شبهة العلياني حول التبرك
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 42
--------------------------------------------------------------------------------
شبهة للعلياني
قال علي بن نفيع العلياني: وعلى هذا فإن أهل الجاهلية كحال أي إنسان، يرغبون في النماء والزيادة في أموالهم وأبدانهم وقبائلهم وأولادهم، وكل ما يحتاجونه في هذه الحياة الدنيا، وهذا النماء والزيادة الذي هو جوهر البَرَكة إنّما يطلبونه من أصنامهم لاعتقادهم أن هذه الأصنام يأتي من قبلها الخير الكثير وأنّها مباركة، وحتى الذين ينسبون الفعل الى الله عزّ وجل، فهم يعتقدون أن هذه الأصنام وما يسكنها من روحانيات لها تأثير في التأثير على الله... لكي يحقق لهم ما يريدون، وهذا معنى قولهم (ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا الى الله زلفى) ولأجل ذلك كان التبرّك مظهراً من مظاهر الوثنية في الجاهلية الاُولى!(1) إنّ هذا الكلام البعيد عن المنطق يريد أن يساوي بين نيّة وعمل المسلمين وما يقابلها عند المشركين، فهو يحتجّ بقوله تعالى في الآية التي أوردها، متناسياً أن سياق الآية يقول على لسان المشركين (ما نعبدهم)، ولم يقل ما نتبرّك بهم، فأهل الجاهلية من المشركين كانوا يطلبون الأشياء التي ذكرها العلياني لاعتقادهم بأنّ هذه الآلهة تضرّ وتنفع بمعزل عن قدرة الله تعالى، فالجاهلي لم يكن يعتقد بالبعث والنشور والثواب والعقاب، لذا كان يتعبّد هذه
____________
1- التبرّك المشروع: 53.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 43
--------------------------------------------------------------------------------
الأصنام لاعتقاده بأنّها تستطيع أن تلحق به الضرّر المادّي في الدنيا كإهلاك ماشيته وزرعه أو إصابته بمرض عضال وغير ذلك، وفي نفس الوقت كان يعتقد قدرتها على منحه ما يحتاج إليه من خيرات، لذا كان يعبدها ويقدّم لها القرابين، وأين عمل المشركين هذا من عمل المسلمين الموحدين الذين يعتقدون أن الخير كلّه من عند الله سبحانه وتعالى. وأن بركاته تنزل بإذنه هو، مع إخباره في كتابه العزيز عن وجود مخلوقات له جعل فيها خصوصية وجعلها مباركة، ولأنه سبحانه يحب هذه المخلوقات المباركة، فقد أكرمها بأن جعلها سبباً لاستجابة دعاء المخلوقين بتوسلهم بها لكرامتها عند الله؟! ولعل خير ما يمثل عقيدة المسلمين في التبرّك هو قول الخليفة العباسي المأمون للقاضي يحيى ابن أكثم:
وإنّ الرجل ليأتيني بالقطعة من العوذ أو بالخشبة أو بالشيء الذي لعل قيمته لا تكون إلاّ درهماً أو نحوه، فيقول: إن هذا كان للنبي(صلى الله عليه وآله)، أو قد وضع يده عليه، أو بأسافله، أو مسّه، وماهو عندي بثقة ولا دليل على صدق الرجل، إلاّ أني بفرط النيّة والمحبّة أقبل ذلك فأشتريه بألف دينار وأقل وأكثر، ثم أضعه على وجهي وعيني وأتبرّك بالنظر إليه وبمسّه، فأستشفي به عند المرض يصيبني أو يصيب من أهتم به، فأصونه كصيانتي لنفسي، وإنّما هو عود لم يفعل هو شيئاً ولا فضيلة له تستوجب به المحبّة إلاّ ما ذكر من مسّ
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 44
--------------------------------------------------------------------------------
رسول الله(صلى الله عليه وآله) له(1).
فالمأمون يعلم أن هذا العود لا ينفع ولا يضرّ بذاته، ولكنه يقدّسه إكراماً للنبي(صلى الله عليه وآله)، وكذلك هي عقيدة المسلمين، فأين من ذلك عقيدة المشركين!
____________
1- تاريخ بغداد لابن طيفور: 45.
|