهي الأمة ، يكون الحفاظ على وجود الإسلام ، من أهم واجباته التي يلتزمها ، فلا بد من رعاية شعائره ، واستمرار مظاهره ، ومتابعة مصالحه العامة ، وتقديمها على غيرها من المصالح الخاصة بالأفراد ، أو الأعمال الجزئية الفرعية ، فالحفاظ على سمعة الإسلام وحدوده ، أهم من الالتزام بفروع الدين وواجباته ومحرماته ، إذا دار الأمر بينه وبينها . ففي سبيل ذلك الهدف العام السامي ، لا بد من تجاوز الاهتمامات الصغيرة ، والمحدو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 189 › ( 1 ) لاحظ مقال : من أدب الدعاء في الإسلام ، مجلة تراثنا ، العدد ( 14 ) السنة الرابعة ( 1409 ) ( ص 30 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 194 - 199
ة ، بالرغم من كونها في أنفسها ضرورات ، لا بد من القيام بها في الظروف العادية ، لكنها لا تعرقل طريق الأهداف العامة الكبرى . فالاسلام : كدين ، ليس قائما بالأشخاص ، ولا يتأثر بتصرفاتهم الخاصة ، في مقابل ما يهدده من الأخطار الكبيرة ، فكرية أو اجتماعية أو عسكرية ، فإذا واجه الإسلام خطر يهدد التوحيد الممثل بكلمة ( لا إله إلا الله ) أو الرسالة المتجلية في ( محمد رسول الله ) فإن الإمام يتجاوز كل الاعتبارات ويهب للدفاع عن هذين الركنين الأهم ، وحتى لو كان على حساب وجود الإمام نفسه ، أو عنوان إمامته ، فضلا عن مصالحه الخاصة ، وشؤونه وصلاحياته . ومن هذا المنطلق ، يمكن تحديد المواقف الهامة للأئمة من أهل البيت عليهم السلام : فسكوت الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام عن مطالبته بحقه ، ولجوء الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إلى توقيع كتاب الصلح مع معاوية ، وتضحية الإمام الحسين الشهيد عليه السلام بنفسه في كربلاء . كل ذلك نحدده على أساس متحد ، وهو رعاية المصلحة الإسلامية العامة ، والحفاظ على كيان الإسلام لئلا يمسه سوء . وبهذا - أيضا - نميز وقوف الإمام زين العابدين عليه السلام للدعاء لأهل الثغور . ومن هم أهل الثغور في عصره ؟ ‹ صفحة 195 › ليس للدعاء تاريخ محدد ، حتى نعرف الفترة التي أنشئ فيها الدعاء بعينها ، إلا أنها لا تخرج من مجمل الفترة التي عايشها الإمام زين العابدين عليه السلام من سنة ( 61 ) إلى سنة ( 94 ) ولم تخرج عن حكم واحد من الخلفاء الأمويين . وحتى لو فرضنا إنشاءه في فترة حكم ( معاوية بن يزيد بن معاوية ) الذي عرف بولائه لأهل البيت عليهم السلام ، على قصرها ، فلا ريب أن نظام الحكم وأجهزة الدولة كافة ، وعناصر الإدارة ورموز السلطة لم تتغير ، وخاصة أهل الثغور الذين هم حرس الحدود ، لم يطرأ عليهم التغيير المبدئي ، في تلك الفترة القصيرة بتبدل الخليفة . ومن المعلوم : أن الذين يتجهون إلى حدود الدولة الإسلامية ، وهي أبعد النقاط عن أماكن الرفاه والراحة ، ليسوا إلا من سواد الناس ، ويمكن أن يكون اختيارهم لتلك الجهات البعيدة دليلا على ابتعادهم عن التورطات التي انغمس فيها أهل المدن في داخل البلاد . ومع ذلك ، يبقى التساؤل : عن دعاء الإمام عليه السلام بتلك القوة ، وذلك الشمول ، وبهذه اللهجة ، وهذا الحنان ، لحرس الحدود ، وهم جزء من جيش الحكومة الفاسدة ، ووحدة من وحدات كيان الدولة الظالمة ؟ إن الحقيقة التي عرضناها سابقا ، هي الجواب عن هذا التساؤل ، لأن مصلحة الإسلام ، ككل ، مقدمة على كل ما سواه من أمور الإسلام سواء فروع الدين ، أو عناوين الأشخاص ، أو مصالح الآخرين حتى الجماعات المعينة . ثم إن هذا الدعاء بنفسه دليل مقنع على أن الإمام زين العابدين عليه السلام لم يكن - كما شاء أن يصوره الكتاب الجدد - متخليا عن مركزه القيادي والسياسي ، كإمام يرعى مصلحة الإسلام ، والأمة الإسلامية . فمن خلال أوسع جبهاتها ، وهي الحدود الإسلامية ، المهددة دائما ، بلا شك ، من قبل الدول المجاورة الحاقدة على الإسلام الذي قهرها ، واستولى على مساحات من أراضيها ، فرض الإمام عليه السلام رعايته واهتمامه ، وبشكل الدعاء الذي لا يثير الحكام . وحرس الحدود أنفسهم ، مهما كانت هوياتهم ، لا يعدون أنصارا للحكومة ، بقدر ما هم محافظون على الأرض الإسلامية ، وكرامة الإسلام ، فإنهم مدافعون عن ثغوره ، ومراقبون لحماية خطوط المواجهة الإمامية : وهو أمر واجب على كل مسلم أن يبذل ‹ صفحة 196 › جهدا في إسناده ودعمه وتسديد القائمين به ، بكل شكل ممكن . وهذا هو الذي استهدفه الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه لأهل الثغور ، فهو ينبه الناس إلى خطورة هذا الواجب ويهيج الأحاسيس تجاه الثغور وحمايتها . ومهما كان الحكام في الداخل ، يعيثون فسادا ، فإنهم لا محالة زائلون ، ومهما جدوا في التقتيل والظلم والإجرام ، والتخريب فإنهم لن يتمكنوا من القضاء على كل معالم هذا الدين ، الذي يعد المسلمون الحفاظ عليه من واجباتهم . والإمام عليه السلام وإن كان معارضا للنظام الأموي ، ويجد في فضحه وتزييف عمله والكشف عن سوء إدارته ، ويحكم على القائمين به بالخروج عن الحق والعدل ، وهو لا يزال ينظر إلى مصارع شهداء كربلاء بعيون تملؤها العبرة ، لكنه يدعو بصوت تخنقه العبرة كذلك لأهل الثغور الإسلامية ، وباللهجة القوية القاطعة لكل عذر . وبالنبرة الحادة ذاتها التي يدعو بها لزوال حكم الظالمين ، يدعو لاستتباب الأمن والعدل والصلاح على أرض الإسلام . فلنقرأ معا هذا الدعاء العظيم : اللهم : صل على محمد وآله ، وحصن ثغور المسلمين بعزتك ، وأيد حماتها بقوتك ، وأسبغ عطاياهم من جدتك . اللهم : صل على محمد وآله ، وكثر عدتهم ، واشحذ أسلحتهم ، واحرس حوزتهم ، وامنع حومتهم ، وألف جمعهم ، ودبر أمرهم ، وواتر بين ميرهم ، وتوحد بكفاية مؤنهم ، واعضدهم بالنصر ، وأعنهم بالصبر ، والطف لهم في المكر . اللهم : صل على محمد وآله ، وعرفهم ما يجهلون ، وعلمهم ما لا يعلمون ، وبصرهم ما لا يبصرون . اللهم : صل على محمد وآله ، وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور ، وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون ، واجعل الجنة نصب أعينهم ، ولوح منها لأبصارهم ما أعددت ‹ صفحة 197 › فيها من مساكن الخلد ، ومنازل الكرامة ، والحور الحسان ، والأنهار المطردة بأنواع الأشربة ، والأشجار المتدلية بصنوف الثمر ، حتى لا يهم أحد منهم بالإدبار ، ولا يحدث نفسه عن قرنه بفرار . اللهم : افلل بذلك عدوهم ، وأقلم عنهم أظفارهم ، وفرق بينهم وبين أسلحتهم ، واخلع وثائق أفئدتهم ، وباعد بينهم وبين أزودتهم ، وحيرهم في سبلهم ، وضللهم عن وجههم ، واقطع عنهم المدد ، وانقص منهم العدد ، واملأ أفئدتهم الرعب ، واقبض أيديهم عن البسط ، واخزم ألسنتهم عن النطق ، وشرد بهم من خلفهم ، ونكل بهم من ورائهم ، واقطع بخزيهم أطماع من بعدهم . اللهم : عقم أرحام نسائهم ، ويبس أصلاب رجالهم ، واقطع نسل دوابهم وأنعامهم ، لا تأذن لسمائهم في قطر ، ولا لأرضهم في نبات . اللهم : وفق بذلك محال أهل الإسلام ، وحصن به ديارهم ، وثمر به أموالهم ، وفرغهم عن محاربتهم لعبادتك ، وعن منابذتهم للخلوة بك ، حتى لا يعبد في بقاع الأرض غيرك ، ولا تعفر لأحد منهم جبهة دونك . اللهم : اغز بكل ناحية من المسلمين على من بإزائهم من المشركين ، وامددهم بملائكة من عندك مردفين ، حتى يكشفوهم إلى منقطع التراب قتلا في أرضك وأسرا ، أو يقروا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك . اللهم : واعمم بذلك أعداءك في أقطار البلاد ، من الهند ، والروم ، والترك ، والخزر ، والحبش ، والنوبة ، والزنج ، والسقالبة ، والديالمة ، وسائر أمم الشرك الذين تخفى أسماؤهم وصفاتهم ، وقد أحصيتهم ، بمعرفتك ، وأشرفت عليهم بقدرتك . اللهم : أشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف المسلمين ، وخذهم بالنقص عن ‹ صفحة 198 › تنقيصهم ، وثبطهم بالفرقة عن الاحتشاد عليهم اللهم : أخل قلوبهم من الأمنة ، وأبدانهم من القوة ، وأذهل قلوبهم عن الاحتيال ، وأوهن أركانهم عن منازلة الرجال ، وجنبهم عن مقارعة الأبطال ، وابعث عليهم جندا من ملائكتك ببأس من بأسك ، كفعلك يوم بدر ، تقطع به دابرهم ، وتحصد به شوكتهم ، وتفرق به عددهم . اللهم : وامزج مياههم بالوباء ، وأطعمتهم بالأدواء ، وارم بلادهم بالخسوف ، وألح عليها بالقذف ، وأفرعها بالمحول ، واجعل ميرهم في أحص أرضك ، وأبعدها عنهم ، وامنع حصونها منهم ، أصبهم بالجوع المقيم والسقيم الأليم . اللهم : وأيما غاز غزاهم من أهل ملتك ، أو مجاهد جاهدهم من أتباع سنتك ليكون دينك الأعلى ، وحزبك الأقوى ، وحظك الأوفى ، فلقه اليسر ، وهيئ له الأمر ، وتوله بالنجح ، وتخير له الأصحاب ، واستقو له الظهر ، وأسبغ عليه في النفقة ، ومتعه بالنشاط ، وأطفئ عنه حرارة الشوق ، وأجره من غم الوحشة ، وأنسه ذكر الأهل والولد ، وأثر له حسن النية ، وتوله بالعافية ، وأصحبه السلامة ، وأعفه من الجبن ، وألهمه الجرأة ، وارزقه الشدة ، وأيده بالنصرة ، وعلمه السير والسنن ، وسدده في الحكم ، واعزل عنه الرياء ، وخلصه من السمعة ، واجعل فكره وذكره وظعنه وإقامته فيك ولك ، فإذا صاف عدوك وعدوه فقللهم في عينه ، وصغر شأنهم في قلبه ، وأدل له منهم ، ولا تدلهم منه . فإن ختمت له بالسعادة ، وقضيت له بالشهادة ، فبعد أن يجتاح عدوك بالقتل ، وبعد أن يجهد بهم الأسر ، وبعد أن تأمن أطراف المسلمين ، وبعد أن يولي عدوك مدبرين . اللهم : وأيما مسلم خلف غازيا ، أو مرابطا ، في داره ، أو تعهد خالفيه في غيبته ، أو أعانه بطائفة من ماله أو أمده بعتاد ، أو شحذه على جهاد ، أو أتبعه في وجهه دعوة ، أو رعى له من ورائه حرمة ، فأجر له مثل أجره ، وزنا بوزن ، ومثلا بمثل ، وعوضه من فعله عوضا حاضرا يتعجل به نفع ما قدم ، وسرور ما أتى به ، إلى أن ينتهي به الوقت إلى ما أجريت له من ‹ صفحة 199 › فضلك ، وأعددت له من كرامتك . اللهم : وأيما مسلم أهمه أمر الإسلام ، وأحزنه تحزب أهل الشرك عليهم ، فنوى غزوة ، أو هم بجهاد ، فقعد به ضعف ، أو أبطأت به فاقة ، أو أخره عنه حادث ، أو عرض له دون إرادته مانع ، فاكتب اسمه في العابدين ، وأوجب له ثواب المجاهدين ، واجعله في نظام الشهداء والصالحين . اللهم : صل على محمد عبدك ورسولك ، وآل محمد ، صلاة عالية على الصلوات ، مشرفة فوق التحيات ، صلاة لا ينتهي أمدها ، ولا ينقطع عددها ، كأتم ما مضى من صلواتك على أحد من أوليائك . إنك المنان ، الحميد ، المبدي ، المعيد ، الفعال لما تريد ( 1 ) . هذا على مستوى كيان عسكري مرتبط بالدولة ، وأما على مستوى الشعب فلنقرأ معا : المقطع الثاني : دعاء الاستسقاء بعد الجدب : حيث تتجلى فيه رعاية الإمام عليه السلام لحالة الأمة ، ومراقبته لأحوالها ، وبخصوص اقت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 199 › ( 1 ) الصحيفة السجادية ، الدعاء السابع والعشرون .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 199 - 208
تصادها الذي هو عصب حياتها ، فإذا رآه يتعرض للانهيار على أثر الجفاف ، ينبري عليه السلام لإنجاده بطريقته الخاصة ، التي لا تثير أحقاد الحكام ضده ، ولا تمكنهم من أخذ نقاط سياسية عليه ، ومع ذلك فهو يجلب أنظار الشعب المسلم المقهور ، المغلوب على أمره ، إلى أن هناك من يعطف عليه إلى هذا الحد ، ومن يراقب أوضاعه ، ويهتم بشؤونه ومشاكله . والإمام زين العابدين عليه السلام بهذا الشكل ، يفرض نفسه على الساحة السياسية ، وهو تدخل صريح في شؤون الأمة ، وظهور واضح على أرض العمل ، فإن الملجأ في مثل هذه المشاكل هم كبار القوم ، ومن لهم قدسية ، وفضل ، وتقدم على الآخرين ، ولا ‹ صفحة 200 › تشخص الأبصار في مثل ذلك إلا إلى الخليفة ! إن كانت له قابلية ما يدعي من مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتسنم أريكة الحكم ! والإمام زين العابدين عليه السلام بهذا الدعاء ، يثبت أنه الأحق بالتصدي لذلك المقام ، وأنه الملجأ الذي لا بد أن يوسط بين الأرض والسماء . هذا كله ، مع أن الأمة لم تقف إلى جانب الإمام عليه السلام ، ولم تراع حرمته في النسب ، ولاحقه في الإمامة ، بل خذلته ، حتى راح يقول : ( ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبنا ) . وليس المراد بذلك الحب مجرد العواطف والدموع والمجاملات ، فهؤلاء أهل الكوفة كانوا من أحذق الناس في ذرف دموع التماسيح على أهل البيت عليهم السلام بعنوان ( الحب ) حتى كان الإمام عليه السلام يستغيث من حبهم له ، ذلك الحب المعلن ، المبطن بالنفاق ، والذي انقلب على أبيه الإمام الحسين عليه السلام سيفا أودى به ! فليس الحب المطلوب لآل الرسول ، والذي دلت على لزومه آية المودة في القربى وأحاديث الرسول المصطفى ، هو الفارغ عن كل حق لهم في الحكم والإدارة ، أو الفقه والتشريع وعن كل معاني الولاء العملي ، والاقتداء والاتباع وإن ادعاه المحرفون ، أو حرفوه إلى مثل ذلك ، مكتفين لأهل البيت باسم ( الحب ) ( 1 ) . لكن قضية الأمة الإسلامية ، واقتصاد البلاد الإسلامية ، من القضايا المصيرية الكبرى ، التي لا توازيها الأضرار الصغيرة ولا الأخطاء الخاصة ، بل لا بد من تجاوز كل الاعتبارات في سبيل إحياء تلك القضايا الكبار . وبعد ، فلنعش في رحاب دعاء الاستسقاء : اللهم : اسقنا الغيث ، وانشر علينا رحمتك بغيثك المغدق ، من السحاب المنساق لنبات أرضك ، المونق في جميع الآفاق ، وامنن على عبادك بإيناع الثمرة ، وأحي بلادك ببلوغ الزهرة ، وأشهد ملائكتك الكرام السفرة بسقي منك نافع ، دائم غزره ، واسع درره ، وابل ، سريع ، عاجل ، ‹ صفحة 201 › تحيي به ما قد مات ، وترد به ما قد فات ، وتخرج به ما هو آت ، وتوسع به في الأقوات ، سحابا متراكما ، هنيئا مريئا ، طبقا مجلجلا ، غير ملث ودقه ، ولا خلب برقه . اللهم : اسقنا غيثا مغيثا ، مريعا ممرعا ، عريضا واسعا ، غزيرا ، ترد به النهيض ، وتجبر به المهيض . اللهم : اسقنا سقيا تسيل منه الظراب ، وتملأ منه الجباب ، وتفجر به الأنهار ، وتنبت به الأشجار ، وترخص به الأسعار في جميع الأمصار ، وتنعش به البهائم ، والخلق ، وتكمل لنا به طيبات الرزق ، وتنبت لنا به الزرع ، وتدر به الضرع ، وتزيدنا به قوة إلى قوتنا . اللهم : لا تجعل ظله علينا سموما ، ولا تجعل برده علينا حسوما ، ولا تجعل صوبه علينا رجوما ، ولا تجعل ماءه علينا أجاجا . اللهم : صل على محمد وآل محمد ، وارزقنا من بركات السماوات والأرض إنك على كل شئ قدير ( 1 ) . وهكذا فإن الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء الاستسقاء ، لا يحصر اهتمامه بما حوله من الأفراد والشؤون الخاصة ، بل يعمم اهتمامه على كل العباد وكل البلاد ، وينظر برقة ولطف إلى كل قضاياها الطبيعية والنفسية والمعاشية ، وحتى الجوية والزراعية وحتى طلب ( القوة ) . إن التأمل في مضامين هذا الدعاء يفتح آفاقا من سياسة الإمام السجاد عليه السلام . وهكذا ننتهي من هذا الفصل ، وقد وقفنا فيه على أبرز ما امتاز به الإمام زين العابدين عليه السلام من التزام العبادة ، والبكاء ، والدعاء ، ووجدنا كيف أن الإمام عليه السلام قد استخدم كل ذلك في تمرير خطته الحكيمة التي اتخذها لتثبيت قاعدة الإمامة الحقة ، وما في عمله من تعرض للحاكمين ، وتعريض بهم وبفساد تصرفاتهم ومخالفتهم ‹ صفحة 202 › للشريعة والدين . ومع أن الإمام كان يقوم بما يخصه ، ويعد من حقه الشخصي أن يتعبد ، ويبكي ، ويدعو ، فإننا نرى في أعماله نضالا سياسيا ، وتدبيرا حكيما ضد الحكومات . وسنقرأ في الفصل الآتي ، مواقف في مواجهة الحكام وأعوانهم الظلمة ، من دون غطاء أو تقية ، وهي المواقف الحاسمة التي وقفها الإمام زين العابدين عليه السلام منهم . ‹ صفحة 203 › الفصل الخامس مواقف حاسمة للإمام عليه السلام أولا - موقفه من الظالمين ثانيا - موقفه من أعوان الظلمة ثالثا - موقفه من الحركات المسلحة ‹ صفحة 205 › وبعد سنين من النضال المرير ، الذي قام به الإمام زين العابدين عليه السلام ، بالأساليب التي شرحنا صورا منها في الفصول السابقة ، والتي كان تطبيقها والاستفادة منها في تلك الظروف الحرجة لا يقل صعوبة عن إشهار السيف ، وفائدتها لا تقل عن دخول المعارك الضارية . فلقد أنتجت نتائجها الهائلة : فعززت موقع الإمام عليه السلام لكونه القائد الإلهي المسؤول عن هذا الدين ، وهذه الأمة ، والهادي لها . وتمكن - بالتزامه بالخطط الدقيقة المذكورة من أداء وظائف الإمامة ، وتجميع القوى المتبددة حول مركز الحق ، وتأسيس القاعدة لانطلاق الأئمة من بعده على أسس رصينة محكمة . وعززت تلك المواقف الاجتماعية العظيمة ، مكانة الإمام عليه السلام في أنظار الأمة ، باعتباره سيدا من أهل البيت عليهم السلام يتمتع بمكارم الأخلاق وفضائلها ، وعالما بالإسلام من أصفى ينابيعه وروافده ، ومحاميا عن الأمة . وكانت لهذه المواقع ، وهذه المكانة ، آثارها في تغيير أسلوب العمل السياسي . عند الإمام زين العابدين عليه السلام في الفترة التالية ، حيث نجد أن تعامله مع الحكام والأحداث يختلف عما سبق ، ويكاد الإمام عليه السلام يعلن عن المعارضة ، ويبدي التعرض للحكام . وكان من أبرز مظاهر هذا التعامل هو ما اتخذه من مواقف حاسمة تجاه الحكام الظالمين ، وتجاه أعوانهم ، وتجاه الحركات السياسية التي عاصرته . ‹ صفحة 206 › أولا : موقفه من الظالمين موقفه من يزيد : فقد اتخذ الإمام عليه السلام موقفا حكيما من يزيد - وهو من أعتى طغاة بني أمية وأخبثهم ، وأبعدهم عن كل معاني الدين والإنسانية والمروءة وحتى السياسة - فكان موقف الإمام عليه السلام منه فذا ، فلم يدع له مبررا للقضاء عليه ، مع أنه واجهه بكل الحقيقة التي لا يتحملها الطغاة ، بل أجبره على إطلاق سراح الأسرى من آل محمد ، وذلك بما صنعه الإمام عليه السلام من أجواء لمثل هذا الإجراء . فرجع الإمام عليه السلام إلى المدينة ليبدأ عمله طبق التخطيط الرائع الذي شرحنا صورا منه في هذه البحوث . وبعد أن قضى الإمام السجاد عليه السلام عمرا في تطبيق خططه القويمة في معارضة الدسائس التي كان يضعها الحكام من بني أمية ضد الدين وأهله ، وفضحها ، وحاول أن يبني ما كانوا يهدمونه ، ويهدم ما كانوا يبنونه ، وصد ما يحاولونه . وبعد تعزيز المواقع والمكانة لوجوده الشريف بين الأمة ، سواء من كان من أتباعه أو من عامة الناس ، لم يكن للحكام أن يتعرضوا للإمام عليه السلام من دون أن يكشفوا عن وجوههم أغطية التزوير ، وأقنعة الدجل والكفر والنفاق . فالإمام الذي ذاع صيته في الآفاق بالكرامة ، والإمامة ، والسيادة والشرف ، والتقى والعلم والحلم والعبادة والزهد ، أضف إلى ذلك حنانه وعطفه على الأمة ورعايته لشؤونها ، قد دخل أعماق القلوب ، وأصبح له من الاحترام والتقدير ما لا يكون من مصلحة الحكام التعرض له بأذى . كما يبدو أن الإمام عليه السلام بعد أن استنفذ أغراضه من خططه ، وعلم بأن الدولة الأموية وحكامها الحاقدين على الإسلام ورجاله وخاصة من أهل البيت عليهم السلام ، سوف يقضون على حياته إن عاجلا أو آجلا ، إن خفية أو علنا ، بدأ العمل الهجومي عليهم . فكان يفرغ ما بقي في كنانته من السهام على هيكل الحكم الأموي الفاسد ، والذي ‹ صفحة 207 › بدأ التنازل من كثير من المواقع الاستراتيجية التي كان يحتلها ، فقام الإمام عليه السلام بالإشهار بهم ، من خلال أعمال أصدق ما يقال فيها أنها الاستفزاز والتحرش السياسي . ومواقفه من عبد الملك بن مروان : قد رأينا أن الأمويين بكل مرافق أجهزتهم ، كانوا يرون من الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام خيرا لا شر فيه . وقد كانت علاقة مروان بن الحكم الأموي ، بالخصوص ، طيبة مع الإمام عليه السلام لما أبداه الإمام تجاهه من رعاية ، أيام وقعة الحرة ، وكان مروان شاكرا للإمام عليه السلام هذه المكرمة . وطبيعي أن يعرف عبد الملك بن مروان ، للإمام زين العابدين عليه السلام هذه اليد والمكرمة . ولذلك نراه ، لما ولي الخلافة ، يكتب إلى واليه على المدينة الحجاج الثقفي السفاك يقول : أما بعد : فانظر دماء بني عبد المطلب فاحتقنها واجتنبها ، فإني رأيت آل أبي سفيان بن حرب ( لما قتلوا الحسين ) لما ولغوا فيها ( نزع الله ملكهم ) لم يلبثوا إلا قليلا . والسلام ( 1 ) . لكن الإمام عليه السلام لم يمر بهذه الرسالة بشكل طبيعي ، بل بادر إلى إرسال كتاب إلى عبد الملك ، يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم . . . أما بعد : فإنك كتبت يوم كذا وكذا ، من ساعة كذا وكذا ، من شهر كذا وكذا ، بكذا وكذا . وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنبأني وأخبرني ، وأن الله قد شكر لك ذلك وثبت ملكك ، وزاد فيه برهة ) . ‹ صفحة 208 › وطوى الكتاب ، وختمه ، وأرسل به مع غلام له على بعيره ، وأمره أن يوصله إلى عبد الملك ساعة يقدم عليه ! ( 1 ) . إن أسلوب هذا الكتاب ، ومحتواه ، كلاهما مثار للاستفزاز : فأولا : يحاول الإمام عليه السلام أن يعرف الحاكم باطلاعه الكامل على تاريخ كتابته للر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 199 › ( 1 ) الصحيفة السجادية ، الدعاء السابع والعشرون . ‹ هامش ص 200 › ( 1 ) لقد تحدثنا عن هذا التحريف لمؤدى الحب لأهل البيت عليهم السلام والذي تعمده الأعداء ظلما ، والتزمه العامة جهلا ، في كتابنا الحسين عليه السلام سماته وسيرته ، الفقرة ( 13 ) . ‹ هامش ص 201 › ( 1 ) الصحيفة السجادية ( الدعاء التاسع عشر ) . ‹ هامش ص 207 › ( 1 ) المحاسن والمساوي للبيهقي ( ص 78 ) وفي طبعة ( 55 ) كشف الغمة للأربلي ( 2 : 112 ) مروج الذهب ( 3 : 179 ) والاختصاص ( ص 314 ) وبحار الأنوار ( 46 : 28 و 119 ) . ‹ هامش ص 208 › ( 1 ) كشف الغمة ( 2 : 112 ) وبحار الأنوار ( 46 : 29 ) ورواه في عوالم العلوم ( ص 42 ) عن الخرائج للقطب الراوندي .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 208 - 214
سالة ، بدقة ، حتى اليوم والساعة . فهو يوحي إليه علم الإمام بما يجري داخل القصر الملكي . وهذا أمر لا يمر به الطواغيت بسهولة . وثانيا : يصرح الإمام عليه السلام باتصاله المباشر بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه الذي أخبره وأنبأه بالرسالة ومحتواها . وهذا أيضا يوحي أن الإمام عليه السلام مع أنه مرتبط بالرسول نسبيا ، فهو مرتبط به روحيا ، ويأخذ علمه ومعارفه منه مباشرة ! ومثل هذا الادعاء لا يتحمله الخليفة ، بل يثقل عليه ، لأن ادعاء ذلك يعني كون الإمام عليه السلام أوثق صلة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، من هذا الذي يدعي خلافته ! والمقطع الأخير من الكتاب ، حيث يخبر الإمام عليه السلام عن أن فعل عبد الملك وتوصيته بآل عبد المطلب ( مشكور عند الله ) وأنه ثبت بذلك ملكه ، وزيد فيه برهة ، ليس قطعا أسلوب دعاء وثناء وتملق ، وإنما هو تعبير عن قبول الصنيع ، ورد الجميل ، والعطف عليه بزيادة برهة - فقط - في الملك ! لا الخلافة . مع أن صدور مثل هذا الخبر من الإمام عليه السلام إلى عبد الملك الخليفة ! فيه نوع من التعالي والفوقية الملموسة ، التي لا يصبر عليها من هو في موقع القدرة ، فضلا عن الطغاة أمثال عبد الملك . والحاصل أن هذا الكتاب الصادر من الإمام عليه السلام لم يكن يصدر ، إذا أراد الإمام عليه السلام أن يجتنب التعرض بالحاكم ، وخاصة بهذا الأسلوب المثير ، ومع أن الرسالة التي كتبها عبد الملك لم تكن مرسلة إلى الإمام عليه السلام . ‹ صفحة 209 › وكان عبد الملك واقفا على بعض ما للإمام عليه السلام من موقعية ومكانة ، لوجوده فترة كبيرة في المدينة إلى جوار الإمام عليه السلام وعلمه بأوضاعه . مضافا إلى أن الإمام عليه السلام قد تحدث معه بلغة الأرقام مما لا يمكنه دفعه أو إنكاره ، فلذلك كله تظاهر عبد الملك بفرحه بهذا الكتاب . فقد جاء في ذيل ذلك الحديث أن عبد الملك لما نظر في تاريخ الكتاب وجده موافقا لتلك الساعة التي كتب فيها الرسالة إلى الحجاج ، فلم يشك في صدق علي بن الحسين ، وفرح فرحا شديدا ! وبعث إلى علي بن الحسين وفر راحلته دراهم وثيابا ، لما سره من الكتاب ( 1 ) . ثم الذي يشير إليه الحديث التالي أن الإمام عليه السلام قاطع النظام ، مقاطعة سلبية ، توحي بعدم الاعتراف والاعتناء برأس الحكومة ، وهو شخص الخليفة : فقد روي أن عبد الملك بن مروان كان يطوف بالبيت ، وعلي بن الحسين عليه السلام يطوف أمامه ، ولا يلتفت إليه . فقال عبد الملك : من الذي يطوف بين أيدينا ؟ ولا يلتفت إلينا ؟ فقيل له : هذا علي بن الحسين ! فجلس مكانه ، وقال : ردوه إلي ، فردوه ، فقال له : يا علي بن الحسين إني لست قاتل أبيك ، فما يمنعك من المسير إلي . فقال عليه السلام : إن قاتل أبي أفسد - بما فعله - دنياه عليه ، وأفسد أبي عليه آخرته ، فإن أحببت أن تكون هو ، فكن ( 2 ) . إن تحدي الإمام عليه السلام الاستفزازي ، يتبلور في نقاط : فأولا ، يمشي بين يدي الخليفة متنكرا لوجوده ، لا يأبه به ، وفي مرأى ومسمع من الحجيج الطائفين ، ولا بد أنه كان في الموسم ، بحيث أثار الخليفة ، وبعثه على السؤال عنه : من هذا الذي يجرؤ على تحدي احترام الخليفة هكذا ! ‹ صفحة 210 › ولما سمع أنه الإمام ( علي بن الحسين ) أجلسه ( الاسم ) في مكانه ، وهذا يعني أنه قطع طوافه ، لعظم وقع النبأ عليه ، وقطع الطواف على الإمام برده إليه . وثانيا ، عتاب عبد الملك للإمام عليه السلام لعدم السير إليه ، يكشف عن أن مقاطعة الإمام للخليفة والمسير إليه ولقائه ، اتخذ شكلا أكبر من مجرد العزلة ، بل دل على عدم الرغبة ، أو الإعراض ، حتى أصبح الخليفة يحاسب عليه . وثالثا ، إن قول عبد الملك : ( إني لست قاتل أبيك ) كما يحتوي على التبرؤ من الدماء المراقة على أرض المعركة المحتدمة بين أهل البيت عليهم السلام والأمويين ، فإنه في نفس الوقت تهديد ، بهز العصا في وجه الإمام زين العابدين عليه السلام ، وتلويح له بإمكانية كل شئ : حتى القتل ! ورابعا ، ولذلك كان جواب الإمام حاسما ، وقويا ، وشجاعا ، إذ حدد النتيجة في تلك المعارك السابقة ، وأثبت فيها انتصار أهل البيت الذين ربحوا النتيجة ، وخسران قتلتهم الأمويين ! ومع ذلك أبدى استعداده ، لأن يقف نفس الموقف المشرف الذي وقفه أبوه ، إذا كان عبد الملك بصدد الوقوف على نفس الموقع الظالم الذي وقف عليه قاتل أبيه . إنه استعداد ، وطلب المبارزة والقتال ، وتحد سافر لسلطة خليفة لا يمنعه شئ من الإقدام على الفتك والقتل والظلم والإبادة . وهذا الموقف ، وحده ، كاف للدلالة على أن الإمام عليه السلام لم يكن - طول عمره - ذلك المسالم ، الموادع ، المنعزل عن الدنيا وسلطانها ، والمشغول بالعبادة ، والصلاة والدعاء والبكاء ، فقط ! ويبدو أن عبد الملك رأى أن الإمام عليه السلام بمواقفه الاستفزازية تلك ، يبرز في مقام أبيه وجده ، ويتزعم الحركة الشيعية ، وقد ركز موقعيته كإمام ، بعد تلك الجهود المضنية ، واستعاد جمع القوى المؤمنة حوله ، فأصبح له من القوة والقدرة ، أن يقف في وجه الخليفة ، فلذلك تصدى للإمام عليه السلام وحاول أن يفرغ يد الإمام عليه السلام من بعض ‹ صفحة 211 › إثباتات الإمامة ، كوجود مخلفات النبوة عند الإمام ( 1 ) ، ومنها سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فلما بلغ عبد الملك أن ذلك السيف موجود عند الإمام زين العابدين عليه السلام بعث إليه يستوهبه منه . فأبى الإمام عليه السلام . فكتب إليه عبد الملك ، يهدده أن يقطع رزقه من بيت المال . فأجابه الإمام عليه السلام : أما بعد : فإن الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون ، والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال جل ذكره : * ( إن الله لا يحب كل خوان كفور ) * [ سورة الحج ( 22 ) الآية ( 38 ) ] . فانظر أينا أولى بهذه الآية ( 2 ) . إن طلب عبد الملك ، للسيف الإمام عليه السلام بهذه الشدة إلى حد التهديد ، ليس ناشئا من مجرد الرغبة ، وإلا فعبد الملك هو ذا معرض عن الاحتفاء بأقدس الأشياء المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأعز من سيف الرسول ، وهاهم أهله يعرضون من قبله بالتهديد بقطع الرزق . فإن موقف الإمام عليه السلام بإبائه إعطائه السيف ، إذا كانت الأمور في حالتها الطبيعية ، لا يبرره شئ . إلا أن الوضع ليس طبيعيا قطعا . وتشير بعض الأحاديث إلى بلوغ حدة التوتر بين الإمام وبين النظام إلى حد أن الحجاج الثقفي ، وهو من أعتى ولاة الأمويين ، يكتب إلى عبد الملك بما نصه : ( إن ‹ صفحة 212 › أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين ) ( 1 ) . فلو كان الإمام زين العابدين عليه السلام كما هو المعروف زاهدا في السياسة ، فما معنى ربط الحجاج - الذي لا يرتاب في دهائه - بين الإمام وبين الملك . فكلام الحجاج واضح الدلالة على أن وجود الإمام عليه السلام أصبح يشكل خطرا عظيما على الملك ، يزعزعه ويزيله ، فهو لا يثبت إلا بقتل الإمام . وأما عبد الملك ، فقد حاول أن يحدد الإمام عليه السلام ، كما يقوله الحديث التالي : قال الزهري : شهدت علي بن الحسين ، يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام ، فأثقله حديدا ، ووكل به حفاظا عدة . فاستأذنتهم في التسليم عليه ، والتوديع له ، فأذنوا لي ، فدخلت عليه ، وهو في قبة ، والأقياد في رجليه ، والغل في يديه ، فبكيت ، وقلت : وددت أني مكانك ، وأنت سالم . فقال : يا زهري ، أو تظن هذا - مما ترى علي وفي عنقي - يكرثني ، أما لو شئت ما كان ، فإنه - وإن بلغ فيك وفي أمثالك - ليذكرني عذاب الله . ثم أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد ، وقال : لأجزت معهم على ذا منزلتين من المدينة . قال الزهري : فما لبثت إلا أربع ليال ، حتى قدم الموكلون به ، يظنون أنه بالمدينة ، فما وجدوه . فكنت فيمن سألهم عنه ؟ فقال لي بعضهم : إنا نراه متبوعا ، إنه لنازل ، ونحن حوله لا ننام ، نرصده ، إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديده . قال الزهري : فقدمت - بعد ذلك - على عبد الملك بن مروان ، فسألني عن علي بن الحسين ؟ فأخبرته ، فقال لي : إنه قد جاءني في يوم فقدوه الأعوان ، فدخل علي فقال : ما أنا وأنت ؟ فقلت : أقم عندي . فقال : لا أحب . ‹ صفحة 213 › ثم خرج ، فوالله ، لقد امتلأ ثوبي منه خيفة . قال الزهري : فقلت : يا أمير المؤمنين ! ليس علي بن الحسين حيث تظن ، إنه مشغول بنفسه . فقال : حبذا شغل مثله ، فنعم ما شغل به ( 1 ) . إن هذا الحديث - على طوله - فيه من الدلالات على أن وضع الإمام عليه السلام السياسي أصبح بمستوى يلجئ الدولة إلى اعتقال الإمام وتقييده وتكبيله الغل ، وتطويقه بالحرس . فهل يعامل المنعزل عن السياسة والزاهد فيها ، بهذا الشكل حتى لو فرضنا أن الضرورة اقتضت جلبه إلى العاصمة ؟ إن أسلوب الجلب هذا فيه الدلالة القوية على أن تحرك الإمام عليه السلام كان على مستوى بالغ الخطورة على الدولة . ثم ماذا كان يظن الخليفة في الإمام حتى التجأ إلى فعل كل هذا ضده ، لو لم يتوجس منه خيفة التحرك السياسي . ويبدو الإمام عليه السلام مصمما على التزامه ، فقد أجاب الخليفة بما أحب هو ، لا ما أراد الخليفة . وفي التجاء الإمام عليه السلام إلى إعمال قدراته الملهمة من الله كإمام للأمة ، وولي من أولياء الله المخلصين ، فأظهر للملك وللزهري إعجازه الخارق ، تأكيد على ما نريد إثباته وهو أن الإمام زين العابدين عليه السلام صرح بأنه يقوم بمهمة الإمامة الإلهية ، ويثبت للملك وأعوانه ولكل من اطلع على مجاري الأحداث ، أنه الإمام الحق ، والأولى بمقام الحكم الذي يدعيه عبد الملك . وهذا هو أظهر أشكال النضال السياسي . ‹ صفحة 214 › وموقفه من هشام بن عبد الملك : وموقف الإمام زين العابدين عليه السلام من هشام ، من أشهر المواقف بين المسلمين ، وقد تناقله الأعلام في صحفهم وكتبهم ، وأرسلوه إرسال المسلمات ، وفيه من الدلالات الواضحة على قيام الإمام عليه السلام بالاستفزاز السياسي ، ما لا يخفى على أحد . والحديث
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 208 › ( 1 ) كشف الغمة ( 2 : 112 ) وبحار الأنوار ( 46 : 29 ) ورواه في عوالم العلوم ( ص 42 ) عن الخرائج للقطب الراوندي . ‹ هامش ص 209 › ( 1 ) كشف الغمة ( 2 : 112 ) . ( 2 ) بحار الأنوار ( 46 : 120 ) وإثبات الهداة ، للحر العاملي ( 3 : 15 ) . ‹ هامش ص 211 › ( 1 ) إقرأ عن سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الموجود عند الإمام عليه السلام حديث أبي خالد الكابلي في المناقب لابن شهرآشوب ( 4 / 148 ) ط الأضواء . ( 2 ) عوالم العلوم ( ص 117 ) عن المحاسن للبرقي ، والمناقب لابن شهرآشوب ( 4 : 302 ) وانظر بحار الأنوار ( 46 : 95 ) . ‹ هامش ص 212 › ( 1 ) بحار الأنوار ( ج 46 ص 28 ح 19 ) . ‹ هامش ص 213 › ( 1 ) حلية الأولياء ( 3 : 135 ) تاريخ دمشق ( الحديث 42 ) مختصر ابن منظور ( 17 : 234 ) ورواه ابن شهرآشوب في المناقب ( 4 : 145 ) ط الأضواء . ‹ هامش ص 214 › ( 1 ) هذه الأبيات هي التي اختارها الأستاذ الفاضل المحقق الدكتور السيد جعفر الشهيدي ، من مجموع ما نسب إلى الفرزدق في مدح الإمام السجاد عليه السلام بعنوان ( الميمية ) بعد أن أشبعها بحثا وتحقيقا في كتابه القيم ( زندگاني علي بن الحسين عليه السلام ) ( الصفحات 112 - 133 ) وقد فصل فيه الحديث عما وقع من الاختلاف في ما ورد من أبيات على وزن الميمية في التراث العربي ، من حيث قائلها ، والممدوح الذي قيلت في حقه ، وفي عدد أبيات ما قيل في كل مناسبة ، وفي خصوص ما نسب إلى الفرزدق في مدح الإمام عليه السلام في مقام الحجر الأسود ، من حيث عدد الأبيات ، ودقق في مضمون الأبيات المنسوبة ، فتوصل إلى أن الأنسب بالمقام - زمانا ومكانا ووضعا - هو هذه الأبيات السبعة التي اختارها ، وأنها الأنسب بالشاعر وبالمناسبة لفظا وبلاغة ، ومعنى ودلالة . وأبان الوجوه التي استبعد بها الأبيات الأخر ، بتفصيل واف ، ومما يحسن ترجمته من كلامه ، بعد إيراده البحث المذكور ، قوله : إن كان الفرزدق قد أنشأ هذه الأبيات في حق الإمام علي بن الحسين ، فقد أدى جزءا ضئيلا من دينه ، وخفف شيئا من أثقال جرائمه التي يحملها على عاتقه ، حيث يعج ديوان هذا الشاعر بمدائح معاوية ، وعبد الملك بن مروان ، وابنه الوليد ، ويزيد بن عبد الملك ، وعمالهم مثل : الحجاج بن يوسف ، ويعثر في ديوانه على أكثر من عشرة قصائد في مديح هشام وابنه ، بالخصوص . إن ما كتبه اليافعي - في حق الفرزدق - يبدو وافيا جدا ، حيث قال : ( وتنسب إلى الفرزدق مكرمة يرتجى له بها الرحمة في دار الآخرة ) وأورد حديث الميمية ، في مرآة الجنان ( ج 1 ص 239 ) طبع مؤسسة الأعلمي بيروت - عن طبعة حيدرآباد الهند 1337 . وإليك بعض مصادر هذه القصيدة : تاريخ دمشق ( الحديث 133 ) مختصره ( 17 : 6 - 247 ) ديوان الفرزدق ( 2 : 178 ) الأغاني ( 15 : 327 ) و ( 15 : 261 ثقافة ) وصفوة الصفوة ( 2 : 8 - 99 ) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ( 1 : 153 ) وأمالي المرتضى ( 1 / 62 ) وانظر الإمام زين العابدين عليه السلام ، للمقرم ( ص 385 ) وما بعدها .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جهاد الإمام السجاد (ع) - السيد محمد رضا الجلالي - ص 214 - 220
: أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة أبيه ، فطاف بالبيت ، وأراد أن يستلم الحجر الأسود ، فلم يقدر عليه من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه . فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن حسين عليه السلام ، عليه إزار ورداء ، أحسن الناس وجها ، وأطيبهم رائحة ، وبين عينيه سجادة ، كأنها ركبة بعير . فجعل يطوف بالبيت ، فإذا هو بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس له عنه ، حتى يستلمه ، هيبة له وإجلالا . فقال رجل من أهل الشام لهشام : من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة ، فأفرجوا له عن الحجر ؟ فقال هشام : لا أعرفه ! - لئلا يرغب فيه أهل الشام - ! فقال الفرزدق - وكان حاضرا - : أنا أعرفه : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشرى واليأس محتدم ( 1 ) ‹ صفحة 215 › إن الموقف لم يكن بحيث يخفى شئ من أبعاده على الإمام عليه السلام ، ولم يكن هو عليه السلام بحيث يقوم بما قام متجاهلا عواقبه وآثاره ، فلا بد لمن يحضر المطاف أن ينتبه لحضور مثل هشام - ولي العهد - على المنبر ، وحوله الجلاوزة من أهل الشام .


 

رد مع اقتباس