المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة مناظرات الامام الصادق ج1


الشيخ حسن العبد الله
12-02-2010, 09:10 PM
. . . . . . .
مناظرات الإمام الصادق (ع) - الحاج حسين الشاكري - ص 5 - 15
احتجاجات الإمام ( عليه السلام ) ومناظراته
كانت للإمام الصادق ( عليه السلام ) احتجاجات ومناظرات كثيرة في شتى العلوم سواء الدينية منها والدنيوية ، مع أهل الملل والنحل ، والأديان الأخرى .
سنورد بعضا منها لتعسر الإحاطة بجميعها .
1 - مناظرة في التوحيد
روي عن هشام بن الحكم ، أنه قال :
سأل أحد الزنادقة الإمام الصادق ( عليه السلام ) قائلا : ما الدليل على أن الله صانع ؟
فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعها صنعها ، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني ، علمت أن له بانيا ، وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده .
قال : فما هو ؟
قال : هو شئ بخلاف الأشياء ، أرجع بقولي شئ إلى إثباته ، وإنه شئ بحقيقته الشيئية ، غير إنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس ، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا يغيره الزمان .
قال السائل : فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا . قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : لو كان ذلك كما تقول ، لكان التوحيد منا مرتفعا لأنا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم ،
لكنا نقول : كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس ممثلا ، فهو مخلوق ، ولا بد من إثبات كون صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين : إحداهما النفي إذا كان النفي هو الإبطال والعدم ، والجهة الثانية التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف ، فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين ، والاضطرار منهم إليه ، إنهم مصنوعون ، وإن صانعهم غيرهم وليس مثلهم ، إن كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا ، وتنقلهم من صغر إلى كبر ، وسواد إلى بياض ، وقوة إلى ضعف ، وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها .
قال الزنديق : فأنت قد حددته إذ أثبت وجوده ؟ قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : لم أحدده ولكني أثبته ، إذ لم يكن بين الإثبات والنفي منزلة . قال الزنديق : فقوله * ( الرحمن على العرش استوى ) * ( 1 ) ؟
قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : بذلك وصف نفسه ، وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه ، من غير أن يكون العرش محلا له ،
لكنا نقول : هو حامل وممسك للعرش ،
ونقول في ذلك ما قال : * ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) * ( 2 ) ، فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاويا له ، وأن يكون عز وجل محتاجا إلى مكان ، أو إلى شئ مما خلق ، بل خلقه محتاجون إليه ( 1 ) .
قال الزنديق : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض ؟ قال أبو عبد الله : في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش ، لأنه جعله معدن الرزق ، فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول ،
حين قال : " إرفعوا أيديكم إلى الله عز وجل " وهذا تجمع عليه فرق الأمة كلها .
ومن سؤاله أن قال : ألا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد ؟
قال أبو عبد الله : لا يخلو قولك إنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين
أو يكونا ضعيفين ،
أو يكون أحدهما قويا والآخر ضعيفا ،
فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه ويتفرد بالربوبية ،
وإن زعمت أن أحدهما قوي والآخر ضعيف ، ثبت أنه واحد كما نقول ، للعجز الظاهر في الثاني ،
وإن قلت : إنهما اثنان ،
لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة ،
أو مفترقين من كل جهة ،
فلما رأينا الخلق منتظمة ، والفلك جاريا ، واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر ، دل ذلك على صحة الأمر والتدبير ، وائتلاف الأمر ، وأن المدبر واحد ( 1 ) .
وعن هشام بن الحكم ،
قال : دخل ابن أبي العوجاء على الصادق ( عليه السلام ) ،
فقال له الصادق ( عليه السلام ) : يا ابن أبي العوجاء ! أنت مصنوع أم غير مصنوع ؟
قال : لست بمصنوع .
فقال له الصادق : فلو كنت مصنوعا كيف كنت ؟
فلم يحر ابن أبي العوجاء جوابا ، وقام وخرج . وعن هشام بن الحكم ، قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن أسماء الله عز ذكره واشتقاقها ، فقلت : الله ، مما هو مشتق ؟
قال : يا هشام ، الله مشتق من إله ، وإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمى ،
فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد الاثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد ، أفهمت يا هشام ؟
قال : فقلت : زدني ! فقال : إن لله تسعة وتسعين اسما ، فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها ، ولكن لله معنى يدل عليه ، فهذه الأسماء كلها غيره ،
يا هشام ، الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحروق ، أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله غيره ؟
قلت : نعم .
قال : فقال : نفعك الله به وثبتك !
قال هشام : فوالله ما قهرني أحد في علم التوحيد حتى قمت مقامي هذا .
وروي أن الصادق ( عليه السلام ) قال لابن أبي العوجاء : إن يكن الأمر كما تقول - وليس كما تقول - نجونا ونجوت ، وإن يكن الأمر كما نقول - وهو كما نقول - نجونا وهلكت .