10-17-2011, 04:39 PM
|
#2
|
المشرف العام
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 11
|
تاريخ التسجيل : May 2010
|
أخر زيارة : 11-30-2012 (04:20 PM)
|
المشاركات :
735 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
المبحث الثاني: لماذا التشبيه بالحمار؟
هنا يبرز هذا السؤال، وهو ما هو السبب لضرب المثل بالحمار؟ يذكر العلماء سببين لذلك:
1ـ يقول علماء الحيوان: إنّ هذا الحيوان أغنى الحيوانات، ويخضع لما يراد به. يقول أحد الشعراء:
و لا يقيم على ضيم يراد به *** إلا الأذلاّن عير الحي والوتدُ هذا على الخسف مربوط برقته *** وذا يشبح فلا يرثي له أحدُ(5) 2ـ أنّه سهل التحميل، سهل الانقياد، وإن كانت هذه ظاهرة عامة، حيث سخّر الله لنا جميع الحيوانات، لكن هذا الحيوان أكثر يسراً و سهولة من غيره عند الحمل. يقول عزّ من قائل: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}، فصنّفها على أنّ بعضها للحمل وبعضها للزينة، فالفرس للزينة والحمار، للحمل و معناه أن لا نجعل ما للزينة للحمل، و ما للحمل للزينة. والله تعالى إنما يعلمنا أن نضع الشيء المناسب في مكانه المناسب، ولو نلتفت قليلاً نرى أنّ من أكبر مشاكلنا في تاريخنا المعاصر أن نضع الرجل غير مناسب في مكان غير قادر على إدارته، وغير لائق له، فمهما امتلكنا من كفاءات وقدرات و طاقات في مجتمعاتنا تبقى رهينة أن تدخل الاستثمار، رغم حاجتنا لها لأننا دائماً و دائماً ما نكون مأسورين بعقليات غير قادرة على القيادة والتخطيط والتنظيم، وهذا من الأسباب الأساسية في تضييع الكفاءات و أهلها والعلم وأهله. وهنا أذكر قصّة لطيفة: أنّه صعد أحد علماء النحو في سفينة فاخذ يداعب الملاح فقال له: هل تعرف كيف تعرب سارت السفينة في الماء؟ فقال الملاح: لا فقال عالم النحو: ذهب نصف عمرك. وبعد قليل جاءت رياح عاتية فأوشكت السفينة على الغرق فقال له الملاح: هل تعرف العوم؟ قال: لا. قال: ذهب عمرك كلّه. إذن، لكل مخلوق ميدان، فالواجب ألا نخلط بين الميادين، فلو عرف كل واحد منّا تخصّصه لما أصبحنا نعيش هذه المشاكل، فالكثير من الأشخاص يدّعون ما ليس فيهم. سُئل أحد العلماء عن مسألة، فقال: لا أعرفها. فقال له أحد أصحابه: لا تقل: لا أعرفها. فقال له: أنا لا أتدخل في أمر ليس من اختصاصي وأكون السبب في تضليل غيري. ومن هناأ لاشك أن المعنى قد وصل من ضرب هذا المثل.
المبحث الثالث: ثغرة (العالم غير العامل)
ثم انتقلت الآية الكريمة فقالت { بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي: الذين حمّلوا الآيات وكذّبوا بها وعارضوا مضمونها، وهم اليهود ونظائرهم، وهذه الحالة تعتبر احدى الثغرات التي توجد في تاريخنا، وهو ما يسمى بـ (العالم غير العامل)، أي: يحمل الحكم الشرعي و لا يعمل به. وهنا أذكر أبياتاً جميلة لأحد الأدباء يقول فيها:
يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذي لسقام وذي *** الضنا كيما يصح به وأنت سقيم وأراك تصلح بالرشادعقولنا *** أبداً وأنت من الرشاد عديم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فاذا انتهت منه فأنت حكيم فهناك يُسمع ما تقول ويقتدى *** بالقول منك وينفع التعليم لا تنه عن خلق وتأتي بمثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم(6) يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): (ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالاجلال من معلم الناس و مؤدبهم بلسانه). فعلىالسيرة أن تطابق اللّسان يقول صادق آل محمد(عليه السلام): (كونوا دعاة لنا صامتين). فكيف يكون داعياً وهو صامت؟ الداعية الصامت هو من يدعو الناس بأخلاقه، فاذا رآه الناس مستقيماً عفيفاً متادباً بآداب الاسلام وليس في سلوكياته شذوذ وميل للاعتداء علىالآخرين، فإنهم سيتبعونه لأخلاقه هذه، وسيتأثّرون به وهذا أفضل من كثير من الدعاة ممّن يصعد المنبر ويدعو الناس للصلاح وهو يعيش في بؤرة الفساد، فمثل هذا لن يكون لكلامه أدنى تأثير، لأنه واعظ غير متعظ يُروى أن التستري دخل عليه رجل وقال له: أنا عبد مملوك، وعندك ناد للموعظة، وهذا الذي يملكني يجلس كل ليلة تحت منبرك، فأريدك أن تتناول فضيلة العتق حتى يرقّ لحالي فيعتقني. فمرّت على المحاورة ستة أشهر و لم يتكلم التستري بذلك، إلى أنّ ذات يوم صعد منبره وتناول فضيلة العتق، والأجر المترتب عليه، وفي اليوم الثاني أعتق المالك عبده هذا، فجاء العبد للتستري وقال له: جزاك الله خيراً فقد أعتقني، لكن سيدي أريدأاسألك عن السبب في تأخّرك في هذه الموعظة فقال له: أنا لم أعتق عبداً من قبل لكنّني خلال هذه الفترة جمعت مالاً فاشتريت به عبداً ثم أعتقته حتى أعظ بما أكون قد سبقت الناس إليه وطبقته، وحتى أكون قد مارست التعاليم عملياً، فتأخذ موعظتي أثرها من النفوس، فانا لم أقدم على الكلام حول هذا الأمر حتى طبقته عمليا. و هذا هو السبب في أننا لا نملك رجالاً في غاية الأهميّة كما كانوا من قبل، فإن جميع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يطبقون الشيء عملياً قبل أن يقولوه، ولذلك نجد أن أثرهم على السامع لاحدود له، فنحن قد نقول كثيراً ممّا لا نطبقه ونجسّده، ولذلك تصبح كلمتنا غير مؤثرة وهذا هو الدافع الذي يقول القرآن الكريم من أجله: {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ...}.
|
|
يــــا لـثارات الـــزهــــــراء
|