البدعة والاختلاف في الرأي:
البدعة تعرّف على أنها إدخال ما ليس من الدين في الدين. ويعرفها ابن رجب الحنبلي: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، أما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعًا.
وأهل السنة يقسمون البدعة إلى بدعة حسنة وأخرى سيئة. جاء عن رسول الله : «من سنّ سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها». وينقلون عن عمر بن الخطاب أنه قال: «نعمت البدعة هي». يعني صلاة التراويح حيث كانت تصلى فرادى في مسجد رسول الله في عهده وعهد الخليفة الأول، لكنه راءهم فرادى فاستحسن أن يجمعهم، ثم راءهم مجتمعين فأعجبه ذلك، والتفت إلى أن الأمر لم يكن كذلك في عهد رسول الله وعهد أبي بكر فقال: نعمت البدعة هذه.
إذًا فلا يصح لأي أحد أن يطلق على الاختلاف الاجتهادي أنه ابتداع في الدين، ما دام الشخص مجتهداً فله رأيه، ولكل مجتهد أتباع يعملون برأيه, فلا يحق أن نرميهم بالابتداع ما داموا يستندون على حجة ورؤية شرعية عن عالم فقيه. المذهب الذي يرى نفسه على صواب في مسألة ما لا يحق له أن يرمي الطرف الآخر بأنه على باطل ومبتدع إذا خالفه الرأي، وإلا لجاز للطرف الأخر أن يرميه بنفس التهمة، وإذا كان كذلك فلا مجال لفتح باب الاجتهاد!
هذه عقدة نعانيها ونعايشها. وقد قلنا أنه يمكن للفقيه أن يقول هذا صواب وذاك خطأ، ولكن لا يحق له رمي من يخالفه بالبدع، فهو منزلق خطير من المزالق التي أبتليت بها الأمة الإسلامية. نحن نختلف في بعض المباني، فالسنة يقولون أن قول الصحابي حجة، والشيعة يقولون: أن قول أهل البيت حجة. فإذا أخذ السنة حجية أمر ما لقول أحد الصحابة بها أو تقريره لها, ولم يقل بذلك أهل البيت فهل يقبل أهل السنة من الشيعة أن يرموهم بالابتداع؟ كذلك لو حصل العكس من السنة فإن الشيعة لن يقبلوا.
من حق كل طرف أن يعمل الشيء الذي يعتقد صحته ما دام في باب الاجتهاد، فليس بدعة ما كان ينتجه اجتهاد ضمن ضوابط الاجتهاد، وكذلك من باب الأخذ بباب التسامح في أدلة السنن عند من يراه. ثم إن الأمر يتعلق باختلاف بيئة العالم، واختلاف الزاوية التي ينظر منها، فيختلف رأي هذا عن ذاك حتى لو كانا من نفس المذهب، لأن زاوية النظر قد اختلفت, والظروف المحيطة كذلك اختلفت، فلا يصح حينها الاتهام في الدين، ولا التشكيك في نوايا الآخر وتسقيطه ومحاربته.
|