عرض مشاركة واحدة
قديم 06-28-2010, 05:02 PM   #2
عاشقة حيدر
موالي نشيط
أميـــ الجنوب ــرة


الصورة الرمزية عاشقة حيدر
عاشقة حيدر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 54
 تاريخ التسجيل :  Jun 2010
 أخر زيارة : 08-20-2010 (07:27 PM)
 المشاركات : 80 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Lebanon
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Aqua
افتراضي





التراث الموسوعيّ


استطاع الإمام الصادق(ع) أن يجعل مدرسته المفتوحة على كلِّ الناس مدرسةً تتحرّك لتعطي الثقافة الإسلاميّة أكثر الأساليب والوسائل شمولاً وسَعَةً.. وكان(ع) قد اتخذ من مسجد الكوفة، ولفترة زمنيّة معيّنة، معهداً للتدريس، وفي هذا، يقول حسن بن عليّ الوشّا الكوفي من مشايخ رواة الحديث: "أدركت في هذا المسجد ـ مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ، كلٌّ يقول: حدّثني جعفر بن محمد"(2). وهكذا روى المؤلّفون أسماء الذين تتلمذوا عليه من شيوخ الذين يقصدهم الناس للأخذ بما رووه، فقدّموا أربعة آلاف راوٍ من الأشخاص الذين يعطون للمسلمين ثقافة ما رووه، وفي هذا يقول الشيخ المفيد: "ونقل الناسُ عنه من العلوم ما سارت به الرُّكبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم يُنقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نُقِل عنه، ولا لقيَ أحدٌ منهم من أهل الاثار ونَقَلَةِ الأخبار، ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله ـ الصادق(ع) ـ، فإنَّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقاة، على اختلافهم في الآراء والمقالات، فكانوا أربعة آلاف رجل"(3).

وفي هذا أيضاً، يقول السيد علي مير الهندي، وهو يتحدّث عن مرحلة الإمام الصادق(ع): "إنَّ الذي تزعّم حركة فكِّ الفكر من عقاله، هو حفيد عليّ بن أبي طالب(ع) المسمّى بالإمام الصادق، وهو رجلٌ رحبُ أفقِ التفكير، بعيد أغوار العقل، مُلِمٌّ كلَّ الإلمام بعلوم عصره، ويُعتبر في الواقع أنَّه أوّل من أسَّس المدارس الفلسفيّة المشهورة في الإسلام، ولم يكن يحضر حلقته (مجلس درسه) أولئك الذين أصبحوا مؤسّسي المذاهب الفقهيّة فحسب، ولكن كان يحضرها طلاب الفلسفة والمتفلسفون من الأنحاء القاصية".

وعندما نريد أن نطلّ على شخصيّة الإمام الصادق(ع)، فإنَّنا قد نحتاج إلى أن نتعرّف كيف كان ينظر إليه علماء عصره ممن لا يرى رأيه ولا مذهبه، من بعض أئمة المذاهب الإسلامية، لا لنستزيد في تعظيمه، لأنَّ إمامته هي سرُّ عظمته، فهي تمثّل اللطف الإلهيّ به ورعاية الله له، باعتباره الحجّة على عباده، وليس في ذلك زيادةً لمستزيد. ولكننا نعرف من خلال هذه الشهادات كيف استطاع الإمام الصادق(ع)، بالرغم من اختلاف الناس حول الإمامة وحوله بالذات في موقع الإمامة، أن يفرض عظمته وعلمه وكلَّ القِيَم المتمثّلة فيه على كلِّ رجالات عصره. يقول مالك بن أنس: "ما رأت عينٌ ولا سمعت أذنٌ ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادةً وورعاً" (4).

وقد سُئِل أبو حنيفة عن أفقه الناس في زمانه، فقال: جعفر بن محمد(5).. وكان يقول عنه: "أليس أنَّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس"(6).. وقد قال أبو حنيفة ذلك عندما أقدم الخليفة العباسي المنصور الإمام الصادق(ع) وطلب من أبي حنيفة مناظرته، فقال المنصور: "يا أبا حنيفة، إنَّ الناس قد فُتِنوا بجعفر بن محمد، فهيى‏ء لنا من مسائلك الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثم بعث إليَّ أبو جعفر (المنصور) وهو بالحيرة فأتيته.. فدخلت عليه، وجعفر جالسٌ عن يمينه، فلما بصرت به، دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلّمت عليه، فأومأ إليَّ فجلست، ثم التفت إليه، فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة، قال: نعم أعرفه، ثم التفت إليَّ فقال: يا أبا حنيفة ألقِ على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت أُلقي عليه فيجيبني، فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا وربما تابعهم وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على الأربعين مسألة، فما أخلَّ منها بشي‏ء"(7).

وقد وصف أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى عام 430هـ الإمام الصادق(ع) بأنه: "الإمام الناطق، ذو الزمام السابق، أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونمى عن الرئاسة والجموع.. وروى عن جعفر عدّة من التابعين: منهم يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وأبان بن تغلب، وأبو عمرو بن العلاء، ويزيد بن عبد الله بن الهاد. وحدّث عنه من الأئمة والأعلام: مالك بن أنس، وشعبة بن الحجّاج، وسفيان الثوري، وابن جريج، وروح بن القاسم، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن بلال، وإسماعيل بن جعفر، وحاتم بن إسماعيل، وعبد العزيز بن المختار، ووهب بن خالد، وإبراهيم بن طمحان، وأخرج عنه مسلم ابن الحجّاج في صحيحه محتجّاً بحديثه"(8).

وفي التواريخ أنَّ ابن عُقدة صنّف كتاب الرجال لأبي عبد الله(ع) عدّدهم فيه، وكان حفص بن غياث إذا حدّث عنه قال: حدّثني خير الجعافر جعفر بن محمد، وكان عليّ بن غراب يقول: حدّثني الصادق جعفر بن محمد(9).

وقال نوح بن درّاج لابن أبي ليلى: أكنت تاركاً قولاً قلته، أو قضاءً قضيته لقول أحد؟ قال: لا، إلاَّ رجلٌ واحدٌ، قلت: مَنْ هو؟ قال: جعفر بن محمد(10)، ولا تخلو كتب أحاديث وحكمة وزهد وموعظة من كلامه، يقولون: قال جعفر بن محمد الصادق(ع). ذكره النقاش والثعلبي والقشيري والقزويني في تفاسيرهم، وذُكر في كتاب الحلية والإبانة وأسباب النزول والترغيب والترهيب، وشرف المصطفى، وفضائل الصحابة، وفي تاريخ الطبري والبلاذري والخطيب ومسند أبي حنيفة، واللالكاني، وقوت القلوب، ومعرفة علوم الحديث لابن البيع(11).

ولم تنحصر علومه في علم دون علم، حتى أنّه(ع) كان أستاذ جابر بن حيّان في علم الكيمياء الذي انتقل من خلاله إلى أوروبا(12).

ومن هنا نعرف أنَّ الإمام الصادق(ع) ملأ المرحلة التي عاشها مع أبيه الباقر(ع) في العصر الأمويّ، وبداية العصر العباسيّ، وكان(ع) يفتح مدرسته الممتدّة في الواقع الإسلاميّ لكلِّ المسلمين، سواء كانوا من الذين يؤمنون بإمامته وإمامة الأئمة من آبائه وأجداده، أو من الذين لا يؤمنون بإمامته، فقد كان يستقبل تلامذته من جميع المذاهب. وتروي كتب السيرة أنَّ أبا حنيفة النعمان، إمام المذهب الحنفي، تتلمذ عليه في مدى سنتين، وكان يقول: "لولا السنتان لهلك النعمان".

ولم تكن لدى الصادق(ع) عقدةٌ من اللقاء بمن يختلفون معه في المذاهب.. فقد كان يمثّل رحابة العقل والقلب والعلم.. ولذلك، فإنَّنا نعتقد أنَّ من الضروريّ لكلِّ عالم مسلم ولكلِّ طالب علم ومثقّف، حتى ولو كان من غير المسلمين، أن يطّلع على تراث الإمام الصادق(ع)، لأنَّه تراثٌ موسوعيّ ينفتح على كلِّ قضايا الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية والسياسيّة، حيث كان(ع) يعيش حرية الفكر، ويعطي للناس الفكر، ويريد لهم أن يتحدّثوا بكلِّ شي‏ء، وكان يحاور كلَّ الناس، ليؤكّد في سيرته وحديثه أنَّ على الإنسان العالم أن يفتح عقله وقلبه وعلمه لكلِّ إنسانٍ يطرح مشكلةً ويُثير شبهةً ويلتزم عقيدةً، حتى ولو كان هذا الإنسان يختلف معه في الأسس.. وهذا ما يختصره زيد بن علي الشهيد الذي قال: "في كلِّ زمانٍ رجلٌ منا أهل البيت، يحتجُّ الله به على خلقه، وحجّة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد، لا يضلُّ من تبعه ولا يهتدي من خالفه"(13)، وزيد الثائر الشهيد الذي يقول بعض الناس، ولا سيما في اليمن، بإمامته، لم يكن يرى نفسه إماماً بالرغم من قول بعض الناس بذلك، وكان يرى استحقاق أخيه (الإمام زين العابدين) للإمامة من قبله، وكانت وصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله(ع) ، ولمّا استُشهد بلغ ذلك من الإمام الصادق كلَّ مبلغ، وحزن له حزناً عظيماً حتى بانَ عليه(14).

لقد أغنى(ع) المرحلة بكلِّ العلم، حيث كان يتدخّل فكرياً في كلِّ القضايا التي تُثار في مرحلته، وكان لا يقتصر على جانب من الجوانب، وهذا ما دعا الشهرستاني في كتاب الملل والنحل أن يقول عنه(ع) : "وهو ذو علم غزير في الدين والأدب، وحكمة بالغة في الدنيا، وزهد بالغ في الدين، وورع تام في الشهوات".. كان(ع) إذا انطلقت أية مشكلة ثقافية في الجوانب الكلاميّة أو الفلسفيّة أو الفقهية أو التفسيريّة، يطلق أحاديثه ويدفع بتلامذته إلى ألاَّ يتركوا علامة استفهام في وجدان أيِّ إنسان، سواء كان ممن أطلقها أو ممن سمعها، لأنَّه كان يريد لأيّة مرحلةٍ يعيشها إمامٌ أو عالم أو مفكّر، أن يحتوي كلَّ القضايا التي تُثارُ فيها.

وفي هذا يقول اليعقوبي في تاريخه: "كان أفضل الناس وأعلمهم بدين الله، وكان أهل العلم الذين سمعوا منه إذا رووا عنه قالوا: أخبرنا العالِم"(15).

لذلك، ليس هناك مجالٌ للإنسان المسؤول أن يعيش في موقع اللامبالاة، أمام كلِّ الثقافات التي تتحدّى الإسلام، وأمام كلِّ التيارات التي تواجه حركته، وأمام كلِّ الأوضاع التي تحيط به.. وعلى العالم ألا يستغرق في جانب معيّن، بل لا بدَّ له أن يتحرّك في كلِّ الجوانب، حتى يقيم الحجّة على النّاس في ذلك، وهكذا كان أئمتنا(ع) يملأون المرحلة التي يعيشون فيها ويجيبون عن كلِّ مسألة، ويعملون على حلِّ أيّة مشكلة بحسب ما تسمح لهم الظروف بذلك. وقد كان الصادق(ع) يحثُّ أصحابه على ذلك، فيقول: "أحسنوا النظر في ما لا يسعكم جهلُه، وانصحوا لأنفسكم وجاهدوها في طلب معرفة ما لا عُذْرَ لكم في جهله، فإنَّ لدين الله أركاناً لا ينفع من جهلها شدّةُ اجتهاده في طلَب ظاهر عبادته، ولا يضرُّ من عرفها فدانَ بها حسنُ اقتصاده، ولا سبيل لأحدٍ إلى ذلك إلا بعون من الله عزَّ وجلّ"(16).


 
 توقيع : عاشقة حيدر


اللهم صل على ذات المظلمتين.. ام الحسنين.. وصاحبة الشرفين..وسيدة الكونين.. .. الحوراء الانسية.. والدرة السماوية ..والاية الكوثرية.. والراضية المرضية..
لعن الله قاتليك وظالميك وغاصبيك حقك
والمشككين بعظيم قدرك يا مولاتي ..
يـــــا زهــــراء..




حبــــك غــــرامي يا حيــــــدر الكــــــرار يا علـــــــي
مواضيع : عاشقة حيدر



رد مع اقتباس