في علمه وشرف نفسه الزكية:
إن علوم أهل البيت عليهم السلام لا تتوقف على التكرار والدرس ولا يزيد يومهم فيها على ما كان في الأمس ولا يعلمونها بالقياس والفكر والحدس لأنهم المخاطبون في أسرارهم المكلمون بما يسألونه قبل ارتداد النفس فسماء معارفهم وعلومهم بعيدة عن الإدراك واللمس فمن أراد ستر فضائلهم كان كمن أراد ستر وجه الشمس وهذا مما يجب أن يكون ثابتا مقررا في النفس فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة ويقفون على حقائق المعارف في خلوات العبادة وتناجيهم أفكارهم في أوقات أذكارهما ا بما تسنموا به غارب الشرف والسيادة ويحصلون بصدق توجههم إلى جنات القدس ما بلغوا به منتهى السؤال والإرادة فهم كما في نفوس أوليائهم ومحبيهم وزيادة فما تزيد معارفهم في زمان الشيخوخة على معارفهم في زمان الولادة فهم خيرة الخير وزبدة الحقب وواسطة القلادة وهذه أمور تثبت لهم بالقياس والنظر ومناقب واضحة الحجول بادية الغرور ومزايا إشراق الشمس والقمر وسجايا تزين عنوان التواريخ وعيون السير فما سألهم مستفيد أو ممتحن فوقفوا ولا أنكر منكر أمرا من أمور الدين إلا علموا وعرفوا ولا جروا مع غيرهم في مضمار شرف إلا سبقوا وقصر مجاروهم وتخلفوا سنة جرى عليها الذين تقدموا وأحسن إتباعهم الذين خلفوا وكم عانوا في الجلاد والجدال أمورا فتلقوها بالرأى الأصيل والصبر الجميل وما استكانوا ولا ضعفوا فلهذا وأمثاله سموا على الأمثال وشرفوا . فأيهم اعتبرت أحواله وتدبرت أقواله وشاهدت جلاده وجداله وجدته فريدا في مآثره وحيدا في مزاياه ومفاخره مصدقا قديم أوله بحديث آخره . فقد أفرغوا في قالب الكمال وتفردوا بجميل الخلال وارتدوا مطارق المجد والجلال وقالوا فأبانوا وبينوا تقصير كل من قال وأتوا بالإعجاز الباهر في الجواب والسؤال تقر الشقاشق إذا هدرت شقاشقهم وتصغي الإسماع إذا قال قائلهم أو نطق ناطقهم ويكثف الهواء إذا قيست به خلائقهم ويقف كل ساع عن شأوهم فلا تدرك غايتهم ولا تنال طرائقهم سجايا منحهم بها خالقهم وأخبر بها صادقهم فسربها أوليائهم وأصادقهم وحزن لها مباينهم ومفارقهم فانه صلى الله عليه وآله وسلم أزال الشبهة والالتباس وصرح بفضلهم لئلا يفتقر في إيضاحه إلى الدليل والقياس ونطق معلنا بشرفهم الدانى الثمار الزاكى الغراس فقال لو سمع مقاله إنا بنى عبد المطلب سادات الناس صلى الله عليه وعليهم أجمعين صلاة دائمة باقية إلى يوم الدين . وقد حل الحسن عليه السلام من هذا البيت الشريف في أوجه ويفاعه وعلا محله فيه علوا تطامنت النجوم عن ارتفاعه واطلع بصفاء سره على غوامض المعارف فكشفت له الحقائق عند اطلاعه وسار صيته بالفواضل والفضايل فاستوى الصديق والعدو في استماعه فلما اقتسمت غنائم المجد حصل على صفاياه ومرباعه فقد اجتمع فيه وفي أخيه عليهما السلام من خلال الفضل ما لا خلاف في اجتماعه وكيف لا يكونا كذلك وهما ابنا على وفاطمة عليه السلام بلا فصل وسبطا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاكرم بالفرع والأصل والسيدان الإمامان قاما أو قعدا فقد استوليا على الأمد وحازا الخصل والحسن عليه السلام هو الذي أرضى غرب السنان وحد النصل وغادر جثث الأعداء فرائس الكواسب بالهبر والفصل (كشف الغمة ابن أبي الفتح الإربلي ج 2 ص 224)
|