المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المناقشة الخامسة لتحريم عمر زواج المتعة


الشيخ محمد العبدالله
07-22-2010, 11:41 AM
المناقشة الخامسة :

يظهر من أقوال عمر بن الخطاب أنه نهى أو حرم متعة النساء نتيجة هياجه في واقعة فأفرط في كلامه ، ولكنه سرعان ما هدأت فورته بعد الاعتراض عليه حتى صرح بقوله : فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق . . . وكما قال ابن حزم : وعن عمر بن الخطاب : أنه إنما أنكرها إذ لم يشهد عليها عدلان فقط ، وأباحها بشهادة عدلين ( 1 ) .
فإساءة التصرف من البعض أغضبت الخليفة وجعلته يقابل حكم الله وأمر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وذلك لأمد قصير ولأنه بشر وغير معصوم فهو يخطأ ويصيب ويغضب ويرضى ويشتد ويفتر ويأمر وينهى أحيانا بخلاف ما أنزل الله وبعد فتوره يعود إلى رشده ثم يصحح كلامه .
ومن هنا تتضح لنا فائدة العصمة وعظمتها في قوله تعالى " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " ( 2 ) وقوله تعالى : " أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي الا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " ( 3 ) وقوله تعالى : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ( 4 ) .

وقول الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) : " إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا " ( 5 ) وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : " أهل بيتي كسفينة نوح من ‹ صفحة 218 › ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى " ( 1 ) .

وهذا هو الفرق بين من نصبه وعينه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبأمر من الله عز وجل إماما على الخلق ( 2 ) وبين من نصبه انسان مثله . وخليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) يجب أن يكون مرجع الناس في دينهم وقائدهم السياسي في دنياهم ، ويجب ان يكون الأعلم والأفهم والأفضل من بين اتباع الملة ، والأصلح لقيادة المسلمين حتى يكون اهلا لخلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وكل هذه الصفات خفية لا يعلمها على وجه الجزم واليقين الا الله تبارك وتعالى والعالم بالسر وما يخفى ، والله هو وحده يعرف من تتوفر فيه الصفات المرجعية والسياسية معا . وشتان بين من قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، والله لا تسألوني عن شئ يكون إلى يوم القيامة الا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية الا وأنا أعلم ‹ صفحة 219 › بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل ( 1 ) وقول ابن عباس حبر الأمة في حقه : والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر ( 2 ) والقول المشهور للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : انا مدينة العلم وعلي بابها ( 3 ) . وبين من يقول : لولا علي لهلك عمر ( 4 ) ، ( قيل سبعين مرة ) وكل الناس أفقه من عمر ( 5 ) .

وعلى أي حال نحن لا نتوقع من الخليفة أكثر مما ذكرنا ، فهو إنسان كسائر الناس الا أنه صحب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسمع حديثه كسائر الصحابة ، ولا أتصور أنه يرى نفسه أكثر من ذلك ، ولكن الخطب الفادح والمصيبة العظمى التي ألمت بالأمة الإسلامية من أولئك المدعين للعلم والفهم ، حيث لا يقبلون بأي حال من الأحوال أن يسمعوا خطأ واحدا من الخليفة الذي يعتبرونه مجتهدا ، بينما ملأوا كتبهم وحشوا مسانيدهم من أخطاء منسوبة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا بقبلها عقل سليم في حق اي قائد عادي .

ولو أمعنوا النظر في ما ورد عن عمر بن الخطاب في حلية متعة النساء لظهر لهم كذب الراوي والرواية ولتركوا كل ما نقلوه في حقول أخرى ، ولكنهم دأبوا على ‹ صفحة 220 › الاستناد إلى أخبار الآحاد الضعيفة وترك المتواتر .

يقول العلامة كاشف الغطاء ( قدس سره ) في كتابه ( أصل الشيعة وأصولها : 175 ) تحت عنوان التمحيص وحل العقدة : وإذا أردنا نسير على ضوء الحقائق ونعطي المسألة حقها من التمحيص والبحث عن سر ذلك الارتباط وبذرته الأولى التي نمت وتأثلت ، لا نجد حلا لتلك العقدة الا أن الخليفة عمر اجتهد برأيه لمصلحة رآها بنظره للمسلمين في زمانه وأيامه اقتضت من أن يمنع استعمال المتعة ، منعا مدنيا لا دينيا ، لمصلحة زمنية ومنفعة وقتية ، ولذا تواتر النقل عنه انه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . .

ولم يقل أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حرمها ونسخها بل نسب التحريم إلى نفسه وجعل العقاب عليها منه لامن الله سبحانه . . .

إلى أن يقول : ولكن بعض معاصريه ومن بعده من المحدثين البسطاء لما غفلوا عن تلك النكتة الدقيقة ، واستكبروا من ذلك الزعيم العظيم القائم على حراسة الدين أن يحرم ما أحل الله . . .

اضطروا إلى استخراج مصحح فلم يجدوا الا دعوى النسخ من النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد الإباحة ، فارتبكوا ذلك الإرتباك واضطربت كلماتهم ذاك الاضطراب . . . انتهى كلامه .

وإذا ما أضفنا إلى ذلك ما روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في هذا المضمار فلا يبقى اي شك للإنسان المسلم عن حقيقة الأمر ، ففي كتاب " مستدرك الوسائل " في باب إباحة المتعة الحديث 12 ، عن الفضل ، قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : بلغ عمر أن أهل العراق يزعمون أن عمر حرم المتعة ، فأرسل فلانا سماه ، فقال : أخبرهم أني لم أحرمها وليس لعمر أن يحرم ما أحل الله ولكن عمر قد نهى عنها .

فتكون النتيجة هكذا : ان الخليفة استاء من إساءة التصرف بالمتعة في مواقف متعددة فتألم من ذلك ، وتكلم بشئ من النهي عنها ، ثم تراجع بعد ذلك . ولكن الذي يبعث على الأسف ان الرواة الراوين في فضائل بعض الصحابة احتسابا للخير ! ( كما أمر معاوية ) والعلماء الذين جاؤوا من بعدهم ، غير مستعدين ‹ صفحة 221 › للتراجع ، والسلفية في هذا اليوم ينظرون إلى تلكم الأقوال والمرويات واجتهاد العلماء الماضين المبنية على أصول غير متينة والتي كتبت في عهد الحكام الظالمين وطبق رغباتهم وتحت إشرافهم ، وقد اعتبروها وكأنها وحي واجتهادهم فوق الوحي وأعلى رتبة من سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعلى هذا أصبح اللعب بكتاب الله ووضع الحديث والاعتماد على الوضاعين جائزا .

وفي المقابل توجد عشرات الأحاديث التي تجاوزت حد التواتر ورواها عشرات الصحابة والتابعين من عشرات الطرق والمؤيدة بكلام الله العزيز ، وهي تشكل الأساطين للبناء الفكري للإنسان المسلم والتي حفلت بها أمهات كتبهم ، كيف تصبح نسيا منسيا ؟ أو لا تعجب معي أيها المسلم عندما يقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حر الهجير وبأمر من الباري عز وجل وبحضور سبعين إلى مئة الف من الحجاج ، ولأجل تقرير مصير الأمة الإسلامية بل ومصير الإسلام لنصب إمام للمسلمين ، ثم يروي هذه الرواية 110 من الصحابة و 84 من التابعين ( من عشرات الطرق ) و 360 عالما من كبار علماء السنة ، وإذا عرضت هذه الرواية على علماء السنة في هذا اليوم يستوحشون من سماعها لأنها لم تطرق أسماعهم ولأنهم قرأوا من كتبهم مواضيع خاصة ، أو قرأوا وسمعوا ولكن إن قبلوا بها فان صرح بنائهم الفكري سيتلاشى برمته ، ولا يبقى منه شئ يذكر وفي المقابل يروون ان رجلا واحدا سمع حديثا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في معركة خيبر ، أو في وادي أوطاس ، أو فتح مكة أو . . . في تحريم متعة النساء ، وهذا الخبر مخالف لكتاب الله وسنة نبيه ولم تذكره كتب السير و . . .

فيصبح كل اعتماد هؤلاء العلماء على هذا الخبر ولا يرويه من تلك الجموع المحتشدة الا شخص واحد ، ثم يشاع هذا الخبر الموضوع مع إضافات بين الناس إلى درجة بحيث عندما يشاهد أحد السنة شيعيا ( إن كان عالما أو غير عالم ) يتبادر في ذهنه لأول وهلة متعة الشيعة التي سمع من العلماء أو قرأ في كتب السنة أنها سفاح ! وعلى هذه فقس ما سواها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهوامش

‹ هامش ص 216 ›
( 1 ) نقله صاحب الجواهر 30 / 146 .

‹ هامش ص 217 › ( 1 ) المحلى لابن حزم 9 / 520 . ( 2 ) الأحزاب : 33 . ( 3 ) يونس 35 . ( 4 ) الزمر : 9 . ( 5 ) الترمذي : 13 / 199 باب مناقب أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، كنز العمال 1 / 48 ، صحيح مسلم باب فضائل علي بن أبي طالب ، مسند أحمد 4 / 366 ، سنن الدارمي 2 / 431 ، سنن البيهقي 2 / 148 و 7 / 30 ، الطحاوي في مشكل الآثار 4 / 368 ، أسد الغابة 2 / 12 في ترجمة الإمام الحسن ، الدر المنثور في تفسير آية المودة ، مستدرك الصحيحين وتلخيصه 3 / 109 ، خصائص النسائي : 30 ، صفحات ابن سعد 2 / ق 2 / 2 ، كنز العمال 1 / 47 وكتب أخرى نقلا عن معالم المدرستين ج 1 / 532 . وراجع كتاب الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية للأستاذ المحامي أحمد حسين يعقوب : 164 . ‹ هامش ص 218 › ( 1 ) ذخائر العقبى للمحب الطبري : 20 ، مستدرك الحاكم 2 / 343 و 2 / 150 ، حلية الأولياء لأبي نعيم 4 / 306 ، تاريخ بغداد للخطيب 12 / 19 ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 / 168 ، كنز العمال 6 / 153 و 216 ، الدر المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالى : " وادخلوا الباب سجدا " سورة البقرة 58 تاريخ الخلفاء للسيوطي : 270 ، الصواعق لابن حجر : 757 نقلا عن معالم المدرستين 1 / 508 . ( 2 ) لقد جمع العلامة الأميني ( قدس ) في كتابه الغدير في الجزء الأول حديث الغدير الذي رواه من 110 صحابيا و 84 تابعيا و 360 عالما من كبار علماء السنة وفيه ذكر استخلاف رسول الله لعلي ( عليه السلام ) ونصبه أماما وخليفة على المسلمين .

‹ هامش ص 219 ›
( 1 ) أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم 1 / 114 والمحب الطبري في الرياض 2 / 198 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 124 والإتقان 2 / 319 وتهذيب التهذيب 7 / 338 وفتح الباري 8 / 485 وعمدة القارئ 9 / 167 ومفتاح السعادة 1 / 400 نقلا عن الغدير 6 / 193 . ( 2 ) الإستيعاب 3 / 40 ، الرياض 2 / 194 ومطالب السؤول : 30 نقلا عن الغدير ج 3 : 98 . ( 3 ) الغدير 6 / 61 حيث ذكر الأميني إخراجه من 143 من أئمة القوم وحفاظ حديثهم في الصحاح والمسانيد بطرقهم عن النبي الأقدس ( صلى الله عليه وآله ) . ( 4 ) السنن الكبرى الأميني 7 / 442 ، مختصر جامع العلم : 150 ، الرياض النضرة 2 / 194 ، ذخائر العقبى ص 82 تفسير الرازي 7 / 484 الدر المنثور 1 / 288 و 6 / 40 نقلا عن جمع من الحفاظ ، كنز العمال 3 / 96 نقلا عن خمس من الحفاظ وغيرهم ، الغدير 6 / 94 . ( 5 ) ابن كثير في تفسيره 1 / 467 والهيثمي 4 / 284 وغيرهم الغدير 6 / 96 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .