مناقشة ( فضل الله ) في تفسير آية تفاضل الأنبياء
[ 29 مغالطته في اية التفضيل ]
حوار مع فضل الله حول الزهراء (س)
- السيد هاشم الهاشمي - ص 62 – 65
مناقشة ( فضل الله ) في تفسير آية تفاضل الأنبياء
ولكن فضل الله ذهب في تفسير هذه الآية أن المراد من التفضيل ليس هو تفضيل القيمة بحيث يستوجب التقدم وعلوم المنزلة والقرب من الله سبحانه وتعالى ، وقد استشهد على ذلك ببعض الآيات القرآنية التي تحدثت عن تفضيل بني إسرائيل على العالمين مع ما ورد في كثير من الآيات من ذمهم ولعنهم مما يعني أن تفضيلهم كان تفضيل نعمة لا قيمة ( 3 ) .
‹ صفحة 63 ›
ويقال في جواب هذا الادعاء :
أنه لا خلاف في أن استخدام لفظ التفضيل قد اختلف في الآيات القرآنية ، فبعضها يشير إلى تفضيل النعمة كقوله تعالى :
( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ) ( 1 ) ، وقوله تعالى : ( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ) ( 2 ) ،
ولكن بعضها الاخر يشير إلى تفضيل القيمة مثل قوله تعالى :
( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) ( 3 ) .
ويظهر من سياق الآيات السابقة وجه الفرق في جهة التفضيل ، فإن قيمومة الرجل على المرأة أو سعة الرزق إنما تكون فيما يخص أمر المعاش والحياة الدنيوية ، أما تقدم المجاهدين على القاعدين فهو يعود للعمل المقرب من الله والثواب الأخروي .
ولذا لابد في التمييز بين جهتي التفضيل هو ملاحظة مضمون الآية وسياقها ، وفيما نحن فيه فإن الآية بمضمونها وسياقها تدل على أن التفضيل هنا تفضيل للقيمة ، فهي تتحدث عن التفاضل بين الرسل الذين لهم مقامات عالية في القرب من الله عز وجل لا الأمم والناس العاديين ، وكذلك تشير إلى وجود جهات للتفضيل بينهم ، فمنهم من كلم الله ، ومنهم من أيده الله بروح القدس وآتاه البينات ، وهذه الجهات لهي من كرامات الله في حق كل واحد منهم ولا يمكن لأي إنسان عادي أن يبلغها ، بل لم يبلغها أي نبي غير الذي اختص بها ، فهي من مختصات بعضهم دون الاخر ، ويشهد لذلك ما ذكرناه سابقا من رواية العياشي في تفسيره عن الامام الصادق عليه السلام ( 4 ) .
ويؤيد ذلك أقوال علمائنا في تفسير الآية ، فقد قال الشيخ الطوسي :
( إنما ذكر الله تعالى تفضيل بعضهم على بعض لأمور : منها أن لا يغلط غالط منهم فيسوي بينهم في الفضل كما استووا في الرسالة . . . ) ( 5 ) ، وتبعه على ذلك الطبري في تفسيره ( 6 ) .
وقال العلامة الطباطبائي :
( وفيه دلالة على التفضيل الإلهي الواقع بين الأنبياء عليهم السلام ففيهم من هو أفضل وفيهم من هو مفضل عليه ، وللجميع فضل فإن الرسالة في نفسها فضيلة وهي مشتركة بين الجميع ، ففيما بين الرسل أيضا اختلاف في المقامات وتفاضل في الدرجات مع اتحادهم في أصل الفضل وهو الرسالة ، واجتماعهم في مجمع الكمال وهو التوحيد ، وهذا بخلاف الاختلاف الموجود بين أمم الأنبياء بعدهم فإنه اختلاف بالايمان والكفر والنفي والاثبات ، ومن المعلوم أن لا جامع في هذا النحو من الاختلاف ، ولذلك فرق تعالى ‹ صفحة 64 › بينهما من حيث التعبير فسمى ما للأنبياء تفضيلا ونسبه إلى نفسه ، وسمى ما عند الناس بالاختلاف ونسبه إلى أنفسهم ، فقال في مورد الرسل ( فضلنا ) وفي مورد أممهم ( اختلفوا ) ( 1 ) .
وقال السيد عبد الاعلى السبزواري : ( ورسل الله تعالى كلهم يشتركون في فضيلة الرسالة ، ويستوون في هذا الموهبة الإلهية والمنحة الربانية ، ويتفقون في أصل النبوة القابلة للتشكيك إلى مراتب متفاوتة ، وهم حقيقون بالاتباع وجديرون بالاقتداء بهديهم ، إلا أنهم متفاضلون في الدرجات ويتفاوتون في المقامات ، ففيهم من هو أفضل ومن يكون مفضلا عليه بما امتاز به الأفضل من الخصائص ، التي لا يعلمها إلا الله تعالى ، قال عز وجل :
( الله يجتبي من رسله من يشاء ) والمراد بالرسل جميعهم ، ولكن خص بعضهم بالذكر والوصف تعظيما أو لأجل بقاء أتباعهم ، وهم ثلاثة من أولي العزم : موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم . . .
ورفع الدرجة من الأمور الإضافة النسبية ، فيصح أن يكون لرسول رفع درجة من جهة ولآخر رفع درجة من جهة أخرى ، ولا ريب في أن لسيد الأنبياء صلى الله عليه وآله أرفع الدرجات على سائر الأنبياء . . . . ويستفاد من الآية الشريفة أمور :
الأول : الآية الشريفة تنص على تفضيل رسل الله بعضهم على بعض ، وهو لا يكون على حد الالجاء والاضطرار ، بل ينتهي إلى الاختيار لترتفع الدرجات وتزداد المثوبات ، وليس ذلك من قبيل تفضيل الأحجار الكريمة على سائر الأحجار ، فقد شاء الله تعالى أن يكون بين رسله تفاضل حاصل من اختيارهم ، ليكون لهم الجزاء الأوفى والدرجات العالية .
إن قلت : إنه ذكرتم التفاضل قد يكون بحسب الذوات الشريفة ، فربما يكون بعض الأنبياء أكثر استعدادا من غيره ، وهو خارج عن الاختيار ، كما ورد عن نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله : ( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ) .
قلت : إن ذلك لم يكن على نحو العلية التامة المنحصرة ، بل هو من مجرد الاقتضاء فقط ، وإلا لزم فيه مفاسد كثيرة ، لا يمكن الالتزام بها ، فيكون المقام مثل قوله تعالى :
( فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) ، وليس مثل قوله تعالى : ( ونفضل بعضها على بعض في الاكل ) الذي يكون غير اختياري . . . . ( إلى أن يقول )
الخامس : ذكر بعض المفسرين إشكالا على تفسير هذه الآية المباركة ، بما ورد عن نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله بطرق مختلفة :
لا تخيروا بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون - أي يغشي عليهم - يوم القيامة ) .
وقوله صلى الله عليه وآله : ( لا تفضلوا بين أنبياء الله ) ، وفي بعض الاخبار عنه صلى الله عليه وآله : ( لا تخيروني على موسى ) ، أو : ( لا ينبغي لاحد ‹ صفحة 65 › أن يقول أن خير من يونس بن متى ) . وهو مردود ، لان النهي راجع إلى الترجيح من عند أنفسهم لا التفضيل والترجيح الذي أثبته الله تعالى لهم ، وقد ذكرنا أن التفضيل بما فضله الله تعالى أمر لابد منه . ويمكن أن يحمل على أصل النبوة والرسالة الإلهية ، كما أمرنا بذلك ، قال تعالى :
( لا نفرق بين أحد من رسله ) ، والتفضيل في غير ذلك كما بينه الله تعالى في آيات متعددة من القرآن الكريم ) ( 1 ) .
وفيما قالوه الجواب الشافي لمن كان له عقل وفكر سليم ، ويلاحظ أن فضل الله في تفسيره هذا للآية المباركة قد ناقض ما سبق أن قاله في أحد كتبه حول المراد من الآية !
فقد قال في كتابه ( الحوار في القرآن ) :
( وقد نلتفت ونحن نتابع المشهد في الحركة السريعة التي يتصاعد فيها الايمان ويتعاظم كمثل الطوفان الذي يكتسح أمامه كل معاني القلق والحيرة إلى موقف نوح ، في قصة ولده مقارنا بموقف إبراهيم لنرى بعض الفروق والمميزات التي يتميز فيها الأنبياء بإيمانهم وملكاتهم الروحية ، وإن كان لكل واحد منهم منزلته وقيمته الكبيرة عند الله ، كما في قوله تعالى ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) ( 2 ) .
وهذا التناقض كاشف عن أمور كثيرة منها فقدان المبنى والأساس العلمي في الآراء ، وأن آراءه لا تعدو الاستحسان والاستمزاج المتبدل مع كل مناسبة ، وهكذا يكون الحال مع ( رجالة تعتقل الرماح ) !
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 62 ›
( 1 ) أمالي الصدوق : ص 236 - 237 . ( 2 ) الآية 253 من سورة البقرة . ( 3 ) من وحي القرآن : ج 5 ، ص 7 .
‹ هامش ص 63 ›
( 1 ) الآية 34 من سورة النساء . ( 2 ) الآية 71 من سورة النحل . ( 3 ) الآية 95 من سورة النساء . ( 4 ) تفسير العياشي : ج 1 ، ص 135 ، ح 447 . ( 5 ) تفسير التبيان : ج 2 ص 303 . ( 6 ) مجمع البيان : ج 2 ، ص 358 ، ط دار إحياء التراث العربي .
‹ هامش ص 64 ›
( 1 ) الميزان في تفسير القرآن : ج 2 ص 310 .
‹ هامش ص 65 ›
( 1 ) مواهب الرحمن : ج 4 ، ص 154 و 156 و 161 . ( 2 ) الحوار في القرآن : ص 260 . ( 3 ) مجلة الموسم : العدد 21 ، السؤال 1097 . ( 4 ) نشرة بينات الصادرة بتاريخ 18 / 4 / 1997 م ، نقلا عن حوار دار بينه وبين أحد الباحثين الفرنسيين .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|