عرض مشاركة واحدة
قديم 12-02-2010, 12:11 AM   #23
الشيخ حسن العبد الله
مشرف


الصورة الرمزية الشيخ حسن العبد الله
الشيخ حسن العبد الله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 232
 تاريخ التسجيل :  Nov 2010
 أخر زيارة : 03-18-2014 (09:42 PM)
 المشاركات : 352 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



أقول
خاتمة في كلمات أئمة الحنابلة خاصة في الزيارة :
أفردنا أئمة الحنابلة خاصة في هذا الموضع لأنه أوقع في الرد على متأخريهم ، ابتداء بابن تيمية ، الذين ذهبوا إلى تحريم السفر بقصد الزيارة وعده من مصاديق الشرك ، أو الكفر . 1
- أبو الفرج ابن الجوزي ( 597 ه‍ ) صنف كتابا بعنوان ( مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن ) وعقد فيه بابا في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد تقدمت عنه نقول كثيرة .
وفي كتابه الآخر مناقب الإمام أحمد بن حنبل ذكر أخبارا عديدة في زيارة قبر أحمد بن حنبل ، يفيد مجموعها أنها عادة الحنابلة ، وأنها لديهم من القربات المهمة التي لا يفرطون بها ( 2 ) .
وذكر في كتابه ( المنتظم ) أنه قد قصد زيارته في سنة 574 ه‍ وتبعه خلق كثير يقدرون بخمسة آلاف إنسان ( 3 ) .
وهذه بعض نصوص ابن الجوزي ، تعكس صورة واضحة عن ثقافة الزيارة عند الحنابلة :
1- عن أبي الفرج الهندبائي ، قال : كنت أزور قبر أحمد بن حنبل ، فتركته مدة ، فرأيت في المنام قائلا يقول لي : تركت زيارة إمام السنة ؟ ! ( 1 ) .
2- عن أبي طاهر ميمون ، قال : رأيت رجلا بجامع الرصافة في شهر ربيع الآخرة من سنة ست وستين وأربعمئة ، فسألته ، فقال : قد جئت من ستمئة فرسخ ، فقلت : في أي حاجة ؟ قال : رأيت وأنا ببلدي في ليلة جمعة كأني في صحراء أو في فضاء عظيم ، والخلق قيام ، وأبواب السماء فتحت ، وملائكة تنزل من السماء تلبس أقواما ثيابا خضرا ، وتطير بهم في الهواء ، فقلت : من هؤلاء الذين اختصوا بهذا ؟ فقالوا لي : هؤلاء الذين يزورون أحمد بن حنبل . . فانتبهت ، ولم ألبث أن أصلحت أمري وجئت إلى هذا البلد وزرته دفعات ، وأنا عائد إلى بلدي إن شاء الله ( 2 ) .
3- قال ابن الجوزي : وفي صفر سنة 542 ه‍ رأى رجل في المنام قائلا يقول له : من زار أحمد بن حنبل غفر له . قال : فلم يبق خاص ولا عام إلا زاره ، وعقدت يومئذ ثم مجلسا فاجتمع فيه ألوف من الناس ( 3 ) .

4 - الله يزور أحمد بن حنبل كل عام ! ! كما نقل ابن الجوزي عن أبي بكر بن مكارم ابن أبي يعلى الحربي ، قال : وكان شيخا صالحا ، أنه رأى في منامه أنه أتى قبر أحمد يزوره على عادته ، فرأى القبر قد التصق بالأرض ولم يبق منه إلا القليل ، فقال : هذا من كثرة الغيث . . فسمع أحمد من القبر يقول له : لا ، بل هذا من هيبة الحق عز وجل ، لأنه عز وجل قد زارني ، فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام ، فقال عز وجل : يا أحمد ، لأنك نصرت كلامي ، فهو ينشر ويتلى في المحاريب . يقول الحربي : فأقبلت على لحده أقبله ، ثم قلت : يا سيدي ، ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك ؟ فقال لي : يا بني ، ليس هذا كرامة لي ، ولكن هذا كرامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لان معي شعرات من شعره . . ثم قال : ألا ومن يحبني لم لا يزورني في شهر رمضان ؟ ( 1 ) .
وليست العبرة في صحة هذه الأخبار أو عدم صحتها ، إنما العبرة في ملاحظة أن ثقافة الزيارة عند الحنابلة لا تختلف كثيرا عنها عند الصوفية ، إلا في ممارسات خارجية قد يصنعها بعض الصوفية دون الحنابلة .
. مع ملاحظة أن دعاة السلفية من المنتسبين إلى مذهب أحمد بن حنبل حين حاربوا هذا النمط من ثقافة الزيارة قد وجهوا حملاتهم على التراث الصوفي خاصة ، وتراث الطوائف الاسلامية الأخرى عامة ، وغضوا الطرف كاملا عما تراكم في تراثهم من ذلك .
ولا ريب في أن الاحداث التي دونها ابن الجوزي في ( المنتظم ) في هذا الموضوع كانت صحيحة ، وفيها حدثان كان فيهما شاهدا ومعايشا ،
وثمة حقيقة أخرى يثبتها ، ويشاركه فيها ابن كثير ، قد تفوق كل ما تقدم ذكره في ما تعارف عليه الحنابلة في الزيارة .
. ففي ترجمة أبي جعفر بن أبي موسى ( ت 470 ه‍ ) إمام الحنابلة في وقته ، وقد دفن عند قبر أحمد ، قال ابن الجوزي : كان الناس يبيتون هناك كل ليلة أربعاء ، ويختمون الختمات ، ويخرج المتعيشون فيبيعون المأكولات ، وصار ذلك فرجة للناس - أي فرجا - ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء الشتاء فامتنعوا .
. وقال ابن كثير : دفن إلى جانب الإمام أحمد ، فاتخذت العامة قبره سوقا كل ليلة أربعاء ، يترددون إليه ( 1 ) .
وكل ما تقدم يكشف بوضوح عن عقيدة شيخ الحنابلة في وقته أبي الفرج بن الجوزي في الزيارة ، بل في شد الرحال إليها ، الذي سيأتي بحثه لاحقا . . ولنتابع مع آخرين من أقطاب الحنابلة . .
2

2- موفق الدين ابن قدامة المقدسي ( 620 ه‍ ) : يصرح باستحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
ويستدل لذلك بما رواه الدارقطني وأحمد من حديث ابن عمر وأبي هريرة ( 2 ) .

3 - نجم الدين بن حمدان الحنبلي ( 695 ه‍ ) : ويسن لمن فرغ عن نسكه زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر صاحبيه ، وله ذلك بعد فراغ حجه ، وإن شاء قبل فراغه ( 3 ) .
4 - ابن تيمية ( 728 ه‍ ) : وابن تيمية الذي أنكر السفر بقصد الزيارة ، لم ينكر أصل الزيارة ، فأثبتها للحاج وأدخلها في المناسك ، فقال في مناسكه : باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إذا أشرف على مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل الحج أو بعده . . . فإذا دخل المسجد بدأ برجله اليمنى . . . ثم يأتي الروضة بين القبر والمنبر فيصلي بها ويدعو بما شاء ، ثم يأتي قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فيستقبل الجدار ، ولا يمسه ولا يقبله ، ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ليكون قائما وجاه النبي ، ويقف متباعدا كما يقف لو ظهر في حياته بخشوع وسكون . . ( 1 ) .
ويأتي في الفقرة اللاحقة ما يثبت خطأ ما ذهب إليه ابن تيمية في تجنب مس القبر والمنبر . التبرك زيادة في تقرير صحة الزيارة وكونها قربة ، فقد ثبت في الكثير من سير الصحابة والتابعين وكبار السلف أنهم كانوا يتبركون بآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبقبره ومنبره .
والأثر في هذا كثير ، نكتفي منه بالنزر اليسير الشاهد على المطلوب :
1 - قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عن الرجل يمس منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتبرك بمسه ويقبله ، ويفعل بالقبر مثل ذلك رجاء ثواب الله تعالى . قال : لا بأس به ( 2 ) . ويؤيد ذلك عن أحمد الرواية الآتية :
2 - عن الحافظ أبي سعيد بن العلا ، وهو معاصر لابن تيمية ، قال : رأيت في كلام الإمام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر ( 1 ) وغيره من الحفاظ : أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيل منبره ، فقال : لا بأس بذلك .

قال : فأريناه التقي ابن تيمية ، فصار يتعجب من ذلك ، ويقول : عجبت من أحمد ، عندي جليل ! ! قال ابن العلا : وأي عجب في ذلك وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصا للشافعي وشرب الماء الذي غسله به ! أخرج هذا ابن الجوزي وابن كثير ( 2 ) ، وهما من أشد الناس اتباعا لأحمد وتعظيما له ، وان ابن كثير خاصة من أشد الناس متابعة لابن تيمية .
3 - وروى ابن حجر العسقلاني عن أحمد أنه لا يرى بأسا في تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبره ( 3 ) .

4 - محمد ابن المنكدر ، وهو من أعلام التابعين ، توفي سنة 130 ه‍ ، كان يجلس مع أصحابه في المسجد النبوي الشريف ، فكان يقوم ويضع خده على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يرجع ، فعوتب في ذلك ، فقال : إنه ليصيبني خطرة ، فإذا وجدت ذلك استشفيت بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يأتي موضعا من المسجد في الصحن فيتمرغ فيه ويضطجع ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الموضع ، يعني في النوم .
ذكرهما عنه الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) ( 1 ) وقد ترجم له ترجمة وافية ، وأثنى عليه ثناء بالغا ، وعده ، نقلا عن نقاد الرجال ، من أجدر التابعين من طبقته ممن يؤخذ منه حتى مراسيله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأرخ مولده ببضع وثلاثين للهجرة ، وهو خال عائشة ، وكان خصيصا بها ، وحين توفيت كان هو ابن نيف وعشرين سنة ( 2 ) .
5 - وأما التبرك بآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو أمر شائع ، وشواهده يطول ذكرها ، نكتفي منها بواحد ، عالي الاسناد ، صريح الدلالة :
أخرج الذهبي من حديث التابعي الكبير عبيدة السلماني المتوفى سنة 72 ه‍ ، وهو من أجل التابعين وأفاضل أصحاب الإمام علي عليه السلام ، ومن أئمة الحديث والقضاء ، وكانوا لا يختلفون في أنه أقضى من شريح ( 3 ) .
قال الذهبي : قيل لعبيدة السلماني : إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا من قبل أنس بن مالك . فقال عبيدة : لان يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض .

وعقب الذهبي قائلا : هذا القول من عبيدة هو معيار كمال الحب ، وهو أن يؤثر شعرة نبوية على كل ذهب وفضة بأيدي الناس ، ومثل هذا ما يقوله هذا الامام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخمسين سنة ، فما الذي نقوله نحن في وقتنا لو وجدنا بعض شعره بإسناد ثابت ، أو شسع نعل كان له ، أو قلامة ظفر ، أو شقفة من إناء شرب فيه ؟ فلو بذل الغني معظم أمواله في تحصيل شيء من ذلك ، أكنت تعده مبذرا أو سفيها ؟ ! كلا .
. فأبذل مالك في زورة مسجده الذي بنى فيه بيده ، والسلام عليه عند حجرته في بلده ، وتملا بالحلول في روضته ومقعده ، فلن تكون مؤمنا حتى يكون هذا السيد أحب إليك من نفسك وولدك وأموالك والناس كلهم . وقبل حجرا مكرما نزل من الجنة ، وضع فمك لاثما مكانا قبله سيد البشر بيقين ، فهنأك الله بما أعطاك ، فما فوق ذلك مفخر ، ولو ظفرنا بالمحجن الذي أشار به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحجر ثم قبل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 74 › ( 1 ) شفاء السقام : 62 - 63 ، مختصر تاريخ دمشق 2 : 408 ، القسطلاني و المواهب اللدنية 4 : 583 . ( 2 ) مناقب أحمد : 400 ، 563 ، 639 ، 642 ، 643 ، 677 وغيرها . ( 3 ) المنتظم في أخبار الملوك والأمم 18 : 248 . ‹ هامش ص 75 › ( 1 ) مناقب أحمد : 6390 ، وأخرجه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 4 : 423 . ( 2 ) مناقب أحمد : 639 . ( 3 ) المنتظم 18 : 55 . ‹ هامش ص 76 › ( 1 ) مناقب أحمد : 607 . ‹ هامش ص 77 › ( 1 ) المنتظم ، والبداية والنهاية : أحداث سنة 470 ه‍ . ( 2 ) المغني / ابن قدامة 3 : 788 . ( 3 ) نقله السبكي في شفاء السقام : 67 عن ( الرعاية الكبرى في الفروع الحنبلية ) . ‹ هامش ص 78 › ( 1 ) ذكره ابن عبد الهادي في الصارم المنكي في الرد على السبكي : 7 المطبعة الخيرية ، القاهرة . ط 1 ، بواسطة الزيارة في الكتاب والسنة / جعفر سبحاني : 28 - 29 . ( 2 ) أخرجه العز بن جماعة ، كما في / وفاء الوفا 2 : 424 . ‹ هامش ص 79 › ( 1 ) مناقب أحمد / ابن الجوزي : 609 ، البداية والنهاية / ابن كثير : 10 : 365 حوادث سنة 241 ه‍ . ( 2 ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 3 : 475 / 1609 . ( 3 ) أبو الفضل ، محمد بن ناصر السلامي البغدادي ، من أئمة الحنابلة في القرن السادس ، وعنه أخذ أبو الفرج ابن الجوزي علم الحديث وعليه قرأ المسانيد ، وكان مقدم أصحاب الحديث في وقته ببغداد . ولد سنة 467 وتوفي سنة 550 ه‍ . سير أعلام النبلاء : 20 : 265 - 270 . ‹ هامش ص 80 › ( 1 ) سير أعلام النبلاء / الذهبي 5 : 358 - 359 . ( 2 ) انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 5 : 353 - 361 . ( 3 ) انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 4 : 40 - 44 . ‹ هامش ص 81 › ( 1 ) سير أعلام النبلاء 4 : 42 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الزيارة والتوسل - صائب عبد الحميد - ص 81 - 84
محجنه ، لحق لنا أن نزدحم على ذلك المحجن بالتقبيل والتبجيل ،
ونحن ندري بالضرورة أن تقبيل الحجر أرفع وأفضل من تقبيل محجنه ونعله .

قال : وقد كان ثابت البناني إذا رأى أنس بن مالك أخذ بيده فقبلها ، ويقول : يد مستها يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فنقول نحن إذا فاتنا ذلك : حجر معظم بمنزلة يمين الله في الأرض مسته شفتا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لاثما له . . فإذا فاتك الحج ، وتلقيت الوفد فالتزم الحاج وقبل فمه ، وقل : فم مس بالتقبيل حجرا قبله خليلي صلى الله عليه وآله وسلم ( 1 ) .
وفي كلام الذهبي هذا تعريض واضح بابن تيمية وأتباعه ، وهو يحث على شد الرحال لزيارة قبره ، وبذل الأموال من أجل ذلك ، بل من أجل الحصول على شيء من آثاره ، ولو شسع نعل كان له .

وخلاصة القول : إن التبرك بمس قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنبره وآثاره أمر معروف عند متقدمي السلف ، مشهود بينهم ، وسائر الفقهاء لا يخالفون في هذا ، غير أن بعضهم كان يرى أن التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقتضي أن لا يدنو الزائر من قبره كثيرا ، بل يقف أمامه على فاصلة ، بكل إجلال ، كما لو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائما أمامه ، وهو رأي لا نكارة فيه لمن يرى هذا من التأدب ، وهو بعد لم يستند إلى أدلة تجعل منه السنة الثابتة في الزيارة ، إن القائلين به أيضا كانوا يستثنون من غلبته شدة الشوق ، فقبل القبر أو المنبر ، أو رمى بنفسه عليهما ، ولا ريب أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يصنعون معه مثل هذا في حياته في حالات الشوق الشديد الذي لا يمتلك معه المرء نفسه ، وقد كان ذلك مما يبعث في نفسه الشريفة الارتياح ، ويزيده لهم محبة ، وعليهم رحمة وشفقة .
كما اتفقوا أيضا على أن من فعل ذلك لغرض التبرك وحده ، فلا بأس به ، ولا نكارة عليه . وإنما كرهوا أن يكون ذلك تصنعا ، وأن يتخذه المرء عادة وسنة ، دون أن يكون ذلك مصحوبا بشوق حقيقي .
وهو المستفاد مما نسب إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام - على فرض صحة إسناده - وقد رأى رجلا يفعل ذلك مرارا وفي كل يوم ، فقال له : ما يحملك على هذا ؟ . قال : أحب التسليم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فقال له زين العابدين عليه السلام : هل لك أن أحدثك عن أبي ؟ . قال : نعم . قال عليه السلام : حدثني أبي ، عن جدي ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تجعلوا قبري عيدا ، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي وسلموا حيث ما كنتم ، فسيبلغني سلامكم وصلاتكم ( 1 ) .
وأخرج عبد الرزاق في ( المصنف ) نحو هذا عن الحسن بن علي عليهما السلام .

وليس في هذا الكلام إنكار لأصل الزيارة ، لا سيما بعد أن ثبت أنهم يفعلونها ، وأنهم مجمعون على صحتها وكونها قربة ، ولكنه لما رأى الرجل قد جاوز الحد في صنيعه عند القبر ، مكررا ذلك غداة كل يوم كما جاء في صدر الخبر ، الامر الذي يبعد معه احتمال كونه يصنع ذلك كله بشوق حقيقي خال من التصنع ، أنكر عليه ذلك ، وأراد تعليمه أن السلام يبلغه ولو من بعد ، دون الحاجة إلى هذا القدر من التصنع المكرر يوما بعد آخر .
ويشهد لهذا أحاديث كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام ،

منها : - حديث الإمام الباقر عليه السلام عن أبيه علي بن الحسين نفسه ، أنه كان يقف على قبر النبي ويلتزق بالقبر ( 2 ) .
- وأن الإمام الصادق عليه السلام كان يأتي قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضع يده عليه . وسيأتي بكامله مع أحاديث أخرى مماثلة في ( آداب الزيارة ) .
- وحديث الإمام الصادق عليه السلام : مروا بالمدينة فسلموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قريب ، وإن كانت الصلاة تبلغه من بعيد ( 3 ) .

- وقوله عليه السلام : صلوا إلى جانب قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كانت صلاة المؤمنين ‹ تبلغه أينما كانوا ( 1 ) .
وسيأتي في ( آداب الزيارة ) أن الأئمة عليهم السلام وسائر أهل العلم كانوا يعلمون الناس سننا وآدابا خاصة في الزيارة ، ليتمسك بها الناس ، فلا يتجاوزونها .
وشأن الزيارة في ذلك شأن سائر العبادات
والقربات المحفوفة بالسنن والآداب .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 81 › ( 1 ) سير أعلام النبلاء 4 : 42 . ‹ هامش ص 83 › ( 1 ) أخرجه السبكي عن القاضي إسماعيل في كتاب ( فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) ، شفاء السقام : 79 . ( 2 ) الكافي 4 : 551 / 2 . ( 3 ) الكافي 4 : 552 / 5 - كتاب الحج - باب دخول المدينة وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ‹ هامش ص 84 › ( 1 ) الكافية 4 : 553 / 7 تهذيب الأحكام 6 : 7 / 4 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


 

رد مع اقتباس