المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مناظرة هشام مع عمرو بن عبيد في مسجد البصرة


الشيخ محمد العبدالله
07-26-2010, 11:04 PM
العنوان: [ هشام وعمر بن عبيد ]

المناظرة السادسة والعشرون

مناظرة ( 1 ) هشام مع عمرو بن عبيد ( 2 ) في مسجد البصرة

عن يونس بن يعقوب قال : كان عند أبي عبد الله - عليه السلام - جماعة من أصحابه فيهم حمران بن أعين ، ومؤمن الطاق ، وهشام بن سالم ، والطيار ، وجماعة من أصحابه ، فيهم هشام بن الحكم ، وهو شاب .

فقال أبو عبد الله - عليه السلام - : يا هشام ! قال : لبيك يا بن رسول الله !

قال : ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته ؟

قال هشام : جعلت فداك يا بن رسول الله ، إني أجلك وأستحييك ، ولا يعمل لساني بين يديك .

فقال أبو عبد الله - عليه السلام - :
إذا أمرتكم بشئ فافعلوه ! ‹ صفحة 158 › قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد ، وجلوسه في مسجد البصرة ، وعظم ذلك علي ، فخرجت إليه ، ودخلت البصرة يوم الجمعة ، وأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة ، وإذا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء مؤتز بها من صوف وشملة مرتد بها ، والناس يسألونه ، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ، ثم قلت :

أيها العالم أنا رجل غريب ، أتأذن لي فأسألك عن مسألة ؟ قال : اسأل ! قلت له : ألك عين ؟

قال يا بني أي شئ هذا من السؤال ، إذا كيف تسأل عنه ؟

فقلت : هذه مسألتي .

فقال : يا بني ! سل وإن كانت مسألتك حمقى .

قلت : أجبني فيها .

قال : فقال لي : سل !

فقلت : ألك عين ؟

قال : نعم .

قلت : قال : فما تصنع بها ؟

قال : أرى بها الألوان والأشخاص .

قال : قلت : ألك أنف ؟

قال : نعم .

قال : قلت : فما تصنع به ؟

قال : أشم به الرائحة .

قال : قلت : ألك لسان ؟

قال : نعم . ‹ صفحة 159 ›

قال : قلت : فما تصنع به ؟

قال : أتكلم به .

قال : قلت : ألك أذن ؟

قال : نعم .

قلت : فما تصنع بها ؟

قال : أسمع بها الأصوات .

قال : قلت : ألك يدان ؟

قال : نعم .
قلت : فما تصنع بهما ؟

قال : أبطش بهما ، وأعرف بهما اللين من الخشن .

قال : قلت : ألك رجلان ؟

قال : نعم .

قال : قلت : فما تصنع بهما ؟

قال : أنتقل بهما من مكان إلى مكان .

قال : قلت : ألك فم ؟

قال : نعم .

قال : قلت : فما تصنع به ؟

قال : أعرف به المطاعم والمشارب على اختلافها .

قال : قلت : ألك قلب ؟

قال : نعم . قال : قلت : فما تصنع به ؟

قال : أميز به كلما ورد على هذه الجوارح .

قال : قلت : أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب ؟ ‹ صفحة 160 ›

قال : لا .

قلت : وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة ؟

قال : يا بني إن الجوارح إذا شكت في شئ شمته أو رأته أو ذاقته ، ردته إلى القلب ، فتيقن بها اليقين ، وأبطل الشك .

قال : فقلت : فإنما أقام الله عز وجل القلب لشك الجوارح ؟

قال : نعم .

قلت : لا بد من القلب وإلا لم يستيقن الجوارح .

قال : نعم .

قلت : يا أبا مروان ، إن الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتى جعل لها إماما ، يصحح لها الصحيح ، وينفي ما شكت فيه ، ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم ، وشكهم ، واختلافهم ، لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ، ويقيم لك إماما لجوارحك ، ترد إليه حيرتك وشكك ؟ ! .

قال : فسكت ولم يقل لي شيئا .

قال : ثم التفت إلي فقال لي : أنت هشام ؟

قال : قلت : لا . فقال لي : أجالسته ؟

فقلت : لا .

قال : فمن أين أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة .

قال : فأنت إذا هو . ثم ضمني إليه ، وأقعدني في مجلسه ، وما نطق حتى قمت ، فضحك أبو عبد الله - عليه السلام - ، ثم قال : يا هشام ، من علمك هذا ؟

قلت : يا بن رسول الله جرى على لساني .

قال : يا هشام هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى ( 1 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‹ هامش ص 157 ›

( 1 ) كل مناظرات هشام بن الحكم تدل على قوته الجدلية وحذقه بصناعة الكلام ، وحضور الجواب عنده بالبداهة مستخدما في كثير منها الأدلة الشرعية ، إلا أن هذه المناظرة تدل على قوة حجته على خلافة أمير المؤمنين - عليه السلام - بالأدلة العقلية ، ولذا قيل أنه أول من أخضع بحث الإمامة للمقاييس العقلية .

( 2 ) هو : عمرو بن عبيد بن باب ، ويقال : ابن كيسان التميمي ، أبو عثمان البصري ، مولى بني تميم ، من أبناء فارس ، شيخ القدرية والمعتزلة في عصره ، كان جده من سبي فارس وأبوه نساجا ثم شرطيا للحجاج في البصرة ، وفيه قال المنصور الدوانيقي : كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد ، ولد سنة 80 ، وتوفي بمران بقرب مكة سنة 144 ، ورثاه المنصور ولم يسمع بخليفة رثى من دونه سواه .
راجع : تهذيب الكمال ج 22 ص 123 ترجمة رقم : 4406 ، سير أعلام النبلاء ج 6 ص 104 رقم : 27 ، وفيات الأعيان .

‹ هامش ص 160 ›
( 1 ) الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 367 ، مروج الذهب ج 4 ص 105 ، رجال الكشي ص 271 ح 490 ، الأصول من الكافي ج 1 ص 169 ح 3 ، علل الشرائع ج 1 ص 193 ح 2 ب 152 ، بحار الأنوار ج 23 ص 6 ح 11 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .