موارد بطلان الإجارة وفسخها :
موارد بطلان الإجارة وفسخها :
ونقصد بذلك بطلانها بعد انعقادها
لا عدم انعقادها رأسا ، لأن من الواضح
أن عدم انعقادها إنما يكون في صورة عدم
توفر أحد الشروط اللازمة في انعقادها ،
وأما بطلانها بعد انعقادها فإنما يتم في
الموارد التالية :
ألف - التقايل : فإذا استقال أحد
الطرفين صاحبه فأقاله تنفسخ الإجارة كما
في سائر العقود .
راجع : إقالة .
ب - جريان أحد الخيارات الجارية
في الإجارة كما سيتضح .
‹ صفحة 230 ›
ج - الموت : اختلف الفقهاء في بطلان
الإجارة بالموت على أقوال :
أولا - بطلان الإجارة بموت كل من
المؤجر والمستأجر ، وهو منسوب إلى
القدماء ، قال الشيخ في الخلاف : " الموت
يبطل الإجارة سواء كان موت المؤجر أو
المستأجر . . . " ( 1 ) .
ونسبه في الشرائع ( 2 ) إلى المشهور
بين الأصحاب .
ثانيا - التفصيل بين المستأجر فتبطل
بموته والمؤجر فلا تبطل ، وهو منسوب
للشيخ أيضا لكن الذي قاله في المبسوط
هو : أن " الموت يفسخ الإجارة سواء كان
الميت المؤجر أو المستأجر عند أصحابنا ،
والأظهر عندهم أن موت المستأجر يبطلها
وموت المؤجر لا يبطلها ، وفيه خلاف " ( 3 ) .
ولم يظهر منه اختياره .
ثالثا - عدم البطلان مطلقا وهو
المعروف بين المتأخرين ، قال في الجواهر :
" وقال آخرون : لا تبطل بموت أحدهما
وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده ،
وأشهر بين المتأخرين ، بل هو المشهور
بينهم ، بل في المسالك نسبته إليهم أجمع ،
ولعله كذلك إلا ما سمعته من ابن سعيد ،
وما يظهر من تذكرة الفاضل من الميل إلى
الأول مع أن خيرته في باقي كتبه : الأخير ،
كابن إدريس والمصنف والفخر
والشهيدين . . . " ( 1 ) .
ثم ذكر باقي الفقهاء الذين اختاروا
عدم البطلان .
موارد تبطل الإجارة فيها بالموت
وهي :
1 - إذا كانت العين موقوفة على
المؤجر : فإذا مات المؤجر - في هذه
الصورة - بطلت الإجارة ، لأن ملكية كل
بطن للعين الموقوفة محدودة بحياته كملكية
منافعها إلا إذا أجاز البطن اللاحق فتصح
الإجارة حينئذ .
هذا إذا كان المؤجر هو الموقوف
عليه ، أما لو كان الناظر وكانت الإجارة
لمصلحة الموقوف عليه لم تبطل ( 2 ) .
‹ صفحة 231 ›
2 - إذا كانت العين موصى بها
للمؤجر ما دام حيا فتكون هذه الصورة
كسابقتها إلا أن بقاء الإجارة بعد موته
موقوف على إجازة من بيده الإجازة ( 1 ) .
3 - إذا كان الأجير أجيرا خاصا
فمات كما إذا استأجر شخصا معينا لعمل ما
فمات ، فتنفسخ الإجارة .
د - إذا اشترط على المستأجر
استيفاء المنفعة بنفسه كما إذا استأجر سيارة
واشترط المؤجر عليه استيفاء المنفعة
بنفسه ، فطرأ عذر عن الانتفاع بها . والعذر
تارة عام وتارة خاص .
الأول - إذا كان العذر عاما : كما إذا
منع الطريق للعموم لسبب ما ، ففي العروة
والمستمسك ( 2 ) والمستند ( 3 ) اختيار البطلان ،
ونقل في المستمسك عن القواعد وجامع
المقاصد القول بتخيير المستأجر بين الفسخ
والإبقاء .
ثانيا - إذا كان العذر خاصا : فهنا
تارة يشترط المباشرة وتارة لا يشترط :
ألف - إذا لم يشترط المباشرة : فلا
تبطل الإجارة قطعا ، والصورة خارجة عن
مورد البحث .
ب - إذا اشترط المباشرة : وهنا تارة
يكون الشرط على نحو القيدية بحيث يكون
من باب وحدة المطلوب لا تعدده ، ففي
هذه الصورة استظهر في العروة البطلان
وارتضاه في المستمسك ( 1 ) ثم احتمل
- صاحب العروة - الصحة واستظهرها في
المستند ( 2 ) أيضا ، لأن المصحح للإجارة هو
الحيثية القائمة بالعين ، وهي أن تكون قابلة
للانتفاع ، لا الحيثية القائمة بالمستأجر وهي
قدرته على الانتفاع ، والمفروض حصول
الحيثية الأولى .
وتارة لم يكن على نحو القيدية ،
ويظهر من مفهوم كلام صاحب العروة
عدم البطلان ، ولكن بناه في المستند ( 3 ) على
أن الشرط الفاسد مفسد للعقد أو لا ؟
فعلى الأول يكون العقد باطلا دون الثاني
واختار هو عدم البطلان .
‹ صفحة 232 ›
ه - تلف العين المستأجرة :
إن تلف العين المستأجرة يتصور
على أنحاء ، تبطل الإجارة في بعضها ،
وهي :
1 - تلف العين قبل القبض ، والظاهر
لا إشكال في بطلان الإجارة إذا كانت
العين المستأجرة شخصية ، قال في العروة :
" إذا تلفت العين المستأجرة قبل قبض
المستأجر بطلت الإجارة . . . " ( 1 ) . وعلق
عليه في المستمسك قائلا : " بلا خلاف
نعلمه ، كما في محكي التذكرة ، ونحوه في
الجواهر . . . " ( 2 ) . وعلق عليه في المستند
قائلا : " ما ذكره ( قده ) من البطلان في
التلف قبل القبض . . . هو المعروف
والمشهور . . . " ( 3 ) .
وأما إذا كانت العين المستأجرة كلية
فيظهر منهم عدم بطلان الإجارة ، بل
ينفسخ الوفاء ، فعلى المؤجر أن يدفع فردا
آخر ، قال في العروة : " إذا آجر دابة كلية ،
ودفع فردا منها فتلف ، لا تنفسخ الإجارة ،
بل ينفسخ الوفاء ، فعليه أن يدفع فردا
آخر " ( 1 ) لتبين أن المدفوع ليس فردا
لموضوع الإجارة ، ( 2 ) أو لأن التلف لم يقع
على ما وقعت عليه الإجارة ، وهو المنفعة
الكلية القائمة بالعين الكلية ( 3 ) .
2 - أن تتلف بعد القبض وقبل
استيفاء شئ من المنافع ، ففي هذه الصورة
تبطل الإجارة أيضا ولكن بشرط أن
يكون التلف بعد القبض بلا فصل ، وأما إذا
انقضت بعض المدة ثم حصل التلف وإن لم
يستوف شيئا من منافعها صحت الإجارة
فيما مضى وبطلت في الباقي ( 4 ) ، وستأتي
الإشارة إلى كيفية التوزيع .
3 - أن يكون بعد القبض واستيفاء
بعض المنفعة ، والحكم في هذه الصورة هو
صحة الإجارة فيما مضى وبطلانها في
الباقي ، وأما كيفية توزيع الأجرة ، ففيه
‹ صفحة 233 ›
نظران :
الأول - أن يسترجع من المسمى ما
قابل المنفعة غير المستوفاة إن نصفا
فنصف ، وإن ثلثا فثلث ، وإن ربعا فربع ،
وهذا هو المعروف .
الثاني - استرجاع جميع المسمى
ودفع أجرة مثل ما قابل المنفعة المستوفاة ،
وهذا ما قواه صاحب العروة ، لأن مقتضى
فسخ العقد ذلك ( 1 ) .
هذا إذا كانت الأجزاء متساوية
بحسب الزمان أو غير ذلك ، وإلا لزم
مراعاة ما هو المؤثر في القيمة في كيفية
التقسيط .
4 - أن يتلف بعض العين بعد استيفاء
بعض المنفعة كما إذا استأجر دارا فتلف
بعض بيوتاتها ، فهنا تصح الإجارة فيما
مضى وتصح فيما بقي بالنسبة مع ثبوت
خيار تبعض الصفقة للمستأجر ، قال في
العروة : " إذا تلف بعض العين المستأجرة
تبطل بنسبته ويجئ خيار تبعض
الصفقة " ( 2 ) .
5 - لو لم تتلف العين بل نقصت
المنفعة كما إذا نقص ماء الأرض المعدة
للزراعة أو الرحى ، أو مرض الأجير
أو . . . فقال في الحدائق : يثبت الفسخ
للمستأجر كما هو المشهور ( 1 ) ، ومثله قال في
الجواهر أيضا ( 2 ) .
6 - ما لو عرض على العين ما
يوجب زوال المنفعة كما لو استأجر أرضا
للزراعة لكنه استولى عليها الماء وخرجت
عن الانتفاع ففي الحدائق : لا إشكال في
بطلان الإجارة ، لأن من شروط الإجارة
أن يكون للعين نفع يترتب عليها ( 3 ) ، ومثله
في الجواهر ( 4 ) .
7 - إذا حدث للمستأجر عذر في
الاستيفاء كما لو استأجر دابة لتحمله إلى
بلد فمرض المستأجر ولم يقدر على السفر ،
أو حدث عذر عام كمنع الطريق مثلا ،
وقد تقدم البحث في ذلك في المورد الرابع .
‹ صفحة 234 ›
8 - إذا انتفى موضوع الإجارة كما
إذا استأجر عاملا لهدم حائط معين فانهدم
بنفسه ، أو استأجر طبيبا ليعالج مريضا
فبرئ بنفسه أو استأجر امرأة للإرضاع
فمات الطفل وهكذا . . . ( 1 ) .
هل يرتفع الفسخ بالتعمير ؟
إذا بادر المؤجر بتعمير ما تلف فهل
للمستأجر الفسخ أو لا ؟ المنقول عن
المحقق والشهيد الثانيين ( 2 ) : أنه إذا لم
تنهدم الدار بحيث ينتفي أصل الانتفاع ثم
بادر المؤجر بتعميرها فللمستأجر خيار
الفسخ ، لأنه ثبت بالانهدام فيستصحب
بعد تعميرها - بخلاف ما لو انتفى أصل
الانتفاع فتبطل الإجارة ولا يثبت خيار
حتى يستصحب - ولكن يظهر من
الجواهر ( 3 ) أنه ليس للمستأجر الفسخ في
هذه الصورة ، واستقواه في العروة ( 4 ) ، وقيد
في المستمسك والمستند عدم الخيار بما إذا
كان التعمير بحيث لا يمنع ولا يزاحم
الانتفاع المطلوب من العين كما إذا عمرها
ليلا وكان الانتفاع بها في النهار كما في
الحانوت ( 1 ) .
الرجوع إلى أجرة المثل في موارد بطلان
الإجارة :
إذا بطلت الإجارة بأي سبب كان
فالذي عليه الفقهاء هو بطلان أجرة
المسمى ببطلان الإجارة والرجوع إلى
أجرة المثل ، قال في الجواهر مازجا لكلام
المحقق :
" كل موضع يبطل فيه عقد الإجارة
يجب فيه أجرة المثل مع استيفاء المنفعة أو
بعضها سواء زادت عن المسمى أو نقصت
عنه بلا خلاف أجده فيه في شئ من
ذلك ، بل قد يظهر من إرسالهم ذلك
إرسال المسلمات أنه من القطعيات " ( 2 ) .
ومع ذلك فقد فصل في العروة بين
ما إذا كان المؤجر عالما بالبطلان أو لا ؟
فإن كان جاهلا فالأمر فيه كما تقدم عن
المشهور ، وأما إن كان عالما فاستشكل في
ضمان المستأجر خاصة إذا كان - أي
‹ صفحة 235 ›
المستأجر - جاهلا بالبطلان ( 1 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 230 ›
( 1 ) الخلاف 3 : 491 ، كتاب الإجارة ،
المسألة 7 .
( 2 ) الشرائع 2 : 179 .
( 3 ) المبسوط 3 : 224 .
( 1 ) الجواهر 27 : 207 .
( 2 ) الحدائق 21 : 542 ، الجواهر 27 : 212 ،
والعروة الإجارة ، فصل 2 ، المسألة 3 ، مستند
العروة : 132 .
‹ هامش ص 231 ›
( 1 ) مستند العروة : 133 ، تحرير الوسيلة :
الإجارة ، المسألة 11 .
( 2 ) المستمسك 12 : 58 .
( 3 ) مستند العروة ( الإجارة ) : 192 .
( 1 ) المستمسك 12 : 58 .
( 2 ) مستند العروة : 192 .
( 3 ) نفس المصدر .
‹ هامش ص 232 ›
( 1 ) العروة : الإجارة ، فصل 3 ، المسألة 4 و 8 .
( 2 ) المستمسك 12 : 50 و 53 .
( 3 ) مستند العروة : 175 و 184 ، وراجع كل
ذلك الجواهر 27 : 277 - 279 ، ومفتاح الكرامة
7 : 91 - 93 .
( 1 ) العروة : الإجارة ، فصل 3 ، المسألة 4 و 8 .
( 2 ) المستمسك 12 : 53 .
( 3 ) مستند العروة : 175 و 184 ، وراجع كل
ذلك الجواهر 27 : 277 - 279 ، ومفتاح الكرامة
7 : 91 - 93 .
( 4 ) المصادر السابقة .
‹ هامش ص 233 ›
( 1 ) المصادر السابقة والجواهر 27 : 310 .
( 2 ) العروة : الإجارة ، فصل 3 المسألة 6
والجواهر 27 : 310 .
( 1 ) الحدائق 21 : 585 .
( 2 ) الجواهر 27 : 206 ، وراجع مفتاح الكرامة
7 : 92 .
( 3 ) الحدائق 21 : 586 .
( 4 ) الجواهر 27 : 206 ، وراجع مفتاح الكرامة
7 : 92 .
‹ هامش ص 234 ›
( 1 ) الجواهر 27 : 229 .
( 2 ) الجواهر 27 : 310 .
( 3 ) نفس المصدر .
( 4 ) العروة : الإجارة ، فصل 3 ، المسألة 9 .
( 1 ) المستمسك 12 : 55 ومستند العروة
( الإجارة ) : 185 .
( 2 ) الجواهر 27 : 246 .
‹ هامش ص 235 ›
( 1 ) العروة : الإجارة ، فصل 3 ، المسألة 16 .
|